محمد - ص – من أسطع حقائق التاريخ النيِّرة !
مير ئاكره يي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مير ئاكره يي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
اذا آفتقد أحد ما الإلمام بذاته والإحاطة بتاريخه وماضيه فإنه من السهولة أن يقع فريسة لِلإنبهار بالآخر وقبوله ، بل التسليم له تسليما مطلقا ، بلا حد ولاحدود ، بلا قيد ولا شروط ، لأنه لم يعد لديه أسباب المقاومة العلمية وعوامل الدفاع المعرفية والثقافية ، أو لإِفتقاده لها تحت ضغوط التقليد والإنبهارية والمغلوبية التي حصلت له ، فالمغلوب [ مولع أبدا بالإقتداء بالغالب في شعاره وزيه ونحلته وسائر أحواله وعوائده ] ، كما قال آبن خلدون في كتابه ( المقدمة ) ص 176 . وهذا الاقتداء هو التقليد الذي لم ينبني على التساؤل والتحقيق والتمحيص والاستقلال الذاتي في المتابعة ، وفي الإستقراء والاستنباط ! .
في هكذا أحوال فإنه أول ما يفعله هو التطوّع بولع في جلد الذات جلدا موجعا وداميا . وذلك عبر مقامع الآخر الإفترائية وسياطه التشويهية ، وهو بعد كل هذا يتوهم انه يحسن صنعا ، ومن ثم يخدع نفسه بأنه قد بلغ مدارج الرقي والمدنية والحضارة والتقدم ! .
عليه اذا آفتقد الانسان مَلَكَةِ النقد والفحص والتحقيق والتساؤل وآختلّت لديه الموازين العلمية والمعرفية ، فإنه سيبقى معتاشا بتقليدية على ما يقدمه له الآخر من زاد وعطاء مدسوس . وهذا الآخر – بطبيعة الحال – ليس ذاك الآخر من بني جنسه وثقافته وحضارته الذي نقد ونقّد ومحّص وحقّق فمزّق خلال معاييره العلمية والمعرفية الصحيحة حجب الظلام والجهل والحقد والتشويه المتعمد ! .
فالكثير من الآخر سواء كانوا سياسيين ، أو مستشرقين ، أو رهبانا ولاهوتيين كما المصطلح عندهم لم يكونوا – للأسف – أمناء ولا محايدون ولا مهنيون موضوعيين في تقييماتهم وبحوثهم ودراساتهم الاستشراقية عن الشرق ، وعن أجناسه وأعراقه وشعوبه ، وعن تواريخه وحضاراته وثقافاته وأديانه . على هذا الأساس يتساءل الدكتور إدوارد سعيد فيقول ؛ [ كيف يستطيع المرء أن يدرس ثقافات وشعوبا أخرى من منظور تحرري ، أو لا تلاعبي ، أو لا قمعي . لكن على الانسان في هذه الحالة أن يعيد التفكير في مشكلة المعرفة والقوة المعقدة المتشابكة بأكملها . وتلك جميعا مهمات تُرِكَتْ ناقصة الى درجة الإحراج في هذه الدراسة ] . ينظر كتاب ( الإستشراق / المعرفة ، السلطة ، الإنشاء ) لمؤلفه الدكتور إدوارد سعيد ، ترجمة ؛ كمال أبو ديب ، الطبعة العربية الرابعة لعام 1995 ، مؤسسة الأبحاث العربية ، بيروت / لبنان ، ص 57
المستشرقون عموما ليسوا على صعيد واحد من الفكر والتفكير ، ولا على صعيد واحد أيضا من التحقيق والنقد والتقييم عن الشرق وما يحويه ، بل من الممكن تصنيفهم الى ثلاثة أصناف – أقلا - كالتالي ؛
1-/ مستشرقون متشددون متطرفون .
2-/ مستشرقون أقل تشددا وتطرفا .
3-/ مستشرقون معتدلون سلكوا نهج الاعتدال والمهنية والموضوعية في مجال إستشراقياتهم عن الشرق .
يبدو ان الأستاذ جمشيد ابراهيم لم يحذو حذو الصنف الاستشراقي الثاني على الأقل فحسب ، بل إنه إنبهر بالصنف الأول منهم فراح يقلدهم ويستلهم منهم الإستزادة والتزود والاستنارة . وفي هذا الشأن لايخفى على الملم بأحوال المستشرقين من الصنف الأول وآراءهم غير البريئة ومطامعهم وأهدافهم وغاياتهم الستراتيجية السلبية عن الشرق ، مع أن الصواب كان عليه أن يستفيد من الصنف الثالث الذي نهج المنهجية الموضوعية والمحايدة في إستشراقياته ! .
يبدأ السيد جمشيد ابراهيم في الحلقة الأولى من مقالته ذات العنوان السيء والسلبي والخاطيء في ذات الوقت ، وهو ؛ ( هل كان محمد يتاجر بالخمر ؟ ) ، فيقول ؛ [ أحيانا يكفي الشعر الأسود وبعض الملامح الشرقية للأوربي ليصدر حكم بأن حاملها مسلم متدين يضرب زوجته ويمارس الطقوس الاسلامية بإنتظام لايشرب الخمر ولا يأكل لحم الخنزير ] . ينظر المقالة المذكورة لكاتبها جمشيد ابراهيم . المصدر ؛ موقع صوت كوردستان .
هذه البداية للكاتب عن حُكْمِ الأوربي – أحيانا – على أصحاب الشعر الأسود و( بعض الملامح الشرقية ) ، هي بداية غير بريئة ، وغير منطقية سواء كانت له ، أو للأوربي لكي يصدر حُكْمَهُ التعميمي الخاطيء بلا شك ، لأن الكثير من الشرقيين ، ومن أصحاب الشعر الأسود ليسوا بمسلمين . ثم إن هذا الحكم السريع والعجول للأوربي يحمل في طياته خلفية سلبية وتراكمية نمطية متوارثة عن الإستشراقيين حيال الشرق !
بعدها ينطلق الكاتب الى موضوعة ( الكرم ) و ( العنب ) مستشهدا بالأغاني حول ما قيل وما غني عنهما ، ليصل الى نقطة مفادها إن ( موطن العنب والخمر ) ( لم يكن الجزيرة العربية بحكم طبيعتها الصحراوية ) ، مع حديثه عن مناطق أخرى في المنطقة كانت معروفة بصناعة الخمر ، فيقول بعد هذه التمهيدات المفرداتية للألفاظ كي يبلغ الى هدفه المنشود ، ليكتب ؛ [ لربما كان محمد يتاجر بالخمر ] ، ثم يتساءل ؛ [ لماذا إذن منع محمد شرب الخمر < وهو تاجر الخمر > وأكل لحم الخنزيز ] . ينظر نفس المقالة والكاتب والمصدر .
هنا السيد جمشيد ابراهيم يتناقض مع نفسه ، ومع ما كتبه ، إذ إنه بداية قال مشككا ( لربما كان محمد يتاجر بالخمر ) ، وبعدها مباشرة وعقب تساؤله ينسف تشكيكه وجملته القبلية نسفا ليكتب بيقين ؛ < وهو تاجر الخمر > بدون أن يبرهن على صحة تشكيكه الأول بالشواهد والأدلة من المصادر الموثوقة والمعتمدة ، فضلا عن إثبات جملته التناقضية الثانية ، لكن - كما يبدو - إنه لايهمه الإثبات والإستدلال والتحقيق الموضوعي الجاد بقدر ما يهمه التشويه وإلقاء الشبهات وزراعة الألغام في الطريق العام . وهذا بداهة يتنافى مع العرف والنقد الرصين والتحقيق الأمين في سِيَرِ وتاريخ الشخصيات ! .
أما الخطأ الأبرز الآخر الذي وقع فيه الكاتب هو توهمه بأن رسول الله محمد عليه وآله الصلاة والسلام هو الذي حرّم ومنع الخمر . حتى في هذا لم يُقَدّم لنا قرينة واحدة لصدق وصحة مُدّعاه . إن الحقيقة هي إن منع الخمر وتحريمها لم يكن من النبي عليه السلام قطعا ، بل كان من الله سبحانه وتعالى كما جاء في محكم التنزيل الكريم ، وكما صرّح بذلك رسول الله محمد – ص – في الكثير من أحاديثه الصحيحة المتفق عليها . إذن ، فإن التحريم والمنع والتحليل والتجويز في القضايا الأساسية لم يكن بيد رسول الله محمد عليه وآله الصلاة والسلام ، بل كان أمرا ربانيا ! .
إن المتفق عليه في المصادر التاريخية كلها أن رسول الله محمدا – ص – لم يكن تاجرا ، أو رجل أعمال وتجارة على الاطلاق ، حتى إنه لم يكن ثريا ليتمكن بالتجارة وأعمال البيع والشراء داخل مكة وخارجها إذن ، من أين جاء الكاتب المذكور بالقول الذي ذكره مرسلا ، ومن أيّ مصدر جاء به ، ولماذا لم يذكره ، ثم لماذا تَقَوَّلَ بهذا القول الفاقد لجميع الاعتبارات التوثيقية على المستوى التاريخي والمصدري !؟
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat