صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

الذئب الابيض ! ح1
حيدر الحد راوي
المزيد ... المزيد من الضرائب , يفرضها الملك سبهان على سكان مملكته , وعليهم ان يدفعوا , ومن لم يدفع فتصادر ممتلكاته , بيته , مزرعته , ادواته التي يعمل بها , وحتى ملابسه , فأن لم يجد , فتقيد عليه الضرائب على شكل ديون واجبة او مستحقة الدفع , تشرد الناس واجبروا على ترك بيوتهم , فتوسدوا الشوارع قرب بيوتهم الموصدة و المختومة بختم الملك , وانتشر بينهم الجوع والمرض , حتى التصق الجلد بالعظم , وأصبحوا هياكل عظمية متحركة , فغادر بعضهم المدن والتحقوا بالغابات , يأكلون من حشائشها , وما فيها من الحيوانات , الا انهم لم يسلموا من مطاردات جيش الملك , الذي عمد الى احراق الغابات لاجبارهم على الخروج ودفع الضرائب المستحقة عليهم . 
لا يستثنى احد من دفع الضريبة , الا من التحق بجيش الملك , فيعفى منها ويصرف له راتب شهري , التحق الكثير من الشباب ليحفظوا عائلاتهم , كان يحزنهم ما يجري , وغير راضيين ولا مقتنعين بتصرفات الملك سبهان , الا انهم لا حول لهم ولا قوة , ويتوجب عليهم تنفيذ الاوامر .    
تحولت المدن التابعة للمملكة الى خراب , هجرت المنازل , وتعطلت الاسواق , وأمتلئت الشوارع بالمرضى والجياع , يستجدون كسرة خبز , من كل مار , من الجنود او ذويهم . 
                          *********************************** 
يتحصن الملك سبهان في قلعة مهيبة , احاطت بها الجبال الشاهقة من جهتين , واسوار شامخة احاطت بالجهتين الاخريين , يمتد على طول السور من الخارج خندق عميق ملئ بالوحل , الجنود في كل مكان , داخل القلعة وعلى الاسوار وخارجها , لا احد يمكنه الاقتراب , في ليل او نهار , الا ونالت منه النبال . 
صنع له عرشا فخما في مكان مرتفع , يطل على القلعة بأكملها , ويحيط به الوزراء وقادة الجيش , تدار حوله اواني الشراب , وتمركزت في الوسط موائد عليها مختلف الوان الفاكهة والطعام , الجميع كان جذلا مسرورا , الا الوزير حواس , كان مهموما , محزونا , يرى ان المملكة تسير نحو الهلاك , فيفكر في انقاذ البلاد والعباد بأي وسيلة كانت , ألتفت الملك سبهان اليه , ولاحظ انه كان غارقا في التفكير , لا يشاركهم في الاكل والشرب او الكلام . 
الملك سبهان : أيها الوزير حواس ! . 
- لبيك سيدي الملك ! . 
- أراك شارد الذهن ! . 
- نعم سيدي الملك ... كنت افكر لو انكم تقومون بزيارة للملك عنيجر في مملكته ! . 
أندهش الملك سبهان من هذا الاقتراح , ورآه صائبا : 
- نعم الرأي ... اذن أبعثوا رسولا للملك عنيجر ليحدد يوم الزيارة ! . 
اسندت مهمة توفير الامن لموكب الملك سبهان الى الوزير حواس , فأنتهز الفرصة , وسار بالموكب خلال بعض المدن التابعة للمملكة , وسار بمحاذاة عرش الملك سبهان , فتجمهر الناس على قارعتي الطريق , بين مرحب بالملك , وبين مستجد خبزا , او اي شيء تجود به ايادي الجنود , فلفت انظاره الى ما يعانيه شعبه من بؤس وشظف العيش , وحرص ان يريه الخراب الذي حلّ بالمدن , ونقص الخدمات فيها , ثم جذب انظاره الى الجياع والمرضى الذين توسدوا الطرقات , فقال : 
- سيدي الملك ... انظر الى شعبك ... ظهرت عليهم أثار الجوع , فبرزت العظام ... وتفشت بينهم الامراض ! . 
لكن الملك سبهان لم يعر له أي اهتمام , وأردف الوزير حواس قائلا : 
- انظر الى المباني صودرت لعدم تمكن اصحابها من دفع الضرائب ... فتركت مهجورة ... وملأتها الاشباح ... انظر الى الاسواق قد هجرها التجار بعد ان تعطلت وخسرت تجارتها ... فاغلقت الدكاكين ! . 
لم يعره اي اهتمام , لكنه التفت يمينا , فشاهد ثلاثة دكاكين مفتوحة , فقال مشيرا اليها : 
- أنظر ايها الوزير حواس ... هناك تجار لا يزالون يمارسون اعمالهم ! . 
- سيدي الملك ... ما هي الا اياما معدودة ويغلقوها ... ثم ينضموا الى هذه الحشود الجائعة ... العارية ! .  
لم يبال الملك سبهان بما وقعت عليه عيناه , ولا بما سمعت أذناه , استمر موكبه بالمضي قدما , حتى شارف الوصول الى مملكة عنيجر , أنتهز الوزير حواس الفرصة , فأمر الموكب بالمرور في اول مدينة , أزدحمت الناس على قارعتي الطريق للتفرج على الموكب , فأقترب الوزير حواس منه , وقال له مشيرا الى الناس والبنايات : 
- سيدي الملك ... أنظر الى الناس جميعهم في خير وعافية ... اجسادهم ممتلئة ... ملابسهم جيدة ونظيفة ... انظر الى البنايات المرتفعة ... ولايفوتكم الالتفات الى الخدمات ! . 
- انهم شعب عامل وطموح  ! . 
- ليس ذاك سيدي الملك ... بل ان الملك عنيجر يخفف عنهم الضرائب ... فيمكنهم العمل من شراء حاجياتهم الاساسية والغير اساسية .. يدفعون الضريبة ويفيض لديهم المال ! . 
- ايها الوزير حواس ... أتريد القول أن السبب في تعاسة شعبي هو سياستي وسوء ادارتي للبلاد ! . 
- لم اقصد ذلك سيدي الملك ... لكني كنت اقول لو انكم خففتم عبأ الضريبة على شعبكم ... ليتيسر لهم العيش برخاء ورفاهية ... ويتمتع برغد العيش تحت حكمكم وفي رعايتكم ! . 
- هكذا اذا ... لقد تعمدت مرور موكبنا ببعض من مدننا ... لنرى ما فيها ... ثم تعمدت مرورنا بمدينة من مدن مملكة عنيجر ... فنشاهد ما فيها ونطلع على احوالها ... ومن ثم نقارن بينه مملكته وممالكه ومملكتنا وممالكنا ! . 
حاول الوزير حواس ان يلطف الاجواء , بما يحفظ صفاء فكر الملك سبهان , ويتجنب اثارة غضبه , لكن الملك سبهان نهره , ولم يسمح له ان ينبس ببنت شفة , وأردف قائلا بغضب : 
- تقصد ان الملك عنيجر أفضل مني في ادارة شؤون مملكته ! . 
- لم اقصد ذلك ابدا ... فرأيكم حكيم ... وفكركم سديد ! . 
استشاط الملك سبهان غضبا , وقال : 
- أخرص ! ... لقد كانت فكرتك ... كنت تقصد اهانتي بهذه الطريقة ! . 
التفت الملك سبهان نحو الحراس , وأمرهم ان يلقوا القبض على الوزير حواس , وان يرسلوه الى السجن , بينما اكمل موكبه المسير بين شوارع المدينة , وسط هتافات ترحيب من شعب عنيجر , الذي خلع البعض قبعاتهم ورماها في الهواء ! . 
                   ************************************ 
خمسة من حراس الملك الاشداء قيدوا الوزير حواس , وعادوا به الى المملكة , كان بينهم حارسا وفيا للوزير حواس , فتبادل بعض الاشارات معه , طلب من الجميع التوقف قليلا للاكل والشرب , حاول جاهدا ان يقنعهم , فرفضوا , وبعد الالحاح الشديد , قبلوا , فبينما كانوا مشغولين بتحضير الطعام والشراب , فك قيد الوزير حواس , وتناول الاخير سيفا , وتبارزوا معهم , فقتلوهم , لقد كان الوزير حواس فارسا محنكا من فرسان المملكة , فأستطاع ان يجهز على ثلاثة منهم , فأجهز الحارس على الرابع . 
أمتطى كلا منهما جوادا وهربا , سلكا طريقا غير معهودا , حتى دخلا في غابات كثيفة , أجتازاها ببطء , فوصلا الى طريق وعر , لا يمكن للجياد ان تسلكها , ترجل الوزير حواس , وطلب من الحارس كشمر ان يترجل , ويربط الجوادين جيدا , تسلقا الكثير من الصخور , حتى وصلا الى الجهة المقابلة , التي تطل على ساحل البحر , اندهش كشمر من هذا المكان , فسأل الوزير حواس عنه : 
- سيدي ... ما هذا المكان ؟ . 
- هنا يقيم بعض الاصدقاء ! . 
- لم ار مكانا كهذا من قبل ... رغم انني عشت في المملكة ولم اغادرها ابدا ! . 
لم يعره الوزير حواس اي انتباه , واخذ ينظر هنا وهناك , وكأنه يفتش عن شيء , حتى شاهد كوخا صغيرا , فأبتسم وقال : 
- لابد انهما يعيشان هناك ! . 
اسرعا نحو الكوخ , لكنهما لم يجدا احد فيه , فصاح الوزير حواس بصوت تردد صداه : 
- سندال ... تليفه ! . 
لم يجبه احد , فقال كشمر : 
- لابد انهما قد غادرا ! .
- كلا ... يبدو انهما ذهبا للصيد ... سنجلس وننتظرهما ريثما يعودان ! . 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/04/11



كتابة تعليق لموضوع : الذئب الابيض ! ح1
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net