صفحة الكاتب : محمد قاسم الطائي

كلمة الحق تقال ..هنا وقف الجنرال
محمد قاسم الطائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

بعد ما وضعت الحرب أوزارها وبعد بضعة شهور من حادثة مطار بغداد الدولي عام( 2020م) التي ارتكبت فيها الادارة الأمريكية خطئاً جسيماً واعتداءاً فاحشاً على سيادة العراق الذي شكل انتهاكاً صارخاً لكل المعايير والأعراف الدولية .ففي ليلة ثلاثة يناير حلّقت الطائرات الأمريـكية في سماء بغداد مستهدفة بغارتها الجوية شخص الجنرال قائد فيـلق القدس قاسم سليمــاني ورفيقه أبو مهدي المهنـدس .استهدفتهما الطائرات الأمريكية بقاذفات الصواريخ بعد وصولهما لأرض المطار .لينتهيا بمحرقةٍ مدوية، يمتد ليهيبها بكثافة نحو عنان السماء، قد تطاير شراراها من كل جانب .استهدفت القائد الذي راهن لأكثر من ثلاث عقود في منازلة خصومه .منازلة استهدفت بجدارة تغيير معادلات لعبة الأمم ، ومواصلة الرهان ببسالة، والمضي قدماً في تدوير بوصلة المصالح، الآيلة بلا شك نحو قطف الثمار، واستبدال تلك الأوراق المريبة . من المؤكد هذا ما يثير شرارة الغضب لدى رجال البيت الابيض، ويطلق صافرات الانذار لديهم، ويثير هواجس الخوف والقلق أكثر لدى إسرائيل التي كانت أحد أطراف اللاعبين .فإما المقاومة أو الرضوخ ولا ثالث لهما، آمن الجنرال قاسم سليماني أن الطريق لقلب الموازين الاستراتيجية في المنطقة هي المقاومة، وأن الاستسلام تعني الهزيمة التي لا تغتفر لدى نادي الأقوياء . ويبدو أن طبيعة الخبرة القيادية المذهلة التي تمتع بها الشهيد سليماني كانت عائدة بشكل أساسي لكثرة مغامراته الطويلة ففي عام 1979م انضم للحرس الثوري، وفي عام 1980م شارك في الحرب العراقية -الايرانية كضابط مقاتل قاد فرقة 41 ثار الله، ومن ثم ترقى ليصبح أحد العشرة القادة الايرانيين المهمين، وثم تدرج في المراتب والمهمات العسكرية حتى أصبح قائداً لفيلق القدس عام 1998م مضافاً لمشاركاته المختلفة لأدوار المقاومة لكل من لبنان وسوريا وفلسطين واليمن والعراق ، وهذه بطبيعة الحال مكنته بسهولة من تحديد مواطن ضعف الخصم وقوته، خصوصاً إذا كان الخصم بحجم الولايات المتحدة الأمريكية، الذي لا يتورع عن ارتكاب أي شيء يقف في طريقه ومصالحه، حتى ولو كان من خلال قلب أنظمة الحكم للدول، ونشر الفوضى والاغتيالات، وتنشئة المجاميع الارهابية، ومن ثم تحريكها حسب ما تريد. فقائد فيلق القدس تميز بعقلية عسكرية مناورة تملك المهنية المحترفة لتحديد الأهداف بدقة، وتحدد مكامن وجع الخصم التي تجبره على الصراخ، وبهذا حرص شديد الحرص أن تظل المقاومة متأهبة القوة، وأن لا تفقد بريقها في المنطقة فهي الملاذ الآمن لكل المضطهدين والضعفاء في عالم لا يحكمه إلا القوة والارتهاب .

بعد بضعة شهور من حادثة المطار الصادمة، وبعد ما انتهت حرب داعش .الحرب التي أكلت الأخضر واليابس، والتي أبلى فيها العراقيون بلاءاً ليس له نظير في التضحية والاقدام .كنت حينها قد زرت مدينة تكريت بصفة تبليغية وتكررت زيارتي لها ثلاث مرات، ومررت على جملة من القواطع العسكرية المقاتلة (لداعش) في قاعدة سبايكر ومنطقة الحمرة وقواطع جبال حمرين وغيرها. ومن ثم التقيت ببعض القادة العسكريين من أمراء ألوية وأفواج، وفي أحد الأماكن المعروفة من تكريت، لفت نظري أحد القادة للحشد الشعبي ملوحاً بيده لأتجاهات المدينة قائلاً لي" هذه كانت كلها بيد داعش ومسيطرة عليها تماماً، ولما صدرت فتوى الجهاد الكفائي توافد العراقيون على شكل مجموعات متأهبة للقتال، قال لما جئنا لتكريت كانت المدينة ساقطة بيد الدواعش، وحتى أن الأسلحة التي كانت بأيدينا متواضعة ولا تكفي للقتال، وفي هذا الأثناء وصل إلينا القائد الجنرال قاسم سليماني مع مجموعته الخاصة به وبعد الترحيب والسلام، صعد على مرتفع من التراب وبدأ يطيل النظر للمواضع التي يرتكز فيها العدو، وأشار للمكان الذي وقف عليه قائلاً لي "هنا وقف الجنرال" يقول بعدها تغير مسار المعركة لدينا 180درجة التي انتهت بخطة محكمة وناجحة للسيطرة على مواقع داعش والتي انتهت بدحرهم وهزيمتهم بشكل لم نكن نتوقعه" .

أقول مهما كانت مساحة الاختلاف فليس من العدل والانصاف إنكار الجهود الآخرين الذين وقفوا مع الشعب العراقي في أشد محنه ومعاناته وظروفه؛ وليس من الانصاف الجميل أن لا نشيد بها في حين رأينا خذلان الكثير. فما بالك إذا كانت هذه الوقفات التاريخية مدعومة بروابط مشتركة كالاخوة والدين والانسانية والتعاون الأخلاقي، فهذا مما يضاعف المسؤولية الأخلاقية إزاء شكر هذه الجهود النبيلة .للشهداء حقٌ علينا. رحمهم الله تعالى ورفع درجاتهم وحشرهم مع النبيين والأبرار .


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


محمد قاسم الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/06/22



كتابة تعليق لموضوع : كلمة الحق تقال ..هنا وقف الجنرال
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net