لقد قدمنا من الأدلة -بفضل الله تعالى- ما لا يدع شكا ولا ريبا بضرورة وجود صانع حكيم مدبر قادر قاهر ، وهي كالتالي :
١- مناظرات مع أئمة الهدى (ع) مع الزنادقة اسفرت عن افحامهم . في المنشور رقم ١ و ٢ . في التوحيد .
٢- ماذكره الفاضل المقداد السيوري من الطرق لإثبات الصانع تعالى . في المنشور ٤ و ٥و ٦و ٧ .في التوحيد .
٣- دليل الطبيعيين على وجود الصانع تعالى في ٨ التوحيد .
٤- برهان الحدوث او الحركة والسكون للمتكلمين ٩ التوحيد .
٥- دليل الفلاسفة على وجوده تعالى ١٠ التوحيد .
٦- تأملات في الخلق لإثبات وجود الخالق رقم ١١و١٢و١٣و ١٤ في التوحيد ايضا .
٧- إبطال دعاوى تسلسل العلل وأزلية المادة ومناقشة فرضية التطور وابطال الصدفة فيها وأن نفس التطور على فرض صحته يقودنا الى حتمية وجود الصانع في ١٥و ١٦و ١٧و ١٨ التوحيد.
وعليه ..فهل الملحدون لم يتنبهوا لهذه الادلة وغيرها الكثير التي قدمها العلماء على مختلف اختصاصاتهم وهي تقود الى القطع بوجود الإله ، وبالتالي هي اسباب معرفية ، او انها اسباب نفسية كما ذكر بعض اصحاب الاختصاص في علم النفس لتردي الاوضاع العامه ، او تنصل عن مسؤولية الإيمان بالإله كما قال بعضهم ، او قياس الإله على من يؤمنون به وبما أن الكثير منهم سيئون فألحد به لقياس غير منطقي ، او غير ذلك من الأسباب ... فماذا تقولون ؟ .
< التطور الصناعي والتكنلوجي لا يعني التطور العقائدي >
قد يظن البعض ان التطور في شتى المجالات الدنيويه لدى المجتمعات البعيدة عن الاسلام يصحبه تطور في المجال العقدي والديني ايضا ، ولكنه اعتقاد خاطىء ، فإن اليابان التي بلغت ماهي عليه من التطور في الصناعة والمجالات الدنيوية الاخرى نجد بعض الاعتقادات الدينية الساذجة التي يهزأ بها كل من له ادنى حظ من التفكير ، كعبادة الاوثان المصنوعة بأيديهم من الخشب او غيره .
فقد نقل احد الأعلام عن بعض المؤمنين الموثوقين انهم قالوا : ذهبنا قبل مدة الى اليابان موفدين من قبل الدولة في زيارة رسمية وقد صحبنا هناك مضيف رسمي من قبل الحكومة اليابانية من أجل إطلاعنا على معالم البلد ، وفي بعض الايام بينما نحن في الشارع اواخر النهار قرب المغيب إذ انقطع السير وتوقفت السيارات ، من اجل فسح المجال للإله المعبود عندهم ، فمر علينا شابان وشابتان يحملون (مصطبة) عليها تمثال انسان ضخم ، فسألنا المضيف عن ذلك فقال : هذا المعبود يضيق صدره وينحبس طبعه في هذا الوقت حيث يقرب مغيب الشمس ونشرف على الضلام ، فيتنقل به في الشوارع من اجل النزهة به .
كما أخذنا المضيف الى معبد فيه معبود لهم ، وهو عبارة عن تمثال انسان له ست عشرة يد يزعمون ان كل يد منها تدبر جهة من جهات الحياة من الرزق والصحة والحب وغيرها ، وكان امام وجهه كوة كأنه يشرف منها على الشارع ، فذكر لنا المضيف : ان من مر به من الناس صباحا وقد عمل حسنة أنس وابتهج ، ومن مر به وقد عمل سوءا استاء وانقبض . انتهى
وقد عقب المرجع الحكيم مد ضله على هذا الكلام بقوله : وليس هذا لانحطاط هؤلاء عقليا او ضعف مستواهم الفكري والثقافي بل لعدم اهتمامهم بالوصول للحقيقة ، ورضاهم بما عندهم من الدين جمودا على التقاليد الموروثة .
وبهذا نعرف احد اسباب الالحاد والانحراف العقدي ، فإن هؤلاء لو بحثوا عن الحقيقة لوجدوا الله تعالى ليس بعيدا عنهم .
( 19 )
صفات الخالق تعالى :
بعد ان ذكرنا الادلة القطعية على وجود الخالق الصانع تعالى التي لم تدع مجالا لمنكر ان ينكرها الا المعاند الذي اختار طريق الضلال والتيه ، وصل بنا المقام الى ان نذكر صفاته تعالى ، التي لابد ان يتعرف عليها المؤمنون كي يكونوا على بصيرة فيما يدينون الله تعالى به من التوحيد المبني على فكر اهل البيت ع المطابق للعقل المستقيم ، ولما في معرفة صفاته من اسباب الدنو والقرب اليه تعالى ، ولكي يتحصنوا من الافكار المنحرفة التي لا توصلهم الى التوحيد الحقيقي .
تقسيم الصفات :
تنقسم الصفات مبدئيا الى قسمين :
الصفات الثبوتية . كالعالم والخالق .
الصفات السلبية . كقولهم انه ليس بجسم وانه ليس بمركب .
والصفات الثبوتية هي بدورها أيضا تنقسم الى :
الصفات الذاتية . كالعالم .
والصفات الفعلية . كالخالق .
وسنعرض لهذه الاقسام فيما يأتي من المنشورات والخلاف مع غيرنا من المذاهب الاخرى في فهمها وكيفية توليفها إن شاء الله تعالى . تابعونا .
( 20 )
صفات الخالق تعالى :
ذكرنا في المنشور السابق تقسيم الصفات ، وأنها تنقسم الى ثبوتية ،وهي ما يتصف بها الخالق تعالى ويجب اثباتها له ، فإن كانت ثابتة للذات المقدسة ك(العالم) تسمى "ذاتية" ، وإن كانت تلك الصفات منتزعة من مقام الفعل بمعنى انها خارجة عن الذات ، واتصافه بها باعتباره فاعل الرزق فيكون رازقا وفاعل الخلق فيسمى خالقا فتسمى "فعلية" .
وللتأكيد ان الصفات الذاتية والفعلية يجمعها اسم (ثبوتية) لانها ثابتة له تعالى .
وفي قبال الصفات الثبوتية الصفات السلبية ، وهي التي تدل على سلب النقص والحاجة عن الذات المقدسة ، فهو ليس بعاجز وليس محتاجا وليس بجسم وليس مركبا وغير ذلك من الصفات التي تسلب كل نقص وحاجة .
وهذه توطئة لابد منها كي نتعرف على معاني هذه المصطلحات .
وسنبدأ إن شاء الله تعالى بالصفات الثبوتية ثم نتبعها بالصفات السلبية .
( 21 )
< صفات الخالق تعالى >
الصفات الفعلية :
تقدم في المنشور السابق ان الصفات منها صفات ذاتية ومنها صفات فعلية ، ونحن الان بصدد بيان شيء من الصفات الفعلية ، فإن الصفات الفعلية كثيرة ، وهي على كثرتها منتزعة من مقام الفعل ، وتنتزع اذا فرضنا هناك شيء آخر غير الخالق ، مثلا صفة الخالق معناها : إن كان هناك مخلوق فالله هو خالقه ، فالخالق وصف حين يكون هناك شيء آخر غير الخالق فإن لم يكن هناك شيء ، لا يوصف الواجب عز وجل بالخالق . وهكذا الرازق والصانع وكل صفة يتوقف تصورنا لها على وجود شيء آخر .
ولا يخفى عليك ان القدرة على الخلق والرزق موجودة ومتصف بها عز اسمه سواء وجد شيء ام لم يوجد شيء غيره ، وهذه الصفة نعبر عنها بالقادر لا بالخالق .
واعلم ان الصفات الفعلية خارجة عن الذات المقدسة ، فلا تكون قديمة كقدم الذات المقدسة .
( 22 )
< صفات الخالق تعالى >
الصفات الذاتية :
ومن الصفات الثبوتية الصفات الذاتية ، وسميت الذاتية لان هذه الصفات عين الذات غير خارجة عنها بخلاف الصفات الفعلية .
وقد عد من الصفات الذاتية :
انه تعالى حي ، وكما فسرها الحكماء انها عبارة عن العلم والقدرة ، ودلائل حياته واضحة من خلال آيات خلقه التي تنبض بالحياة ، فمن ذا الذي يهب الحياة غير مالكها الحي القادر ؟.
ومن صفاته ايضا ، انه تعالى قادر مختار ، وانه تعالى عالم ، وانه تعالى مريد كاره ، وانه تعالى مدرك (سميع بصير ) ، وانه تعالى قديم ازلي باق ابدي .
ودلائل هذه الصفات الذاتية واضحة بعد ان اثبتنا صنعه للخلق -في منشورات ادلة وجود الخالق تعالى- فإن هذا الخلق المتقن يدل على حياته كما اسلفنا ، وعلى علمه وقدرته وارادته واختياره وادراكه وازليته وابديته .
اما كيف يتصف الخالق بهذه الصفات ؟ فللمذاهب الاسلامية اقوال
( 23 )
< عقيدة الشيعة في اتصاف الخالق بصفاته الذاتية >
فقد اجمع متكلموا الشيعة وحكمائهم بأن صفات الخالق تعالى الذاتية كالعلم والقدرة والغنى والإرادة والحياة ( كلها عين ذاته ليست هي صفات زائدة عليها وليس وجودها الا وجود الذات ، فقدرته من حيث الوجود حياته وحياته قدرته ، بل هو قادر من حيث هو حي وحي من حيث هو قادر ، لا إثنينية في صفاته ووجودها ، وهكذا الحال في سائر صفاته الكمالية .
نعم هي مختلفة في معانيها ومفاهيمها ، لا في حقائقها ووجوداتها ، لانه لو كانت مختلفة في الوجود - وهي بحسب الفرض قديمة وواجبة الذات - للزم تعدد واجب الوجود ولانثلمت الوحدة الحقيقية ، وهذا ما ينافي عقيدة التوحيد ) .
وسوف نطرح الرأي المخالف لهذا القول لبعض المذاهب الاسلامية ونحاكمها عقلا ونقلا ... انتظرونا في ما سيأتي ان شاء الله تعالى .
( 24 )
إيضاح للمنشور السابق في عقيدة الشيعة في اتصاف الخالق تعالى بصفاته الذاتية :
إن الخالق سبحانه يتصف بصفات ذاتية عدة منها العلم والقدرة والحياة وغيرها ... وهذه الصفات هي عين ذاته سبحانه وتعالى ، ولا تمايز بينها في مقام الذات ، بمعنى أن هذه القوة الخالقة التي نسميها ( الله ) عالمة وهي نفسها العالمة قادرة ونفس القادرة مريدة ونفس العالمة القادرة المريدة حية ، فليس العلم في مقام الذات يمتاز عن القدرة والحياة والإرادة وليست القدرة تمتاز في مقام الذات عن العلم والحياة والارادة وليست الحياة تمتاز عن العلم والقدرة والارادة وهكذا ... فصفاته تعالى غير متمايزة في الوجود كما تتمايز الصفات في الانسان مثلا ، فإن العلم في الانسان غير قدرته ، لان علمه مجرد عن المادة عند النفس واما قدرته فمودعة في البدن وقوته وهكذا ... .
نعم ان صفات الخالق تعالى معانيها مختلفة فإن العلم معناه يختلف عن القدرة ، والحياة معناها يختلف عن الإرادة ، وهكذا ، وبإرادته خلق الخلق وبعلمه اتقنه وبقدرته اودع فيه هائل الطاقات وهكذا ، مما يدلل ان صفاته تعالى آثارها تختلف كمعانيها ، وهي مع اختلاف معانيها وآثارها غير متمايزة في الوجود بل من حيث المصداق الخارجي شيء واحد هو الخالق ذو الصفات الكمالية التي تليق بذاته المقدسة وكما شرحنا كيفية اتصافه بها .
ولماذا نؤكد على ان صفاته تعالى عين ذاته وليست متمايزة في الوجود ، وهي واحد من حيث المصداق الخارجي ؟
والجواب : انه لو قلنا انها متمايزة وهي متعددة وقديمة - حسب الفرض - للزم تعدد القدماء ، وهذا ما يخدش التوحيد الحقيقي .
سنعرض رأي الأشاعرة في الصفات في المنشور القادم ان شاء الله تعالى انتظرونا .
( 25 )
أقوال إخواننا السنة ( الأشاعرة والكرامية ) في الصفات الذاتية والمأزق الذي دخلوا فيه :
لقد ذكرنا قولنا (الشيعة) في اتصاف الخالق تعالى بصفاته الذاتية واننا نعتقد بأن الصفات الذاتية عين الذات وكل منها عين الأخرى . وأما قول الأشاعرة وهم مذهب عقائدي من السنة ، فإنهم يذهبون الى القول بأن الصفات الذاتية زائدة على الذات لازمة لها ، فهي قديمة بقدمها . الملل والنحل ٩٥/١ ومنهم العلامة التفتازاني في شرح المقاصد ٧٢/٢ والعلامة الإيجي والمحقق الشريف في شرح المواقف ٤٧٩ - ٤٨٠ وهو رأي في غاية السخافة وسنرد عليه ونبين بأن لازم هذا القول عدم التوحيد . اجارنا الله واياكم من الزلل .
واما قول الكرامية ، وهم مذهب عقائدي آخر من السنة أيضا ، فإنهم يعتقدون بأنها زائدة على الذات حادثة كما في الملل والنحل ١٠٩/١ وشرح المقاصد ٩٥/٢ وشرح المواقف ٤٧٦ ، وهو رأي أسخف من سابقه ويخرم التوحيد الحقيقي . وسنبين بطلانه وحقيقته عدم التوحيد . اجارنا الله وإياكم من الزلل .
( 26 )
< بيان بطلان قول الأشاعرة في صفات الخالق >
ذكرنا في المنشور (٢٧) في التوحيد عقيدة الأشاعرة في كيفية اتصاف الخالق تعالى بصفاته الذاتية ، وهم اتجاه عقائدي من اخواننا اهل السنة والجماعة ، ونذكركم به الآن ، فإنهم يقولون : إن الصفات الذاتية كالعلم والقدرة وغيرهما هي غير الذات زائدة عليها وهي لازمة للذات قديمة بقدم الذات .
والرد على هذا القول :
إن هذه الصفات - وهي كما عدوها سبع ، الحياة والقدرة والعلم والسمع والبصر والإرادة والكلام - إن كانت موجودة في نفسها واجبة وهي غير الذات المقدسة زائدة عليها وكل واحدة من هذه الصفات قديمة - حسب هذا القول - فهذا يعني أنه عندنا ثمانية موجودات واجبة الوجود ، وهي الذات المقدسة والصفات السبع . ولا أدري أي توحيد هذا ؟ !!!!
وعلى العموم فهو قول باطل وترده ادلة وحدانية الخالق تعالى ، فسبحان ربك رب العزة عما يصفون .
( 27 )
<بيان بطلان قول الكرامية في صفات الخالق>
في المنشور السابق ذكرنا قول الاشاعرة وبيان بطلانه ، والان بصدد بيان بطلان قول الكرامية وهم اتجاه عقائدي من اهل السنة والجماعة ايضا ، وقد ذكرنا قولهم فيما سبق ، ونعيد ذكره الان للتذكير ...
فإنهم يقولون : ان صفات الذات زائدة على الذات - كما يقول الأشاعرة - ويخالفون الاشاعرة في ان تلك الصفات ليست قديمة بل هي حادثة ، بمعنى ان ذات الله تعالى خالية من هذه الكمالات كالعلم والقدرة في مرحلة من المراحل ....
وفساد هذا القول ظاهر وبطلانه بين ... فإن الذات المقدسة المستجمعة لكل الكمالات كيف تكون خالية في نفسها من هذه الكمالات ، وأيضا لازم هذا القول هو تركب الذات من قديم وحادث وهو باطل لما سيأتي من تنزيه الخالق من التركيب ، ونفس الاشاعرة والكرامية ينفون التركيب .. سبحانه وتعالى عما يصفون .
( 28 )
في قول امير المؤمنين ع في من يرى ان صفات الخالق خارجة عن ذاته -كما هو قول الاشاعرة والكرامية وهم الغالبية الساحقة من اهل السنة والجماعة - تعالى الله عما يصفون .
قال عليه السلام في نهج البلاغة :(وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه ، لشهادة كل صفة أنها غير الموصوف ، وشهادة كل موصوف أنه غير الصفة ، فمن وصف الله سبحانه فقد قرنه ، ومن قرنه فقد ثناه ، ومن ثناه فقد جزأه ، ومن جزأه فقد جهله ) .
( 29 )
< الصفات السلبية >
ذكرنا في مستهل بحث صفات الخالق تعالى أن الصفات تنقسم الى ثبوتية وسلبية ، والثبوتية تنقسم الى فعلية وذاتية ، وقد انهينا الكلام عن الصفات الثبوتية بقسميها ..... ونحن الان بصدد الحديث عن الصفات السلبية ،وتسمى أيضا (الصفات الجلالية) .
والصفات السلبية : هي الصفات التي لا تليق بقدسية وعظمة الخالق تعالى لأنها نقائص فيجب سلبها عنه وتنزيهه منها .
فيجب الإعتقاد بان الخالق تعالى منزه عن كل نقص كالجسمية والصورة والحركة والسكون والخفة والثقل والتركيب والاحتياج وغيرها من صفات الممكنات .
وقد تكون صفة ما هي كمال بالنسبة للمخلوق ولكنها لا تليق بالخالق فهي من الصفات السلبية التي يجب سلبها عنه ، كالحركة ، فإنها كمال للمخلوق ولكن لا يمكن ان يتصف بها الخالق لان الحركة من خصائص الحادث المحتاج ، لانهم قالوا : كل متحرك يحتاج الى محرك ، والخالق غني غير محتاج فهو غير متحرك .
وقد عدوا من الصفات السلبية : أنه ليس بمركب ، وأنه ليس بجسم ، وأنه ليس بمرئي ، وانه ليس بمحتاج ... الخ ..
وسنعرض بعض مباحثها تباعا ان شاء الله تعالى .
.. لو وجدت صعوبة في بعض المصطلحات ابعث استفسارك في تعليق
( 30 )
< إن الخالق تعالى ليس مركبا >
ذكرنا في المنشور السابق معنى الصفات السلبية ، وأن الله تعالى منزه عن كل ما يعتبر نقصا في ذاته المقدسة ، ومما يجب تنزيهه منه هو (التركيب) وهو من النقائص التي يتنزه عنها الله تعالى ، فهو ليس مركبا .
والمركب : هو الذي له جزء ، ويقابله البسيط وهو ماليس له جزء . فالماء مثلا مركب من جزئين : الهيدروجين والأوكسجين ، والإنسان مركب من بدنه وروحه ، وهكذا .
والدليل على أن الله تعالى ليس مركبا :
١- أن المركب يحتاج الى الجزء لأنه لا يتحقق بدون تمام أجزائه ، والله تعالى غني غير محتاج . اذن هو بسيط وليس مركبا .
٢- أن المركب لايوجد إلا بعد وجود جزئه ، فالجزء سابق والمركب تالي وحادث ( حادث لانه مسبوق بشيء غيره وهو الجزء ) والله تعالى قديم كما ثبت سابقا في إثبات وجود الخالق (القديم هو غير المسبوق بالعدم و بأي شيء غيره) إذن الله تعالى ليس مركبا .
ولازم قول الأشاعرة والكرامية والسلفية يقتضي التركيب .
( 31 )
<الخالق تعالى ليس جسما>
إستمرارا ببحث الصفات السلبية ، نذكر الآن ان الصانع تعالى لا يمكن ان يكون جسما ، والجسم هو الذي له ابعاد ثلاثة ، الطول والعرض والإرتفاع .
وقد أقيمت ادلة كثيرة على انه تعالى ليس جسما ...
منها : ان الجسم يحتاج الى المحل والمكان الذي يحل فيه والله تعالى غني عن كل شيء حتى المكان . ولو كان يحتاج الى المكان باعتباره جسما ، لكان المكان موجود قبل الخالق ، لان المكان يوجد قبل صاحب المكان . والله تعالى قديم ، يعني لا شيء قبله ابدا .
ومنها : انه لو كان جسما لكانت له حدود ، وقد ثبت ان كل محدود لابد ان يكون له حاد - اي صانع - والله تعالى هو خالق كل شيء لا خالق له كما اثبتنا ذلك سابقا .
وكونه تعالى ليس جسما من مسلمات العقلاء ولكن مع ذلك خالف السلفيون (اتباع ابن تيمية)وقالوا ان له جسما وسنذكر قولهم تفصيلا وسنرده ان شاء الله تعالى .
( 32 )
< عقيدة التجسيم عند السلفية >
ذكرنا في المنشور السابق عقيدتنا( الشيعة) بأنه تعالى منزه عن الجسمية ، وذكرنا الأدلة القطعية على نفي التجسيم ، بل إن القول بان الله جسم ينافي كونه قديم ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، واعتقد بعدم التجسيم سائر الفرق الإسلامية .
غير أن السلفيين قالوا بالتجسيم تبعا لروايات في البخاري ومسلم وغيرهما وأيضا لظواهر بعض الآيات الكريمة ، مع ان المسلمين وجهوا هذه الآيات وأرجعوها الى احكم آية (اعني من الحكمات) في القرآن الكريم وهو قوله تعالى (ليس كمثله شي) والآيات التي تذكر اليد والوجه وغير ذلك انما هي تحمل معاني مجازية تدل على الرحمة او غير ذلك مما يناسب مقاماتها .
السلفيون يعارضون المنطق والعقل ولا يستطيعون مخالفة البخاري ومسلم ...
قال بن تيمية (بعد أن نقل حديثا عن ابن عباس ) : هذا يدل على انه رآه ، وأخبر أنه رآه في صورة شاب دونه ستر وقدميه في خضرة ، وأن هذه الرواية هي المعارضة بالآية والمجاب عنه بما تقدم ، فيقتضي انها رؤية عين كما في الحديث الصحيح المرفوع عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله ص رأيت ربي في صورة شاب أمرد له وفرة جعد قطط في روضة خضراء . انتهى كلام ابن تيمية . بيان تلبيس الجهمية ج ٧ ص ٢٧٠ .
وقال ابن القيم : المثال الخامس : وجه الرب جل جلاله حيث ورد في الكتاب والسنة فليس بمجاز بل على الحقيقة . انتهى كلامه .مختصر الصواعق . ص ٣٨٦ .
( 33 )
الصفات السلبية ..
البخاري ومسلم يقولان بالتجسيم !!!!!
روى البخاري بسنده الى ابي هريرة ، انه روى عن رسول الله (ص) : خلق الله عز وجل آدم على صورته ، طوله ستون ذراعا ، فلما خلقه قال : اذهب فسلم على .... باب بدء السلام ح ٥٨٧٣
وروى مسلم بسنده الى ابي هريرة انه روى عن رسول الله (ص) : إذا قاتل احدكم اخاه فاليجتنب الوجه فإن الله خلق آدم على صورته . باب النهي عن ضرب الوجه ح(١١٥) ٢٦١٢
ونعتقد ان هذه الأحاديث مكذوبة على رسول الله ص لأنها مخالفة للعقل والقرآن الكريم ، وفيما يأتي من النشر سنبين بطلان ماذهب اليه ابن تيمية وابن القيم الجوزية والبخاري ومسلم واتباعهم السلفيون ، وقد بينا ذلك فيما سبق ايضا .
( 34 )
< إبطال قول السلفيين في التجسيم >
ليس للسلفيين دليل على قولهم بالتجسيم إلا الروايات التي ذكرنا بعضا منها في المنشورات السابقة ، وظواهر بعض الآيات الكريمة ، مثل قوله تعالى ( يد الله فوق ايديهم ) (يداه مبسوطتان ) (بأعيننا ) وغير هذه المفردات الواردة في القرآن الكريم .
أما الروايات ، فإن المنهج العلمي للتعامل معها يحتم علينا ان نطرح كل ما يصطدم منها بالحقائق العقلية ، ومعارضة تلك الروايات لصريح العقل يعني انها لم ترد عن النبي (ص) . وقد دلت الأدلة العقلية القطعية على نزاهة الخالق تعالى عن الجسمية والصورة ، وعلاوة على ذلك ان هذه الروايات معارضة بمحكم الكتاب العزيز وهو قوله تعالى ( ليس كمثله شيء ) فإن اثبات الجسم والصورة له سبحانه ، يعني أن مثله شيء وهذا المعنى تنفيه الآية آنفة الذكر ، وهذا شاهد آخر على كذب هذه الروايات .
أما ظواهر بعض المفردات في الكتاب الكريم التي ذكرناها آنفا فلابد ان تفسر بما يتناسب مع المقطوع به عقلا من كون الخالق ليس له صورة وجسم ، وبما يتناسب مع محكم نفس الكتاب الكريم وهو قوله (ليس كمثله شيء ) وهذا التأويل قد عملت به كل الفرق الإسلامية الا اتباع ابن تيمية ، بل حتى هم يؤلون بعض الآيات ولكن حينما يصلون الى الصفات يجمدون على الالفاظ .
والنتيجة : ان القول بالتجسيم يتعارض مع محكم الكتاب الكريم ، ومع حكم العقل المقطوع به ، بل القول بالتجسيم يتنافى مع ازلية الخالق تعالى كما سيتبين ..
وقد أقيمت ادلة عقلية كثيرة على انه تعالى ليس جسما ...
منها : ان الجسم يحتاج الى المحل والمكان الذي يحل فيه والله تعالى غني عن كل شيء حتى المكان . ولو كان يحتاج الى المكان باعتباره جسما ، لكان المكان موجودا قبل الخالق ، لان المكان يوجد قبل صاحب المكان . والله تعالى قديم ، يعني لا شيء قبله ابدا .
ومنها : انه لو كان جسما لكانت له حدود ، وقد ثبت ان كل محدود لابد ان يكون له حاد - اي صانع - والله تعالى هو خالق كل شيء لا خالق له كما اثبتنا ذلك سابقا .
( 35 )
<المنهج المادي والوثني لأتباع ابن تيمية >
كثيرا قد هرج مشايخ الوهابية على الفرق الإسلامية واتهموا الكل بالشرك حسبما يفسرونه من افعال المسلمين ، واصبح السجود على التربة وزيارة قبور الاولياء والأئمة ع ذريعة لتكفير المسلمين لدى هؤلاء ، مع ان السجود على التربة هو سجود لله تعالى حيث اعتقد الساجد على التربة انه لا يصح السجود على الفراش وما شاكل ، وأن زيارة القبور مأمور بها في سنة النبي ص واهل بيته ع ...
بيد ان هذا الذي يكفر المسلمين يتناغم منهجه في التوحيد (وهو اهم ركائز الاسلام) مع المنهج المادي والوثني ، أولئك الذين لا يؤمنون بالغيب وينكرون وجود الله تعالى ، ولا يعتقدون بشيء الا ان تكون له كتلة وصورة ، وهذا الفكر ينسجم تماما مع اعتقاد الوهابية بالله تعالى ، حيث لا يؤمنون بالإله الا ان يكون حسب افكارهم المحدوده التي لا تتعدى الحس ، ويشنون هجماتهم التكفيرية على من لا يقول بالتجسيم لأنهم كثيرا مستأنسون بفكرة الإله الشاخص وإن ابعدوا الوثن عن مصطلحاتهم ، وليس غريبا فقد طلب اسلافهم من رسول الله ص - في قصة معروفة ومشهورة - ان يكون لهم معبودا صنما كما عند الآخرين من الوثنيين ، كل ذلك مع قيام الادلة من الكتاب وصريح العقل بعدم إمكانية التجسيم بحق الله تعالى ، ومن الغريب ان يسموا انفسهم بأهل التوحيد !!!! .
(36 )
< تتمة بحث الصفات السلبية >
إن الخالق تعالى ليس محلا للحوادث ، كالنوم واليقضة ، والحركة والسكون ، والقيام والقعود ، والضعف والتعب والحزن ، وغير هذه الصفات التي هي من خواص الممكنات والماديات ولا تتناسب مع القديم الازلي ، ولا يتصف بها الخالق لانها دليل العجز والنقص ، قال تعالى : (لا تأخذه سنة ولا نوم) .
أيضا هو منزه عن الاتصاف بالتذكير والتأنيث لأنها من خصائص الممكنات .
أيضا هو تعالى منزه عن الرؤية البصرية ، فلا يمكن ان يرى في الدنيا والآخرة ، لأن المرئي لابد ان يكون في جهة ما ، فيكون محدودا وجسما ، والخالق تعالى منزه عن المحدودية والجسمية كما تقدم . (لاتدركه الابصار وهو يدرك الابصار) وقال امير المؤمنين ع ( لا تدركه العيون بمشاهدة العيان ، ولكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان ) نهج البلاغة .
ولابد من التعقيب على منشورنا الذي تحدثنا به عن نفي التركيب ، بأن الخالق تعالى منزه عن كل انواع التركيب سواء التركيب الخارجي او المعنوي او الماهوي وغيرها ، لان كل انواع التركيب تقتضي الاحتياج وعدم القدم ، فيتنزه عنها الخالق الذي ثبت انه قديم وغني حميد .
((( حين تجد اية صعوبة في فهم المنشور او المصطلحات ابعث استفسارك في تعليق )))
( 37 )
< الدليل على ان الخالق تعالى واحد لا شريك له >
بعد أن اثبتنا - في ما مضى من منشورات كثيرة وصلت الى اكثر من ٤٥ منشورا تحت عنوان ( عقائد) او (تأملات ..) - اثبتنا بما لا يقبل الشك وجود خالق عظيم لهذا الكون ، ذو صفات ثبوتيه ، ومنزه عن كل ما لا يتناسب مع عظمته ، الآن -وبفضل من الله تعالى - قد وصل بنا الكلام الى إثبات ان هذا الخالق واحد لا شريك له .
وقد أقيمت ادلة كثيرة على ان الخالق تعالى واحد لا شريك له ، ونحن نذكر مايسمح به وقتنا وبرنامجنا .
الدليل :
أنه لو افترضنا وجود شريك لله تعالى في الخلق ، فإن هذه الفرضية لا تعدوا احتمالين :
الاول : أن يكون احدهما محتاجا للآخر ، وهذا الاحتمال باطل ، لان الاحتياج عجز ونقص ، والعاجز لا يمكن ان يكون إلها وخالقا .
الثاني : ان يكون كلا منهما مستغنيا عن الآخر غير محتاج اليه ، وهذا الاحتمال أيضا باطل ، لأنه يعني ان وجود أحدهما عبث ، لا فائدة فيه ، وهذا بخلاف حكمة الحكيم الذي يتنزه عن العبثية في كل شؤونه .
وإذا بطل كلا شقي هذه الفرضية ، ثبت أن خالق الكون هو واحد لا شريك له .
( 38 )
< دليل آخر على أن الخالق تعالى واحد لا شريك له >
لو فرضنا أن هناك خالقين لهذا الكون ، يتحصل لدينا ثلاثة احتمالات عقلية لا رابع لهما :
الاول : ان يكونا ضعيفين .
الثاني : ان يكون احدهما قويا والآخر ضعيفا .
الثالث : ان يكونا قويين .
فالاحتمالان الاولان باطلان ، لان الضعيف لا يصلح للإلوهية .
وأما الاحتمال الثالث (وهو ان يكونا قويين) فهما إما ان تتفق ارادتهما ، بأن يخلقا شيئا واحدا ويجريا امرا واحدا ، فيكون وجود أحدهما عبثا لا فائدة فيه ، فهذا خلاف كونه إلها واجب الوجود ، وهو باطل .
وإما ان تختلف ارادتهما ، كأن يريد احدهما خلق زيد والآخر عدمه ، فهذا محال لان الخلق وعدمه نقيضان لا يجتمعان ، او لفسد النظام واختل و ( لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض ) . مع اننا نرى دقة النضام الكوني وصلاحه .
وبما ان هذه الاحتمالات الحصرية كلها قد بطلت على فرض تعدد الآلهة ، فهذا يعني ان الإله واحد لا شريك له وهو الله تعالى .
وهناك ادلة كثيرة وكثيرة على انه تعالى واحد لا شريك له ولكننا نكتفي بهذا الدليل وماسبقه لانهما كافيان .
( 39 )
< انواع التوحيد >
للتوحيد مراتب وانواع متعددة ، وليست مرتبة واحدة ونوع واحد وهي :
١- التوحيد الذاتي .
٢- التوحيد الصفاتي .
٣- التوحيد في الخالقية .
٤- التوحيد في الربوبية .
٥- التوحيد في الحاكمية .
٦- التوحيد في العبادة .
(40 )
قسام التوحيد ..
<الاول : التوحيد الذاتي>
وللتوحيد الذاتي معنيان : الاول ، هو ان الله تعالى واحد لا مثيل له ولا نظير ولا شبيه ولا عديل .
والثاني ، انه ذاته المقدسة بسيطة بمعنى انها غير مركبة تركيبا ماديا ولا غيره .
وقد تقدم الحديث عن كلا المعنيين في منشوراتنا السابقة ، حيث اثبتنا ان الله واحد لا شريك له ، وايضا أن ذاته منزهة عن التركيب بكل انواعه .
وقد اشارت سورة التوحيد لكلا المعنيين ، ففي قوله تعالى ( ولم يكن له كفوا احد ) اشارة للمعنى الاول وانه تعالى واحد لا نظير له .
وفي قوله ( قل هو الله احد ) اشارة للمعنى الثاني وان ذاته المقدسة ليست مركبة وليس فيها اجزاء .
( 41 )
أقسام التوحيد
(الثاني : التوحيد الصفاتي)
القسم الثاني من اقسام التوحيد ، التوحيد الصفاتي ، ومعناه : أننا نعتقد ان الله تعالى مستجمع لجميع الصفات الكمالية لذاته المقدسة ، كالعلم والقدرة والحياة وغيرها ، وهي مختلفة المعاني لان العلم معناه يختلف عن معنى القدرة والقدرة يختلف معناها عن معنى الحياة وهكذا .
ولكن النقطة التي نريد أن نبينها هنا ، هي أن هذه الصفات وإن كانت مختلفة من حيث المعنى ، ولكنها متحدة في الوجود الخارجي ، بمعنى :
أن ذات الخالق عالمة ، ونفسها العالمة قادرة ، ونفسها حية وهكذا ، وليست كما في المخلوقات ، فإن الانسان مثلا قدرته تختلف في الوجود الخارجي عن علمه ، حيث أن علمه عند عقله المجرد ، واما قدرته وقوته فإنها في أعصابه وعضلاته .
ولا يمكن ان تكون صفات الخالق الذاتية مختلفة في الوجود الخارجي ، لأنه يلزم التركيب في الذات وقد نفينا التركيب - فيما سبق - بالدليل القطعي ، او يلزم تعدد الآلهة .
وقد وقع في هذه المشكلة - وهي كون الصفات الذاتية متغايرة في الوجود وأنها غير الذات المقدسة - غير الشيعة من المسلمين ، وهو خدش واضح في توحيدهم .
وقد مر هذا البحث مفصلا ومبسطا أكثر في منشورات الصفات فالأولى ان تراجعوها هناك في المنشور (٢٥) في الصفات من منشورات التوحيد
( 42 )
اقسام التوحيد
(الثالث : التوحيد في الخالقية)
ومعناه أنه لا خالق سوى الله تعالى وأن الوجود برمته مخلوق له ، لان كل ما سوى الله تعالى ممكن الوجود ( بمعنى أنه يحتاج في ايجاده الى شيء آخر يوجده ) والله وحده واجب الوجود الذي يمنح الوجود لغيره - كما ثبت ذلك في منشورات التوحيد الاولى - فخلق كل شيء وأنشئه حيث لا شيء .
ثم جعل نظام السببية بين الاشياء ، بحيث يكون الشيء الاول جزء سبب في وجود الشيء الثاني وهكذا .....
فكان وجود الكل مستندا الى الخالق تعالى .
وهذا لا يعني أن ما يرتكبه الانسان من القبائح هي من افعال الله عز اسمه ..
كلا ....
فإن الله الخالق جعل الانسان مختارا في افعاله بعد ما منحه القوة البدنية والعقلية على فعل ما يريده ، فكان الانسان - بمشيئة الله تعالى - مختارا ، فيكون فعل الانسان خيرا او شرا بإرادة الانسان نفسه واختياره .
( 43 )
أقسام التوحيد
(الرابع : التوحيد في الربوبية)
ومعنى الربوبية هو التدبير والإدارة ، فإن رب الكون هو من يدبر أموره ويدير شؤونه .
والربوبية والتدبير في مجالين :
١- التدبير التكويني .
٢- التدبير التشريعي .
ونحن في هذا المنشور نأخذ شيئا من التدبير التكويني ، ونؤجل الحديث عن التدبير التشريعي الى المنشور (٤٦) في التوحيد .
والتدبير التكوني معناه أن لا مدبر ولا مؤثر -بصورة مستقلة - في الكون الا الله تعالى ، فهو من يدير شؤون هذا الكون برمته بحكمة واتقان .
والدليل على ذلك واضح وجلي ، فلما ثبت - في ابحاث سابقة - ان خالق هذا الكون هو الله تعالى ثبت بطريق الجزم ان مدبره هو الله تعالى أيضا ، وذلك للعلاقة التكاملية بين الخلق والتدبير ، حيث إن التدبير ليس شيئا آخر غير الخلق ، فإن إنزال المطر على قرية ما لتدبير رزقها ، ليس شيئا آخر غير خلق المطر وضروفه . وأيضا أن الله وحده القادر على التدبير مع عجز كل ما سواه بل هم يحتاجون الى الطافه وأياديه ولايستطيعون تدبير امورهم من دونه فكيف يدبرون امور غيرهم . وأيضا لو كان هناك مدبر آخر غيره لوجدت الاختلاف ولامتازت الآثار ولفسد نظام الكون .
وهذا النوع من التوحيد ( التوحيد في الربوبية على مستوى الكون) رد على المشركين الذين يعتقدون ان الله هو الخالق وتدبير خلقه قد وكل الى غيره .
فإن تأريخ الانبياء يشهد بأن موضوع خلق الكون ليس موضوع نقاش عند الاقوام آنذاك ، بل كانوا يؤمنون بان الله هو خالق الكون ، ولكنهم كانوا يعتقدون بأن تدبير الامور في بعض الشؤون مسنود الى شركائهم .
وهنا نقطة هامة لابد من التنبه لها :
وهي أن التوحيد في التدبير لا ينافي وجود مدبرات أخرى تقوم بوظائفها بإذن الله في صفحة الكون ، فهي بالحقيقة مظاهر لربوبية الحق تعالى . ولهذا فإن القرآن الكريم مع تأكيده الشديد على التوحيد في الربوبية (ءأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) يصرح بوجود مدبرات أخرى اذ يقول ( فالمدبرات أمرا) ، واعتقادنا بالولاية التكوينية لايخرج عن ذلك ، فإننا نعتقد بأن النبي او الامام يتصرف بإذن الله تعالى وتحت ربوبية الله كخلق الطير وانشقاق والقمر وغير ذلك .
وسنتحدث عن التدبير التشريعي يوم ٢٠ شعبان إن شاء الله تعالى ، لان الاسبوع المقبل سيكون النشر في الفقه حسب البرنامج .
( 44 )
اقسام التوحيد ..
(الخامس : التوحيد في الحاكمية)
ذكرنا في المنشور رقم (٤٥) في التوحيد ان التوحيد في الربوبية (التدبير) يكون في مجالين ، في (التدبير التكويني) : وقد تحدثنا عن هذا الجانب في المنشور السابق (٤٥) ، والمجال الثاني (التدبير التشريعي) : ونحن بصدد الحديث عنه ... فنقول :
أن معنى التدبير التشريعي او (التوحيد في الحاكمية) : هو أن من يحق له تشريع الأحكام و تقنين القوانين هو الله تعالى فقط .
بدليل :
بعد أن ثبت في المنشور السابق أن للكون مدبرا حقيقيا واحدا هو الله تعالى وأن تدبير العالم وحياة الإنسان بيده دون سواه ، كان تدبير امر الانسان في صعيد الشريعة والأحكام والتقنين والطاعة وغير ذلك من هذه الشؤون بيده أيضا . وذلك لأن من يعلم بالمصالح الحقيقية للعباد هو المعبود وحده ، فإن الإنسان مهما بلغت عقليته وإدراكاته يبقى قاصرا عن ادراك المصالح الحقيقية والمفاسد كذلك في الافعال ، ولا يستطيع التمييز - في غالب الأحيان - بين المصلحة ليتبعها والمفسدة ليتجنبها ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى أن المنعم الذي انعم على الانسان الحياة يستحق - عقلا و بشكل لازم - الشكر على أنعمه وافضاله ، ولابد أن يكون شكره بما يتناسب معه لا بما يتناسب مع اجتهادات العباد ، فلعل العبد يريد أن يشكر فيكفر وهو لايدري انه كفر ، فكان لابد من ان يكون تقنين طريقة الشكر والعبادة من المعبود والمشكور ، لا من العابد والشاكر ، وهناك جهات أخرى لحصر التشريع بيد الله تعالى دون غيره ولكننا نتركها تجنبا عن التطويل ..
على ان القرآن الكريم أيضا يحصر التشريع والحكم والتقنين بيد الله تعالى دون غيره ، (ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون) المائدة ٤٤ .
وذكر أيضا ان الرسول يطاع بإذن الله دون غيره (وما ارسلنا من رسول الا ليطاع بإذن الله) النساء ٦٤ .
بل ان الله تعالى شدد على رسوله الكريم في التشريع وأن التشريع يكون بإذنه تعالى دون غيره ( ولو تقول علينا بعض الأقاويل . لأخذنا منه باليمين . ثم لقطعنا منه الوتين ) الحاقة ٤٤ - ٤٦ .
الى غير ذلك من النصوص الدالة جزما وقطعا على ان من له حق التشريع هو الله تعالى وبإذنه فقط .
وهذه المرتبه من التوحيد رد على من يقول بعدم حصرية الأحكام بيد الله او عدم حصرية العبادات بالمنصوص عليها .
( 45 )
أقسام التوحيد ..
(السادس : التوحيد في العبادة)
فإن خالق الكون الواحد ومدبر اموره بلا شريك وهو الله تعالى -كما ثبت فيما سبق من منشورات في التوحيد - هو من يستحق العبادة لا غيره ، فإن كل ما دونه عبيد له يستمدون وجودهم منه ويستعينون في كل شيء به ، فكيف يعبدون من دونه .
وإن الهدف الأسمى من بعث الانبياء والرسل هو التذكير بأن المعبود هو الله تعالى وحده (ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت) النحل ٣٦ .
والأمر المهم الذي لابد أن نبينه هنا ، هو تحديد معنى العبادة ، لكي يتضح من خلاله بعض ممارسات المسلمين ، هل هي عباده فيكونوا مشركين ؟ ، أم هي تكريم واحترام فيكونوا موحدين ؟ .
والعبادة هي : الخضوع امام شيء بإعتقاد أن بيده مصير العالم كله او بعضه ، وأنه مالك أمره .
وأما الخضوع أمام كائن ما لا بالإعتقاد المشار اليه آنفا ، بل من جهة كونه عبدا صالحا ، وأنه صاحب فضيلة وكرامة من الله تعالى ، فإن ذلك ليس من العبادة في شيء ، بدليل :
سجود الملئكة لآدم ع مع انهم موحدون . وسجود يعقوب ع ليوسف ع مع انه إمام في التوحيد . فإن سجود هؤلاء لغير الله تعالى لا يعني جواز هذه العبادة لغير الله ، بل أن مافعلوه ليس عبادة بل توقير واحترام للمسجود لهم .
وسنعرض في المنشورات الآتية بعض نماذج افعال المسلمين ، لنرى أنها ليست عبادة وإنما هي احترام وتقدير ، ونذكر بعض النماذج من النصوص التي تؤكد جواز ما يفعلونه لنثبت أن من كفرهم على ضلال وجهل . انتظرونا .
( 46 )
(التبرك ليس شركا في عبادة الله)
بناءا على ما تقدم في المنشور السابق (٤٧) حيث فسرنا معنى العبادة (وهو الخضوع لشيء باعتقاد أن بيده مصير العالم كله او بعضه ، وأنه مالك امره) يتبين جليا أن التبرك ليس شركا ، لأنه لا ينطبق عليه تعريف العباده ، فإن التبرك بأضرحة الأولياء وجدران الكعبة المعظمه وغير ذلك هو لإظهار الحب والولاء والتبجيل والإحترام ، والاستشفاء والاستشفاع بإذن الله تعالى ، ولا يقصد من ذلك - جزما - أن صاحب الضريح او جدران الكعبة او غير ذلك لها قوة التصرف بالعالم كلا او بعضا ، وأن لها من الأمر شيئا من دون الله تعالى . بل المعتقد هو أن كل مايجري على يدي صاحب الضريح هو بإذن الله تعالى وكرمه .
وقد وقع التبرك والاستشفاء من رسول الله ص واهل بيته ع وهم أئمة التوحيد ، ومن الصحابة ايضا ، وهذا ما تواتر نقله في مصادر المسلمين جميعا .
فقد روى مسلم في صحيحه الحديث ٢١٩٤ أن رسول الله ص كان إذا اشتكى الانسان الشيء منه او كانت به قرحة او جرح ، قال رسول الله ص بإصبعه هكذا ، ووضع سفيان سبابته بالأرض ثم رفعها : باسم الله تربة ارضنا بريقه بعضنا ليشفي به سقيمنا بإذن ربنا .
وغير ذلك من النصوص الكثيرة التي لا مجال لذكرها لضيق المحل .
ويظهر من ذلك ضلال وجهل من كفر المسلمين بحجة أن التبرك شرك في العبادة .
واما ما استندوا عليه من آيات في ذم من يتخذون الأوثان شفعاء من دون الله وعبادتها وغير ذلك ، فهو قياس مع الفارق الكبير ، حيث إن المشركين آنذاك يعتقدون بأن اوثانهم تتصرف بالكون وببعض أمورهم في معزل عن الله تعالى وباستقلال عنه ، وهذا خلاف عقيدة المسلمين بالتبرك المبني على أن الكل عبيد الله تعالى وكل شيء بإذنه وإرادته ، غير أن هذا الولي او هذا المحل محبوب لدى الله وذو حضوة عنده ، كما فعل رسول الله ص واهل بيته ع والصحابة .
( 47 )
(زيارة القبور ليست شركا في عبادة الله تعالى)
إن الإتهامات غير المنصفة التي تكال على عامة المسلمين من قبل شرذمة من الناس ، بسبب بعض الطقوس كالتبرك وزيارة القبور ، إنما هي اتهامات ظالمة .
فقد اتهم من لا دراية لهم بقواعد العقيدة الاسلامية عامة المسلمين وخصوصا الشيعة بأنهم يعبدون القبور ، وذلك لأن الشيعة يتبركون بمقامات الاولياء ويزورونها .
وقد تحدثنا في المنشور السابق عن قضية التبرك والاستشفاء وأنها تختلف اختلافا جذريا عن العبادة ، وأن رسول الله ص وأهل بيته ع والصحابة كانوا يفعلون ذلك .
والآن نتبع نفس الطريقة بالحديث عن زيارة القبور ، فقد ذكرنا في المنشور (٤٧) المعنى الدقيق للعبادة ، وأنه ( الخضوع لشيء باعتقاد انه يتصرف في العالم كلا او بعضا وهو مالك أمره ) وهذا المعنى للعبادة يختلف اختلافا جذريا عن موضوع زيارة القبور والتبرك بها ، فإن زيارة القبور تخلو عن الاعتقاد بأن صاحب الضريح يتصرف بالعالم كلا او بعضا من دون الله تعالى بل كل ما يجري على يديه هو من فيوضات الله عز وجل ، والزيارة تأتي لأجل الحصول على الثواب او الشوق للمحبوب وليست للخضوع الذي فيه اعتقاد بأن هذا الولي مالك لأمر العالم من دون الله . بل الإعتقاد عند الزائر هو أن صاحب القبر عبد من عبيد الله فقير الى نواله وإحسانه ، ولكنه له الحضوة والمنزلة عند الله تعالى .
وقد وردت روايات كثر في جميع مصادر المسلمين ،عن الزيارة وفضلها واستحبابها ، أما عند الشيعة فدونك كتاب كامل الزيارات للقمي ، واما عند السنة فأيضا رووا الكثير ، نقتصر على روايتين لضيق المحل .
فقد روي عن أم قيس أنها قالت : كنت مع رسول الله ص في زيارة قبور البقيع ، فقال لي رسول الله ص .... الخ صحيح مسلم ج١ ص١٩٢.
وفي مجمع الزوائد للهثمي ص٥٨ ج٣ عن رسول الله ص : إني كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها تذكركم الآخرة .
وغير ذلك من الروايات الكثيرة .