صفحة الكاتب : رضي فاهم الكندي

في فلسفة الحبِّ الحسيني جنون العقل و إحياءِ النفوسٍ
رضي فاهم الكندي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
       وقف شامخًا منذ الأزل سبقَ الزمن في وجود الزمن ، على مستوى واحدٍ من الجميع أمامَ حشودِ الملايين ، فهوتْ أفئدتُهم إليه لسانُ حالهِا مرتلاً  ( حبُّ الحسين أجنني ) ، في ظاهرة هذا الحب يتساوى الجميع لا ألقابَ ولا مميزات لا أسماء ولا علامات كلُّها تذوب في بعضها البعض ليتجرد منها لقبٌ واحد أو مسمىً واحدٌ فحسب ، له السيادةُ على الجميع  إنه ( مجنون الحسين ) ، وفي أول نظرةٍ لهذه الظاهرة الفريدة يتبادر إلى الذهن أنه ما سرُّ هذا الحب ، مَن هو الذي ألهب شعورَهم وأنساهم وجدانَهم ، وذوَّب الأنا في كيان الجماعة ؟ .
     تماشيًا مع هذه الظاهرة فقد ذكر الإمام السجاد ( عليه السلام ) في موقفه أمام يزيد مختصاتِ أهلِ بيتِ النبوة قائلا: (( أيها الناس أُعطينا ستًا وفُضِلنا بسبع: أُعطينا العلمَ، والحلم، والسماحة، والفصاحة، والشجاعة، والمحبةَ في قلوب المؤمنين... )) بحار الأنوار، ولعلّ التركيز على كلمة ( المؤمنين ) يزيدُ المشهدَ تعقيدًا إذ يُشعرُ خلافَ كون حبُّ الحسين لجميع الناس ، وهو ما نلمسه اليوم بوضوح في ظاهرةِ الحبِّ الحسيني بعد هذه الحشود المليونية ، ويبدو لي أن التأملَ في دلالة هذه الكلمة أعني (المؤمنين) هو مفتاح هذا اللغز؛ فهي بحسب فهمي لاتعني دلالة ( المؤمن) المقابلة لدلالة كلمة ( الكافر) ، بقدر ما توحي بمعنى الإيمان الممتزج بهذه الذوات وهو في متناولِ جميع مَن أحبَ الحسين ، فمحبةُ أهل البيت ومنهم الحسين هي أولى درجاتِ هذا الإيمان التي تشرعُ البابَ للولوج إلى العالم الإنساني لأن الإيمان درجاتٌ ؛ ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ آمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ ... )) [النساء: 136] ، وبحسب هذا الإيمان فكلُّ مَن أحبَ الحسين يُعطى فرصةَ الالتحاقِ بقافلة العشقِ الإلهي والانتماءِ إلى دائرة نصرةِ الحقِ ، وهي فرصةٌ مواتيةٌ لكلِّ مَن أحبه ، إلاّ أنّ الأهمَ هو ما بعد هذا الحب، هل سيرتقي بصاحبِه في سلَّم الإيمان أم سيتخلفُ عنه فيعود كما كان ؟ 
    وإذا كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : ((حسينٌ مني وأنا من حسين. أحبَ اللهُ من أحبَّ حسينًا.)) العمدة ، وهو ما يعني أن حبَّ الحسين هو حبُ الله ، وحبُّ اللهِ لايتحققُ إلاّ باتِّباع رسولِه بحسب دلالة قوله تعالى :(( قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ  )) [النساء: 136] إذن حبُّ الحسين أيضًا لايتحققُ إلاّ باتباع رسوله وإلا سيكون حبًّا من طرفٍ واحد،  كلُّ مخالفةٍ لمبادئ الحسين وقيمه سوف تخلُّ بالاتِّباع التي من شأنها أن تُزيفَ هذا الحبِّ المقدس .
     إن الجنونَ – اليوم - في الحبِّ الحسيني يصيره حبًا من طرفٍ واحد وهو ما لايريده الحسين ، في حين أن الحبَّ الحقيقي له هو حبُّ الاتِّباع والتفاعلِ حبُّ الأخذِ والعطاء ، حبٌّ متبادلٌ من طرفي العاشق والمعشوق ، العاشقُ يحبُّ فيتبع والمعشوقُ يحبُّ فيرفع ، فعلى مَن يدَّعي حبَّ الحسين اتباعَ نهجه والسعيَ الحثيثَ لتطبيقِ مبادئه التي استُشهِد من أجلِها ، دينِ الله ورسالتِه فنعم العاشقُ والمعشوق ، ولولا تضحيته لأضحى دينُنا ممسوخًا فارغًا من كلِّ القيم التي تحترم الإنسانَ في وجوده ، هذا هو معنى الحب الحسيني الذي منحنا الحياة بعد أن أُريد لنا أن نكونَ في طابور الموتى ، إذ لا معنىً لحياةٍ تخلو من احترام الإنسان لذاته ، وهو بهذه الصورة يستوي فيها مع الدَّوابِّ بكلِّ أطيافها بحسب قانون الغاب ، و لامعنى لحياةٍ ليس فيها الحسين ، لقد وهب الحسين كلَّ ما يملك فأعطاه الله كلَّ ما يريد ولايريدُ الحسين سوى حياةَ النفوس قبل أن تموت القلوب .  

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


رضي فاهم الكندي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2015/12/07



كتابة تعليق لموضوع : في فلسفة الحبِّ الحسيني جنون العقل و إحياءِ النفوسٍ
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net