صفحة الكاتب : حيدر الحد راوي

تأملات في القران الكريم ح259 سورة النور الشريفة
حيدر الحد راوي


بسم الله الرحمن الرحيم

قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ{54}
تضمنت الآية الكريمة امرا مباشرا (  قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) , بطاعة الله تعالى وطاعة الرسول "ص واله" , (  فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ ) , فأن اعرضوا عن الطاعة , فما على الرسول الكريم محمد "ص واله" الا التبليغ بما حمل , (  وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ ) , وعليكم ما حملتموه من الطاعة والامتثال , (  وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا ) , يقرر النص المبارك ان الهدى والهداية بالطاعة , (  وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ ) , يحدد النص المبارك وظيفة واحدة من وظائف الرسول , التبليغ الواضح .   

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ{55}
تضمنت الآية الكريمة تأكيدا على وعد الهي للمؤمنين (  وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ ) , الخلافة والقيمومة على ارجاء المعمورة , من غير تحديد للزمن , كثير من الآراء تشير الى زمن ظهور المهدي "ع" , (  كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ) ,  كما استخلف الله تعالى اوصياء الانبياء والمؤمنين بهم , (  وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ ) , الاسلام { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ }التوبة33 , (  وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً ) , بعد الاستخلاف في الارض , يأتي الامن بعد الخوف , كضرورة حتمية , (  يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ) , وهنا " بعد الاستخلاف والامن " تكون العبادة خالصة لله تعالى من غير شرك من اي نوع كان , (  وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) , اما من كفر بعد كل ذلك , اي بعد تحقق الوعد بالاستخلاف والامن والامان , فأولئك الكاملون في فسقهم بعد ما تبين لهم الامر وتحققت لهم الوعود الالهية .   

وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ{56}
الآية الكريمة امرت بثلاث (  وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) , اقامة الصلاة واخراج الزكاة المستحقة وطاعة الرسول الكريم محمد "ص واله" التي هي من طاعة الله تعالى مجده وذكره , (  لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) , فأن كل ذلك من مستلزمات نوال واستحقاق الرحمة .    

لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ{57}
الآية الكريمة تخاطب الرسول الكريم محمد  "ص واله" يرى البعض تعميمها الى عامة الناس ( لَا تَحْسَبَنَّ  الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) , لا تظن ان الكفار معجزين الله تعالى عن ادراكهم ومعاقبتهم بالهلاك , (  وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ) , مصيرهم ومرجعهم الى النار , (  وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) , قبح وساء مصير كهذا المصير .   

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{58}
تضمنت الآية الكريمة خطابا مباشرا للمؤمنين جاء فيه (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ) , وهم العبيد من الرجال والنساء والصبيان , (  وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ) , وهم الاحرار , (  ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ) , في ثلاثة اوقات , (  قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ ) , ساعة القيام من النوم , وارتداء الملابس , (  وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ ) , وقت القيلولة , (  وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء  ) , لان هذا الوقت وقت التجرد من الثياب , او وقت ارتداء لباس النوم , (  ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ ) , يعدّ النص المبارك تلك الساعات الثلاث عورات , لذا يجب الاستئذان فيهما , (  لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ ) , اما عند ترك الاستئذان في ما عدا تلك الساعات الثلاثة فلا بأس به , (  طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ ) , من كثرة المخالطة والدخول والخروج في قضاء حوائجكم وما تأمرون به عبيدكم واماءكم , (  كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ) , الآيات هنا بمعنى الاحكام , (  وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) , وهو جل وعلا (  عَلِيمٌ ) , بحالكم واحوالكم , (  حَكِيمٌ ) , بتشريعاته جل وعلا .     

وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ{59}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة (  وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ ) , اي الاحرار , (  الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ) , فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم اي الاحرار الكبار , (  كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) , تكرر ختام الآية الكريمة بختام سابقتها لمزيد من التأكيد والبيان ومبالغة في امر الاستئذان .   

وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ{60}
تستمر الآية الكريمة في موضوع سابقتها الكريمة (  وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحاً ) , العجائز اللائي قعدن من الحيض والنكاح والولد , وتقدم بهن العمر فلا يرتجين نكاحا , (  فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ ) , لا مؤاخذة عليهن , (  أَن يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ ) , الثياب الخارجية كالعباءة والخمار ...الخ , (  غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ ) , ولا يتجاهرن بزينة مما يجب ان يخفى , (  وَأَن يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَّهُنَّ ) , من الزينة او الظهور للرجال فهو افضل لهن , (  وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) , وهو جل وعلا (  سَمِيعٌ ) , بمقالهن , (  عَلِيمٌ ) , بالمقصود .     

لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون{61}
ترفع الآية الكريمة الحرج عن :
1-    (  لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ) : " نفي لما كانوا يتحرجون من مواكلة الأصحاء حذرا من إستقذارهم أو أكلهم من بيت من يدفع إليهم المفتاح ويبيح لهم التبسط فيه إذا خرج إلى الغزو وخلفهم على المنازل مخافة أن لا يكون ذلك من طيبة قلب أو من إجابة من يدعوهم إلى بيوت آبائهم وأولادهم وأقاربهم فيطعمونهم كراهة أن يكونوا كلا عليهم " - تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني- .
2-    (  وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ ) :  " في المجمع عن أئمة الهدى عليهم السلام انهم قالوا لا بأس بالأكل لهؤلاء من بيوت من ذكره الله قدر حاجتهم من غير إسراف .
وفي الكافي عن الصادق عليه السلام إنه سئل ما يعني بقوله أو صديقكم قال هو والله الرجل يدخل بيت صديقه فيأكل بغير إذنه .
وعنه عليه السلام هؤلاء الذين سمّى الله عز وجل في هذه الآية يأكل بغير إذنهم من التمر والمادوم وكذلك تطعم المرأة من منزل زوجها بغير إذنه فأما ما خلا ذلك من الطعام فلا .
وعنه عليه السلام قال للمرأة أن تأكل وأن تتصدق وللصديق أن يأكل من منزل أخيه ويتصدق .
وفي الجوامع عنه عليه السلام من عظم حرمة الصديق أن جعله من الانس والثقة والأنبساط وترك الحشمة بمنزلة النفس والأب والأخ والأبن" - تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني-  .
(  لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً ) , مجتمعين او متفرقين , (  فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً ) , هو السلام على اهل البيت , وردهم السلام عليك , بذا يتحقق (  فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ ) اي بمردود السلام عليكم , فأن ذلك مما باركه الله تعالى وطيبه , (  كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ ) , تكرار لمزيد من التأكيد والتفخيم , (  لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون ) , خير الامور .  
مما يروى في سبب نزول الآية الكريمة ما جاء في تفسير القمي :
1-    عن الباقر عليه السلام في هذه الآية قال وذلك إن أهل المدينة قبل أن يسلموا كانوا يعتزلون الأعمى والأعرج والمريض وكانوا لا يأكلون معهم وكانت الأنصار فيهم تيه وتكرمة فقالوا إن الأعمى لا يبصر الطعام والأعرج لا يستطيع الزحام على الطعام والمريض لا يأكل كما يأكل الصحيح فعزلوا لهم طعامهم على ناحية وكانوا يرون عليهم من مواكلتهم جناح وكان الأعمى والأعرج والمريض يقولون لعلنا نؤذيهم إذا أكلنا معهم فاعتزلوا من مواكلتهم فلما قدم النبي صلى الله عليه وآله سألوه عن ذلك فأنزل الله عز وجل ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا .
2-    لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله إلى المدينة وآخى بين المسلمين من المهاجرين والأنصار قال فكان بعد ذلك إذا بعث أحدا من أصحابه في غزاة أو سرية يدفع الرجل مفتاح بيته إلى أخيه في الدين ويقول له خذ ما شئت وكل ما شئت وكانوا يمتنعون من ذلك حتى ربما فسد الطعام في البيت فأنزل الله ليس عليكم جناح أن تأكلوا جميعا أو أشتاتا يعني إن حضر صاحبه أو لم يحضر إذا ملكتم مفاتحه .

إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{62}
تستمر الآية الكريمة في موضوع الاستئذان (  إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ ) , كاملي الايمان , (  الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ) , ايمانهم بالله تعالى ورسوله "ص واله" بلغ القلوب , وظهرت اثاره في الافعال , (  وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ ) , واذا كانوا مع الرسول "ص واله" في امر جامع كالجمعة والحروب والاعياد والمشاورات العامة ... الخ , (  لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ ) , اذا كانوا في حضرة الرسول "ص واله" وارادوا ان ينصرفوا لإمر ما , لا ينصرفون ما لم يستأذنوه "ص واله" , (  إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ) , تكرار يؤكد على ايمان اصحاب الاستئذان , (  فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَن لِّمَن شِئْتَ مِنْهُمْ ) , النص المبارك يرخص للرسول "ص واله" ان يأذن لهم في حالة طلبوا الاذن في الانصراف لشأن ما , (  وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ ) , واستغفر لهم ايها الرسول , فأن الانصراف الى امر دنيوي مهما كان ضروريا فيه شيئا من القصور , لأنه تقديم لأمور الدنيا على امور الاخرة , (  إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) , وهو جل وعلا (  غَفُورٌ ) , لكافة الذنوب وسائر تفريطات العباد , (  رَّحِيمٌ ) , بهم , وهنا لتيسير امورهم .        
مما يروى في اسباب نزول الآية الكريمة ما جاء في تفسير القمي :  
1-    نزلت في قوم كانوا إذا جمعهم رسول الله صلى الله عليه وآله لأمر من الامور أو في بعث يبعثه أو في حرب قد حضرت يتفرقون بغير إذنه فنهاهم الله عن ذلك .
2-    نزلت في حنظلة بن أبي عياش وذلك أنه تزوج في الليلة التي كان في صبيحتها حرب احد فأستأذن رسول الله صلى الله عليه وآله أن يقيم عند أهله فأنزل الله عز وجل هذه الآية فأذن لمن شئت منهم فأقام عند أهله ثم أصبح وهو جنب فحضر القتال واستشهد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله رأيت الملائكة تغسل الحنظلة بماء المزن في صحائف فضة بين السماء والأرض فكان سمي غسيل الملائكة .

لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذاً فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{63}
تستمر الآية الكريمة ناهية (  لَا تَجْعَلُوا دُعَاء الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاء بَعْضِكُم بَعْضاً ) , كان بعض الجفاة من قريش يدعون النبي الكريم محمد "ص واله" بقولهم  - يا محمد - , فنهتهم الآية الكريمة عن ذلك , واوجبت ان يدعوه بـ - يا رسول الله – او – يا نبي الله - , (  قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ ) , فئة كانت تخرج خلسة اثناء الجماعة , ينصرفون من غير استئذان متخفين , (  لِوَاذاً ) , يلوذ بعضهم ببعض , (  فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ) , تحذير لمن يعصي امره "ص واله " :
1-    (  أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ ) : محنة او بلاء دنيوي .
2-    (  أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) : القتل , او عذاب الاخرة , او ان يسلط عليهم سلطانا جائرا كما في رواية الامام الصادق "ع" ( يسلط عليهم سلطان جائرا أو عذاب أليم في الآخرة ) . "تفسير الصافي ج3 للفيض الكاشاني" .        

أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ{64}
تختتم السورة الشريفة (  أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) , خلقا وملكا وعبيدا , (  قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ ) , من الخلاف والاتفاق , النفاق والايمان ... الخ , (  وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا ) , الجميع يعودون اليه يوم الحساب , فينال كل جزاءه , (  وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) , وهو جل وعلا عليم بكل ما خفى وظهر , عليم بكل حركة او سكون , بأي قول او فعل .
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حيدر الحد راوي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/02/02



كتابة تعليق لموضوع : تأملات في القران الكريم ح259 سورة النور الشريفة
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net