ببساطة ودون ترتيب مسبق سيجيبك أي مختص في علوم الأرض لو سألته عن سبب
الهزات التي تضرب المدن والقرى والسواحل على ضفتي الخليج وأسفل الجبال
الشامخة التي تمتد من تركيا الى إيران وتظلل مساحات من البلاد العربية ؟
وسيقول ،إن الصفيحتين العربية والفارسية إصطدمتا وتسببتا في هزات عنيفة
وأخرى إرتدادية ،وهو الأمر الذي يتكرر غالبا دون أن يشعر به الأبعدون
،لكن الهزات الأخيرة سواء التي ضرت مناطق في الغرب الإيراني ،أو تلك التي
ضربت الساحل الباكستاني على بحر العرب ،وكذلك الجوار الإيراني فإنها عبرت
بتأثيراتها الى الضفة الغربية للخليج ،وتجاوزت حدود العراق ، وكان من
نصيب أهل بغداد بعد مياه الأمطار وصراعات السياسيين أن يشعروا بالهلع من
حوادث قد تؤذيهم ،وتسبب المخاطر التي لايستطيع أحد أن يتكهن بمدى خطورتها
.
الصفائح الأرضية تصطدم ومعها تتغير الأمزجة ،وتتنوع الرغبات ،ويكثر
الحديث عن تحالفات جديدة بعد سنوات عن سجال مضطرب حول ضرورات مواجهة
التمدد الإيراني وبناء تحالفات طائفية عميقة وكله نتج عن الإحتلال
الأمريكي للعراق ،وماأعقبه من سقوط مدو للأنظمة السياسية التقليدية في
أكثر من بلد عربي من تونس غربا مرورا بليبيا ومصر واليمن حتى سوريا شمالا
، ثم تصاعد دور الجماعات العنفية ومنها المتشددة والتكفيرية ،وتلك
الراغبة بدولة الخلافة الإسلامية حتى لو كانت في صحن خيار مفروم منفصل عن
الطماطم بحكم شرعي وفق نظم مغلقة ومحكمة السداد .
أحدثت واشنطن هزات عنيفة في البنية السياسية العربية ، وغيرت المعادلة
الدينية والقومية من خلال السماح بصعود الشيعة وتوزيع السلطة بين الطوائف
، ومهدت لنشاط كردي حالم بالدولة في العراق وسوريا إضافة الى تركيا
وإيران خلال السنوات التي أعقبت إسقاط نظام صدام حسين . ماكان مدويا
بالفعل هو سقوط أنظمة تونس وليبيا ومصر واليمن ،ثم الحرب المستعرة في
سوريا منذ مايقرب من الثلاث سنوات ، حيث بدأ الحراك الديني السني على
الطريقة الإخوانية والذي هدد الحكم الأسري في دول الخليج وأطاح بالأنظمة
العلمانية في مصر وتونس وليبيا برغم محاولات دول كالسعودية تنظيم التحول
الناتج عن الثورات العربية والذي أسهم بظهور التيار الإخواني المناوئ
للرياض وحليفاتها العربيات.
التسارع في الأحداث ،والتعرف على نوع التحالفات ،والصدام بينها فيما بعد
أدى بتركيا الى مناكفة السعودية ،وتغيير في الرؤية التي كانت متوافقة على
الحل السوري وفق الرغبة التركية الخليجية ،فالتنكيل بتركيا عن طريق إذلال
حلفائها الإخوانيين دفع بها لتنسحب الى معسكر (روسيا إيران) ومحاصرة مصر
ودفعها الى العزلة ثانية وترتيب أوراق المنطقة من جديد دون الإهتمام
بماتريده السعودية وحليفاتها ، وربما يشير ذلك ويبشر بنشوء تحالف سياسي
عابر للطائفية رغم تصاعد مدها في العراق والشام والخليج .وقد ينجح
الأتراك والإيرانيون في تقاسم النفوذ السياسي وهزيمة التحالف الطائفي
الذي بدا لأول وهلة وكأنه قدر المنطقة العربية والشرق أوسطية ولكن دون
الإغراق في التفاؤل خاصة مع وجود هذا الكم من المنظمات المذهبية وبعناوين
شتى في غالب بلاد العرب والمسلمين ،وهي تنظيمات ليس من الهين التغلب
عليها ووقف نشاطها وهي مؤثرة وتستحق لمواجهتها قيام حلف عابر للطائفية
وقاهر للتطرف.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat