صفحة الكاتب : مروة الاسدي

كيف نتحرر من التبعية الفكرية؟
مروة الاسدي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

لماذا ثقافتنا قاصرة عن تقديم التجسيد المعنوي والمادي الذي يشبع منزلة الإنسان لدينا ويحمي فرديته وقيمته، ولماذا يدهمنا شعور شبيه بالتبعية للآخر، أين الخلل بالضبط، ما هي الأسباب، وهل من معالجة؟

ينظر الفرد المسلم أو العربي بانبهار للغربي، لعقليته، طريقة تفكيره، ملبسه، مأكله، تعليمه، وحتى صحته، أو شكله الخارجي، لون العيون، والشعر، والبشرة، والسلوك، يقارن كل هذه التفاصيل بالخشونة والاختلاف الذي تظهر فيه شخصيته، حتى حالة الانفعال والحدّية التي يظهر بها المسلم، يعزوها كثيرون الى طبيعة الثقافة الحادة وبعضهم يصفها بالجافة، فيتحرك ذلك الشعور بالدونية في أعماق الفرد العربي عندما يقارن بين ثقافته وثقافة الغرب.

ان فكر الهزيمة الذي ينتج التبعية الفكرية جاء من عاملين اساسيين وهما العولمة والحرب النفسية وتتفرع منهما مفاهيم أخرى الحداثة والتغريب، بداية العولمة هي عبارة عن صورة من صور الاستعمار الفكري تقوم على اختراق المجتمع واستبدال الاصالة بقيم جديدة، وبالتالي هي تقوم بتشويه الافكار القائمة في المجتمع من خلال مجموعة ذرائع وحجج جاذبة كالحرية المطلقة وطرح الافكار واشاعة الثقافات، وهذا اشبه ما يكون بدس السم بالعسل، وهنا يمكن أن نأتي على ذكر مدى خطورة الهزيمة الفكرية التي تنتتج التبعية الفكرية. وهي تأتي من جانبين الجانب الاول هو اختراق المجتمع بقيمه وعقائده وكذلك اختراق المؤسسات الاجتماعية والتعليمية، وهذا الاختراق سيخلق مجتمع سلبي ومهزوم، لذا فإن السؤال الاهم هنا كيف نتحرر من التبعية الفكرية.

وعلى المستوى الاعلامي يشكل غياب الاعلام الحر عاملا اساسيا في القيود الفكرية وهو ما خلق لدينا فكر انهزامي في مجتمع غير قادر على العطاء، وهو ما جعل من فكر الهزيمة اشبه المرض النفسي الذي يحتاج إلى علاج نفسي قبل كل شيء، خصوصا اذا ما شخصنا المنهزم بأنه عادة ما يرفض الهزيمة، وهذه هي اساس المشكلة فعندما يعترف بالهزيمة ممكن أن يتكيف مع الهزيمة، ولكن المجتمعات العربية ترفض هذا الاعتراف وتحاول أن تخلق من الهزيمة انتصارا وهميا، لذلك فهو يعيش في عالم وهمي وافتراضي، فعادة الشعوب المنكسرة تحاول أن تبرر فشلها بإيجاد اعذار واهية او تحت عباءة نظرية المؤامرة.

اما على الصعيد الثقافي فلدينا تجربة سيئة وحافلة بالأخطاء بالنسبة لما تقدمه المنظمات من دعم للمثقفين، وهناك امثلة كثيرة تتصدر المشهد العراقي لاسيما وأن هناك العديد من وسائل الاعلام لا تمنح من يعارضها بالفكر اي مبلغ في حين تكيل مبالغ مجزية لمن يتفق معها، بعض المؤسسات تستخدم ذات الفكرة اما أن تكون معي أو انت ضدي، ولهذا فتجربة المنظمات المستقلة فاشلة في العراق لحد هذه اللحظة على اقل تقدير.

وعليه عملية التحرر من التبعية الفكرية تكون عبر المسؤولية المشتركة فاذا عملت المنظمات المستقلة على العناية بقادة الرأي والفكر والعلم على المستوى المادي والمعنوي، يمكن من خلال ذلك تقديم افكار وقيم جديدة على أمل أن تخلق تلك الخطوة جيل مستقل فكريا.

ومن اجل الخروج من نفق الهزيمة لابد التصدي لموجة الاغتراب داخل الوطن وموجة الاحباط، على الجانب الاخر لابد على القائد والمفكر أن يتحول من متأثر إلى مؤثر وصانع لأفكار وقيم جديدة تقوم على الاستقلالية المسؤولة، وعلى المنظمات المستقلة تقع مسؤولية في تغيير الصورة النمطية وجعلها ايجابية، من اجل أن تحيي الاصالة والقيم الاسلامية والاجتماعية على نحو واحد.

لا يكفي للمهتم بشؤون المجتمع أن يقول إنّ أمراً ما هو خاطئ، بل عليه تقديم البديل الصحيح أيضاً، ما يُراد الآن هو وضع اللبنات الفكرية العملية لاقتلاع الشعور بالدونية والتبعية والانهزامية، خصوصا من رؤوس الشباب، فهؤلاء ربما لم يطلعوا بما يكفي على الجذور العظيمة لثقافتهم، وعلى القواعد الفكرية الإنسانية التي أدامت مشاعل الفكر الخلاق على المستوى العالمي وليس الإسلامي أو العربي فحسب، وعندما يثق الشباب بثقافتهم عبر التوضيح والإفهام والاقتناع التام، فإن الحال سوف يكون مختلفا تماما، وسوف نقطف ثمار هذه الأعمال بصورة قوية فعالة، وسيكون شبابنا في مأمن تام ضد التبعية الفكرية، حينما يتم توضيح الملابسات كما ينبغي لهم.


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مروة الاسدي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2024/02/19



كتابة تعليق لموضوع : كيف نتحرر من التبعية الفكرية؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net