الخيرُ مبادرة (2) التواكل وأولوية المبادرة
وسام الركابي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
وسام الركابي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
(لا تقولن فلان أولى بفعل الخير منّي ، فإنه يكون ـ والله ـ كذلك!) .. علي بن أبي طالب .
**********
هكذا يفعل التواكل فعله في الفتّ في عضد العاملين ..
وهكذا يقتل التواكل فرص المبادرة لعمل الخير ، وإصلاح الفساد ..
ومن أشكال التواكل التي قد تنطلي خدعها حتى على المخلصين أن يأتي بصورة التواضع أمام الآخرين ، فلا نبادر للخير ما دام (فلان الفلاني) محجماً !! فهو أكثر علماً ، وأشد حرصاً ، وأكثر حكمةً ، وأكبر سنّاً ... وهلمّ تواكلاً ..
بل ربما يقوم (الفلان) ذاك بالترويج لفكرة (لو كان في هذه المبادرة أو تلك خيراً ما سبقنا إليها أحد !!) .. وياله من فخّ ! وكأنه يملك الحق الحصري من السماء بفعل الخير أو دفع الضر دون غيره من عباد الله تبارك وتعالى ..
××××××××××
أنقل لكم هذه القصّة الواقعيّة التي يرويها السيد (هادي المدرسي) عن تجربة مرّ بها ،
وأترك لكم الفرصة (لتبادروا) في (التّفكّر) بمعطياتها ،
وفقنا الله تبارك وتعالى وإيّاكم لمراضيه .
يقول السيد هادي المدرسي :~
××××××××××
(تغيّر نظام الحكم في بلادنا فجأة ، بانقلاب عسكري ، وقامت السلطات باعتقالات واسعة في صفوف شرائح مختلفة من طبقات المجتمع ، وكان من بين المعتقلين سياسيّون ، ووجهاء ، وبعض رجال الدين .
وكانوا جميعاً وبلا استثناء رجالاً طيّبين ، وكان لا بدّ من التحرك لإطلاق سراحهم ..
من جانبي كنت أعتقد أنني صغير على مثل هذا الأمر ، حيث لم أتجاوز العشرين من عمري بعد ، ومن هنا فقد كنت آمل أن يقوم من هو أكبر مني بهذا الدور .. وهو الأمر الذي لم يحدث ..
فاتّفقت مع زميل لي على أن نقوم بمحاولة التأثير على بعض أصحاب النفوذ من الوجهاء ، لكي يقوم أولئك بالضغط على السلطات حتى تطلق سراح المعتقلين .
وهكذا ذهبت في صباح يوم بارد ، إلى بيت صاحبي لكي ننطلق معاً لملاقاة من اتّفقنا على اللقاء بهم .
وفيما كنت جالساً في غرفة الإستقبال وأنا أنتظره حتى يتهيّأ للخروج ، وجدتُ على الطاولة كتاباً ، فأخذتُ أتصفّح فيه ، فما إن فتحته حتى وجدتُ فيه الجملة التالية (لا تقولن فلان أولى بفعل الخير مني ، فإنه يكون ـ والله ـ كذلك) .
كان الكتاب (نهج البلاغة) الذي يجمع خطب الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ورسائله ، وكلماته الحكيمة .
شعرت كأن الإمام يتحدث معي شخصيّاً ، ويحثني أن أقوم أنا بالدور الذي أريد أن أطلب من الآخرين أن يقوموا به ..
كرّرتُ الجملة على نفسي حتى اقتنعتُ بها تماماً . فقررتُ أن أطبّق ما فهمتُه منها . بعد لحظات جاء صاحبي وقد تهيّأ للإنطلاق فقلتُ له : (يا صديقي ! لقد تغيّرتِ الخطّة) .
قال : (ماذا تعني) ؟
قلتُ : (لماذا لا نقوم نحن بالضغط مباشرة على السلطات ، بدل أن نطلب ذلك من غيرنا) ؟
قال : (نحن لا نستطيع) ..
قلتُ : (إن الإمام علياً عليه السلام يقول إننا نستطيع) .
قال : (هل حلمتَ بذلك في منامك البارحة) ؟
قلتُ : (بل سمعتُ الإمام يقول ذلك ، اليوم في اليقظة) .
ثم أخرجتُ له الجملة من الكتاب وقرأتها عليه ..
في البداية لم يقتنع بجدوى عملنا ، لأننا كنا لا نزال في بداية عهد الشباب ، ولكن مع مرور الزمن تبيّن له أنني كنت على حق ، فقد تكلل عملنا بالنجاح ، وتم إطلاق سراح الجماعة ..
لقد كان لتلك النصيحة الصغيرة تأثيراً كبيراً غيّر مجرى حياتي تماماً ، فلا زلتُ حتى الآن كلّما شعرتُ بأنّ عملاً ما هو أكبر منّي ، وأنّ باستطاعة غيري أن يقوم به من دوني ، أستعيدها ، وأنطلق بها في الحياة ..) .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat