نتائج تطبيق نظرية الصفر في اللغة العربية
سناء حميد البياتي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
سناء حميد البياتي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
أولًا: يكشف تطبيق نظرية الصفر إعجاز القرآن الكريم نحويًا:
ذلك لأن (نظرية الصفر) هي امتداد ونتيجة لمفهوم النظم وتوخي معاني النحو عند عبد القاهر الجرجاني في كتابه دلائل الإعجاز، وإن تطبيق نظرية الصفر في لغة القرآن الكريم تفتح امام الباحثين أبواب إعجازه نحويًا، حيث يُصار إلى دراسة النص كما هو في التنزيل دونما إجراء تغييرات أو تقدير كلمات غير موجودة إرضاءً لقاعدة نحوية، كما في قوله تعالى: (إذا السماءُ انفطرت) حيث قدّروا ( بحسب نظرية العامل) فعلًا محذوفًا يشبه الفعل المذكور( انفطرت) على أن يسبق الفاعل (السماء) أي التقدير: إذا انفطرت السماءُ انفطرت، والسبب أن القاعدة -بحسب نظرية العامل- لا تجيز تقديم الفاعل على فعله لأنه معمول والمعمول لا يتقدم على عامله، وبما أن الشرط يقتضي سياقا فعليا أي جملة فعلية لأنه تعليق حدوث حدث بحدوث حدث آخر، والحدوث من سمات الأفعال لذلك اضطروا إلى إدخال تغييرات على النص وإضافة كلمة غير موجود من أجل سريان قواعدهم المستندة إلى نظرية العامل، وكذلك أية نظرية لا تجيز تقديم الفاعل على فعله تخفق في كشف إعجازه في كثير من المواضع، لذلك اخفقوا في كشف إعجاز القرآن الكريم في هذا النص وأمثاله الذي تقدمت فيه كلمة (السماءُ) وهي فاعل للفعل (انفطرت) وإنما كان التركيب بهذا الشكل كي يجعل ذهن الملتقي يتعلق بالسماء وترتسم صورتها في ذهنه وتبقى عالقة في انتظار الفعل وذلك ما يجعل هول المنظر المتصوّر أكثر وقعا وتأثيرًا في المتلقي، وشتان ما بين قوله تعالى: (إذا السماءُ انفطرت) والنص المصطنع: إذا انفطرت السماء انفطرت.
كان هذا نموذجًا للفرق بين تطبيق نظرية الصفر وتطبيق نظريات أخرى عند محاولة الكشف عن الإعجاز القرآني نحويًا.
ثانيًا: تسهيل تعليم قواعد أية لغة للناطقين بغيرها
عندما نقيم المنهج النحوي بالاستناد إلى النظام العام لتأليف الجمل في اللغات كافة، يتيسر تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها. وكذلك تعليم اي لغة للناطقين بغيرها وذلك لوجود رابط مشترك بين اللغات كافة مما يسهل عملية التعلم لمن يتقن لغته ويفهم نظامها ويرغب في تعلم لغة أخرى تشترك مع لغته بنظامها العام في تأليف الجمل.
ثالثًا: حوسبة اللغة
ربما ينفع اكتشاف النظام الذي تعمل بموجبه اللغات كافة في مجال حوسبة اللغات، أو ربما تكون اللغة العربية عصيّة على الذكاء الاصطناعي، ومعرفة هذا الأمر يتطلب متخصصين في حوسبة اللغة.
رابعًا: إصلاح جذري لمناهج تعليم قواعد اللغة العربية على وفق منهج جديد يستند إلى نظرية الصفر:
وفيما يأتي صفات المنهج المقترَح الذي يستند إلى نظرية الصفر بالمقارنة مع المنهج التقليدي المستند إلى نظرية العامل:
1- يُلغي المنهج المقترح فكرة العمل والعامل في النحو العربي وما يترتب عليها كمنع تقديم الفاعل على فعله، وبهذا يختلف تحديد نوع الجملة في هذا المنهج عن المنهج التقليدي ، فكل من جملة ( نجحَ زيدٌ ) و( زيدٌ نجحَ ) فعلية، و ( زيد) فاعل في كلتا الجملتين سواء أكان متقدما على فعله أم متأخرا عنه، وما التقديم إلّا للاهتمام والتركيز على الجزء المتقدم أو لأسباب أخرى.
2-عندما يكون الفاعل مذكورًا ومصرحًا به في الجملة أو في السياق فكل ما يرتبط بالفعل من أحرف إنما هي لواحق للمطابقة، أي مطابقة الفعل للفاعل المتقدم، المطابقة في التأنيث والتذكير وفي العدد، ولا فرق بين تاء التأنيث الساكنة في كونها لا محل لها من الإعراب عن سواها من اللواحق الدالة على المثني المذكر أو جماعة الذكور أو جماعة الإناث، فالتاء المرتبطة بالفعل في (الطالبة نجحتْ) والألف في (الطالبان نجحا) والواو في (الطلاب نجحوا) والنون في (الطالبات نجحن )، كلها لواحق لمطابقة الفعل للفاعل المتقدم.
3 – يُلغي المنهج المقترح المستند إلى نظرية الصفر فكرة النسخ في النحو العربي كليًا، والأبواب التي جمع فيها النحو التقليدي عددا من الأفعال سُميت بالأفعال الناسخة مثل باب (كان وأخواتها) وباب (ظن وأخواتها) و( أفعال المقاربة والشروع ) والأحرف الناسخة التي سُميت بالأحرف المشبهة بالفعل أي ( إنّ وأخواتها/ وهي لا شبَه لها بالفعل من حيث الدلالة إطلاقا ) كل هذه الموضوعات تُدرس بطريقة مُيسّرة مقنعة مستندة إلى المعنى، إذ لا يمكن أن يكون أصلُ أية جُملةٍ جُملةً أخرى؛ لأن أصلَ كل جملة هو المعاني الذهنية التي انتجتها وهي التي تربط بين كلماتها. فمثلا لا يمكن أن يكون أصل جملة (ظننتُ زيدًا وفيّا) هو ( زيدٌ وفيٌّ ) ثم دخلت (ظنّ ) فنسخت المبتدأ والخبر وجعلتهما مفعولين لها. ومثل ذلك جميع النواسخ. 4-بما أن أصلَ أية جملةٍ يستندُ إلى المعاني الذهنية المؤسسة لها والكامنة في الذهن وليس أصلُها جُملةً أخرى، يعالج المنهج المستند إلى نظرية الصفر موضوع (المبني للمجهول) بطريقة مختلفة عن الطريقة التقليدية، ويقدّم أفعاله على أنها صيغٌ خاصة : (صيغة فُعل) و(صيغة يُفعل) وهي أفعال تُسند لغير الفاعل الحقيقي، وإذا يُراد إرجاع هذا النوع من الجُمل لأصلها فأصلها في دماغ منتجها متمثلَا بإسناد الفعل وهو بصيغة معينة لغير الفاعل الحقيقي، ولا يصح أن نربطها بجملة أخرى نخترع لها فاعلا ونعدّها الأصل ، إذ لا يصح في قوله تعالى ( ونُفخ في الصور فصعِقَ من في السماوات ومن في الأرض ) أن نخترع للنص فاعلا وندعي أن أصل الجملة ( ونَفَخَ ؟؟؟ في الصور ….) وإنما هي صِيغ متنوعة للأفعال منها ما يُسند إلى الفاعل الحقيقي، ومنها ما يسند لغير الفاعل الحقيقي.
وهكذا ينظر المنهج المبني على نظرية الصفر إلى الجملة ذاتها ومن خلال السياق الذي تكون فيه ولا يرجعها قسرًا إلى جملة أخرى فيها فاعل نخترعه بالتخمين وندعي أنها الجملة الأصل.
5-لا يلجأ المنهج – المستند إلى نظرية الصفر- للتقدير، وأقصد به التقدير المُخل بالمعنى، لأن القواعد تُستخلص من معنى الجملة ومن السياق كما هو موجود أمامك في النص، فلا يُفرض على النص ما ليس فيه لأجل قاعدة مُسبقة، فليس هناك تقدير لفعل محذوف يسبق الفاعل في مثل قوله تعالى: (إذا السماءُ انفطرت). وليس هناك تقدير لاسم (لات) محذوف في قوله تعالى: (فنادوا ولات حين مناص) إذ لا يصح اختراع كلمات غير موجودة من أجل إرضاء القاعدة المفروضة على الجملة. أما منهج نظرية الصفر فينظر إلى الجملة ككل من أجل أن تنبثق القاعدة من الجملة ذاتها، ويُنظر إلى الأجزاء على أنها وحدات تتآلف مع بعضها من أجل تحقيق المعنى المطلوب.
6-يكشف منهج نظرية الصفر عن دلالات كثيرة لأبنية الأفعال غير دلالتي (الحدث والزمن) التي اقتصر عليها المنهج التقليدي، وأهم دلالة في الأفعال لم يُسلّط عليها الضوء هي دلالة (الحدوث) والواقع إن الفعل ليس ما دل حدث مقترن بزمن فقط، وإنما هو ما دل على (حدث) و(حدوث مقترن بزمن)، أي إن (الحدوث) هو الذي يقترن بالزمن وليس الحدث، ودلالة الحدوث هذه هي الدلالة المشتركة بين أبنية الأفعال جميعًا، وهي التي تتجه اتجاهات مختلفة تبعًا لمعنى الجملة، فاقتران (كاد) أو إحدى أخواتها بالفعل يُقرّب حدوث الفعل، نحو: (كادَ الطفلُ يغرقُ)،وكقوله تعالى: ( يكاد زيتها يُضيء ولو لم تمسسه نار).
واقتران (كان) أو إحدى أخواتها بالفعل ـ عدا ليس ـ يوجه زمن حدوث الفعل إلى جهة زمنية معينة أو إلى توقيت في ذلك الزمن، كقوله تعالى: (فاصبح يقلّبُ كفيه على ما انفق فيها) حيث دل الفعل أصبح على أن زمن الجملة هو الماضي، كما دل على تبدل الحال في الصباح عما كان عليه قبل ذلك، وما دام زمن الجملة قد اتضح من خلال الفعل (أصبح) تفرغ الفعل ( يقلّبُ) لدلالة أخرى غير الزمن وهي الدلالة على تصوير حدوث تقلّب الكفين على بعضهما وكأنك تراهما في تصوير متحرك (فيديو)، وتلك دلالة مهمة من دلالات صيغة ( يفعلُ) وهي تصوير حدوث الحدث بتفاصيله شيئًا فشيئا، وثمة دلالات أخرى خاصة بكل صيغة من صيغ الأفعال داخل الجملة مما يعزز قولنا بثراء العربية وقدرتها على التعبير عن أدق المعاني.(1)
7-استنادًا إلى الملاحظة السابقة وخلافًا للمنهج التقليدي، فإن في اللغة العربية أفعالًا مساعدة كما في أكثر اللغات، وهي نوعان : منها ما يساعد الفعل الرئيس في توجيه زمنه إلى وجهة معينة، ومنها ما يساعد الفعل الرئيس في توجيه الحدوث نحوَ الشروع أو نحوَ المقاربة. لنلاحظ المثال الآتي : ( كانت الغيومُ تملأُ السماءَ، ثم بدأ المطرُ ينهمرُ بغزارةٍ، وكادت الشوارعُ تغرقُ من كثرةِ المطر).
في هذا المثال دليل على أن حدوث الأفعال كلها كان في الزمن الماضي، فالفعل المساعد (كانت) قد وجه زمن الفعل (تملأ) باتجاه الماضي ، والفعل المساعد (بدأ) قد وجه الفعل (ينهمر) باتجاه الشروع، والفعل المساعد (كادت) قد وجه الفعل (تغرقُ) باتجاه المقاربة.
(1)يُنظر: قواعد النحو العربي في ضوء نظرية النظم ، د. سناء حميد البياتي ص42-105
دار وائل للنشر 2003م.
8-يستطيع المنهج أن يحلّ مشكلة الزمن في الفعل؛ لأن الفعل – بحسب نظرية الصفر- بناء يتقبل الزمن بمختلف اتجاهاته ومعنى الجملة هو الذي يحدد زمنه، لذلك فإن تحديد زمن الفعل لا يتم إلا من خلال الجُملة، ومعنى الجُملة هو الذي يحدد اتجاه زمن الفعل فيها، فأين الزمن الماضي في قوله تعالى: (أتى أمر الله فلا تستعجلوه)؟
إنّ المنهج التقليدي درس الفعل منفصلًا عن جملته ولم يراع السياق فلم يتوصل الى الدلالات الزمنية المتعددة للأفعال في العربية. وعندما نستنبط زمن الفعل من خلال الجمل والسياق نجد أزمنة كثيرة ومتنوعة في لغتنا، ونجد أن المنهج التقليدي كان قاصرًا في كشف الاتجاهات الزمنية المتنوعة في اللغة العربية
9- لا تخلو أية جملة مهما كان نوعها من الدلالة على الزمن بما في ذلك الجملة الاسمية التي تفتقر للحدث والحدوث وليس للزمن . لاحظ الزمن في قولك مثلًا:
كان الطقسُ معتدلًا الماضي
سيكون الطقسُ معتدلًا المستقبل
الطقسُ معتدلٌ تقصد الآن أي الحاضر
إن وجود (كان) أو (سيكون) في الجملة لا يرشحها للفعلية ما دام الخبرُ – أي المسند – اسمًا ، وإنما يمنحها زمنًا محددًا. وهذا ينطبق على بعض اللغات الأخرى كاللغة الإنكليزية التي ظن دارسوها أنّ اللغة الإنكليزية ليس فيها جمل اسمية معتقدين أن ألفاظ (الكينونة/ is , was) الدالة على الزمن تُرشّح الجُمل للفعلية، والواقع انّ الزمن وحده لا يُرشّح الجملة للفعلية إذا لم يرتبط بحدث وحدوث.
لاحظ الفرق بين هاتين الجملتين:
Ali is a teacher = علي معلّم
جملة اسمية في كلتا اللغتين لأن المسند فيهما اسم
Ali teaches the students = علي يُعلّم الطلاب
جملة فعلية في كلتا اللغتين لأن المسند فيهما فعل. وهذا دليل على تشابه اللغات في القواعد الرئيسة لبناء الجُمل.
10- بناء (افعلْ) أي فعل الأمر مبني على العلامة الموجودة على آخر البناء، أي على الضم في (اذهبوا) وعلى الفتح في (اذهبَا) وعلى الكسر في (اذهبِي) ولا يصح أن يقاس على الفعل المضارع المتصل بمثل هذه الضمائر فيُقال إنه مبني على حذف النون، وأين هي تلك (النون) المزعومة في أفعال الأمر!!
11- قد لا يلتزم المنهج المستند إلى نظرية الصفر ببعض المصطلحات التي لا تدل على المعنى النحوي للكلمة في الجملة، كمصطلح (المبتدأ) الذي يشير إلى موقع الكلمة، وبما أن الكلمة في الجملة العربية لا تلتزم موقعاً بعينه ، فهي تتقدم أو تتأخر على حسب متطلبات المعنى لذلك يقترح المنهج مصطلح ( المسند إليه ) المعروف أو (المخبَر عنه) بديلاً لمصطلح (المبتدأ) لكي يتناسب مع مصطلح (الخبر/ المسند) في الجملة الاسمية المؤلفة من (خبر ومُخبَر عنه أي مسند ومسند إليه)، وكذلك (حروف الجر) تصبح (أدوات الإضافة) نظراً لوظيفتها في الجملة، ويلغي المنهج المقترح مصطلح (المضارع) الذي لا علاقة له بأية دلالة من دلالات صيغة (يفعلُ).
12- يركز المنهج المقترح على قواعد الربط بين الكلمات وبين العبارات من أجل بناء الجُمل ، ثم الربط بين الجمل من أجل تأليف النصوص. كما في الأمثلة الآتية:
(فرددناه إلى إمه كي تقرّ عينها ) جملة واحد مؤلفة من عبارتين مرتبطتين بأداة الربط (كي).
( وقيل يا أرض ابلعي ماءك، ويا سماء أقلعي ، وغيض الماء ، وقضي الأمر، واستوت على الجودي ، وقيل بُعدًا للقوم الظالمين)
سياق مؤلف من عدة جمل مرتبطة مع بعضها برابط ( الواو).
إن تحديث مناهج تدريس قواعد العربية بما يتناسب وفكر الطالب في العصر الحديث أصبح ضرورة لابد منها، وليس هناك بديل أفضل من إقامة المناهج على المعاني ما دامت اللغةُ وسيلةَ التعبير عن المعاني والأفكار، وإذا كان لابد من نظرية نقيم عليها مناهج قواعد العربية وتستند إلى المعنى في جذرها وفي تفرعاتها، ففي ( نظرية الصفر) ما يحقق الهدف، وهي البديل العلمي ل(نظرية العامل) القديمة المستندة إليها مناهج تعليم قواعد العربية حاليًا، والله تعالى من وراء القصد.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat