الخصومة مع الآخرين بين الأسباب والتبيين
فلاح السعدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الخصومات ممكن أن تحصل بين بني البشر لأسباب كثيرة منها:
القسم الأول: ما يكون هو لطلب الحق أو الهداية وهي ما بينه النبي (صلى الله عليه وآله): {قابلوا أهل المعاصي بوجوه مكفهرة}.
القسم الثاني: ما يكون منها للغرور وما يكون للتحاسد وهو أكثر ما يكون بين العلماء وما يكون للوصول إلى منصب معين أو إبعاد شخص لأخذ مكانه وهذا ما يعرف (بحسد العيش) وهو أتفه أنواع الحسد, ومنها الأمراض النفسية التي تصيب بعض النفوس نتيجة للبيئة التي عاش فيها وما مرّ به بعض الافراد من النكبات أو الشعور بالفشل الدائم...الخ
ويحدد الإمام الصادق (عليه الصلاة والسلام) سببين للخصومة من القسم الثاني حيث روي عنه: "لا يخاصم إلا رجل ليس له ورع أو رجل شاك "
فحينما يفقد الإنسان (الورع) ويعيش حالة اللاإهتمام تجاه المعاصي والذنوب وتجاه أذى الآخرين والتعدي عليهم بالتهم والكلام البعيد عن الدين والأخلاق والأدب فإنه يتجزأ على مخاصمة الآخرين والنزاع معهم.
وحينما يبتلى بسوء الظن والتشكيك في نوايا الآخرين وأعمالهم ومواقفهم فإنه يندفع للخصام والعداوة... حتى يصل به النوب إلى التخلص منهم أو القاء التهم التي تؤدي إلى قتلهم والتخلص منهم نهائيا وعجيب لهذا الذي لا يراعي الدماء التي حرم الله.
إن الخصومات تضعف دين الإنسان وتقلل إنتاجيته وفعاليته وتكرس في نفسه الشكوك واللاثقة بالآخرين... وهذا كثيرا ما ينوجد عند القادة والحكام فلذا نلاحظهم يشككون بأقرب الناس الناس حتى يخسرون المخلصين ولا يميزون الصالح من الطالح ولا الخلوق من المسئ...فيخسرون دينهم قبل ان يخسروا منصبهم.
يقول الإمام محمد الباقر(عليه الصلاة والسلام) : "الخصومة تمحق الدين وتحبط العمل وتورث الشك"
وإذا كانت (المصالح الدنيوية الضيقة) توقع الإنسان في الخصومات والأحقاد فإن رحابة الدين وسماحته لا تسمح للمتدينين بأن يخاصموا في دينهم.. وهؤلاء الذين يجعلون اعتقادهم بفكرة دينية أو اقتناعهم بعمل ديني سببا لمخاصمة الآخرين وعداوتهم بدلاً من السعي للحوار معهم ودعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة، هؤلاء بعيدون عن روح الدين ومخالفون لأخلاقه الكريمة وهم مثيري الفتن ومثيري الأحقاد بين الناس ...
عن علي بن يقطين قال: قال أبو الحسن (موسى الكاظم) (عليه الصلاة والسلام): " مر أصحابك أن يكفوا من ألسنتهم ويَدَعوا الخصومة في الدين ويجتهدوا في عبادة الله عز وجل ", وعن الإمام جعفر الصادق (عليه الصلاة والسلام): "إياكم والخصومة في الدين فإنها تشغل القلب عن ذكر الله عز وجل، وتورث النفاق، وتكسب الضغائن، وتستجير الكذب ", فهذا التحذير من الخصومة في الدين فكيف ان كانت الخصومة لأجل الدنيا والتحاسد والمصالح الدنيوية والشخصية فهؤلاء تجدهم لا مبدأ لهم سوى إستلام الراتب الشهري او الحصول على مميزات فانية فهم الفاشلون.
وإذا ما تورط الإنسان في الخصومة والنزاع مع الآخرين (كما في القسم الثاني) فيصبح بين خيارين:
1. أما القبول بالهزيمة وطلب براءة الذمة ممن تعدى عليهم واتهمهم.
2. أو إيقاع أكبر قدر من الخسائر بالطرف الآخر لأجل تلبية رغبات نفسه.
وكلاهما مشكل للإنسان، والأفضل هو اجتناب التورط والوقوع في هذا الفخ الشيطاني المهلك حيث يتعذر عليه أن يراعي حرمات الله ويحافظ على تقواه في حالة الخصومة والصراع ولا تدفعه النفس الأمارة بالسوء إلى بغض الآخرين والقاء التهم عليهم ومحاربتهم بحيث تصل به النوبة إلى البحث عن قتلهم...!!!؟
يقول أمير المؤمنين علي (ع) من بالغ في الخصومة أثم، ومن قصّر فيها ظلم، ولا يستطيع أن يتقي الله من خاصم ", وعن رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله): "ما عهد إلي جبرائيل (عليه السلام) في شيء ما عهد إلي في معاداة الرجال ", وعن الإمام علي (عليه السلام): "معاداة الرجال من شيم الجهّال " وليس من شيم أصحاب العلم على هذا الفرض ولكن للأسف...!!!, وقال أيضا: "رأس الجهل معاداة الناس"
ولا يكتفي صاحب الخصومة من القسم الثاني بما يقوم به بل يحاول أن يزرع الخصومات بين الناس من خلال الفتنة والغيبة والنميمة والبهتان, وإنا لله وإنا إليه راجعون.
فلاح السعدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat