صفحة الكاتب : صالح الطائي

أنموذج نظام حكم الأسرة العربي
صالح الطائي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يوم لم يكن مصطلح الديمقراطية قد ظهر بعد في مجتمعاتنا العربية، وحيث كانت الأسرة العمود الأسمى لطرائق الهيمنة على العوائل والقبائل والدول وحتى الامبراطوريات العربية، لم يكن مستهجنا أن يكون الابن الأكبر وارثا لسلطة والده الذكورية في البيت، وأن يصبح ابن الشيخ شيخا  للعشيرة والقبيلة خلفا لوالده، وابن السلطان سلطانا وخليفة على دولة أبيه، وكانت الأمة قانعة بقسمتها الضيزى هذه فكل منهم مشغولا بهم يومه وكيفية الحفاظ على وجوده وحماية ممتلكاته وصون نفسه، ولم يكن بينهم من ينظر إلى ما في يد الكبار لأنه يصبح طعاما للنار ويعد خارجا على ولي الأمر ويجب أن يتلظى بالجمر. وكان كل منهم راضيا بقسمته ولا يطلب غيرها لكي لا يتهم أنه يطالب بأكثر من حقه فيعد خارجا على القانون ويذيقوه لجرأته المنون.
لكن مع تقدم العلوم، وتغير الأحوال، وسعي العولمة لتحويل العالم إلى قرية صغيرة، ومسعى الدول العظمى للهيمنة على باقي البلدان وعلى مصادر الطاقة، وما رافق ذلك من ثورة للمعلومات والاتصالات ويسر وسهولة في طرق المواصلات وتوسع في بث وتغطية الفضائيات، أدركت الشعوب العربية أنها حقا مغلوبة على أمرها، وأن هناك من صادر حقها وثروتها وحرمها من خيرات البلدان، حيث تبين أن آلية تغير نظم الحكم في العالم الحديث لم تدخل إلى أراضينا، ولم يسمع بها حكامنا، فالأيام بدأت تكشف كيف أن هؤلاء الحكام أحاطوا أنفسهم وأنظمتهم بمراكز قوى من صلبهم وعشائرهم لتدافع عنهم مقابل أن تسيطر على أرزاق وأقوات وموارد العباد، فهم فضلا عن تمسكهم بالكرسي ورفضهم التخلي عنه مهما بلغوا من العمر عتيا باتوا يهيئون الأرضية لأولادهم وأحفادهم ليحكموا خلفا لهم تماما كما كان الحكام من بني أمية وبني العباس وحكام السلالات. فوضعوا جل أفراد أسرهم وعوائلهم في المراكز الحساسة في الدولة،وإذا ما كان نظام الحكم الأسري مشاعا ومعروفا في السعودية ودول الخليج العربي (إمارات وممالك) وعُمان والبحرين، فإن أنظمة الحكم الجمهورية في البلدان العربية لا تختلف في ذلك كثيرا عنهم وإن أحجمت عن التفاصيل، حيث كان صدام يسعى لتولية ابنه قصي وكانت الدولة تدار فعلا من قبل أبناء قرية الرئيس وأقربائه، وكان هناك أشقاء الرئيس برزان وسبعاوي ووطبان وأبناء عمه علي كيمياوي وحسين كامل وصدام كامل وغيرهم،كذلك مبارك كان يسعى لتوريثها إلى ولده جمال، والقذافي كان يسعى ليضع ولده سيف الإسلام في مكانه فضلا عن وضع باقي أبنائه وأفراد أسرته وأقربائه من عشيرة القذاذفة في أهم مراكز القوة في البلاد. وبن علي كان قد أطلق يد عائلة زوجته (الطرابلسي) في شؤون البلاد والعباد.
أما نظام الحكم في اليمن فلم يشذ عن هذه القاعدة حيث يجلس الرئيس علي عبد الله صالح على كرسي الحكم منذ عقود، أما الأبناء والأخوان والأحفاد وأبناء العم والخال فوزعهم على كافة مفاصل الدولة الحساسة حيث عين ولده "أحمد" قائدا للحرس الجمهوري وقائدا للقوات الخاصة، وعين أبناء أخوته توفيق صالح عبدالله صالح مديرا  لشركة التبغ والكبريت الوطنية، ويحيى محمد عبدالله صالح رئيس أركان الأمن المركزي، وطارق محمد عبدالله صالح  قائد الحرس الخاص، وعمار محمد عبدالله صالح  وكيل جهاز الأمن القومي، كما وضع أخوته الأشقاء وغير الأشقاء في مفاصل الدولة الحساسة، فالأخ غير الشقيق علي محسن صالح الأحمر قائدا للفرقة الأولى المدرعة وقائدا للمنطقة الشمالية الغربية، وكذلك باقي الأشقاء فضلا عن تعيين أقرباء زوجاته الأربع كل في مرفق، فأحمد الكحلاني  أبو زوجته الرابعة كان يتنقل من أمين عاصمة إلى محافظ، وعبد الوهاب عبد الله الحجري شقيق الزوجة الثالثة سفير اليمن في واشنطن، وخالد عبد الرحمن الأكوع شقيق الزوجة الثانية وكيلا لوزارة الخارجية. كذلك وضع أصهاره وأخوتهم في موقع القرار حيث عين عمر الأرحبي شقيق زوج ابنته مديرا لشركة النفط اليمنية، وخالد الأرحبي زوج ابنته الأخرى الأمين العام المساعد لرئاسة الجمهورية ومدير القصور الرئاسية، وعلي احمد دويد زوج ابنته الثالثة أمينا لشؤون القبائل، وأخوه نعمان أحمد دويد محافظا لصنعاء وقبلها مديرا لمصنع اسمنت عمران لعشر سنوات، كما عين كهلان مجاهد أبو شوارب أخ زوج ابنته محافظا لعمران، وعبد الكريم إسماعيل الأرحبي عم زوج ابنته نائبا لرئيس الوزراء وزيرا للتخطيط ، ومديرا للصندوق الاجتماعي للتنمية، أما أبناء الخال والخالة والعم والعمة فهم: رئيس الخطوط الجوية اليمنية/ قائد لواء/ قائد منطقة/ قائد قوات معسكر / قائد اللواء 35 مدرع بالضالع/ قائد القوات الجوية/ قائد اللواء السادس طيران/ مدير شركة النفط اليمنية/ مدير عام الشركة اليمنية للاستثمارات النفطية/ وكيل وزارة / محافظ / رئيس الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد/ قائد الألوية الجبلية الجديدة ومهمتها الحفاظ على العاصمة صنعاء/ أركان حرب الأمن المركزي/ وكيل جهاز الأمن القومي. هذا فضلا عن أبناء العشيرة وأبناء المدينة وباقي الأقرباء.
وفي الوقت الذي دفع فيه هذا العمل الشاذ والتسلطي الشعوب العربية للثورة على هؤلاء الحكام المنحرفين، ومنح ثورتهم الشرعية والقبول في العالم كله، فإنه يدل أيضا على أن تغيير أنظمة الحكم الشمولية الأسرية لن يكون بالعمل اليسير، وإن هؤلاء المجرمين الحريصين على مصالحهم والمسيطرين على القوات العسكرية وقوات الأمن والمخابرات ومخازن الأسلحة والأعتدة وموارد البلد المالية، لن يسلموها إلى الثوار إلا بعد سفك الدماء الغزيرة، وإنهم لن يتزحزحوا إلا بعد أن يغرقوا بلدانهم ببحر من الدم، وما يحدث في ليبيا اليوم من جرائم قذرة ترتكبها كتائب القذافي التي يقودها أبناؤه وأقرباؤه خير دليل على ذلك،علما أن كل البلدان المحكومة وفق النظام الأسري سوف ترتكب الجرائم نفسها ضد شعوبها، ولكن هذه الأعمال لن تزيد الثوار إلا عزما وإصرارا على إسقاط هذه الأنظمة المتخلفة، والتحرر من ربقة الظلم وشدة العسف والجور.
المؤلم أن الحكام الجهلة يبقون (في غيهم سادرين) ولا يلتفتون إلى عبر التاريخ مما يهدد بلداننا بالويل والثبور لا على أيديهم فقط بل مما يخبئه الزمان، فهم لا يعتبرون من عبر التاريخ وآياته، لذا ترى التاريخ يعيد نفسه في بلداننا متى يشاء فالسيناريو العراقي الذي نفذ في الأمس القريب على يد القوات الغازية الأمريكية، يعيد نفسه اليوم في ليبيا حرفيا، حيث السلاح بيد كل طبقات الشعب شريفها ومجرمها، ثائرها وعميلها، وحيث التلميحات الأمريكية والأوربية بفرض الحظر الجوي وإمكانية التدخل المباشر، والتلويح بحلول التقسيم والعودة بليبيا إلى نظام الولايات الثلاث، وحيث الجامعة العربية تجتمع لتعطي إلى قوات الغزو العالمية غطاء الشرعية الذي تبحث عنه، فترحب واشنطن بقرار الجامعة، كل ذاك بهدف (عرقنة) القضية الليبية وباقي القضايا العربية القلقة الأخرى، وإعادة التجربة في رقعة أخرى من جغرافية وطننا العربي الكبير، ورحم الله أيام (وطني حبيبي الوطن الأكبر)  
 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


صالح الطائي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2011/03/14



كتابة تعليق لموضوع : أنموذج نظام حكم الأسرة العربي
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net