دخل المقهى على عجل، وقلبه يخفقُ بشدة، وتتضارب في أعماقهِ مشاعر وأسئلة شتى، وما أن رأى صديقهُ خالد جالساً في نفس المكان المُعتاد حتى توجه إليهِ مُسرعاً، وهو يلهثُ ويضربُ كفاً بكف وقد إكفهر وجههُ، كأنهُ خرجَ لتوهِ من معركةٍ أو مُشادة، وحينما رآهُ خالد أدرك إن هناك شيئاً مُقلقا في جعبةِ صديقهِ جاسم، فعلاماتُ وجههِ توحي إلى ذلك، وما إن إقترب جاسم من صديقهِ حتى أستفسر خالد بفضولٍ قائلا: مرحباً يا جاسم، ماذا دهاك!؟ أراك متوتراً وغاضباً، خيراً إن شاء الله؟!
جلس جاسم وأخذ يستردُ أنفاسه المُتقطعة ثم أجاب بغضب قائلا: وماذا يكون، مرة أخرى أُلغي مجهودي الأدبي، الذي جلستُ عليها لساعاتٍ طويلة، ولم أذق طعم النوم منذ عدة ليالي، ثم يأتيني الجواب، مَقالتك مرفوضة وغير صالحة للنشر!، وهكذا هو الحال في كل مرة أستلمُ رفضاً أو إنذارا على كتباتي؟!! أخذ جاسم يتنهدُ بألم وحسرة ثم أستمر قائلا: إن الأدباء ما زالوا غرباء عن وطنهم يا صديقي أو بالأحرى أصطنعت لهم الغربة، نحنُ نكرسُ حياتنا للأدب والقيم وعن حقيقةِ معاناةِ الناسِ، ولكنهم لا يفهمون ذلك، أو يدعون عدم فهمِها!؟ لا أعلم الى أي مدى سوف أستطيع التحمُل؟
أرتشفَ خالد فنجان القهوة بهدوء ثم نظر إلى جاسم وأجاب ببرود قائلا: أسمع يا جاسم وقد كررنا هذا الحديث مراراً وهو إن أعداء الكلمة الخيرة هم أعداء الحرية والديمقراطية وهم الذين يحجبون الأدب التقدمي من أن يعانق عيون الناس ويصل إلى قلوبهم ويساهم في معركة الإنسان والوجود،هناك مَنْ لا يؤمن بالإنسان وكرامتهِ وحقوقهِ لأن طبيعتهم وتكوينهم الثقافي لم يجعلهم يواكبون روح العصر والفكر المعاصر والتيارات الأدبية الجديدة، لذا فهم يراوحون في العصر الجاهلي، ولم يتخطى ذهنهم أكثر من ذلك، ويحاولون فرض وصايتهم على الأدب بذهنياتٍ قديمة وأفكار محدودة وأنانية، إنهم لا يملكون قضية ولا مسؤولية إتجاه الرسالة الأدبية وقد أسهموا للأسف الشديد في تشريد ونفي وفصل وحرمان وحتى السجن للعديد من خيرة الأدباء، إنهم في الواقع وبإختصار بعيدين كل البعد عن الكلمة الحرة والفكر الحر والقلم الحر والخيال المتفاعل مع الحقيقة، هذه هي المشكلة يا صديقي، وبصراحة هناك العديد من هذه النخبة التي تجعل من مصلحتها الشخصية فوق كل أعتبار ولا يهمُها ما تريدهُ أنت وما يريدهُ الشعب، بالعكس هذا الشئ هو ضد مصالحهم الشخصية، فلابد لهم من محاربتها ورفضها بكل قوة.
فأجاب جاسم وقد أشتد غضبا قائلا: ولكنني يا خالد كأديب مُدرك لِمسؤولياتي وسوف أحاسبُ يوما أمام الله وأمام ضميري، نحن نعيش الآن في مرحلة وعصر يعيش العالم فيهِ قضية تحرر الشعوب وحرية الرأي نحن نريد أن نخدم القضية الإنسانية بكل أبعادها، وها هم البعض مِنا يقتطعُ من لقمةِ أطفالهِ ليطبع لهُ كتاباً أو ديواناً، وهناك مَن يضطر إلى طبعِ إنتاجاتهم في الخارج وهو يجمعُ خطوات غربتهِ المُرة، وهناك مَن يوزع كتبهم هنا وهناك دون جدوى، وهناك مَن يُكدس روائعه في عزلة تامة، هناك أكثر مِن حاجز وعقبة تقف أمامنا تكتم على أنفاسنا، إن لم يتفاعل الأديب مع جماهيرهِ ويلتحم بهم يفقدُ جوهر رسالتهِ ؟
فأجاب خالد بحماس قائلا: أجل يا صديقي، ولكن هناك مَن يعتبر إن حرية الحرف وثورية الكلمة هي ألدّ الأعداء لهم، أنا أعلم وأنت تعلم إن الأدباء الأكثر إدراكا لمسؤوليتهم هم جيل الكلمة الحرة والحروف المتفاعلة مع الحقيقة، ولكن للأسف الشديد كما تعلم فمُعظمنا يعيش أما النفي أو الفصل أو شظف العيش أو الغربة أو حتى خلف قضبان السجن، نحن نمتلك رؤية إنسانية واضحة للأشياء والأحداث والوقائع بكل معنى الكلمة ونخدم القضية الإنسانية بكل معاييرها، إنها معادلة موضوعية كالمعادلة الرياضية كما قال أحد الأدباء، أديب + حرية = أدباً إنسانيا
فأجاب جاسم بحسرة قائلا: وما الحل، إذن يا صديقي؟
أجاب خالد بثقة قائلا: نحن يا صديقي كأدباء لا نستطيع التحرك في مجال اللاديمقراطية، علينا الإصرار في النشر حتى لو رفضت جهودنا، فشرف المحاولة في التكرار والتصميم والإصرار على ما نريد نشرهُ، وهذا لا يعني إرضاءً للضمير بل هي محاولة قتل كل المحاولات والعقبات وقبرها، قد نفقد وظائفنا أو نسجن أو ننفى أو نغترب، لكن يجب أن لا نصمت، ولا ننسى إن شرف الثورة في أن يناضل الأديب ضد كل ألوان التعسف والحرمان ويستمر بتقديم إنتاجه، والأديب الحق هو الذي يتحمل الجوع والنفي والسجن والغربة ألف مرة مقابل أن تصل الحقيقة لكل الناس وحينها سوف يظل هذا الأديب إنساناً مُخلصاً ووفياً لرسالتهِ ولن يسقط حِسابه في نظر الناس والتاريخ والوطن، ومن هذا المنطلق نثبت قوتنا وصمودنا وإصرارنا في مواصلة نشر رسالتنا بإخلاص ووفاء، ولا تنسى يا صديقي إن أي قائداً كان إذا حاول إن يغمض عيون جنودهِ لن يربح المعركة.
فأجاب جاسم بهدوء بعد أن أسترد أنفاسهِ قائلا: حقاً يا صديقي.. وكم من صفحات بيضاء سفكَ الأديبُ عليها دمهِ، ولم يزل..؟
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
دخل المقهى على عجل، وقلبه يخفقُ بشدة، وتتضارب في أعماقهِ مشاعر وأسئلة شتى، وما أن رأى صديقهُ خالد جالساً في نفس المكان المُعتاد حتى توجه إليهِ مُسرعاً، وهو يلهثُ ويضربُ كفاً بكف وقد إكفهر وجههُ، كأنهُ خرجَ لتوهِ من معركةٍ أو مُشادة، وحينما رآهُ خالد أدرك إن هناك شيئاً مُقلقا في جعبةِ صديقهِ جاسم، فعلاماتُ وجههِ توحي إلى ذلك، وما إن إقترب جاسم من صديقهِ حتى أستفسر خالد بفضولٍ قائلا: مرحباً يا جاسم، ماذا دهاك!؟ أراك متوتراً وغاضباً، خيراً إن شاء الله؟!
جلس جاسم وأخذ يستردُ أنفاسه المُتقطعة ثم أجاب بغضب قائلا: وماذا يكون، مرة أخرى أُلغي مجهودي الأدبي، الذي جلستُ عليها لساعاتٍ طويلة، ولم أذق طعم النوم منذ عدة ليالي، ثم يأتيني الجواب، مَقالتك مرفوضة وغير صالحة للنشر!، وهكذا هو الحال في كل مرة أستلمُ رفضاً أو إنذارا على كتباتي؟!! أخذ جاسم يتنهدُ بألم وحسرة ثم أستمر قائلا: إن الأدباء ما زالوا غرباء عن وطنهم يا صديقي أو بالأحرى أصطنعت لهم الغربة، نحنُ نكرسُ حياتنا للأدب والقيم وعن حقيقةِ معاناةِ الناسِ، ولكنهم لا يفهمون ذلك، أو يدعون عدم فهمِها!؟ لا أعلم الى أي مدى سوف أستطيع التحمُل؟
أرتشفَ خالد فنجان القهوة بهدوء ثم نظر إلى جاسم وأجاب ببرود قائلا: أسمع يا جاسم وقد كررنا هذا الحديث مراراً وهو إن أعداء الكلمة الخيرة هم أعداء الحرية والديمقراطية وهم الذين يحجبون الأدب التقدمي من أن يعانق عيون الناس ويصل إلى قلوبهم ويساهم في معركة الإنسان والوجود،هناك مَنْ لا يؤمن بالإنسان وكرامتهِ وحقوقهِ لأن طبيعتهم وتكوينهم الثقافي لم يجعلهم يواكبون روح العصر والفكر المعاصر والتيارات الأدبية الجديدة، لذا فهم يراوحون في العصر الجاهلي، ولم يتخطى ذهنهم أكثر من ذلك، ويحاولون فرض وصايتهم على الأدب بذهنياتٍ قديمة وأفكار محدودة وأنانية، إنهم لا يملكون قضية ولا مسؤولية إتجاه الرسالة الأدبية وقد أسهموا للأسف الشديد في تشريد ونفي وفصل وحرمان وحتى السجن للعديد من خيرة الأدباء، إنهم في الواقع وبإختصار بعيدين كل البعد عن الكلمة الحرة والفكر الحر والقلم الحر والخيال المتفاعل مع الحقيقة، هذه هي المشكلة يا صديقي، وبصراحة هناك العديد من هذه النخبة التي تجعل من مصلحتها الشخصية فوق كل أعتبار ولا يهمُها ما تريدهُ أنت وما يريدهُ الشعب، بالعكس هذا الشئ هو ضد مصالحهم الشخصية، فلابد لهم من محاربتها ورفضها بكل قوة.
فأجاب جاسم وقد أشتد غضبا قائلا: ولكنني يا خالد كأديب مُدرك لِمسؤولياتي وسوف أحاسبُ يوما أمام الله وأمام ضميري، نحن نعيش الآن في مرحلة وعصر يعيش العالم فيهِ قضية تحرر الشعوب وحرية الرأي نحن نريد أن نخدم القضية الإنسانية بكل أبعادها، وها هم البعض مِنا يقتطعُ من لقمةِ أطفالهِ ليطبع لهُ كتاباً أو ديواناً، وهناك مَن يضطر إلى طبعِ إنتاجاتهم في الخارج وهو يجمعُ خطوات غربتهِ المُرة، وهناك مَن يوزع كتبهم هنا وهناك دون جدوى، وهناك مَن يُكدس روائعه في عزلة تامة، هناك أكثر مِن حاجز وعقبة تقف أمامنا تكتم على أنفاسنا، إن لم يتفاعل الأديب مع جماهيرهِ ويلتحم بهم يفقدُ جوهر رسالتهِ ؟
فأجاب خالد بحماس قائلا: أجل يا صديقي، ولكن هناك مَن يعتبر إن حرية الحرف وثورية الكلمة هي ألدّ الأعداء لهم، أنا أعلم وأنت تعلم إن الأدباء الأكثر إدراكا لمسؤوليتهم هم جيل الكلمة الحرة والحروف المتفاعلة مع الحقيقة، ولكن للأسف الشديد كما تعلم فمُعظمنا يعيش أما النفي أو الفصل أو شظف العيش أو الغربة أو حتى خلف قضبان السجن، نحن نمتلك رؤية إنسانية واضحة للأشياء والأحداث والوقائع بكل معنى الكلمة ونخدم القضية الإنسانية بكل معاييرها، إنها معادلة موضوعية كالمعادلة الرياضية كما قال أحد الأدباء، أديب + حرية = أدباً إنسانيا
فأجاب جاسم بحسرة قائلا: وما الحل، إذن يا صديقي؟
أجاب خالد بثقة قائلا: نحن يا صديقي كأدباء لا نستطيع التحرك في مجال اللاديمقراطية، علينا الإصرار في النشر حتى لو رفضت جهودنا، فشرف المحاولة في التكرار والتصميم والإصرار على ما نريد نشرهُ، وهذا لا يعني إرضاءً للضمير بل هي محاولة قتل كل المحاولات والعقبات وقبرها، قد نفقد وظائفنا أو نسجن أو ننفى أو نغترب، لكن يجب أن لا نصمت، ولا ننسى إن شرف الثورة في أن يناضل الأديب ضد كل ألوان التعسف والحرمان ويستمر بتقديم إنتاجه، والأديب الحق هو الذي يتحمل الجوع والنفي والسجن والغربة ألف مرة مقابل أن تصل الحقيقة لكل الناس وحينها سوف يظل هذا الأديب إنساناً مُخلصاً ووفياً لرسالتهِ ولن يسقط حِسابه في نظر الناس والتاريخ والوطن، ومن هذا المنطلق نثبت قوتنا وصمودنا وإصرارنا في مواصلة نشر رسالتنا بإخلاص ووفاء، ولا تنسى يا صديقي إن أي قائداً كان إذا حاول إن يغمض عيون جنودهِ لن يربح المعركة.
فأجاب جاسم بهدوء بعد أن أسترد أنفاسهِ قائلا: حقاً يا صديقي.. وكم من صفحات بيضاء سفكَ الأديبُ عليها دمهِ، ولم يزل..؟
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat