صفحة الكاتب : علي علي

غيض من فيض احتياجاتنا
علي علي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   تتحفنا قصص تاريخنا بكثير من الصور والحالات بصنفيها؛ المستحبة والمحمودة.. وكذلك المستنكرة والمستهجنة، ومن الصنف الأخير ما يكون أبطالها شخوصا لهم منزلتهم الاجتماعية، او ممن يعتلون ناصية القوم، إذ هناك مِن عليّتهم من يغالي في الإساءة ويتمادى في أذية رعيته، ناسيا أنه "راعٍ ومسؤول عن رعيته". وبدل أن يغدق العطاء لمعيته ويجود بما يفوق أداء الواجبات المنوطة به، يفعل العكس تماما، إذ يوغل في نشر ضرره الى أبعد ما تصل يداه، فيمعن في انتقاء كل ما يسيء لرعيته، ويبعد كل ما من شأنه يعود عليهم بالخير، إذ هو "يدع اليتيم ولايحض على طعام المسكين". فيكون إذاك من الذين "يراءون ويمنعون الماعون". وأمثال هؤلاء اليوم في عراقنا الجديد كثيرون، وهم كما أسلفت من عليّة القوم، ويشغلون مناصب مرموقة في ظرف يحتم عليهم أداء واجبهم بشكل مضاعف، ذلك أن التركات من العقود السابقة ثقيلة وثقيلة جدا. لكن..! الحال يعكس غير هذا تماما، فأغلب ساسة اليوم يتسابقون في خداع المواطن، ويتبارون في تمويهه بأفعالهم قبل أقوالهم أضعافا مضاعفة. يذكرني أمرهم هذا بالمثل العربي: "أحشفا وسوء كيلة".. إذ يروى ان هناك تاجرا كان يبيع للناس أردأ أنواع التمور، ومع هذا فهو لايعدل في الكيل بل يخسر الميزان، فأخذت الأعراب هذه الحالة مثلا لتشبيه من لايخلص في البيع مرتين، مرة في النوعية ومرة في الوزن. وهذا دأب أبطال الكراسي في مجالس عراقنا الثلاث اليوم.
ومن المؤلم أن كل هذا يحدث في زمن الديمقراطية، زمن الانتخابات الحرة النزيهة، زمن سعى المواطن فيه الى جبهات الاقتراع، واضعا روحه فوق راحته لانتخاب من يظنه يخرجه من ظلمات العهود السابقة، إلا أن حساباته على ما بدا لم تكن في محلها، ذاك أن الشخوص المنتخبة لم تكن في محلها الصحيح، فصح فيه قول الشاعر:

    وأخوان حسبتهم دروعا
            فكانوها ولكن للأعادي
    وخلتهم سهاما صائبات
            فكانوها ولكن في فؤادي

   وكأنموذج مثالي يجسد تماما ما سبق من سطور مجلس نوابنا.. فهو بحق يخدعنا مرارا وليس مرتين، فجميعنا ينتظر بلهفة وشوق نتائج اجتماعاته، ذلك أن أعضاءه يشغلون منصب الممثلين عنا والناطقين باسمنا والموصلين أصواتنا والمداعين بمطالبنا والضامنين حقوقنا والمراقبين عمل المؤسسات التنفيذية، فمنا من علق أمله في الحصول على فرصة عمل بنتائج تلك الاجتماعات. ومنا من بات فاغرا فاه وأفواه عائلته بانتظار لقمة عيش كريم بتوظيفه في مؤسسة من مؤسسات الدولة. ومنا من يطمح برؤية بناء وعمران وصرح يقف شامخا في مدينته وقضائه وناحيته كما يراها في فضائيات (A.D) او (القطرية T.V) ومنا من يتحسر على رقعة خضراء في شوارع منطقته كتلك الواحات الغناء التي يشاهدها على قناة (Ajman) او (Kwait T.V). ومنا من يهوى استنشاق نسمات ليل دجلة بأمان من دون تفجيرات كان قد فقده لسنين خلت، ويتوخى بنوابه ان يحققوا له هذا في اجتماعاتهم. ومنا المتقاعد الذي شد الحزام على بطنه حتى أوشك ان يقطع خصره، على أمل مايخرج من كنف برلمانه من قرار فيما يخص المتقاعدين. ومنا الطالب الذي يأمل ان يكون صفه كالذي يسمع عنه في المدارس النموذجية الحديثة، بعد ان قضى سنته الدراسية بمدرسة لاتصلح لتعليم.. دار دور.. لأنها لاتحتوي على (W.C) كباقي الدور.
   ان كل ماذكرته في السطور السابقة غيض من فيض احتياجات العراقيين في محافظاتهم كافة، وكلهم آذان صاغية وعيون جاحظة تترقب بفارغ الصبر ما تأتي به اجتماعات أعضاء مجلس نوابهم ورئيسه، علـّها ترفع من مستوى معيشتهم، وكفاهم ماعانوه.
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي علي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/02/23



كتابة تعليق لموضوع : غيض من فيض احتياجاتنا
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net