بداية أحب أن أشير إن هذه النظرية هي ماركة شعرية مسجلة باسمي شخصيا ولم يتطرق له قبلي أحدا وأن هذه النظرية أستلهمها من النظرية الكونية أي بمعنى إن كل شيء لاشيء إلا بوجود الواحد الذي هو الله
وإن هذا الواحد لولاه لما صار لكل شيء معنى وأيضا هذه النظرية موجودة في الحاسبة لأنها تعمل بنظام ألـ(0_1)
بينما الأمر يختلف حين نتعامل بهذا الموضوع مع الشعر الذي هو المصطلح الذي لا يمكن أن نضعه في قالب معين ومحدد مهما بلغ الأمر، قد نجد أن لكل شاعر بصمة شعرية الذي يجهل الكثير ماهية البصمة وكيفية اختراعها والإلتزام بها وكشفها ومعرفتها والتعامل معها بشكل جدي وشعري صرف،هناك من أمتهن وأحترف الكتابة على هذه النظرية حتى أصبح متقنا ومتفهما لما يكتب عكس الآخرين ومدركا لها ومتحملا مسؤولياتها الكاملة وإن هذه النظرية(0_1)في الشعر لا يمكن أبدا أن نعكسها لتكون(1_0)أبدا وسأوضح العملية آنفا لقد وجدت عند كثير من الشعراء من جنحوا لهذه الطريقة ومنهم من احترفها،إنها عملية قريبه من السهل الممتنع بل إنها تحتاج لدراية وخبرة كبيرة وطاقة شعرية كامنة يمكن صاحبها من الوصول لهذه الدرجة وكأن الكاتب يمشي على خيط ويتحدى الناس ولا يقع.
إن هذه النظرية يمكن اختصارها بمفردتين(لا شيء_وشيء)ويكون العبء الكبير على هذا (الشيء) الوحيد الذي يخيط ثوب (اللاشيء) ويجعل لها قيمة أساسية مثل الجسد لولا الرأس لما عرفنا هوية الناس بعضهم عن بعضهم وهذا الأمر ينطبق شعريا على الشاعر مروان عادل حمزة الذي فاز بالجائزة الأولى في مسابقة شرق غرب عن ديوانه تراتيل لطيور محنطة التي تقام بين الشعراء العراقيون والمغاربة
قرأت بعضا من نصوصه خلال الإنترنت وذلك لأني لم أحظ بنسخة ورقية مطبوعة فوجدت إنه يشتغل في مجمل كتاباته على أن يربط الكلمات والأفكار المختلفة التي يبعثرها على الورقة كما يشاء ولكنه يقف مرارا في إيجاد رابط قوي في خاتمة القصيدة مما يجعل القارئ مشدودا معها فيرجع ويعاود القراءة لإيجاد اللغز الذي تم مباغته القارئ بها وأسره ليكتشف شيئا آخر هو إنه ابتعد شيئا ما عن الإفراط في إستخدام التراكيب الشعرية(المزاوجة)لتكون كل كلمة في النص عادية جدا وسهل على كل شخص قولها وكتابتها وبدون أي إجهاد للدماغ بمعناه الشعري تطبيقا لهذه النظرية (اللاشيء)ومن الممكن أن يقوله ويكتبه حتى غير الشاعر إلا إن المهمة كبيرة والمسؤولية في جعل النص متشحا بالقوة وبالصمة تقع على عاتقه إذ كيف يجد منفذا وخاتمة تمكنه من إبراز ذكاءه الشعري وليس الإبداع لأن الذكاء مستويات وتتباين من إنسان لآخر فيأتي بخاتمة نص قوية تحمل دلالات كبيرة تفتح من خلال صنبور الضوء على كل أجزاء النص تضيف الضوء على التي سبقتها في الأسطر الأولى من النص
كما نأتي لهذا النص:
من قصيدته (طيور التراتيل المحنطة)
أبدا...
يرتطمون بذراعيّ المنشورتين ويرحلون .
لاُشيرَ أنا كدوارة رياح،
إلى ظهورهم المولّية
نلاحظ في هذه القصيدة أنها تبدأ بكلمة(أبداً) مما يوحي للنفي ولكنه في السطر الذي يليها تجد بان الكاتب يراوغ القارئ لتدل الكلمة على الاستمرارية بدلا من النفي،ويدخل للنص بسردية شفافة بعيدا عن الغموض فيعطي فكرة مبدئية بالتقلبات التي تحدث في النفس البشرية باستخدامه(دوارة الرياح)لأنها لا تدور لولا الرياح وإنها رمز للتردد والتقلب والانتظار والترقب،وانه يكمل السطر
(إلى ظهورهم المولية.....)من دون الإشارة إلى أي شي مولية ظهورهم فيجعل القارئ مشدودا مع النص لمعرفة الشيء الذي مولية له الظهور ويستمر الشاعر بالسرد الشعري العالي وصولا لهذه الأسطر
ومن دمي...
تحدر كل السلاطين،
الذين تعاقبوا على جلّدي
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
لا أريد سوى أن افتح تلفازي،
لأشاهد سياسيون يوقعون معاهدات سلام
ورجال إطفاء يتسلقون سلالم عالية
لينقذوا قططاً
من على سطوح بنايات تحترق
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
ويداي تنحتان أطرافا اصطناعية
لشبان يأكلون بأقدامهم
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
هذه الأسطر مجملها اضاءات توحي للمعاناة والإنسانية لكنه لحد الان لم يختم ما يريده إلى عندما يصل لهذا السطر
وأتلو على موائد النباتيين
تراتيل طيورٍ محنطةٍ.
الذي أعطى القوة الفكرية والصورية وأجاب عن لغز النص وكشف عن مغزاه الحقيقي.(واللبيب من الإشارة يفهم)
أيضا وجدت هذه الطريقة في كتابه الشعر مع الشاعر أحمد مطر وهو أعتبره الفنان الذي يعرف الذوق العربي حق المعرفة ودارس ذكي لسيكولوجية المتلقي أيا كان مستواه وشهادته_فأجد من خلال نصوصه إنه يتابع ما يحدث في المجتمع العربي أمورا لربما لا ينتبه إليها أو يعيرون لها أهمية الآخرون_فتأتي قصائده أشبه بومضات ضوئية بين سطر وسطر يضيء ثم يتلاشى سرعان ما يعود ليضيء
كما إنه لا يستخدم التراكيب أو بالأحرى قليل الاستخدام عكس الشعراء الآخرين الذين يتعاملون باللامباشرة عكس ما آل إليه الشاعر أحمد مطر فأنه يستخدم المباشرة العالية جدا مع وعي تام بخطورة المباشرة على امتصاص جذوة وقوة الشعرية على كاتبها وعلى المتلقي كذلك،مما يظهر موهبته الكبيرة في الإفلات من هذه الفرضيات وإضافة قوة جديدة (للمباشرة)في القضايا التي تهم الإنسانية
وإيصال المعنى بسهولة.
وقد وجدت لدى الشاعر أحمد الشادي في قصيدته(طبول القلق)إنه يحاول الدخول في الحلبة الشعرية لكن بخفوت وليس بقوة إذ نراه يدخل للنص بسردية ولكن أيضا بضبابية باستخدامه القلق وشيئا فشيئا يصعد بوتيرة غيرة مستقرة في القوة الصورية إلى أن يصل لسؤال يستفهم منه القارئ ولا يريد الإجابة لان الإجابة ليست النهاية في الخلاص من القلق ويذكرنا بالكاتب الانكليزي العظيم(شكسبير)في تراجيديته (هاملت) عندما ذكر المقولة الشهيرة (أكون أو لا أكون) ولكن الشادي يريد أن يكون وهذا ما دعاه لذكر القلق في بداية القصيدة مما اضطره لافتتاح نصه بسردية إلا إنه بشكل لا أرادي يعود ليختم القصيدة بإضاءة شعرية طافحة أعطت تماسكا للنص وأن خيط رفيع خيط ثوب النص فأظهرها قصيدة جيدة كسبيكة من الذهب التي تتداخل فيها المواد المختلفة إلا إنها في النهاية تظهر بلون ذهبي جذاب وهو نفس الحال لدى الشاعر أحمد الشادي.
وأنا اقلب في طيات مجموعته(أغنية لآخر القادمين)التي تتضمن (العمود،التفعيلة،والنثر)قصيدة وجع الخشية التي أبدع فيها وانه كان يركز على أن يكون لكل سطر ومضة خاصة تأخذ القارئ وكل بيت له خاتمه (أخشى) مما نلاحظ تكرار هذه الكلمة 9مرات في مجمل النص بينما النص هو 7 أسطر هذا ليس ضعفا بل هو مهارة الكاتب ويستحق الثناء عليها.
وفي قصيدة (نزيف) وعند هذا السطر بالتحديد
ورغم الجوع
نشاكس سلطة الممنوع
نجعل من أمانينا مشاحيفا
إلى اللاحيث
لا أزمان
لا عنوان
بينما السطر الذي تلاه كان ضعيفا لم يدع وهج النص يكتمل فتركها هلالا ينتظر أن يكون بدرا
لشمس لم تزل تحبو
إلى الميلاد
هناك التقاط جميل وهذا الشيء يولد لديه منحنى التردد الصوري غير المستقر مما يؤدي لتطابقه مع نظرية (الصفر-الواحد) ويضن القارئ انها تبدوا ضعيفة لكن كل لاشيء شيء، وكل شيء لا شيء اذا لم يتضمن الشيء الأساسي
وفي مجموعة الشاعر رضا السيد جعفر(تجاعيد الظل)المجموعة المشتركة مع الشاعر النثري نادر عمانوئيل من إصدارات نادي الشعر
وجدته منكمشا على النص بتوجهٍ رومانسي جدا وشفاف مبتعدا عن أجواء الحزن القاتم الذي يتفرد به الشعر العراقي،وفي قصيدته (قلبستان) وجدت أن العنوان لوحده قصيدة كاملة وفيها دلالات كبيرة جدا ولم يذكر عنوان مشابه لهذا العنوان من قبل إلا العنوان الذي استخدمه الشاعر نزار القباني (قمعستان) لكن تناغم عنوان السيد رضا كان أجمل وأكثر إيحاءا بالمضمون،وأيضا في قصيدة (توبة النهر) قد يفهم القارئ او قد يستفسر كيف يتوب النهر ومن أي شيء يتوب؟هذا ما تطرق إليه الشاعر بشفافية عالية عند قوله في خاتمه القصيدة مما يؤكد نظريتي الشعرية
(الصفر-الواحد)
وحدي أدور بـــ(وحدي)
ثم تنزعني
(وحداي) مني
ويندسان في عدمي
ما أجمل هذا البيت وما احبَكَ هذا السطر الذي ربط به جميع أبيات القصيدة
هناك مفارقات أدبية حيث إن القصة تحتفظ بالحدث الأساسي الذي أنبت حولها الأحداث وتضعها بالخاتمة لإثارة التشويق وشد القارئ_هو نفس الحال الآن في القصيدة الحديثة حيث تداخل الشعرية بالسردية والاحتفاظ بالفكرة الأساسية وطرحها في نهاية النص_شخصيا أرى هذا تلاعبا يأتي بعد خبرة طويلة من التلاعب ويوحي لذكاء إلا إنه من الممكن أن يكون الكاتب مبدعا أكثر ومتمكنا من أدواته ولا يعتمد فقط على ذكائه بل يتطرق لطرق أجمل ويجرب الإبداع بكل أشكاله وأن يبدع في كل بيت من أبيات النص ليثير الانتباه التأثير بكل ما يمتلكه القارئ من حواس تشغله بالكامل من النص المبدع،لكن كما تطرقت في أعلاه أن هناك من أحترف هذه الطريقة وتمكن منها فأصبح يمتلك بصمته.
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat