صفحة الكاتب : عباس باني المالكي

قراءة نقدية لنص ( عناقيد يومية) للشاعر العراقي حسين الهاشمي
عباس باني المالكي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.


عناقيد يومية


الأسى                                                                  

من دون ضجيج ..

يولد ُ من  رحم ِ الأزقة

وتستطيل عيونُه بحثا عن الشمس  

الذي يترك غنائمَهُ

عرباتٍ تجرّها الأمهات

عربات ٍ

لا تعترضها سدودُ الظلام

ولا أبوابُ الخريف ..

بيتهُ مترفٌ بالحنين

بالثقوب

ومرآتهُ مغموسة ٌ

بوجهِ حارس ٍ سومري ّ نحيل ..

يعرفُ

أن المكانَ قبضة ٌ ضائعة

وهو حارس الفراديس ,

يعرفُ


أن الزمان َ  سؤال ٌ

لا يكفّ عن الصفير ..........
الأسى

من دون ضجيج

من يوقفه ُ في الحروب

في الحقول

في المقاهي

في الحب ِ والأحلام ؟

لمن يسيل

لمن يهدي الحكايات ؟

لاثيمة للأماكن ِ       

وأبطاله ُ ينقّبون عن مقاعد َ

في مخازن الريح ..

هل يرددّ للمتبقي من التبغ

ويريق ُ الذاكرة َ

في أواني الدخان

وحين تنجو بعض الأحداث

هل يقطع آصرة َ اللغة ِ

ليسمّي الصراع َ بالثرثرة

والفائض َ من روايته ِ

شظايا باردة ؟ ......................


الأسى

من دون ضجيج

ينثر الدعوات لغيومِ ٍ قادمة

ومنذ أربعين صرخة ً

يقدّم الشموع َ

لحفل ِ المجاهيل  ..

ولذا

تحت مظلّة ِ عينيه

كل مساء أعدّ

طبقين من المطر ..

نحن الأرواح المتدلية

نحن العناقيد

تعصرنا قبضة ُ أمنيات ٍ

ونشرب ُالفاقة ..

لا شيء غيرنا

وحدنا نمضي على الرفوف

كحرّاس منسيين

وحدنا نتدلّى

من دون ضجيج

فوق عربات الأسئلة 

 

• النص الفائز في مسابقة المبدع _ عيسى حسن الياسري العالمية / 2008/|/ \" مركز النور الثقافي / السويد
م                                  
 حين يصبح الواقع خارج تحقيق أحلامنا وأمانينا يصبح كزمن التيه في ذاكرتنا التي تزدحم بواقع مغاير لكل ما ننشده في الحياة بأن يتحقق ، فلو تدرجنا مابين المعنى التأويلي لهذا نص ندرك أن العناقيد هي حالة متدلية أي الحالة الغير المستقرة في الحياة فندرك أن الروح  وسر قلقها المستمر اتجاه ظروف لا تتلاءم مع الذات وطموحاتها الحياتية لهذا يحدث الانقطاع مع الواقع الذي حولها  فتعيش هذه الذات كل حالات العزلة  ، والنص هو تدرج الذات المثقفة التي تحمل الوعي كلعنة  الألم ونزيفها المستمر ، حيث يصبح الوعي هو الرمح ذات اتجاهين : اتجاه الظروف المحيطة وفي نفس الوقت اتجاه الذات الواعية بقدرها أي  أن الألم باتجاهي الرمح  دائما ، وما العنقود ما هو إلا الحلم الذي يراه في ذاته ولكنه لا يستطيع أن يصل إليه  بسبب الظروف التي حوله لهذا تبقى عالقة في ذاته وأزمتها في المكان والزمن الذي يمضي ، لذا جعل الشاعر هذه العناقيد يومية ، كي يشير أن لا تغير يحدث في الأماني والآمال التي يعيشها في جميع أيامه التي تمر ،وتشابه هذه الأيام كتشابه العناقيد المتدلية وهو يراها ولكن لا يستطيع أن يمسكها  أو يصل إليها ...
الأسى                                                                  

من دون ضجيج ..

يولد ُ من  رحم ِ الأزقة

وتستطيل عيونُه بحثا عن الشمس  

الذي يترك غنائمَهُ

عرباتٍ تجرّها الأمهات

عربات ٍ

لا تعترضها سدودُ الظلام

ولا أبوابُ الخريف ..

بيتهُ مترفٌ بالحنين

بالثقوب

ومرآتهُ مغموسة ٌ
بوجهِ حارس ٍ سومري ّ نحيل ..
نشعر أن الشاعر ينقل رتابة حياته اليومية بعد  أن تكررت رتابة  اليأس بالوصول إلى ما ينشده في الحياة  من أحلام وآمال  ظلت معلقة يراها ،ولكن  ليس هناك طريق يوصله إليها  حتى تحول هذا الهم إلى أسى  يومي يعيشه ويجتر ألامه  ، فالشاعر بعد أن يأس  من الوصول بدأ يبحث عن حالة الدهشة حوله مراقبا الحياة حوله ليخرج أو يبعد روحة من الانكسار ومن أجل أن يحافظ عليها   ضمن الحياة بدل إدمان العزلة ، فالأسى هنا يولد دون ضجيج ، أي أن فعل الحياة وضجيجها تحول إلى صمت , فالضجيج لا يولد إلا في حركة هذه الحياة ، بينما الأزقة  التي حوله تعيش دوامة الحياة اليومية ، لهذا سعى إلى نقل الحياة حوله ليعيد تصالحه مع هذه الحياة من خلال بيت مترف بالحنين ، فهو هنا ينقل المكان حوله لعيد اكتشاف نفسه وسط ذلك ، أن الشاعر  تحول من فاعل إلى الأحلام والآمال إلى مراقب حوله ، فالعربات تجرها الأمهات ، لكن هنا العربات غير العربات الموجودة في واقعه بل عربات لا تعترضها سدود الظلام  ولا أبواب الخريف ، أي بالرغم أنه يشعر بالحنين حوله يبقى يمتلك الحنين إلى تغير المكان حوله فالعربة هي علامة السر نحو التغير ، والأمهات ما هي إلا علامة الحنين ، ولعجزه بالوصل إلى الغد يتراجع إلى الماضي ، فبيته بقدر ما مترف بالحنين بقدر ما هو مثقوب  أي أنه عاجز عن أن يحقق إليه ما يصبو إليه، بالرغم أنه مشدود إلى هذا الواقع لكنه لا يحقق ما يطمح إليه هذا جعله يبني آمال خارجة ، وكأن كل ما موجود حوله لم يتغير منذ عهد سومر  ، لهذا فهو لا يستطيع أن يغيره ، فالشاعر أستطاع أن يحافظ على ذاته من انكسارها وعجزها  ورمى عجزة بالتغير إلى كل شيء حوله والتاريخ  أيضا أو أن الحياة حوله لا ترغب بالتغير وهذا سر اغتراب المثقف الذي يعيش في واقع لا يلبي طموحاته في الحياة ، وسر أبداع الشاعر هنا ربطة اللحظة الآنية التي يعيشها مع التاريخ ، فهذا التاريخ هو العاجز عن التغير وليس هو ...

يعرفُ
أن المكانَ قبضة ٌ ضائعة
وهو حارس الفراديس ,
يعرفُ
أن الزمان َ  سؤال ٌ
لا يكفّ عن الصفير ..........
الأسى
من دون ضجيج
من يوقفه ُ في الحروب
في الحقول
في المقاهي
في الحب ِ والأحلام ؟
لمن يسيل
لمن يهدي الحكايات ؟
وأبطاله ُ ينقّبون عن مقاعد َ
في مخازن الريح ..

ويستمر الشاعر ما أراد أن يوصله إلى المتلقي لبين أنه يريد التغير من الواقع الذي حوله بسبب ما موجود في هذا الواقع من شروط هي بعيدة عن طموحه وأحلامه ، فهذا المكان هو قبضة ضائعة ، والزمن حوله ما هو إلا صفير يمر على المكان وهو جالس يراقب ، فيولد في داخلة الأسى  نتيجة هذا الصفير للزمن الذي يمر دون أن يصل إلى أحلامه ،  الضجيج ينشأ  نتيجة الحروب وليس الضجيج الذي يولد نتيجة حركة الحياة وتغيرها ، فهو يمتلك الكثير ليحكيه ولكن كل أبطال حكاياته يتحولون إلى وهم وأبطال ينقبون عن مقاعد في مخازن الريح أي أن كل أحلامه وأفكاره التي ينتمي إليها لا تولد إلا أبطالا لا ينقبوا إلا في الريح ،أي أن أبطالة ميتون حتى في لحظة ولادتهم لأنهم لا يستطيعون أن يغيروا الواقع الذي حوله، فالشاعر هنا يصور الأسى الناتج جراء ذلك ،ولاسيما أن حكايات الحروب هي أصبحت السائدة في حديث المقاهي والحقول ،إذا  أن كل محولاته  أن يعيد تنظيم الواقع حوله ليجعله قريب إلى روحة وفكره هي مجرد مخازن في الريح..


هل يرددّ للمتبقي من التبغ

ويريق ُ الذاكرة َ

في أواني الدخان

وحين تنجو بعض الأحداث

هل يقطع آصرة َ اللغة ِ

ليسمّي الصراع َ بالثرثرة

والفائض َ من روايته ِ

شظايا باردة ؟ ......................

وهذا التدرج بمناقشة الواقع الذي حوله أوصله إلى حالة من  الغربة والمنفى داخل هذا الواقع المعاش ، فهو في حالة حيرة لا أحلامه يستطيع أن يحققها ولا الواقع يغير، وسر أبداع هذا الشاعر فبرغم جسامة وكبير أحلامه  في واقع لا يقترب منه  ،ولكننا ندرك صفاء وهدوء نفسه حيث نشعر أن قصائده  تتمتع بالانسياب ويستخدم لغة المحاكاة الهادئة الغير مباشرة ،فهي تحمل التأويل الدلالي من خلال استعارة الواقع وفق نسق أحلامه البسيطة بتغير واقعه ، وهذا المخاض يجعله يضج بالضجيج  أصوات آماله التي تسعى إلى تغير واقع لا يتألف معه  فلا يحدث شيء سوى  بريق ذاكرة في أواني الدخان كالبقايا  التبغ في هذه الأواني لا تخرج سوى الدخان ، وهذه استعارة رائعة جدا تحمل من التأويل الدلالي الذي يسقط على الدالة رمزا مكثفا بعمق  أماله المتطايرة كالدخان من أواني ذاكرته ، أي كل أحلامه صارت مجرد دخان لا فعل لها ، لجسامة واقعه  وتشابكه مع آماله ، فهل تنجو هذه الآمال من الأحدث ويحافظ عليها  أم يقطع آصرة اللغة المعبرة عن معناهها لتتحول إلى صراع بالثرثرة ، فائضة من حياته وتصير كالشظايا الباردة تؤدي أو توصله إلى  موت من أجلها ...

الأسى
من دون ضجيج
ينثر الدعوات لغيومِ ٍ قادمة
ومنذ أربعين صرخة ً
يقدّم الشموع َ
لحفل ِ المجاهيل  ..
ولذا
تحت مظلّة ِ عينيه
كل مساء أعدّ
طبقين من المطر ..
نحن الأرواح المتدلية
نحن العناقيد
تعصرنا قبضة ُ أمنيات ٍ
ونشرب ُالفاقة ..
لا شيء غيرنا
وحدنا نمضي على الرفوف
كحرّاس منسيين
وحدنا نتدلّى
من دون ضجيج
فوق عربات الأسئلة


يستمر الشاعر بالتأكيد على استمرار الأسى في حياته  دون ضجيج، فهو يؤمن بأن آماله هي من العلو كالغيم وهي مرافقة له منذ بداية عمره االى أن أصبح في لأربعين ، حيث يبقى يوقد الشموع بتحقيق هذه الآمال في كل سنة من ميلاده ولكنها لا تتحقق ، والشاعر هنا أستخدم الشموع لبين أن عمرة يتحرق ويمضي ولكنه بعيد عن أن يحقق ما يطمح إليه أ وتتحول هذه الآمال إلى مجاهيل،  فهو في كل مساء يعد طبقين من المطر ، فالشاعر هنا أستخدم استعارة  (طبقين من المطر) ليدلل على أن حياته  ما هي إلا استعارة  لعناقيد  تعصرها قبضة الأماني في  فاقة الواقع الذي يعيش ،   حتى يتحول إلى مجرد (حراس منسيين )، والشاعر أنتقل من الذات إلى الجموع ليعطي الرمز الأستعاري للهم الجمعي ،فهو بدأ يتكلم باسم الجموع  ، ليوحي إلى المتلقي ليس هو فقط يسعى إلى التغير بل كذلك الناس الذين حوله ، لكنهم يتحولون إلى حراس منسيين متدلين  دون ضجيج فوق عربات الأسئلة ، ، وقد تكون هذه الأسئلة بداية لنهوض هولاء الناس الذي حوله وسعيهم إلى التغير  ، وبهذا الشاعر برغم من يأسه من الوصول إلى أمنياته  بقى الباب مفتوح إلى هذه الآمال بمشاركته مع الآخرين بالسعي نحو التغير، أي أنه خرج من ذاته إلى الجموع   لعله يحدث التغير بعد أن عجز هو بمفردة على تحقيق التغير، فأوجد أبطاله في الآخرين بدل أن يبقوا داخل ذاته يتحولون إلى أوهام ، وهذه نقلة ذكية بتحقيق معنوي بالتأويل  الدلالي ليبقى نسق الدالة هي المعنى إلى كل معاناته ، لهذا  سوف تبقى الأماني عناقيد متدله إذا لم نسع من أجل تحقيقها ، و قد يكون السؤال هو البداية نحو التغير .....
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عباس باني المالكي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/01/16


  أحدث مشاركات الكاتب :

    • (الصوت الداخلي كعلامة جذب تكويني في شعرية النص ) قراءة نقدية لمجموعة ( من فزز الرماد ) للشاعرة سجال الركابي  (ثقافات)

    • الصوت الداخلي كعلامة جذب تكويني في شعرية النص ) قراءة نقدية لمجموعة ( من فزز الرماد ) للشاعرة سجال الركابي  (قراءة في كتاب )

    • أبو ذر قبل الفجر  (ثقافات)

    • قراءة نقدية لنص (أترقب اجتياحك.. لاختبئ ) للشاعرة العراقية آمال إبراهيم  (ثقافات)

    • قراءة نقدية لنص (إليـــكِ) للشاعرة العراقية أنغام الأسدي  (ثقافات)



كتابة تعليق لموضوع : قراءة نقدية لنص ( عناقيد يومية) للشاعر العراقي حسين الهاشمي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net