صفحة الكاتب : عقيل العبود

ألخطاب القرآني بين لغة الخالق وثقافة المخلوق
عقيل العبود

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

 بغية الوقوف على حقيقة القرآن، وفهم آياته وسوره، وأسراره، نحتاج إلى إستنباط وبحث المفاهيم الدلالية للآيات، وإستقراء المعاني الدقيقة للكلمات والحروف، بإعتبارها الاساس إلى فهم مقولة الخطاب المقدس، والذي يتعلق بحقائق الأحكام والقوانين الشرعية، التي لا تختص بثقافة أمة، أومجتمع، أوقبيلة دون أخرى، بل أنها تفسر حياة المجتمعات وثقافاتها المتنوعة، وتقدم أوتستعرض قصصا وحكايات وخطابات لنماذج بشرية، ترافقها قصص وأساطير لأنبياء ورسل وأقوام.

هذه النصوص لها آثار وبنى إجتماعية وأخلاقية ودينية وعلمية، بإعتبارها مقدمات لتأسيس القيم السماوية في عالم الأرض.

فلا يمكن إخفاء معنى عن اخر، أوفصل بين اية معينة، وأخرى، او الحديث عن نبي، وعدم الحديث عن غيره، ذلك بإعتبار أن هنالك تواصلا وتوافقا وتكاملا، يستعرض تطور المجتمعات، وتواريخها بناء على ثقافاتها وآثارها المتنوعة، فلا قرآن بلا توراة، ولا توراة، بلا إنجيل، ولا ثقافة، أودينا، أورسالة سماوية بلا رسل، ومبشرين وأنبياء.

 فقد ورد في سورة البقرة آية  3،4 جزء 2"والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون، أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون" والمعنى أن الإيمان بحسب حقيقة ما ورد في القرآن يقتضي الإيمان، بباقي الكتب السماوية المقدسة وألأنبياء كموسى، وعيسى عليهما السلام وبعدهم محمد (ص).

 فالأديان ترتبط ببعضها عن طريق النصوص، والتعاليم المقدسة المثبتة في "اللوح المحفوظ" وتراث الشعوب وتواريخها أشبه بالميراث المقدس الذي لا يمكن تجاوزه، فلا فصل بين ثقافة القرآن، وثقافات باقي الكتب السماوية، والاديان، ففي سورة المائدة آية 43جزءـ5 تقرأ "إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما أستحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء" وكذلك ورد في الآية 45 من السورة نفسها "وقفينا على آثارهم بعيسى ابن مريم مصدقا لما بين يديه من التوراة وآتينه الإنجيل فيه هدى ونور"

والمعنى أن هنالك علاقة "تكاملية تحاورية" جاءت، لتتناغم مع كل الأزمان والعصور، مع لغة السماء، وقانونها الالهي على الارض، فلا يمكن التعامل مع القضايا دون أن يكون هنالك إرتباطا مشروطا مع خلفية النص المقدس كوحدة واحدة، كونه دستورا متكاملا في باب العلم والفضيلة والتزكي الأخلاقي والمعرفي، ليس بموجب تعاليم دين واحد، بل بموجب تعاليم ديانات اخرى ، فبحسب ذلك يتحقق قانون المشروع السماوي على الأرض، وبحسبه أيضا يتحرر الدين من أنماط خصائصه النظرية والمادية، ليرتقي الإنسان بعقله وسمعه وبصره وأنحاء حسه، وأفكاره، بناء على مقولة العقل الذي اراد لها الرب اوالاله ان تسمو وتنتصر، فالخالق هو المعلم، وهو الملك الذي فرش عرشه، والمخلوق هو التلميذ الذي يحكم هذا العرش بموجب وصايا الرب، هكذا تعلم موسى كليم الله (ع )الوصايا العشر.

 ففي سورة البقرة اية 29ـالجزء الأول (وإذ قال ربك للمللائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها، ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال أني أعلم ما لا تعلمون).  والخلافة هنا مفتاح لإرتباط الإنسان بحقيقة "الكلي" الذي يشترك مع الإنسان بمقولة العلم، كما هو واضح من سياق النص اية  30 (وعلم آدم الأسماء كلها).

والمراد بهذا المعنى أن هنالك إعتراضا من الملائكة على خلافة الإنسان في الأرض، بإعتبار أن الانسان محدود في تصرفاته الآدمية وعقله، كونه كائن بشري حساباته محدودة وهو غير معصوم، وهذه الخلافة ستؤدي الى الحروب والتقاتل والدم، كونها تخضع الى اختلاف واختلال منظومة العلاقات السلوكية والأخلاقية والعقلية، ما بجعلها تتأثر بمسألة الإختلاف الديني والثقافي والعرقي بين الناس، لكن الأمر المنصوص عليه بحسب الآية، هو أن الله أبلغ ألملائكة بعلة أوسبب إختياره لخلافة الإنسان، ذلك لتأكيد مقولة تكاد ان تكون أسمى وأرقى من هذه المحدودية الخاصة ببني آدم، والمعنى ان الله علم الانسان ما لم يعلم، "وما لم يعلم" هذه ترتبط بقوله"ما لا تعلمون" وما لا تعلمون هذه لها علاقة بمقولة العلم ، وهي الهدف المقدس في كل زمان، ومكان ، وهي تشير اليه، اي الى هذا "اللامتناه" باعتباره الكيان المتصل مع عالم السماء، عبر لغة الارتباط التعقلي، التفكري، التاملي، ومساحته النافذة، الممتدة، وهنالك حركة بين الامتدادين، وجوهر هذه الحركة هي هذه  "الماهية" اي العقل الذي بموجبه يزكي الانسان نفسه ويرتقي بها الى مرتبة الكيان الالهي، ذلك لتتحقق إرادة السماء على الأرض.

 لقد جعلت لغة الإختلافات بين الأمم، والحضارات والرسالات السماوية، ليتسع عقل الإنسان لها وليستوعب حقيقة التنوع الديني والثقافي والحضاري، بين الشعوب.

ففي سورة هود مثلا (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين)آية 117 تسلسل11وكذلك ورد في سورة المائدة منتصف آية (47)(ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات الى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون) والمعنى أن الرسالة الإلهية إقتضت هذا الخلاف بين الأمم والشعوب ليترتب عليها إمتحانا صعبا. هذا الإمتحان، يقتضي أن تتآلف وتجتمع الأديان مع بعضها للكشف والبحث في أسرار هذا التباين والتنوع، ليصبح الانسان كائنا كونيا، بحسب عقله  الذي اريد له ان يتصف "بكينونة الذات الإلهية" بغية الفوز بمحبة الخالق الذي امتحن الجميع به ليحَّمل "مخلوقه الادمي" رسالة كونية تضم بين طياتها جميع رسائل الانبياء ولغاتهم.

وخلاصة القول هو أن للقرآن لغة ومباديء تستوعب جميع اللغات المقدسة، كونها مقدمة مشروطة لإرادة الخالق التي أرتبطت مع المخلوق بشرط العلم والذي على اساسه، تنمو رابطة المحبة و تتوحد مقولة الامم والشعوب وفقا لمقولة الانسان.

عقيل العبود


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عقيل العبود
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/09/25



كتابة تعليق لموضوع : ألخطاب القرآني بين لغة الخالق وثقافة المخلوق
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net