صفحة الكاتب : حامد گعيد الجبوري

اليسار العراقي وتوظيف الشعائر الحسينية
حامد گعيد الجبوري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تراث شعبي
      يتصور البعض واهما أن الشعائر الحسينية حكرا لطائفة مسلمة معينة ، وإن أعطيت شمولية أكثر  قيل أنها لعامة المسلمين ، وحدثني أحد الأصدقاء راوياً لي الطقوس العاشورائية التي يمارسها أتباع الديانة الهندوسية والبوذية أيام محرم الحرام في الهند ، ومعروف قول القائد الهندي ( المهاتما غاندي )  عن الحسين ( ع ) ، ( تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما فأنتصر ) ، ويروى أن الراحل ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينية زار جمهورية الصين الشعبية طلبا للمساعدة لتستمر عملياته الفدائية آنذاك ، وقرر المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني منحه المال والرجال إن طلب ، وكان ( ما وتسي تونغ ) الرئيس الصيني حاضرا الجلسة فقال معقبا ، ( أن الأخوة الفلسطينيون بحاجة للمال والسلاح فقط ، لأن في تاريخهم الإسلامي شخصية عظيمة هي ( الحسين) ) ، ولا يخفى ما كتب من شعر قاله شعراء مسيحيون بحق الإمام الحسين ( ع ) كالشاعر ( بولس سلامه ) ، وكلنا يعرف أن الثائر مع الحسين ( ع ) ( وهب النصراني ) ، قاتل تحت راية الحسين ( ع ) وأستشهد معه ، وكذلك أمه وزوجه ، وهن على ديانتهن المسيحية ، وهناك من يحاول اليوم أن يفند هذه الحقيقة ليقول أن وهب ، وأمه ، وزوجه ، أسلما ، وهذا خلاف الثورة والنهضة الحسينية ، لأن الحسين لم ينهض من أجل دين فقط ، بل من إجل مبادئ وقيم إنسانية رفيعة ، مما تقدم أجزم أن الثورة العملاقة التي قادها الحسين ( ع ) ، وصحبه الأبرار ، كانت لإرساء قواعد وقيم أخلاقية أريد لها أن تندثر ، وأولها إعادة الدين المحمدي الحنيف لجذوره السماوية التي بدأت بالأفول .
    أدركت المواكب الحسينية التي كانت تخرج ليلا أيام عشرة محرم الحرام بمدينة الحلة الفيحاء ، بداية العام 1950 م ولحين منع هذه الشعائر من قبل النظام المقبور منتصف سبعينات القرن المنصرم ، ويقسم شط الحلة المدينة لشطرين ، يسميان الصوب الكبير ، ويضم سبعة أطراف ، والصوب الصغير ثلاثة أطراف ، كل هذه الأطراف لها أماكن للتجمع والخروج بموكب العزاء الحسيني  ، ولكل ( طرف ) شاعر و ( رادود ) ، وهو الذي يؤدي تلاوة القصائد الحسينية من على منبر حسينية ( أبن طاووس ) ، ولست هنا معني بتلك المواكب بقدر اعتنائي وتذكري لموكب مهم أنشأ بداية الستينات من القرن الماضي يسمى ( موكب الشبيبة الديمقراطية ) ، ويختلف هذا الموكب مع المواكب الأخرى بأغلب طقوسه ، ومن هذه الاختلافات أن أغلب المساهمون به من الطبقة المتنورة الواعية ، مدرسون ، معلمون ، طلاب مدارس ، سياسيون ، وأغلب هؤلاء السياسيين من اليسار العراقي ، ويختلف مع المواكب الأخرى بمواعيد انطلاقه ، حيث تبدأ مراسيم العزاء بعد عشرة محرم الحرام ، ولمدة ثلاثة أيام ، الحادي عشر ، الثاني عشر ، الثالث عشر ، الساعة الرابعة عصرا ، وتهيأ ما يسمى ب ( الردات ) من قبل شعراء اللغة الفصحى ، وأغلب هذه ( الردات ) يشم منها رائحة السياسة ، ويسير الموكب باتجاه حسينية بُنيت جديدا تسمى ( حسينية الشبيبة ) ، ويرتقي منبرها الشاعر و (الرادود ) الراحل ( عبد الصاحب عبيد الحلي ) ، وعبد الصاحب يملك صوتا رجوليا شجيا ، وأغلب هذه القصائد التي يرتلها هي من نظمه ، وهي منددة بالأنظمة المتعاقبة ، وأغلب الأحيان كان عبد الصاحب عبيد الشاعر يقاد لدوائر الأمن بسبب قصائده التحريضية ، وأذكر من مطالع تلك القصائد الكثير ، ومنها لا زلت أحتفظ بتسجيلاته ضمن مكتبتي الصوتية ، وأجمل تلك المطالع ( المستهلات ) ، ( ثوار دوخنه الكره الأرضيه / ثوار هاي أعلومنه مرويه / واليوكف أبخط النار / ما غيرنه ونفدي الوطن بدمانه ) ، وآخر ، ( يا يوم يعقد مؤتمر قمتنه / يا يوم نتوحد أبجلمتنه / جم دوب نصبر جم دوب / عالظيم وأحنه من الصبر ملينه ) ، ومطلع آخر يحاكي به قصيدة الدكتور الوائلي رحمه الله ، التي خاطب بها عبد السلام أو عبد الرحمن عارف ، يقول الدكتور الوائلي ، ( لا تفرحن لطبلها فطبولها كانت لغيرك قبل ذلك تقرع ) ، وعارضها المرحوم عبد الصاحب عبيد الحلي مخاطبا عبد السلام عارف ، ( دنيتك أنظر أعليها / أبيوم آدم نزل بيها / هذا أولها وبعد يا ستار / وين تاليها ) ، مما تقدم نخلص أن الثورة والنهضة الحسينية لا يمكن حكرها بجهة دينية معينة ، ولا بجهة سياسية تتخذ من الشعائر الحسينية طريقا للوصول لغايات ما ، فالحسين ( ع ) أبن ذلك الرجل الذي أوصى بنيه وهو بلحظات حياته الأخيرة بعامة الناس قائلا ، ( يا بني إن لم يكن أخ لك في الدين ، فنظيرك في الخلق ) ، وعلى هذا نهج سيد الشهداء طريقه ليربح الدنيا والآخرة . 

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حامد گعيد الجبوري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2010/12/15



كتابة تعليق لموضوع : اليسار العراقي وتوظيف الشعائر الحسينية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net