ورد عن النبي الخاتم صلى الله عليه واله : ( شهر دعيتم فيه الى ضيافة الله ) .
الضيافة في الدين الإسلامي هي خلق من أخلاق الله تعالى ، فقد استضاف جميع مخلوقاته في عالم الوجود بالمعنى الواسع للكلمة ، وقد اخرجهم الله سبحانه من العدم الى الوجود ، وقد البسهم لباس الإمكان ، وقد قال الحكيم مولوي :
نحن إعدام نتظاهر بالوجود
فانت الوجود المطلق وانت وجودنا
اي نحن ارتدينا هذه اللباس وندعي أننا موجودون ولكن في الحقيقة امام الوجود الالهي نحن لازلنا نعيش العدم ، ونتظاهر بالوجود .
نحن وجميع الموجودات نعيش في هذه المملكة الإلهية ، وضيوف في هذا الوجود ، نحن ضيوف في هذه النشأة الدنيوية ، حيث يدعونا الى طيب ارزاقه ونعمه والالطافه في كل ساعة وكل يوم على مدى الأسابيع والأشهر ، وفي جميع المواسم ، فمن احب الله تعالى لبى هذه الدعوة المباركة .
من خلال هذه الدعوة الإلهية للضيافة علينا أن نتعلم كيف نحب الضيافة أولا ؟ ، وكيف يراعي أدابها ثانيا سواء كان ضيفا او مضيفا ؟
وقد استضافنا الله تعالى ضيافة خاصة في شهره المبارك : ( شهر دعيتم فيه الى ضيافة الله ).
يقول احد العلماء : ( في هذا الشهر الجميع ضيوف عند الله فما عليكم الا أن تفكروا في إصلاح انفسكم ، وتتوجهوا الى خالقكم ، استغفروا الله من زلاتكم إذا كنتم لا سمح الله قد ارتكبتم ذنبا فتوبوا اليه ، وإياكم أن تصدر منكم غيبة او تهمة او نميمة او اي ذنب لأنكم تسيئون آداب الضيافة ، وتدنسون أنفسكم بالمعاصي، وانتم ضيوف الله سبحانه ، لقد دعيتم الى الضيافة فهيئوا أنفسكم لهذه الضيافة الإلهية ، وتعلموا الآداب الصورية الظاهرية على الأقل ، التزموا بهذه الآداب الآولية على الأقل فكما تمسكون عن الطعام والشراب فأمسكوا عن الذنوب والمعاصي ، واحفظوا ألسنتكم عن الأقوال السيئة ، واخرجوا من قلوبكم كل الصفات القبيحة .
هذه الدعوة الإلهية دعوة تشريف وتكامل للإنسان ، يقول السيد ابن طاووس : ( اعلم أصل التكليف انه تشريف لعباده من يستحق العبادة ، لانه جل جلاله أهل لها ).
ومن هذه الضيافة نتعلم الأخلاق من الله تعالى ورد في الأثر : ( تخلقوا بأخلاق الله تعالى )، أن الله تعالى يحب الضيف والسائل ، ويكرمه كذلك نحن علينا أن نحب الضيف ونكرمه وندعوه على مائدتنا ، ونقدم له الإفطار ، وان نعين الفقراء .
قال تعالى : ( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) سورة القصص77
في موسم الحج الأكبر في كل عام الله تعالى يستضيف عباده في بيته الحرام والمشاهد المشرفة ، والمشاعر المكرمة ورد في الحديث عن الامام الرضا عليه السلام : ( علة الحج الوفادة الى الله تعالى ) .
وهناك تكون ضيفا عند النبي الخاتم صلى الله عليه واله وسلم وأئمة الهدى ومصابيح الدجى في البقيع ، وما أجمل هذه الضيافة عندما يذهب الضيف ، ويبحث عن رائحة الجنة والتفاحة الوجودية الفردوسية التي بين المرقد المطهر والمنبر للنبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه وعلى اله الأطهار .
نعم إذا لم ترعى هذه الآداب واخل الحاج في شرط من شروطها كمن يحج بأموال مغصوبة ، كان الحج مردودا صاحبه من الاستضافة الرحمانية .
شهر رمضان هو شهر للقيام والصيام والذكر والإنفاق ، فهو ربيع العبادة الإلهية الخاصة للمخلصين من عباده ، نعم هي ضيافة روحية طعامها الذكر والتوجه ، والحب والاستغراق في الله ، وهي نشاطات قلبية تصقل بها الروح لتنطلق الى بارئها وخالقها ومربيها الكامل المطلق .
الإنسان بحاجة ماسة الى التربية الشاملة والمستمرة مدى الحياة ، وهذه التربية لا تتحقق الا عبر برنامج شامل لكل مجالات الحياة ولكل مراحلها .
عبر البعض عن هذه الضيافة ضيافة الروح لا الجسد ، ولكن نص الحديث النبوي الشريف ( صوموا ) على أن هذه الضيافة شاملة لكل أبعاد وجود الإنسان من دون اختصاص بالروح فقط ، وان كانت الروح هي التي يراد لها الارتقاء والتكامل ولكن عبر الجسد ، ومن خلال الغرائز والشهوات التي قد زود بها وجود الإنسان .
ومن هنا نقول : أن الصحة التي جاءت في حديث الرسول الخاتم صلى الله عليه واله وسلم : ( صوموا تصحوا ) ، هذه الصحة هي صحة جسدية وروحية وعقلية وسلوكية في شاملة لجميع الأبعاد .
حقيقة الإنسان بروحه وليس في بدنه ، وان الروح ليست في الجسد بل الجسد في الروح لانها أوسع منه بكثير .
يا خادم الجسم كم تشقى بخدمته
أن بالروح لا بالجسم إنسان
ماذا يوجد في هذه المائدة في الضيافة الإلهية
؟
تجتمع في هذا الشهر الكريم أنواع الطاعات ، والمبرات للإنسان المؤمن فهي مائدة متنوعة وشاملة ويمكن إجمال اهم هذه الأنواع لهذه الأطعمة :
الصوم
تلاوة القران
القيام
الدعاء
التوبة والإنابة
الورع
الاستعداد لعصر الظهور
حسن الخلق
الانفاق
حسن الخلق
رحمة الأيتام
الاعتكاف
صلة الأرحام
الذكر والتسبيح
الاستعداد للحج فقد ورد الإلحاح على طلب من الله تعالى في التوفيق للحج : ( ورزقني حج بيتك الحرام في عامي هذا وفي كل عام ).
الأحياء
الأطعام
ولعل من أطيب موائد هذه الضيافة الإلهية هو الاستغفار في الأسحار حيث صفاء الليل وقداسة الوقت وسمو المطلب .
فهو الأمان الالهي كما في الحديث : ( امانان من عذاب الله رفع الأول وبقي الآخر أما الأمان الذي رفع فهو رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، وأما الأمان الباقي فهو الاستغفار .
قال تعالى : ( وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ )
نحن ضيوف على اكرم الأكرمين في كل أن ، مرحب بنا ينظر إلينا المضيف بعين الرحمة والمغفرة ، وبخلاف ذلك لو ذهب البعض في ضيافة بخيل تجده دائماً هاربا من هذه الضيافة .
ياايها الخارج من بيته
وهاربا من شدة الخوف
ضيفك قد جاء بزاد له
فارجع وكن ضيفا على الضيف
أن الأعمال الفاسدة والذنوب والموبقات تمزق هذه الضيافة وتبدي عدم الاحترام لها ، وإساءة الأدب مع المضيف ، ومن هذه الأمور
أولا : عدم التورع عن الحرام
ورد عن النبي الخاتم صلى الله عليه واله وسلم : ( من لم تصم جوارحه عن محارمي فلا حاجة في أن يدع طعامه وشرابه من أجلي ).
وعن النبي صلى الله عليه واله وسلم : ( من تأمل خلف امرأة حتى يتبين له حجم عظامها من وراء ثيابها وهو صائم فقد أفطر ) معاني الأخبار
وقال الامام علي بن أبي طالب عليه السلام : ( الصيام اجتناب المحارم كما يمتنع الرجل من الطعام والشراب ) ، ورد في كلمات النبي صلى الله عليه واله عندما سأله علي بن أبي طالب عليه السلام عن ماهي افضل الأعمال في هذا الشهر الكريم ؟
فأجاب صلى الله عليه واله وسلم هو الورع عن محارم الله تعالى .
ثانيا : الرياء ، ورد عن النبي صلى الله عليه واله وسلم : ( من صام يرائي فقد أشرك ) .
الرياء من المفطرات المعنوية، كما أن الجوارح يجب أن تكون صائمة كذلك الجوانح ، والشرك الخفي من يمزق الضيافة الإلهية .
( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللّهِ إِلاَّ وَهُم مُّشْرِكُونَ )
ورد في الأخبار اغلب أهل الإيمان أهل شرك ، ورد عن الامام الرضا عليه السلام : ( أن الشرك لاخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الملساء ) .
الشرك بالعبادة من الأمور التي تمزق هذه الضيافة وتسيء الآداب مع صاحبها .
( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا )
ثالثا : التشاغل باللغو واللهو ، ومن مصادق ذلك استخدام خدمات الاتصال المجاني كالانترنيت بدون فائدة ، بل التشاغل مع جهات مشبوهة تنشر الإباحة والمشاهد التي تسيء لهذه الضيافة الإلهية .
رابعا : تعاطي كل مايكرهه الله تعالى ، ومن مصادق ذلك زيارة قبور الملحدين والمنكرين ، والمعتقدين أن فكرة الله خرافة والخالق هو الطبيعة ، نعم يوجد ازدواجية عند البعض خصوصا من لديه اتجاه سياسي طبعا اقصد بالسياسة المذمومة التي شعارها الكذب والخداع وتعابير راقية ودقيقة بنوايا خبيثة ، بخلاف السياسة المحمودة وهي سياسة الأنبياء والأئمة عليهم السلام لأنهم ساسة العباد ، وأركان البلاد .
انظر الى الرئيس العراقي عبد السلام عارف حينما رجع من العمرة لتوه ثم سافر الى موسكو وزار قبر لينين ووضع إكليلا من الزهور على قبره .
فقال الشيخ الخطيب العالم محمد علي اليعقوبي طاب ثراه
بالأمس كنت ببيت الله معتمرا
ترمي الجمار على مأوى الشياطين
واليوم ترمي أكاليل الزهور
على ضريح قبر بنوه فوق لينين
لا اعلم هل هذه ازدواجية او حقيقة معتقده ، هذه السياسة التي تجعل البعض أن يتنازل عن مبادئه وقيمه ودينه وعقيدته ، ويمكن أن يكون هذا الحج سياسي لا ديني وواجب شرعي !!
نحن في كل يوم من أيام الأسبوع نحل ضيوفا على الله تعالى وأهل البيت عليهم السلام، عندما ندخل الى المسجد فنحن ضيوف على الله تعالى .
يقول الامام زين العابدين عليه السلام :( الهي ضيفك ببابك ، يامحسن قد أتاك المسيء ) ، هذا عندما كان يبلغ باب المسجد .
انظر الى الأدعية في الأسبوع .
منها : ( هذا يوم السبت وهو يومك وأنا فيه ضيفك وجارك ) ضيافة نبوية عند النبي الخاتم صلى الله عليه واله وسلم
منها: ( يا مولاي ياامير المؤمنين هذا يوم الأحد وهو يومك وأنا ضيفك فيه وجارك ) ضيافة علوية
منها : يوم الاثنين : ( يا مولاي ياابا محمد وياابا عبد الله هذا يوم الاثنين وهو يومكما وباسمكما وأنا فيه ضيفكما فأضيفاني واحسنا ضيافتي ) ضيافة الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام .
وفي يوم الثلاثاء نحل ضيوفا على ثلاثة من الأئمة الأطهار السجاد والباقر والصادق عليهم السلام : ( ياموالي هذا يومكم وهو يوم الثلاثاء وأنا فيه ضيف لكم فأضيفوني واجيروني).
وقد ورد في زيارة الكاظم والرضا والجواد والهادي عليهم السلام : ( أنا مولى لكم مؤمن بسركم وجهركم متضيف بكم في يومكم هذا وهو يوم الأربعاء ومستجيربكم واضيفوني واجيروني)
يوم الخميس : ( أنا مولى لك ولال بيتك هذا يومك وهو يوم الخميس وأنا ضيفك فيه ومستجير بك فأحسن ضيافتي واجارتي)
وقد ورد في الضيافة في يوم الجمعة أنها خاصة بالإمام المهدي عجل الله فرجه : ( يامولاي ياصاحب الزمان هذا يوم الجمعة وهو يومك المتوقع فيه ظهورك ، والفرج فيه للمؤمنين على يديك وأنا يامولاي فيه ضيفك وجارك ، وانت يامولاي كريم من أولاد الكرام ، ومأمور بالضيافة والاجارة فأضفني واجرني
يقول السيد بن طاووس :
نزيلك حيث مااتجهت ركابي
وضيفك حيث كنت من البلاد
نحن في ضيافة مستمرة لأهل البيت عليهم السلام خصوصا ونحن في جواره ، فالجدير بالضيف أن يراعي آداب الضيافة الحسينية ، ويستفيد من وجوده في كربلاء الحماسة والعرفان من التسنن بسنة الحسين عليه السلام والسير على منهاجه وقيمه ومبادئه وذكر فضائله وذكر مصابه
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أولاد الحسين وعلى أصحاب الحسين ورحمة الله وبركاته .
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat