على ضفاف الانتظار(79)
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الشيخ حسين عبد الرضا الاسدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الأعيبس
لقبٌ ورد في روايةٍ واحدة –بحسب التتبُّع- رويتْ عن الإمامِ الرضا، وحتى نطلع -ولو إجمالًا- على المقصود منه، نذكر عدّة نقاط:
النقطة الأولى: التشكيك بالإمام الجواد:
يظهرُ من الروايةِ أنّ بعضَ بني هاشم اتّهمَ الإمامَ الجواد بأنّه ليس ابنَ الإمامِ الرضا؛ لأنّه أسمرُ اللون، وأنَّ الإمامَ الرضا أخبرهم بأنّه ابنه، فلم يرتضوا حتى جعلوا الأمرَ لحُكم (القائف)، وأنَّ القائف عندما جاء، ألحقَ الإمامَ الجواد بأبيه الرضا من دون أنْ يعرفه، والمقطعُ الآتي يُبيّنُ هذه النقطة:
رويَ عنْ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى بْنِ النُّعْمَانِ الصَّيْرَفِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيَّ بْنِ جَعْفَرٍ، يُحَدِّثُ الْحَسَنَ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ فَقَالَ: واللهِ لَقَدْ نَصَرَ اللهُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا. فَقَالَ لَه الْحَسَنُ: إِي واللهِ جُعِلْتُ فِدَاكَ، لَقَدْ بَغَى عَلَيْه إِخْوَتُه. فَقَالَ عَلِيٌّ بْنُ جَعْفَرٍ: إِي واللهِ، ونَحْنُ عُمُومَتُه بَغَيْنَا عَلَيْه. فَقَالَ لَه الْحَسَنُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، كَيْفَ صَنَعْتُمْ؟ فَإِنِّي لَمْ أَحْضُرْكُمْ. قَالَ: قَالَ لَه إِخْوَتُه -ونَحْنُ أَيْضاً-: مَا كَانَ فِينَا إِمَامٌ قَطُّ حَائِلَ اللَّوْنِ. فَقَالَ لَهُمُ الرِّضَا: هُوَ ابْنِي. قَالُوا فَإِنَّ رَسُولَ الله قَدْ قَضَى بِالْقَافَةِ، فَبَيْنَنَا وبَيْنَكَ الْقَافَةُ. قَال: ابْعَثُوا أَنْتُمْ إِلَيْهِمْ، فَأَمَّا أَنَا فَلَا، ولَا تُعْلِمُوهُمْ لِمَا دَعَوْتُمُوهُمْ، ولْتَكُونُوا فِي بُيُوتِكُمْ.
فَلَمَّا جَاؤُوا، أَقْعَدُونَا فِي الْبُسْتَانِ، واصْطَفَّ عُمُومَتُه وإِخْوَتُه وأَخَوَاتُه، وأَخَذُوا الرِّضَا وأَلْبَسُوه جُبَّةَ صُوفٍ، وقَلَنْسُوَةً مِنْهَا، ووَضَعُوا عَلَى عُنُقِه مِسْحَاةً، وقَالُوا لَه: ادْخُلِ الْبُسْتَانَ كَأَنَّكَ تَعْمَلُ فِيه.
ثُمَّ جَاؤُوا بِأَبِي جَعْفَرٍ، فَقَالُوا: أَلْحِقُوا هَذَا الْغُلَامَ بِأَبِيه.
فَقَالُوا: لَيْسَ لَه هَاهُنَا أَبٌ، ولَكِنَّ هَذَا عَمُّ أَبِيه، وهَذَا عَمُّ أَبِيه، وهَذَا عَمُّه، وهَذِه عَمَّتُه، وإِنْ يَكُنْ لَه هَاهُنَا أَبٌ فَهُوَ صَاحِبُ الْبُسْتَانِ، فَإِنَّ قَدَمَيْه وقَدَمَيْه وَاحِدَةٌ.
فَلَمَّا رَجَعَ أَبُو الْحَسَنِ قَالُوا: هَذَا أَبُوه.
قَالَ عَلِيٌّ بْنُ جَعْفَرٍ: فَقُمْتُ فَمَصَصْتُ رِيقَ أَبِي جَعْفَرٍ، ثُمَّ قُلْتُ لَه: أَشْهَدُ أَنَّكَ إِمَامِي عِنْدَ اللَّه، فَبَكَى الرِّضَا ...
النقطة الثانية: من صفات الإمام المهدي على لسان الإمام الرضا:
بعدَ هذا المقطع، يبدأ الإمامُ الرضا بذكرِ بعضِ صفاتِ الإمامِ المهدي، في كلامٍ قال فيه:
«يَا عَمِّ، ألَمْ تَسْمَعْ أَبِي وهُوَ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ الله: بِأَبِي ابْنُ خِيَرَةِ الإِمَاءِ، ابْنُ النُّوبِيَّةِ، الطَّيِّبَةِ الْفَمِ، الْمُنْتَجَبَةِ الرَّحِمِ، وَيْلَهُمْ، لَعَنَ اللهُ الأُعَيْبِسَ وذُرِّيَّتَه، صَاحِبَ الْفِتْنَةِ، ويَقْتُلُهُمْ سِنِينَ وشُهُوراً وأَيَّاماً، يَسُومُهُمْ خَسْفاً، ويَسْقِيهِمْ كَأْساً مُصَبَّرَةً، وهُوَ الطَّرِيدُ، الشَّرِيدُ، الْمَوْتُورُ بِأَبِيه وجَدِّه، صَاحِبُ الْغَيْبَةِ، يُقَالُ: مَاتَ، أَوْ هَلَكَ، أَيَّ وَادٍ سَلَكَ، أفَيَكُونُ هَذَا يَا عَمِّ إِلَّا مِنِّي.
فَقُلْتُ صَدَقْتَ جُعِلْتُ فِدَاكَ».
فهذه الصفاتُ هي خاصةٌ بالإمامِ المهدي، ولعلّه يُريدُ منها الإشارة إلى أنّ الرسولَ الأعظم عندما وصفَ المهدي بأنّه (ابن النوبية)، فإنّه يُريدُ بيانَ أنّ إحدى أمهاته هي نوبية، وهي أمُّ الإمامِ الجواد فيثبت بذلك نسبُ الإمامِ الجواد إليه، «والدليلُ على صحة ذلك: أنّه لم يُنسَبْ إلى أحدٍ من الأئمة أنه استولد نوبيةً إلا الرضا، فنسبةُ صاحبِ الأمر إليها من رسولِ الله لإثبات نسبِ الجواد».
النقطة الثالثة: تحذير الإمام الرضا من الفتنة:
يُحذِّرُ الإمامُ الرضا من إثارةِ الفتنة، بقوله (وَيْلهم)، ثم يُشيرُ إلى أنَّ هذه الفتنةَ إنّما أثيرتْ من قبل بني العباس، وأشارَ إليهم بقوله (الأعيبس)، وهو تصغير (الأعبس)، وقد يُرادُ به الكناية عن (العباس)، ولذلك فإنَّ بعضَ العلماء فسّرَ كلمة (الأعيبس) ببعضِ خلفاء بني العباس، حيثُ قيل: إنَّ المُرادَ به السفّاحُ، وهو أولُ خلفاء بني العباس، ويُمكِنُ أنْ يُرادَ به الحجّاجُ أو المُتوكّل، فإنّه لم يكُنْ أشدَّ منهما على آلِ محمد بعدَ يزيد بن معاوية عليهما اللعنة، ثم وصفَه بأنّه صاحبُ الفتنة...وهو المُضِلُ عن الحق...
واللافت للنظر:
أن الإمام الرضا أقحم هذا المقطع بين صفات الإمام المهدي مما سبّب بعض الإرباك في الرواية، فهو بدأ بذكر صفات الإمام المهدي فقال: «بِأَبِي ابْنُ خِيَرَةِ الإِمَاءِ، ابْنُ النُّوبِيَّةِ، الطَّيِّبَةِ الْفَمِ، الْمُنْتَجَبَةِ الرَّحِمِ...».
وهنا ذكر التحذير واللعن للأعيبس فقال: «وَيْلَهُمْ، لَعَنَ اللهُ الأُعَيْبِسَ وذُرِّيَّتَه، صَاحِبَ الْفِتْنَةِ».
ثم رجعَ لإكمالِ صفاتِ المهدي فقال: «ويَقْتُلُهُمْ سِنِينَ وشُهُوراً وأَيَّاماً، يَسُومُهُمْ خَسْفاً، ويَسْقِيهِمْ كَأْساً مُصَبَّرَةً، وهُوَ الطَّرِيدُ، الشَّرِيدُ، الْمَوْتُورُ بِأَبِيه وجَدِّه، صَاحِبُ الْغَيْبَةِ، يُقَالُ: مَاتَ، أَوْ هَلَكَ، أَيَّ وَادٍ سَلَكَ».
ولكن الشيخ المفيد روى هذه الرواية بما يظهر منه صريحاً الفصل بين صفات الإمام الجواد، وصفات الإمام المهدي، فقد روى عن رسول الله: «بأبي ابن خيرة الإماء النوبية الطيبة، يكون من ولده الطريد الشريد، الموتور بأبيه وجده، صاحب الغيبة...» .
فعبارة «يكون من ولده...» واضحة في فصل الصفات، والرواية حينها واضحة ولا إرباك فيها، ولعل هذه العبارة سقطت من الكافي.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat