صفحة الكاتب : عامر هادي العيساوي

هل العراق دولة فاشلة؟
عامر هادي العيساوي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
 حينما يولد الطفل البشري في أية بقعة من بقاع الأرض يولد معه في نفس الوقت حب عارم لتلك البقعة ليكون ذلك الحب فيما بعد جزءا من تكوينه  الخارج عن إرادته وسيطرته . ولو قدر لأحد الأشخاص الطبيعيين والأسوياء من الذين يعيشون في أوطان طبيعية وسوية  ووجد نفسه مضطرا لأسباب قاهرة على مفارقة الأرض التي انطلق فيها بكاؤه لأول مرة  وتنفس فيها الهواء لأول مرة وضحك فيها لأول مرة ونطق فيها أول كلماته وخطا عليها أول خطواته لوجدته كئيبا حزينا ضائعا قلقا. لقد عبر احد هؤلاء المفارقين لأوطانهم من الناس البسطاء عن هذه المعاناة مقدما أروع الصور حين قال ( أفيش يا ملعب هلي  لأصلك وموتن عل التبن ) فهو يريد العودة إلى ملاعب صباه وأهله لا من اجل أن يعيش وانما من اجل أن يموت على تراب إحدى الربوات مفترشا القش او بقايا أعواد الزر وع اليابسة والمتكسرة . 
لقد كان الرسول الأكرم عليه الصلاة والسلام يقول ( إن في مكة صخرة اكلمها وتكلمني )ولم أجد كلاما أرقى من هذه العبارة للتعبير عن العلاقة موضوعة البحث بين الإنسان والوطن حيث وهبت تلك العبارة للصخر لسانا وروحا وجسدا وكيانا قادرا على تنظيم العلاقات مع الآخرين حتى وان كانوا انبياء0
وحين وجد نفسه عليه السلام مضطرا في فترة لاحقة  للهجرة من مكة إلى المدينة وخرج من بيته لهذا الغرض كان مترددا وكان يقدم رجلا ويؤخر أخرى وكأنه يهم بمخاطبة  قريش قائلا افعلوا ما شئتم يا صناديد قريش واقتلوني إن شئتم فلن أغادر مكة مهما تعاوت الذئاب وسأبقى حتى أواجه مصيري 0
وحين رأت السماء تردد النبي عليه الصلاة والسلام وخافت عليه من القتل غدرا  نزلت الآية الكريمة بسم الله الرحمن الرحيم (إن الذي فرض عليك القران لرادك إلى معاد ) وهكذا واصل مسيرته باتجاه المدينة  0
ولا نحتاج إلى المزيد من الأمثلة والبراهين لكي نثبت بان حب الأوطان في الظروف الطبيعية هي جزء من تكوين النفس البشرية وفطرتها ولكنك حين تدقق مع العراقيين فانك ستجد العكس تماما فحين يهاجر العراقي سواء أكان ناجحا كالطبيب او المهندس او العالم او فاشلا في جميع المجالات فسوف يحتفل هو وعائلته وكأنه ولد من جديد او انه خارج من وادي صقر في الجحيم باتجاه جنات تجري من تحتها الأنهار بين الحور العين والولدان المخلدين, وحين تتصل بذلك المهاجر بعد حين وبعد أن وصلتك أخباره بأنه مستقر في شيكاغو مثلا فسوف يخبرك بأنه يعمل سائقا في شاحنة كبيرة ومع ذلك فهو مرتاح وسوف لن يعود إلى العراق إلى الأبد وعندما تحاججه بان فرصتك في الحياة الحرة الكريمة في العراق اكبر خاصة وأنت مهندس فسوف ينفجر في وجهك لاعنا الساعة التي ولد فيها في العراق 0
والسؤال الذي ينتصب أمامنا والحالة هذه لماذا يشذ العراقيون عن قاعدة حب الأوطان التي تشتغل في نفوس جميع بني البشر ولكنها لا تشتغل فيهم ؟هل خلقوا من طينة أخرى ؟هل أرادهم الله أن يكونوا مثلا  لمن لم تكتمل خلقته كي يكونوا عبرة ودرسا للآخرين ؟ هل الخلل فيهم ام في العراق تلك الدولة الفاشلة العاجزة عن الاحتفاظ بأبنائها معززين مكرمين لا تذلهم السيطرات بعد أن تستوقفهم لساعات طويلة في حر تموز من دون سبب واضح بينما يمر أسياد (العراق الجديد )بمواكبهم مع انك واثق من أنهم لايمتازون عليك بشيء إذا لم يكونوا لا يصلحون لأي شيء ,ولا يراجعون الدوائر من الشبابيك كالقردة ,ولا يسبحون بدمائهم هم وأطفالهم في كل يوم ليذهبوا ضحية لصراعات مفتعلة بين الكتل الحاكمة من اجل أن يستمروا في الحكم ,ولا تستباح نساؤهم التي ترملت بسبب( قادسية )هذا الحاكم او ذاك وإلا فإنها لن تحصل على تلك المعونة المذلة المهينة التي لا يعمل بها إلا من كان قد عمل متسولا لفترة طويلة او عميلا او جاسوسا 0
وأخيرا أيها الحاكمون لا نريد كهرباء ولا ماء وخذوا العراق كله بنفطه وخيراته ولكن اتركونا نعيش بسلام على الخبز والبصل لأننا لم نقرر بعد الهجرة إلى ارض الله الواسعة  

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عامر هادي العيساوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2012/08/02



كتابة تعليق لموضوع : هل العراق دولة فاشلة؟
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net