تجربتي في الطريق الى كربلاء
كليمون كوريل الآشوري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
كليمون كوريل الآشوري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
عشت في طفولتي في مدينة سنجار، وإنتقلنا الى مركز الموصل زنجلي، حيث أكملت دراستي المتوسطة والأعدادية، وتم قبولي في جامعة بغداد، في تسعينات القرن الماضي، حيث تشهد تلك السنوات حراك بعد إنتفاض 13 محافظة، وقام النظام بما يسمى الحملة الأيمانية، وشهدت خلالها الأوساط الثقافية والعلمية حركات فكرية إسلامية، وكون معظم زملائي مسلمين كنت أحضر مستمعاً للجدل بين المذاهب.
كنت أصغي جيدا بإعتقادي ان المسيحية هي الأقرب للإسلام، وكان أقربهم لي حسين، الذي يستضيفني في بيته، ولم يفصح عن الكتب التي يستسقي منها معلوماته.
كان يعطيني معلومات هائلة ويربط ذلك بعائلة، وبعد سنوات من الصداقة، أعطاني كتب لمسيحين تتحدث عن الأمام علي، وبالسر طبعأ وكان مستنسخ، " علي صوت العدالة الانسانية" لجورج جرداق، وكتب مقدمته جبران خليل جبران، ما شدني للغور فيه وقراءة أجزاءه الأربعة، ونفس الوقت أصدقائي السنة كتبه بأيديهم، وأكثر الأيات التي يستخدموها تتحدث عن القتال والقتل؟! ولأجل المقارنة بين الكتب وبحث المصادر أخذت قرآناً، وبدأت انظاري تمتد أكثر لآياته، وأخذت الكتب معي الى البيت في العطلة الصيفية، دون ان أشعر عائلتي لأن اخي الكبير رائد في المخابرات.
انتهت الدراسة وفارقت زملائي وأستقر حالي في مركز الموصل، وبحكم عملي كانت لي علاقات واسعة مع جميعهم، وبعد عام 2003م ودخول القوات الأمركية، كان في البداية ترحيب، ومن ثم هروب كبار القادة اى سوريا والأردن، بدأت أفكار معارضة للإحتلال، وتحركات سرية بأسم القاومة، ودخل شيوخ العشائر المعترك، وتم إستقطاب شباب كثير، وأفكار التطرف بدأ الحديث عنها علناً حتى أصاب بالاحراج عند الحديث عن عاداتنا وملابسنا؟! وأشاهد الأتاوات دون وجه حق من كبار الموظفين والتجار؟!
بدأت هويتي المسيحية مصدر قلق في 2006-2007 ، رغم تعاملي مع الناس أحياناً بالإستشهاد بالآيات القرآنية التي أحفظها، وحاولوا كسبي وظهرت بصورة المتعاطف، وكنت أراقب الأحداث بعد ظهور الإعتصامات في مناطق غرب العراق، وشعرت ان الخطر أقترب كثيراً، وأرى المشاعر تستغل تجاه الحكومة التي يقودها الشيعة، وبدأت من شباب غاضبين الى تدخلات دولية، والحكومة دورها أشبه بالمتفرج، وأقتصر عملها على المصالحات وأقامة الولائم وأعطاء الاموال والأسلحة، وأعتقد ان ذلك لأغراض انتخابية ولم يحقق شي؟!
كنا نرى الجيش يسمح للقاعدة وثم داعش بالدخول من الحدود السورية مقابل عدم التعرض لهم، وبالإتفاق مع القادة، وتطور الأمر الى القادة هم من كان يأخذ الأتاوات وربما يتقاسمون المغانم، الى ان وصل الامر الى تهريب النفط بأوراق من كبار القادة، والمقرات العسكرية لا يتجاوز عدد جنودها 10% من العدد الكلي؟! والباقين يستلمون رواتب وهم في بيوتهم، حتى ان أحد الضباط يستلم رواتب شرطة يعملون مع داعش، على شرط ان لا يسجلهم غياب.
نجوت بإعجوبة بعد سقوط الموصل، وذهبت مع عائلتي الى أربيل، ثم أنتقلنا الى بغداد لأن ما عندي من اموال لا تكفي، وما بقى من أقاربي يسكنون مخيمات النازحين، في تلك المصيبة تذكرت صديقي حسين، الذي فارقته منذ 18 عام، وعندما وصلت الى بغداد أسكنت عائلتي في أحد فنادق العلاوي درجة خامسة، وذهبت الى حي الجهاد، وسألت ولم يدلني احد حتى وقفت امام احد المحال التجارية وجدت رجل كبير، وسألته قال من انت قلت محمد العبيد عن ذاك اخبرني ان حسين تم تفجير عبوة ببابه وهدد بالقتل ورحل وباع البيت بسعر رخيص، وأعطاني رقم هاتفه وقال أنه رجل طيب سوف يجد لك سكن عندما اخبرته ان نازح.
حسين تفاجيء بالأسم ومباشرة تذكرني وقال سلامات أخبرته بالواقع حتى جاء مسرعاً للفندق، توقف أمامي وبكى وأحتضنني ومعه سيارتين قاموا بنقلي الى بيتهم، وبعد يومين تم أخلاء الطابق الثاني وفتح لي باب من الخارج وبقي الطابق مفتوح لنا لإيصال الطعام والحديث معنا ولم نشعر بالغربة، كنا نخجل كثيراً وهم يكرموننا بأدب حتى طلبوا ان نجلس سويا بعد اسبوع ويكون الطعام كالعائلة الواحدة.
أقترب محرم وبدأ الحي الشعبي يتوشح بالسواد، وتلفاز العائلة يعلو بالمحاضرات ونقل صور المواكب، نتابع ونستغرب طفلهم الصغير يصمت ويراقب ويبكي عندما يذكر الحسين، وصرت أحضر معهم المواكب والمجالس، تعجبت من التفاني والتكافل الإجتماعي الى يوم العاشر وخرجت معظم العوائل الى كربلاء.
بقينا هذه الأيام نراقب ملايين تتجه الى كربلاء، من مختلف الجنسيات والقوميات والأديان، شاهدنا المسيحي والصابئي والشيعي والسني يسيرون جنباً الى جنب، ويشارك كل قادة العراق، عند ذاك استحضرتنا مواقف قادتهم في جريمة سيدة النجاة، وحضور القداس وإشعارنا ان العراق بلدنا ونحن لسنا بأقلية، عشت في دوامة فنحن نؤمن بالتسامح والسلام، وعكس ما كان ينقل لنا ان حكم الصفويين يستهدف الديانات ويجبر الآخرين على دينهم، وفي الحي الذي اسكنه عوائل مسيحية وكوردية وسنية تشارك في المواكب وتقيم العزاء، ويرفضون فكر داعش.
قبل 20 يوم بدأت الأستعدادات ونصب السرادق ومسير الزائرين من الجنوب، ومع قادة ومسؤولين، يتفاخرون بالسير ويشاركون الخدمة، وهذه المرة طلبت من حسين أن أسير معه مشياً الى كربلاء، تحركنا من الصباح ووجدت كل الشخصيات يقدمون الطعام ويخدمون بعفوية كل الزائرين، وشاهدت من المسؤولين يسيرون ومنهم السيد عمار الحكيم، أقتربت منه وإذا به يقبل الأطفال ويقدم الشاي ويقبل أيادي الكبار ويدلك الأقدام، تبادر في نفسي سؤال، لماذا يفعلون هكذا، الا يوجد من يقوم بدلهم؟!
سرنا في الطريق وكأني أرى العالم كله يتجه الى كربلاء، شاهدت المسيحي والأيزيدي وعشائر من الرمادي وأعلام دول لا أعرفها، وشاهدت العبادي بين الناس يشرب الشاي، ويهدد الفاسدين ويتوعد بالقضاء على الحيتان وأن دفع حياته، من كربلاء، وليس كما فعل المالكي قبل عامين، عندما كنا في الموصل وإستهجنا خطابه الطائفي، فقارنت بين الخطبتين، وتلك المشاهد العظيمة وما يريد الناس من إيصال رسالة الى العالم؟! وعرفت إنها رسالة سلام وثورة الحسين ضد المفسدين، وكان جيشه فيه المسيحي والسني والنساء والأطفال والشيوخ، وأن الحسين شعور لا شعارات ورسالة عالمية، وليس سلم لإرتقاء المناصب، والكل يتصاغرون أمام راية هذا القائد العظيم، وعلى الشيعة أول من يستفيد من هذه الثورة، والتعامل بإيجابية معها في قيادة الدولة وتمنيت ان أبقى في كربلاء، لكن صديقي دعاني للعودة لفسح المجال أمام الآخرين.
عدت وأنا حائر كأني ولدت من جديد، وعلي أن أحدق في الساحة السياسية العراقية، والأقرب للحسين هو الصحيح، وكان لا يتفرد بالقرار ولم يقرب أقاربه، وحبه في القلوب لا شعارات، وهو لكل العالم وليس للشيعة فقط، ولو كان موجود لأحتضن النازحين ودافع عن مدننا كما يفعل بعض القادة، الذين يزورون مواقع القتال، فقررت مراجعة أوراقي، وفهمت تلك الكلمة التي قالها ممثل البابا عندما زار السيد السيستاني وقال:" أنه نور في ضباب العراق"، عندها فهمت لماذا المرجعية، استقبال المالكي لأربعة سنوات، ولو كان الحسين موجود لقاتل المفسدين، وهنا مرة آخرى، وسوف أخبر كل من أعرفه من الموصل والرمادي، أن الشيعة الحسينيون، يريدون بناء العراق، وقرر السكن دائماً في هذا الحي الذي فيه أنا اليوم، وسوف أعود لقراءة الكتب وأول كتاب سوف أقراءه" كتاب ثم أهتديت" للدكتور محمد التجاني.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat