(أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَىٰ إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ َ...)
أشار القرآن الكريم في هذه الآية الى نبي من أنبياء بني إسرائيل جاء بعد النبي موسى( عليه السلام) ولم يذكر اسمه .
وقد اختلفت الروايات حوله الا ان اغلب المفسرين ذكروا اسمه (اشموئيل) وهو المذكور في العهدين باسم صموئيل ، وفي العربية (اسماعيل) عن اغلب المفسرين وهذا المروي عن أبا عبد الله الصادق (عليه السلام). لتسليط الضوء على هذه القصة وسبر أغوارها والكشف عن أسراها لا بد من تتبع الروايات.
قبل البدء لابد ان نعود الى نهايه عصر موسى (عليه السلام) ذكرت الروايات أن موسى( عليه السلام) قبل وفاته اوصى الى يوشع بن نون بن إفراثيم بن يوسف وعاش يوشع بعد موسى ثلاثين سنة وكانت المدة بين وفاة يوشع وصي موسى إلى أن بعث الله لهم النبي إشموئيل أربعمائة وستين سنة عمل فيها بني اسرائيل بالمعاصي، فتعدوا على الدين وحرفوه، وتخطوا الحدود ،وانتهكوا الحرمات واهانوا المقدسات فتفشت المنكرات ...
ولما طال على بني إسرائيل البلاء وطمع فيهم الأعداء واخذ التابوت عنهم صاروا بعده لا يلقون ملكا إلا خائفين... فدعوا الله أن يبعث لهم نبيا ، وكان سبط النبوة هلكوا فلم يبق منهم غير امرأة حبلى ... فولدت غلاما سمته إشمويل، ومعناه سمع الله دعائي، وسبب هذه التسمية أن امه كانت عاقرا، وكان لزوجها امرأة أخرى قد ولدت له عشرة أولاد فبغت عليها بكثرة أولادها.عانت العجوز و تجرعت الألم والحسرة،وكانت تبكي بصمت كسماء تمطر علي هون وتدعو الله أن يرزقها ولدا، فرحم الله انكسارها بعد ان اعتقدت أنها لن تنجب الأبناء ولكن إرادة الله فوق كل شي.حملت بعد يأس ولما انقضت مدة الحمل ولدت اشموئيل... أن ام اشموئيل من بيت النبوة وكانت النبوة في بيت لاوي بن يعقوب، وكان الملك في بيت يوسف... .
كبر اشموئيل وتعلم التوراة في بيت المقدس من علمائهم وبلغ اشده
في زمن عظمت في بني اسرائيل الأحداث، ونسوا عهد الله تعالى، ولم يكن لهم نبي يدبر أمرهم، فبعثه الله إليهم نبيا،ولبث فيهم أربعين سنة يأمرهم وينهاهم فلم يطيعوه،فسلط الله عليهم جالوت، وهو من القبط فأذلهم وقتل رجالهم وأخرجهم من ديارهم واستولى
على أموالهم واستعبد نساءهم، ففزع الاشراف منهم الى نبيهم اشموئيل وقالوا له سل الله ان يبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله،و الملك في ذلك الزمان هو الذي يسير بالجنود، والنبي يقيم له أمره، وينبئه بالخبر من عند ربه، فأجابهم اشموئيل، و«قال هل عسيتم إن كتب عليكم القتال ان لا تقاتلوا» سألهم عن ذلك ليعرف ما عندهم من الحرص على القتال، وهذا كأخذ العهد عليهم.ثم اخبرهم بملك طالوت «فقال لهم نبيهم إن الله قد بعث لكم طالوت ملكا» فغضبوا من ذلك «وقالوا انى يكون له الملك علينا ونحن أحق بالملك منه ولم يؤت سعة من المال» وكان طالوت من ولد بنيامين أخي يوسف لامه لم يكن من بيت النبوة ولامن بيت الملك، فقال لهم اشموئيل «إن الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم والله يؤتي ملكه من يشاء والله واسع عليم» وكان طالوت رجلا طويل القامة، ضخما، حسن الخلق ، قويا، ذكيا، عالما، مدبرا، الا انه كان فقيرا فعابوه بالفقر وقالوا لم يؤت سعة من المال، فقال «لهم نبيهم إن آية ملكه ان يأتيكم التابوت فيه سكينة من ربكم وبقية مما ترك آل موسى وآل هارون تحمله الملائكة». ولم يمض وقت طويل حتى ظهر لهم الدليل... وافق بنو إسرائيل على قيادة طالوت لهم.ارتضوه واستسلموا له على مضض مترددين،ففي الباطن كانت تراودهم الشكوك بالنسبة لإمرته...
تسلم طالوت قيادة الجيش، وخلال فترة قصيرة أثبت لياقته وجدارته للاضطلاع بمهام إدارة الملك وقيادة الجيش، ثم طلب من بني إسرائيل أن يعدوا العدة لمحاربة عدو كان يهددهم وسرعان ما اجتمع حوله جمع تظهر عليه الكثرة والقوة، وتحركوا صوب العدو.وفي المسيرة الطويلة وتحت أشعة الشمس المحرقة أصابهم العطش.وهنا تعرض بني إسرائيل لاختبار عجيب، اخبرهم طالوت أنهم سوف يصلون عما قريب إلى نهر، فعليهم أن يقاوموا عطشهم ، وأن لا يشربوا منه الا قليلا ، وبذلك يستطيع أن يعرف إن كان هؤلاء الذين يريدون أن يواجهوا سيوف الأعداء يتحملون سويعات من العطش أم لا، وهل يطبقوا امر الله وينتهوا عما نهاهم عنه.ولكنهم ما أن وقعت أنظارهم على النهر حتى فرحوا وهرعوا إليه وشربوا منه حتى ارتووا، إلا نفر قليل منهم ظلوا على العهد. ثم سار طالوت بهولاء النفر حتى التقى الجمعان فقالوا لاطاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده غير أن الذين كان لهم إيمان راسخ بيوم القيامة، ومحبة الله قد ملأت قلوبهم، لم يرهبوا لكثرة العدو وقلة عددهم، فخاطبوا ملكهم طالوت«كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، والله مع الصابرين». استعد طالوت بجماعته القليلة المؤمنة للحرب وزادهم ايمان وجود التابوت بينهم، ودعوا الله أن يمنحهم الصبر والثبات وعند التقاء الجيشين خرج شاب اسمه داود من بين جنود الملك طالوت، رمى جالوت بحجرين فأصابا جبهته ورأسه، فسقط ميتا وسط تعجب جيش جالوت ودهشتهم. وعلى اثره استولى الرعب والهلع على جيش جالوت، ولم يلبثوا حتى ركنوا إلى الفرار من أمام جنود طالوت وانتصرت القله التي عدّلت مسار ايمانها و صححت انحرافها ورجعت الى عبادة الله وحده ،واتبعت نبيها والملك المنصب لها بالنص الالهي
...................................................
١-تفسير الميزان ،السيد الطباطبائي ج ٢ ، ص ٢٩٧
٢-بحا الأنوار ،العلامة المجلسي ، ج ١٣ ، ص ٤٥٣
٣-التبيان ،الشيخ الطوسي ج ٢ ، ص ٢٨٧
٤-تفسير القمي ، علي بن إبراهيم القمي ج ١ ،ص ٨١
٥- تفسير مجمع البيان ،الشيخ الطبرسي ج ٢ ،ص١٤٠
٦- الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل ، الشيخ ناصر مكارم الشيرازي ج ٢ ،ص ٢١٨
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat