منذ العصور القديمة كتب الانسان الشعر
حيث أنه كان الوسيلة الأمثل للتعبير عن واقع الحياة آنذاك، ويرجع المؤرخون بداية الشعر المكتوب إلى حضارة بلاد ما بين النهرين (حضارة بلاد الرافدين)، حوالي عام 1500 ق. م.
وقد تميز العرب بالبلاغة والتألق بهذا الفن الأدبي، فخلد التاريخ معلقاتهم وأسمائهم
كما بدأنا بالرافدين لنا بهذه المساحة إضاءة خاطفة على سيرة شاعر حسيني فذ من الرافدين، وتناول رائعة أدبية من روائعه.
د. الشاعر الكبير عبد الحسن زلزلة الذي أبصر النور بمدينة العمارة عام 1928, فأسماه والده حسنًا تيمنا باسم السبط المجتبى ع
حصل على دكتوراه اقتصاد من جامعة انديانا في امريكا عام 1957, وعمل سفيرا للعراق في طهران وفينا والقاهرة وكندا حتى عام 1973, شغل منصب وزير الصناعة والتخطيط ومحافظ البنك المركزي والامين العام المساعد للجامعة العربية.
له مؤلفات كثير مقررة في الجامعات ومراكز البحوث الغربية
وله ديوان صهيل القوافي بجزئيه، منه هذه رائعة، التي انشدت في الصحن الكاظمي المطهر، في يوم عاشوراء أربعينات القرن الماضي،
نتناول بعض الأبيات المختارة.
القصيدة من الشعر العمودي من البحر الكامل والقافية الميمية.
نجد أن الشاعر بدأ النص بمطلع شجي مؤثر قوي، صوَّر من خلاله محورية الفداء وهي (الدماء) بصورة بلاغية رائعة من خلال التجسيم مع التركيز على جرس الميم في البيت الأول، مما أفعم المطلع بموسيقة داخلية عذبة
مواصلا بالمعطيات الذهنية الإيحائية (الأصفاد، السياط) التي تأخذ المتلقي عوالم محتوى النص.
هذي دماك على فمي تتكلمُ***ماذا يقول الشعر أن نطق الدمُ
هتفت وللأصفاد في اليد رنةٌ***والسوط في ظهر الضعيف يُحكّمُ
وما زال منتقلا بالصور تارة بالمخاطبة وتارة بالأمر مستعينا بالتجسيم لتوصيل فكرته.
قل للدماءٍ وقد اريقت عنوةً***لا طاب بعدك مشربٌ او مطعمُ
خطي لهذا الجيل أروع صفحةٍ***توحي العزيمة للشباب وتلهمُ
استخدم الشاعر أسلوب جمالية التكرار ليحفز المتلقي على المتابعة والبحث في دلالات القصيدة
ساهم ذلك في تمتين وحدة النص، ورسم لنا صورة عن مدى تأثر الشاعر عند كتابة النص
الشعبُ شعبكَ يحسين وأن يكون***فيهِ العتات الظالمون تحكمُ
والقوم قومك يحسين وأن يكون***عن نهج شرعتكَ القويمةً قد عمُ
ويفعم الحوار بتمازج الحزن مع طلب العفو والاعتذار إن كان شط أو تمادى فما هو إلا شاعر متألم
ونلمس جمال الصورة ومدى تأثره فهو يعتذر أن كان صوته المتبرم يدمي جراحات الحسين ع
مولاي عفوك أن شططت فما عسى*** يشكو إليك الشاعر المتألم
عذري اليك أبا عليٍّ أن يكن *** يدمي جراحك صوتي المتبرمُ
وهنا استعمل أسلوب الالتفات والخاطب بالنداء يا سائرين تهيؤا لحج الحسين بالتطهر، واستعدوا للإحرام، والدخول لطوره المقدس
يا سائرين إلى الطفوف تطهروا***وإذا وصلتم كربلاء فأحرموا
ويصور لنا بكل براعة وسلاسة ذرات تربة الحسين ع أفوه تصرخ وتجتهد بلعن ظالميه
هنا تعمد الشاعر التصريع ليضفي على النص موسيقا داخلية تزيده جمالا
في كل ذرةِ تربةٍ يعلو فمٌ***بالجهد يلعن ظالميك ويشتمُ
وينتقل من الجمع لأسلوب الحديث مع المفرد الغائب
يخاطب النهر بوجع وكأنه ماثل أمامه، فيعاتب المخاطب بالتذكير والعِبرة، والتعنيف (ولم يغضب بنوك النوم)
شط الفرات كأن ماءك لم يثر***يوما ولم يغضب بنوك النومُ
وهكذا تتعدد الأساليب الجمالية عند الشاعر
فهو هنا يعتمد أسلوب القسم وأيضا يرتكز على حاسة الذوق
فالفرات هو شهد سائغ عند المعتدين وعلقم عنده
قسما بمائك وهو شهدٌ سائغٌ***للمعتدين وفي فمي هو علقمُ
ونجده هنا أيضا كرر جزء من جملة (عذري إليك) بصورة جذابة انعكست جماليا على النص
واتم الجملة بأسلوب متغير عن سابقه مما زاد النص ألقا
عذري إليك (ولستُ أول عاجزٍ***عن خوض بحرك) والقضا يتهجمُ
من ضامنٍ لي حين تعصف هوجها***إن السفينة في بحارك تسلمُ
ختاما من خلال قراءتي للنص وجدته سلسا بديعا بعيدا عن والغموض والتكلف
مفعم بالصور الحسية والمجازية والأساليب الفنية المتعدد
تجربة شعرية ناضجة بكل التفاصيل
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat