صفحة الكاتب : الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

على ضفاف الانتظار (47)
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  النُقَباء
 (نقيب) هو العريف، وهو شاهدُ القومِ وضمينهم[1].
أو هو (كالعريف على القوم، المُقدّم عليهم، الذي يتعرَّفُ أخبارَهم ويُنقِّبُ عن أحوالهم، أي يُفتِّش[2].
وقالَ الشيخُ الصدوق (قُدس سره): النقيبُ الرئيسُ من العُرفاء، وقد قيل: إنّه الضمين، وقد قيل: إنّه الأمين، وقد قيل: إنّه الشهيدُ على قومه، وأصلُ النقيبِ في اللغةِ من النقبِ، وهو الثقب الواسع فقيل: نقيبُ القوم؛ لأنّه يُنقِّبُ عن أحوالِهم كما يُنقِّبُ عن الأسرار وعن مكنونِ الإضمار.[3]
وحتى يتضحَ المقصودُ منهم، نذكر النقاط التالية:
النقطة الأولى:
قال (تعالى): "وَلَقَدْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَـرَ نَقِيبًا"[4]
وقد قيل في تفسير هذه الآية: إن فيها عدة آراء، هذه بعضها[5]:
الرأي الأول: أمرنا موسى بأنْ يبعثَ من الأسباطِ الاثني عشر، اثني عشر رجلًا، كالطلائع، يتجسّسون، ويأتون بني إسرائيل بأخبارِ أرضِ الشام، وأهلِها الجبّارين، فاختارَ من كُلِّ سبطٍ رجلًا يكونُ لهم نقيبًا، أيّ: أمينًا كفيلًا، فرجعوا ينهون قومَهم عن قتالهم، لما رأوا من شِدّةِ بأسِهم، وعظم خلقهم، إلا رجلين منهم: كالب بن يوفنا، ويوشع بن نون.
الرأي الثاني: أخذنا من كُلِّ سبطٍ منهم ضمينًا بما عقدنا عليهم من الميثاقِ في أمرِ دينهم.
الرأي الثالث: اثني عشر رئيسًا. وقيل: شهيدًا على قومه.
الرأي الرابع: بعثوا أنبياءَ ليُقيموا الدين، ويعلموا الأسباط التوراة، ويأمروهم بما فرضَ اللهُ عليهم، وأمرهم به...
ولا تنافي بين هذه الآراءِ مثلما هو واضح، ويُمكِنُ جمعها بمعنى واحد، يكونُ فيه النُقباءُ أنبياءً أو قادةً أو رؤساء، أمرهم النبيُّ موسى (عليهم السلام) بالأمرِ المُشار إليه، وكانَ كُلُّ واحدٍ منهم ضمينًا وشاهدًا على بني إسرائيل بما أخذَ عليهم في الميثاق.
وعلى كُلِّ حال، فالظاهرُ أنَّ هؤلاءِ الاثني عشر نقيبًا كانوا أصحابَ مهمةٍ مفصليةٍ في حركةِ بني إسرائيل.
النقطة الثانية:
جاءَ في الرواياتِ الشريفةِ أنَّ النبيَّ الأكرمَ (صلى الله عليه وآله) اتخذ اثني عشر نقيبًا عند بيعة الحارث أو بيعة العقبة، حيث جاءه من الأوسِ والخزرج سبعون رجلًا ومعهم امرأتان، واختار رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) من أُمّته اثني عشر نقيبًا أشارَ إليهم جبرئيلُ وأمره باختيارِهم كعدّةِ نقباءِ موسى (عليه السلام)، تسعةً من الخزرج، وثلاثةً من الأوس، فمن الخزرج: أسعد بن زرارة، والبراء بن معرور، وعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر بن عبد الله، ورافع بن مالك، وسعد بن عبادة، والمنذر بن عمرو، وعبد الله بن رواحة، وسعد بن الربيع، وابن القوافل عبادة بن الصامت -ومعنى القوافل الرجل من العرب كانَ إذا دخلَ يثرب يجيئ إلى رجلٍ من أشرافِ الخزرج فيقول: أجرني ما دمتُ بها من أنْ أظلمَ، فيقول: قوفل حيث شئتَ فأنتَ في جواري، فلا يتعرّضُ له أحد -ومن الأوسِ: أبو الهيثم بن التيهان، وأسيد بن حضير، وسعد بن خيثمة...[6]
فالنبيُّ الأكرمُ (صلى الله عليه وآله) اختارَ اثني عشر نقيبًا كرؤساء أو شهود على أصحابِ هذه البيعة، وقد وردَ في ذيلِ هذه البيعة: ...ثم قالَ (صلى الله عليه وآله): أخرجوا لي منكم اثنى عشر نقيبًا، فاختاروا، ثم قال (صلى الله عليه وآله): أبايعكم كبيعةِ عيسى بن مريم للحواريين، كفلاء على قومهم بما فهم، وعلى أنْ تمنعوني ممّا تمنعونَ منه نساءكم وأبناءكم، فبايعوه على ذلك...[7]
النقطة الثالثة:
أُطلِقَ لفظُ النقباءِ في بعضِ الروايات على الأئمةِ الاثني عشر (عليهم السلام) حيث أُوِّل بهم قولُه (تعالى): ﴿وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَـرَ نَقِيبًا﴾[8] 
وفي هذا رواياتٌ عديدةٌ، منها ما رويَ عن مسروق قال: كُنّا عندَ ابنِ مسعود فقال له رجل: حدّثكم نبيُّكم كم يكونُ بعده من الخلفاء؟ فقال: نعم، وما سألني عنها أحدٌ قبلك، وإنّك لأحدث القومِ سنًا، سمعته يقول: يكون بعدي عدة نقباء موسى (عليه السلام)، قال الله عز وجل: (وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَـرَ نَقِيبًا[9]).).[10]
وروي أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: معاشر الناس، من أراد أن يتول الله ورسوله، فليقْتدِ بعلي بن أبي طالب بعدي، والأئمة من ذريتي، فإنهم خزان علمي .
فقام جابر بن عبد الله الأنصاري فقال: يا رسول الله، وما عدة الأئمة ؟
فقال: يا جابر، سألتني (رحمك الله) عن الإسلام بأجمعه، عدتهم عدة الشهور، وهي عند الله اثنا عشر شهرًا في كتابِ الله يوم خلقَ السماوات والأرض، وعدتهم عدةَ العيون التي انفجرت لموسى بن عمران (عليه السلام) حين ضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا، وعدتهم عدة نقباء بني إسرائيل، قال الله (تعالى): (وَبَعَثْنا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَـرَ نَقِيبًا)[11]، فالأئمة يا جابر  اثنا عشر [إمامًا] أولهم علي بن أبي طالب، وآخرهم القائم المهدي (عجل الله فرجه).([12]).
وعن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من ولدي أحدَ عشر نقيبًا نجيبًا (نقباء نجباء) محدثون مفهمون، آخرهم القائم بالحقّ، يملأها عدلًا كما ملئت جورًا.[13]
ويبدو أنَّ تلقيبَ أهلِ البيت (عليهم السلام) بالنقباء كان موجودًا في كتب الديانات السابقة، ففي روايةِ الحبر الذي جاءَ لرسولِ الله (صلى الله عليه وآله) وسأله عن بعضِ العلاماتِ فيه، فقالَ فيما قال له: ورأيتُ في علامتِك بين كتفيك خاتمٌ مختمٌ به النبوة، أيّ لا نبيَّ من بعدك، ومن ولدك أحد عشر نقيبًا يخرجون من ابن عمك، واسمه علي، ويبلغُ اسمُك المشرق والمغرب، وتفتحُ خيبر، وتبلغُ بابها، ثم يعبرُ الجيشُ على الكفِّ والزند، لئن كانَ فيك هذه الصفات، آمن بك، وأسلمت على يديك.
قالَ رسولُ الله (صلى الله عليه وآله): يا حبر، أمّا الشامةُ فهي لي، ثم كشفَها. وأمّا العلّامةُ فهي لناصري علي بن أبي طالب (عليه السلام) صاحب العلامة.
قال: فالتفتَ الحبرُ إلى علي (عليه السلام) وقال: أنتَ قاتلُ مرحب الأعظم؟
قال: بل الأحقر، أنا جدلته بحولِ اللهِ وقوته، أنا معبرُ الجيشِ على كفّي، وزندي.
قال: فعندَ ذلك قال: مُدّ يدَك، فأنا أشهدُ أنْ لا إلهَ إلا الله، وأنَّ محمدًا رسولُ الله، إنّك مُعجزته، وإنّه يخرجُ منك أحدَ عشرَ نقيبًا، فاكتبْ لي عهدًا ولقومي، فإنّهم كنُقباءِ بني إسرائيل، أبناءِ يعقوب (عليه السلام). فكتبَ له بذلك عهدًا.[14]
النقطة الرابعة:
جاءَ هذا الاصطلاحُ في مجموعةٍ خاصةٍ من أصحابِ الإمامِ المهدي (عجل الله فرجه)، وهم أولُ من يُبايعُ الإمامَ المهدي (عجل الله فرجه) بعدَ جبرئيل والملائكة ونجباء الجن، إذ رويَ أنَّ الإمامَ الصادقَ (عليه السلام) قالَ للمُفضّل في روايةٍ طويلة: يا مُفضّل، يُسنِدُ القائمَ (عليه السلام) ظهرَه إلى الحرم، ويمُدّ يدَه فتُرى بيضاءَ من غيرِ سوء، ويقول: هذه يدُ اللهِ، وعن اللهِ، وبأمرِ الله (تعالى)، ثم يتلو هذه الآية: "إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلىٰ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفىٰ بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا"[15] فيكون أولُ من يُقبِّلُ يدَه جبرئيل (عليه السلام) ثم يُبايعُه، وتُبايعُه الملائكةُ، ونجباءُ الجنِّ، ثم النقباء،...[16].
وجاءَ في رواية عَنْ أَبِي عَبْدِ الله (عليه السلام) أَنَّه قَالَ: كَأَنِّي بِالْقَائِمِ (عجل الله فرجه) عَلَى مِنْبَرِ الْكُوفَةِ، عَلَيْه قَبَاءٌ، فَيُخْرِجُ مِنْ وَرَيَانِ قَبَائِه كِتَاباً مَخْتُوماً بِخَاتَمٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَيَفُكُّه فَيَقْرَؤُه عَلَى النَّاسِ، فَيُجْفِلُونَ عَنْه إِجْفَالَ الْغَنَمِ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا النُّقَبَاءُ، فَيَتَكَلَّمُ بِكَلَامٍ، فَلَا يَلْحَقُونَ مَلْجَأً حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَيْه، وإِنِّي لأَعْرِفُ الْكَلَامَ الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِه..."[17].
وهذا يعني: أنّهم يتمتعون بالتسليمِ المُطلقِ للإمام المهدي (عجل الله فرجه) بحيث لا يُخالفونه في كُلِّ ما يقول، وإنْ كانتْ عقولُهم لا تتحمّلُ ما يأتي به.
نعم، جاءَ في روايةٍ أنَّ النقباءَ يشملُ كُلَّ الأصحابِ الثلاثمائة وثلاثة عشر، ففي روايةِ الإمامِ الصادق (عليه السلام) الطويلة مع المُفضَّلِ بن عمر: "...ثم تُصبِحُ نقباؤه بين يديه، وهم ثلاثمائة وثلاثة عشر نفرًا بعددِ أصحابِ رسولِ الله (صلى الله عليه وآله) بيوم بدر"[18]
 


([1]) مختار الصحاح: مادة نقب.

([2]) تاج العروس للزبيدي: مادة نقب.

[3] - الخصال للشيخ الصدوق ص 492 ذيل حديث 70.

[4] ـ المائدة 12

[5] - انظر: مجمع البيان للطبرسي ج3 ص 295

[6] - الخصال للشيخ الصدوق ص 492 ح70. ومناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج1 ص 151.

[7] - مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج1 ص 157.

[8] ـ المائدة: 12

[9] - المائدة: (12)

[10] - الغيبة للشيخ الطوسي ص 133 – 134 ح 97.

[11] ـ المائدة 12

([12]) مائة منقبة - محمد بن أحمد (ابن شاذان): ص72؛ وإرشاد القلوب للديلمي: ج2، ص94.

[13] - الأصول الستة عشر- عدة محدثين ص 15.

[14] - الروضة في مناقب أمير المؤمنين (عليه السلامم) لابن شاذان ص 166 – 167 حديث ( 142 ) ( حديث علي في التوراة ).

[15] ـ الفتح 10  

([16]) مختصر بصائر الدرجات للحسن بن سليمان الحلي ص 183. وانظر: إلزام الناصب - الشيخ علي الحائري: ج2، ص224-225.

([17]) الكافي للكليني: ج8، ص167، ح185.

[18] - الهداية الكبرى للحسين بن حمدان الخصيبي ص 396.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2023/08/09



كتابة تعليق لموضوع : على ضفاف الانتظار (47)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net