صفحة الكاتب : سعيد العذاري

مميّزات المنهج التربوي عند أهل البيت(عليهم السلام)
سعيد العذاري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  الموضوع قسم من كتابي (( المنهج التربوي عند اهل البيت  عليهم السلام)) طبعه مركز الرسالة قبل سنة 2000  تحت عنوان ملامح المنهج التربوي عند اهل البيت وباسمي المستعار شهاب الدين وطبع من قبل مجمع اهل البيت سنة 2005 ومن قبل دار الامين البيروتية سنة 2006 

  واخترت قسما منه لنشره في النور تعميما للفائدة 
  مميّزات المنهج التربوي عند أهل البيت(عليهم السلام) 
  اختصّ منهج أهل البيت(عليهم السلام) بخصائص امتاز بها عن غيره من المناهج ، وهي تعتبر الحجر الأساس في بناء الشخصية لمن يلتزم بها ، ومن أهمها: 
1 ـ ربانيّة المنهج التربوي 
أهل البيت(عليهم السلام) عنوان مضيء في حياة الإنسانية ، وعنوان شامخ في حركة التاريخ والمسيرة الإنسانية ، وهم أعلام الهدى وقدوة المتقين ، عُرفوا بالعلم والحكمة والإخلاص والوفاء والصدق والحلم وسائر صفات الكمال في الشخصية الإسلامية ; فكانوا قدوة المسلمين ورواد الحركة الاصلاحية والتغييرية في المسيرة الإسلامية ، وكان لهم مقامهم الكريم ودورهم السامي عند الفقهاء والمفسرين والرواة والمؤرخين والأدباء والشعراء ، وعند العابدين والزاهدين والأولياء. 
وأهل البيت(عليهم السلام) عدل القرآن وهم القرآن الناطق المتحرك وقد تظافرت وتواترت الروايات على اثبات هذا المقام ، ففي رواية عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) انّه قال: « يا أيّها الناس إنّي قد تركت فيكم ما إن اخذتم به لن تضلّوا: كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي »([1]). 
وفي رواية اُخرى أنه(صلى الله عليه وآله وسلم) قال: « إنّي تارك فيكم خليفتين ، كتاب الله... وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يتفرقا حتى يردا عليّ الحوض »([2]). 
ومثّل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أهل البيت(عليهم السلام) بسفينة نوح فقال: « ألا إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح... من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق »([3]). 
وقال(عليه السلام): « النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لأمتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس »([4]). 
ووصفهم أمير المؤمنين(عليه السلام) قائلاً: « هم عيش العلم وموت الجهل ; يخبركم حلمهم عن علمهم ، وظاهرهم عن باطنهم ، وصمتهم عن حكم منطقهم ; لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه ، وهم دعائم الإسلام وولائج الاعتصام ، بهم عاد الحقّ إلى نصابه... عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية لا عقل سماع ورواية »([5]). 
وقال(عليه السلام): « نحن النمرقة الوسطى ; بها يلحق التالي ، وإليها يرجع الغالي »([6]). 
وهذه الأحاديث تدل دلالة واضحة على عصمة أهل البيت(عليهم السلام) بمعنى اندكاكهم الكامل بالقرآن فلا افتراق ولا اختلاف عنه ، فما يصدر منهم صادر عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) عن الله تعالى ، وبعبارة اُخرى انّ منهجهم هو منهج الله تعالى ، ولهذا يصح القول بأنّ منهجهم ربانيّ ، كما تدلّ أحاديثهم الشريفة على ذلك أيضاً. 
قال أمير المؤمنين(عليه السلام): « انّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) أدّبه الله وهو أدّبني ، وأنا أؤدّب المؤمنين ، وأورث الآداب المكرمين »([7]). 
وقال الإمام جعفر الصادق(عليه السلام): « والله ما نقول بأهوائنا ، ولا نقول برأينا ، ولا نقول إلاّ ما قال ربّنا »([8]). 
وقال(عليه السلام): « لو كنّا نحدث الناس أو حدّثناهم برأينا لكنّا من الهالكين ، ولكنّا نحدّثهم بآثار عندنا من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) »([9]). 
وسأله رجل عن مسألة فأجابه فيها ، فقال الرجل: أ رأيت إن كان كذا وكذا ما يكون القول فيها؟ قال له: « مه ، ما أجبتك فيه من شيء فهو عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)لسنا من (أ رأيت) في شيء »([10]). 
ووضّح(عليه السلام) سلسلة الحديث ومصادرها فأرجعها إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وإلى الله تعالى فقال: « حديثي حديث أبي ، وحديث أبي حديث جدّي ، وحديث جدّي حديث الحسين ، وحديث الحسين حديث الحسن ، وحديث الحسن حديث أمير المؤمنين ، وحديث أمير المؤمنين حديث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ، وحديث رسول الله قول الله عزّوجلّ »([11]). 
وعن سماعة عن أبي الحسن موسى(عليه السلام) قال: قلت له: أكلُّ شيء في كتاب الله وسنة نبيّه(صلى الله عليه وآله وسلم)؟ أو تقولون فيه؟ قال: « بل كلّ شيء في كتاب الله وسنّة نبيّه »([12]). 
وعلى ضوء ما تقدّم يمكن القول: ان منهج أهل البيت(عليهم السلام) التربوي هو منهج رباني بمعنى انه موضوع من قبل ربّ الانسان وخالقه وليس من وضع الانسان ، فقد وضعه من له احاطة تامة بالعالم كلّه وبالأرض كلّها وبالناس كلّهم ; يعلم سكنات النفس وما تخفي الصدور ، وهو سبحانه وتعالى أودع الغرائز والرغبات في الإنسان ، ولذلك فهو أعلم بكيفية اشباعها وبكيفية التوازن بينها ، فيكون المنهج التربوي الموضوع من قبله تعالى كاملاً لا نقص فيه ولا ضعف ، فيستجيب له الانسان مطمئناً بأنّه المنهج الأمثل في التربية ، أمّا المناهج الوضعية فهي صادرة من البشر الذي يتصف بالضعف وعدم الاحاطة التامة بالحياة ، ويتصف بمحدودية فكره وكثرة أخطائه اضافة إلى تحكم الأهواء به ، فتكون ناقصة وقابلة للتبدّل والتغيّر لتغيّر آراء وتصورات واضعيها. 
والإنسان بانتسابه إلى العقيدة الربانية يرى نفسه مرتبطاً بالمطلق العليم الحكيم المهيمن ، وهذه الرؤية تجعله مرتبطاً بغاية وهدف ، فلا عبث ولا لهو ; بل تكون جميع أفكاره وعواطفه وإرادته متجهة نحو المطلق ، ويستتبعها سلوكه في نفس الاتجاه ، فيبتعد الإنسان عن التخبّط والتغيّر السلبي والمزاجية والتمزّق والصراع النفسي ، ويستقيم على منهج واحد في عقيدته وعواطفه وسلوكه. 
والربانية تزرع في نفس الانسان حالة التقديس للمنهج التربوي ، لأنّه يشعر بأنّه موضوع من قبل المطلق العليم ، أو من قبل شخصيات شهد القرآن ورسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بعصمتها ، وهذا التقديس يشجع الانسان ويدفعه إلى العمل الدؤوب لتطبيق قواعد المنهج في نفسه واُسرته ومجتمعه. ثم ان الارتباط بالله تعالى يدفع الانسان للارتباط بكل ما يريده ربّه ، فيرتبط بالقرآن وما فيه من مقومات تربوية ، وبالعبادات وما فيها من قيم روحية والالتقاء بالصالحين ، والارتباط بالعلماء. وارتباط العبد بخالقه يحقّق الاستقامة في السلوك بعد شفاء الانسان من الوسوسة والقلق والاضطراب ; فيطمئن ويستشعر الحماية والأمن ، ويكون شفاءً من الأمراض السلوكية والاجتماعية. 
وقد أثبت منهج أهل البيت(عليهم السلام) التربوي قدرته على بناء الانسان بناءً متكاملاً ، فقد تخرج على هذا المنهج مئات الشخصيات التي كانت قمة في السمو الروحي والتكامل النفسي والسلوكي ، وقدوة لجميع بني الانسان لاستشعارها بأن المنهج ربانيّ النشأة وربانيّ المصدر ، وبعد أن واكبت تعاليمه وارشاداته وقواعده منذ بداية الحياة الزوجية باختيار شريك الحياة المتديّن الصالح ، ومروراً بمرحلة الحمل والطفولة بجميع مراحلها ، وكانت تلك الشخصيات قدوة لجميع بني الإنسان. 
وعلى الرغم من ابتعاد أغلب المسلمين عن المنهج التربوي لأهل البيت في تصوراتهم وممارساتهم إلاّ أنّ آثاره بقيت حاكمة على كثير من المواقف والممارسات ، وكان المسلمون وخصوصاً أتباع أهل البيت(عليهم السلام) أقل انحرافاً وانحطاطاً من غيرهم من أصحاب الديانات الإلهية المحرّفة أو الوضعية ، ولا تزال كثير من العلاقات الاجتماعية قائمة على أسس صحيحة تحت تأثير ذلك
المنهج ولو قدر للإسلام أن يبقى في دوره الريادي دون اقصائه من قبل المحتلّين والغزاة لانتهى الانحراف وانحسر في دائرة ضيقة. 
وفي مقابل ذلك نرى أنّ المناهج الوضعية في التربية لم تحقّق إلاّ مزيداً من الانحراف النفسي والسلوكي ; حيث القلق والاضطراب في النفس والانحراف في السلوك الفردي والاجتماعي ، وكان من آثاره كثرة الجرائم وكثرة الفساد وبالتالي فقدان الأمن والاطمئنان ، وفيما يلي نذكر بعض الاحصائيات في ذلك. 
في نيويورك وحدها يوجد أكثر من 300 ألف مدمن على المخدرات ، وهؤلاء يحتاجون يومياً إلى (50 ـ 100) دولار لكل شخص لتأمين الهيروئين لأنفسهم ، وإن إحصاءات الجرائم في نيويورك تدل على انها بلغت 368 ألف جريمة خلال العشرة أشهر الأولى من عام 1972 من أمثال القتل ، والاغتصاب ، والهجوم المسلح([13]). 
وفي عام 1991 بلغ عدد جرائم القتل إلى 240020 جريمة ، وقد ازداد العدد في عام 1992([14]). 
وتشير الاحصائيات إلى 963 حالة اغتصاب في الولايات المتحدة في أوائل
التسعينات ، علماً أنّ الاباحية الجنسية منتشرة والسلوك الجنسي سهل الاشباع. 
وفي مجال جرائم القتل العائلية أفادت دراسة لوزارة العدل الأمريكية في 10 تموز 1994 أنّ 80% من ضحايا القتل قتلوا بأيدي أفراد من عائلاتهم. 
وفي عام 1995 أعلنت وزارة الداخلية البريطانية أن نسبة الجريمة في انجلترا وويلز ارتفعت للمرة الأولى في عامين ، وكانت أكبر زيادة في جرائم العنف والاعتداء والاغتصاب([15]). 
وأظهرت دراسة نشرها مركز مراقبة الأمراض والوقاية منها انّ نسبة جرائم قتل الأطفال الأمريكيين في عام 1995 بلغت 257 طفلاً بين كل مائة ألف ، وبلغت نسبة الانتحار بين الأطفال دون الخامسة عشرة 55 بين كل مائة ألف([16]). 
وأكدت منظمة الصحة العالمية أنّ حوالي مائة مليون من أطفال الشوارع حديثي السن يتعاطون الخمر والمخدرات وأنّ وضعهم يدعو إلى القلق. 
ودلّت الاحصائيات على أنّ عدداً كبيراً من فتيات تحت سن الخامسة عشرة تظهر عليهنّ آثار الحمل كل شهر ، وبما أنّ الأطباء يخشون القيام باسقاط الجنين لصغر سنهن فانهنّ يصبحن أمهات ، ويزداد طلب اجراء عملية الاجهاض يوماً بعد يوم من المستوصفات الأمريكية([17]). 
وفي احصائية اقيمت سنة 1985 دلّت على انّ طفلاً واحداً من بين كل ستّة أطفال يولدون بصورة غير شرعية في بريطانيا ، وقد ارتفع عدد حالات الاغتصاب بنسبة 27% خلال الستة شهور من سنة 1985([18]). 
ودلّت الاحصائيات الأخيرة على قبول الناس لفكرة الانجاب غير الشرعي للأطفال ، وأكدت على أنّ 34% من الأطفال الذين ولدوا أحياء في انگلترا وويلز عام 1995 ولدوا سفاحاً دون زواج([19]). 
وأشارت التقارير إلى وجود نصف مليون شابة يمارسن الدعارة في مدينة ساوباولو البرازيلية في عام 1996 ، وأنّ أطفالاً بين سن السابعة والثامنة يعيشون من ممارسة الدعارة ، وأنّ موسكو تعاني من وجود أكثر من ألف طفل يتاجرون ببيع أجسادهم ، ودلّت أيضاً على وجود ثماني مئة ألف من البغايا الأطفال في تايلند ، وأربع مئة ألف في الهند وستون ألف في الفيليبين ، كما ظهرت مراكز دولية جديدة لبغاء الأطفال في فيتنام وكمبوديا ولاوس والصين ، وفي تقرير آخر أشار إلى أنّ أكثر من 50% من البغايا الأطفال في تايلند مصابات بفيروس الآيدز([20]). 
وفي تموز عام 1997 تظاهر نحو 60 ألفاً من الشواذ جنسياً في شوارع لندن على غرار ما يفعلون سنوياً للمطالبة بحقوقهم ، وجرى لأول مرة في سويسرا حفل زواج لشابين شاذين جنسياً في كنيسة بروتستانتية بمنطقة برن. 
وفي شباط 1995 دعا البرلمان الأوروبي في قرار الدول الأعضاء إلى منح الشاذين جنسياً الحقوق والواجبات نفسها التي يتمتع بها الأزواج العاديون([21]). 
  
2 ـ شمولية المنهج التربوي 
يمتاز منهج أهل البيت(عليهم السلام) التربوي بالشمول ، فهو يراعي الانسان في جميع مقوماته ، وينظر إليه من جميع جوانبه ، فهو مخلوق مزدوج الطبيعة روح وعقل وغرائز ، وجسد متعدد الجوارح ، وهو موضوع للانسان ككل فلا انفصال بين حاجات الجسد وحاجات الروح ، فهو يدعو إلى اشباع حاجات الانسان لكي يتقبل ما يلقى إليه من قواعد وأسس تربوية وتوجيهية وارشادية. 
والمنهج التربوي لأهل البيت(عليهم السلام) يواكب حركة الانسان في جميع مراحلها ابتداءً باختيار شريك الحياة المناسب مروراً بمرحلة الاقتران وانعقاد الجنين ومراحل الطفولة الأخرى ، ويضع لكل مرحلة تعاليم وتوجيهات منسجمة مع عمر الطفل الزمني والعقلي ، ومع حاجاته المادية والروحية ، ثم تأتي التكاليف حينما يصل الطفل إلى مرحلة من النضج الجسدي والعقلي ; لتكون هي الموجهة له في حركته الواقعية في الحياة. 
والمنهج لا يقتصر على تعاليم وارشادات خاصة في مجال معين بل انها شاملة لجميع المجالات ، وكل ما يسهم في تربية الانسان بشكل أو بآخر ، حيث يبدأ المنهج بربط الانسان وخصوصاً في مرحلة الطفولة بالمفاهيم والتصورات الإسلامية الأساسية ، كالايمان بالله تعالى ، وبالثواب والعقاب ، وذكر الله عن طريق قراءة القرآن والدعاء والعبادة ، وذكر الموت ، والرضا بالقضاء. 
والمنهج يتدخل في جميع المؤثرات التربوية ، فيدعو إلى اصلاح المحيط التربوي المتمثل بالأسرة والأصدقاء وحلقات الذكر والمسجد والعلماء وأجهزة الدولة. 
ولا يقتصر المنهج على القاء التعاليم والارشادات ، بل يدعو إلى خلق الأجواء السليمة التي تسهم في تطبيق تفاصيل المنهج ، وهي تعميق المودة داخل الأسرة ، ومراعاة الحقوق والواجبات ، وتجنّب المشاكل والخلافات ، واشباع حاجات الطفل إلى الحب والحنان والتكريم واشعاره بذاته ، واشباع حاجاته إلى الرفاهية وإلى اللعب وإلى الحرية وإلى السلطة الضاغطة الموجهة. 
والمنهج التربوي شامل في استخدام أساليب اللين والشدة ومراعاة الحقوق والواجبات ، وهو شامل لمعرفة الأفكار وتنميتها ، وتنمية العواطف ، وتنمية الارادة ، وتربية السلوك ، ويتصاعد المنهج التربوي بتكثيف التربية والتمرين على الطاعات المختلفة حسب القدرة ودرجة التلقي وتفاوت الأعمار. 
وحينما تصطدم حاجات الانسان بالواقع ويحرم من تحقيق بعضها بسبب الظروف النفسية أو الاجتماعية ، يضع المنهج التربوي برنامجاً لمقاومة حالات التصدع النفسي في شخصية الإنسان ، ومعالجة الأمراض النفسية والروحية وهي في مهدها ، ومن مصاديق هذا البرنامج الدعوة إلى الصبر لأنه سلاح المؤمن في مقاومة العقبات والهموم والآلام ، وبه يتغلب على جميع أثقال الحياة من جوع ومرض وفقر وحرمان ومن اضطهاد وظلم ، والصبر له تأثيرات ايجابية على الصحة النفسية ، والإنسان الذي يقابل الحرمان والهموم والآلام بالصبر والثبات سيكون مطمئناً مستقراً ; لإيمانه بأنّ الله معه يحرسه ويرعاه ويتلطّف عليه ، ويفرّج عنه الضيق والشدّة. 
والصابر يكون في أعلى قمم الصحة النفسية حينما يشعر بأنّ الله يعوضه عن صبره بالحب واللطف ، فلا شقاء مع حبّ الله له ، ولا قيمة لشيء أمامه وهو داخل في دائرة الحب الإلهي ، ومن مصاديقه أيضاً التفكير بالجزاء والثواب الخالد ، فإنّ لهذا التفكير تأثيراً إيجابياً على من يعيش الحرمان والمصائب والآلام ; لأنّ التفكير بالجزاء والعوض الإلهي عمّا فقده في الدنيا يجعله يعيش الأمل في نيل ذلك الجزاء ، وهذا الأمل يخفّف من معاناته ، ويجعله موصولاً بالسعادة في الدنيا التي يؤمن بزوالها وفنائها. 
والمنهج شامل في اختيار المربين والمصلحين من حيث خصائصهم الذاتية وخصائصهم العملية لكي تكون التربية ناجحة ومنسجمة مع المنهج الإلهي العام. 
والمنهج شامل في اختيار الأساليب الناجحة والتي تؤثر على العقول والقلوب بعد أن تستجيب إليها لانسجامها مع ظروف وأحوال الناس. 
3 ـ واقعية المنهج التربوي 
راعى المنهج التربوي لأهل البيت(عليهم السلام) واقع الانسان من جميع جوانبه ، فهو كائن ذو شطرين ذكر واُنثى ، ولكلّ منهما خصائصه الفسيولوجية والسلوكية ، وهو كائن ضعيف محدود القدرة بالقياس إلى خالقه ، وهو كائن ذو قدرات بالقياس لغيره من المخلوقات ، وهو كائن ذو نجدين يحمل في جوانحه نوازع الخير والشر معاً ، وهو كائن يؤثر ويتأثر بالمحيط الذي يعيشه سلباً أو ايجاباً. 
وراعى المنهج التربوي لأهل البيت(عليهم السلام) واقع الانسان ناظراً إلى جميع جوانبه داعياً إلى اشباعها بتوازن بحيث لا يطغى جانب على جانب ، ولا ناحية على ناحية ، وقد وضع لكل جانب مقوماته وحدوده الواقعية فلا تقييد مطبق ولا اطلاق العنان دون تناه. 
وهو منهج تتقبله العقول والنفوس بلا حرج ولا مشقة ، والانسان حينما يلتزم بقواعده يشعر بمناغاتها له وانسجامها مع كيانه المزدوج ، وهي سهلة التطبيق لمن استعدّ لها وتهيأت له الأرضية المناسبة عن طريق الوراثة والمحيط الاجتماعي في جميع مراحله. 
ومن واقعيته انّه راعى دور الوراثة ودور المحيط التربوي في البناء التربوي
للإنسان ، وراعى دور التقييم الذاتي والتقييم الاجتماعي في التربية ، وراعى دور القدوة في التربية وجميعها أمور واقعية. 
ومن واقعية المنهج التربوي تركيزه على دور القيم المعنوية في التربية ومنها الايمان بالله تعالى وبالعقاب والثواب ، فهذا الايمان حاجة فطرية قبل كل شيء يمليها الواقع الانساني ، وفي ذلك قال الفيلسوف الأمريكي ويليام جيمس: (أينما يقم حديث حول اختيار الاله وعلمه الأبدي أو حول الخير والشر ، تجد كل شخص قد أصاخ بسمعه له)([22]). 
وقال الفيلسوف اليوناني ابيكتيت: (العقيدة بالله يجب أن تكون مستمرة كاستمرار النفس). 
وقال برودون: (الله هو الكائن الذي لا يدرك ولا يوصف ، ومع هذا فهو ضروري). 
وقال أيضاً: (إنّ ضمائرنا قد شهدت لنا بوجود الله قبل أن تكشفه لنا عقولنا). 
وقال المسيو بوشيت: إن اعتقاد الأفراد والنوع الإنساني بأسره في الخالق كان اعتقاداً اضطرارياً قد نشأ قبل حدوث البراهين الدالة على وجوده ، ومهما صعد الإنسان بذاكرته في تاريخ طفوليته ، فلا يستطيع أن يجد الساعة التي حدثت فيها عقيدته بالخالق ، تلك العقيدة التي نشأت صامتة ، وصار لها أكبر الآثار في حياته)([23]). 
والإيمان باليوم الآخر ينسجم مع تطلعات الانسان لما وراء الحياة ، وهذا الايمان بالمطلق وبالثواب والنعيم ، يمنح الانسان طاقة روحية متسامية ، يحافظ من خلالها على سلامته النفسية واستقامته السلوكية ، فلو أصابه الحرمان وحال الواقع دون اشباع حاجاته فانّ الايمان سيخفف من معاناة الحرمان. 
والإيمان باليوم الآخر أمر واقعي ، كما هو واضح في آراء العلماء والمفكرين ، وفي ذلك يقول نورمان فنسنت بيل: (والواقع انّ الشعور الغريزي بوجود عالم آخر بعد الموت هو من أقوى الأدلة على هذا الوجود...وانّ الشوق إلى خلود الحياة ـ ولو في عالم آخر ـ احساس شائع في نفوس البشر بحيث لا يمكن النظر إليه باستخفاف عام)([24]). 
والاستدلال على وجود الله تعالى لا يحتاج إلى عناية استثنائية مثالية ، بل يعتمد على الواقع ، وكما ورد في حديث أمير المؤمنين(عليه السلام): « بصنع الله يُستدل عليه ، وبالعقول تعتقد معرفته ، وبالفكرة تثبت حجته ، وبآياته احتج على خلقه.. وابتداؤه إيّاهم دليل على الابتداء له ; لعجز كل مبتدء عن إبداء غيره »([25]). 
وقد دلّت التجارب والدراسات العلمية الحديثة على دور الايمان بالله وباليوم الآخر في اصلاح الفساد الأخلاقي والاجتماعي ، وقام بعض علماء النفس باستخدام العلاج الديني في علاج الأمراض النفسية والخلقية والاجتماعية. 
ومن واقعية المنهج التربوي مراعاته لواقع الانسان من حيث استسلامه لنزواته ورغبته في الاستقامة في آن واحد ، لذا جعل الاستغفار والتوبة طريقاً للعودة للاستقامة ، والتي تنسجم مع الرغبة في اصلاح النفس والندم على الأعمال القبيحة. 
ومن واقعية منهج أهل البيت(عليهم السلام) التربوي انّه ثابت في أصوله واسسه متطور في أساليبه ووسائله كما روي عن أمير المؤمنين(عليه السلام) قوله: « لا تقسروا أولادكم على آدابكم ، فانّهم مخلوقون لزمان غير زمانكم »([26]). 
والمنهج التربوي منهج واقعي في أهدافه وغاياته ومنها: 
1 ـ تعريف الانسان بنفسه وعالمه. 
2 ـ تعريف الانسان بخالقه وبثوابه وعقابه. 
3 ـ تعريف الانسان بالأنبياء والأئمة والأوصياء. 
4 ـ تعريف الانسان بأخيه الانسان وعلاقاته الاجتماعية. 
5 ـ اعداد الشخصية المتوازنة فكرياً وعاطفياً وسلوكياً. 
6 ـ توظيف الطاقات في اتجاه الخير والصلاح ، والسمو والتكامل. 
7 ـ تنمية روح الاخلاص. 
8 ـ مراعاة العواطف الانسانية. 
9 ـ تحكيم المفاهيم والقيم الصالحة في الواقع. 
10 ـ توعية الانسان. 
ومن واقعيته انّه لا كلفة فيه ولا تكلّف وان اُسسه وقواعده منسجمة مع طاقات الانسان في جميع مراحل حياته ، ولهذا راعى واقع الإنسان في تكاليفه وفي ارشاداته وفي أوامره ونواهيه ، فلم يطلب منه الانقطاع للعبادة مثلاً ، فقد جعل العبادات محدودة توصله بربّه ولا تقطعه عن مجتمعه ، وراعى الظروف الطارئة للإنسان فنوّع العبادة ، في الحضر والسفر والمرض ، وجعل العبادات المندوبة منسجمة مع اختيار ورغبة الإنسان ، فراعى طاقته المحدودة وتبدل الاقبال في نفسه وفي واقعه الخارجي ، وفي ذلك قال أمير المؤمنين(عليه السلام): « إنّ للقلوب شهوة واقبالاً وادباراً ، فاتوها من قبل شهواتها واقبالها ، فانّ القلب إذا اُكره عمي »([27]). 
وراعى المنهج التربوي واقع الإنسان النفسي والروحي والمعنوي وحاجاته المتنوعة ، فقد راعى فطرة الإنسان في ميلها إلى الترويح عن النفس ، فسنّ لها الألعاب المنسجمة مع إنسانية الإنسان كالفروسية والسباحة والرمي وما شابه ذلك ، وأباح له الملكية الفردية في حدودها المشروعة ، ووضع له قواعد موضوعية في العلاقات والمعاملات والممارسات ، فقد جعل الضرورات تبيح المحظورات ، وجعل نظام العقوبات منسجماً مع فطرة الإنسان وواقعه مع مراعاة ظروف الانحراف والجريمة وأسبابها وعواملها. 
وقد دلّت الدراسات النفسية والاجتماعية على حاجة الإنسان للعقاب من أجل اصلاح وتغيير وراحة نفسه ، فالمصاب بعقدة ذنب (لا يستطيع أن يُخفّف مما يعانيه من شعور خفي موصول بالذنب إلاّ إذا ورّط نفسه ـ عن غير قصد ظاهر منه ـ في متاعب ومشاكل.. لا يناله منها إلاّ العنت والتعب والمشقة والعذاب ، بل قد يستفز عدوان الغير عليه أو عدوان المجتمع ، فإذا حلّ به العقاب هدأت نفسه وزال عنه ما يغشاه من توتّر ، فكأن هذا الفرد في حاجة موصولة إلى عقاب نفسه سواء كان هذا العقاب مادياً أو معنوياً... والواقع أنّ الحاجة إلى عقاب النفس صورة خاصة من الحاجة إلى الغفران ، فالفرد يرحّب بعقاب نفسه طمعاً في التخفيف من مشاعر الذنب التي تفوق هذا العقاب إيلاماً ، أي أنه يختار أهون الشرّين)([28]). 
ومكارم الأخلاق التي حثّ عليها المنهج التربوي واقعية في حدودها وألوانها وطبيعتها ، فهي منسجمة مع النفس الإنسانية ومحبّبة لديها تتقبّلها وتركن إليها وتستهدي بها ، كإقامة العدل وردّ العدوان والتعاون والإحسان والإيثار والكرم والعفو والصبر وما شابه ذلك. 
وفي جميع الظروف والأحوال فإنّ المنهج التربوي راعى طبيعة الإنسان من حيث ضعفه ومحدوديته ، فهو تركيب من لحم ودم وأعصاب ، ومن عقل ونفس وروح ، ومن غرائز وشهوات ، وله رغبات وأوضاع نفسية كالحب والبغض ، والرجاء والخوف ، والأنا والتنافس وما شابه ذلك ، ولهذا راعى الضعف البشري والدوافع البشرية والحاجات البشرية ; فجاء منسجماً مع الإنسان مقبولاً لديه لا كلفة فيه ولا عناء. 
  
4 ـ التوازن والاعتدال 
يمتاز المنهج التربوي عند أهل البيت(عليهم السلام) بالتوازن والاعتدال في جميع جوانبه المرتبطة بالإنسان ; فيضع لكل شيء حدوده وقيوده ، فلا يطغى جانب على آخر ولا ناحية على اُخرى ، فهو يراعي حاجات الجسد وحاجات الروح في آن واحد ، ويراعي حاجات الإنسان بشطريه: الذكر والأنثى ، ويراعي حاجات الفرد والمجتمع فلا تطغى حاجة على اُخرى ولا جانب على آخر ولا حق على آخر. 
والمنهج التربوي الموجه للإنسان والمجتمع نحو الآخرة يوازن بين طلب الدنيا وطلب الآخرة ، فلا يمنع من التمتع بالطيبات الدنيوية كالمأكل والمشرب والملبس والمسكن والاشباع العاطفي والجنسي ; لأنّ الحرمان منها يولد القلق والاضطراب ، وإنما يضع القيود على تلك الطيبات ، ويوجه الإنسان في نفس الوقت إلى الاعداد للدار الآخرة بالالتزام بالأوامر والنواهي الإلهية ، فلا يطغى طلب الدنيا على طلب الآخرة بالانغماس بالطيبات والملذات دون قيودأو حدود، ولايطغى طلب الآخرة على طلب الدنيا بحرمان الإنسان من متعها المشروعة. 
قال الإمام موسى بن جعفر الكاظم(عليه السلام): « اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله ، وساعة لأمر المعاش ، وساعة لمعاشرة الاخوان والثقات الذين يعرّفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن ، وساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرّم ، وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث ساعات »([29]). 
وقال العلاء بن زياد لأمير المؤمنين(عليه السلام): أشكو إليك أخي عاصم ، قال: وما له؟ قال: لبس العباءة وتخلى عن الدنيا ، قال: عَلَيّ به ، فلما جاء قال(عليه السلام): « يا عَدِيَّ نفسه! لقد استهام بك الخبيث! أما رحمت أهلك وولدك! أترى الله أحل لك الطيبات ، وهو يكره أن تأخذها! أنت أهون على الله من ذلك ». 
قال: يا أمير المؤمنين ، هذا أنت في خشونة ملبسك وجشوبة مأكلك! 
قال: « ويحك ، إنّي لست كأنت ، إنّ الله فرض على أئمة العدل أن يقدّروا أنفسهم بضعفة الناس ، كيلا يتبيّغ بالفقير فقره »([30]). 
والدعوة إلى التوازن والاعتدال شاملة لجميع المرافق والميادين ، ومنها الميدان النفسي ، فالتوازن مطلوب في مختلف الظروف والأحوال المحيطة بالإنسان. 
في وصية أمير المؤمنين(عليه السلام) للإمام الحسين(عليه السلام) قال: « يا بنيّ أوصيك بتقوى الله في الغنى والفقر ، وكلمة الحقّ في الرضى والغضب ، والقصد في الغنى والفقر ، وبالعدل على الصديق والعدو ، وبالعمل في النشاط والكسل ، والرضى عن الله في الشدّة والرخاء »([31]). 
والمنهج التربوي متوازن في نظرته للعلاقة العملية بين الإنسان وخالقه ، فلا يدعو إلى ترك العمل توكلاً على الله ، ولا الانغماس بالعمل بلا توكّل ، والتوكل يمنح الإنسان طاقة وقوّة حيوية تجعله مطمئناً سواء تحقّق ما أراده من عمله أم لم يتحقّق ، ومعوقات انجاز العمل لا تسلبه الاطمئنان وهو متوكّل على الله. 
ويدعو المنهج التربوي إلى الإيمان المتوازن ابتداءً بأصل الإيمان ; حيث التوازن بين إيمان أصحاب الخرافة الذين يسرفون في الاعتقاد ويؤمنون بكل شيء ويصدقونه وإن كان خارجاً عن أسس الإيمان ، وبين الذين ينكرون كل ما وراء الحسّ وما وراء الطبيعة ، والتربية على الإيمان الواقعي قائمة على أساس العقل والبرهان ، وعلى النصوص المتواترة عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وعن أهل البيت(عليهم السلام)ليستجيب لها الإنسان عن قناعة وقبول دون إكراه أو اجبار أو تزوير للحقائق ، وكذا الحال في الإيمان بالأنبياء ، فإنّ المنهج التربوي يدعو إلى التأسي
والاقتداء بهم ، فينفي عنهم صفة الألوهية ، وينفي عنهم الانحراف الذي تدّعيه بعض الديانات ، ويوجه الإنسان إلى الإيمان الواقعي بهم. 
ويوازن المنهج التربوي بين التكليف والقدرة ، فلا يكلّف الإنسان فوق طاقته البدنية والروحية ، ويتدرج في أسس التربية حسب العمر الزمني والعقلي ، فلا يأمر باسلوب شاق ولا أمر شاق ، وهذا التدرج يولد في الإنسان أُنساً وشوقاً لأداء التكليف ، فيسعى لأدائه والسير على أساسه دون ضجر أو كلل أو ملل. 
ويوازن المنهج التربوي بين مجالات المسؤولية ; ويجعلها موزعة على الجميع ، فالفرد مسؤول عن نفسه وعن غيره ، والمجتمع مسؤول عن نفسه وعن أفراده ، فهنالك مسؤولية فردية ، وهنالك مسؤولية اجتماعية ، والمسؤولية موزعة فالأب مسؤول عن أسرته والأم كذلك ، والكبير مسؤول عن الصغير ، والمدرسة والتجمعات الاجتماعية والعلماء والدولة مسؤولة عن الأفراد وعن المجتمع ، وتكون المسؤولية قائمة على أساس تقسيم الحقوق والواجبات ، فللفرد حقوقه وواجباته ، وللأسرة حقوقها وواجباتها ، وللمجتمع حقوقه وواجباته ، فلا يطغى حق على حق ولا واجب على واجب ، ولا حق على واجب ، ولا واجب على حق. 
ويوازن المنهج التربوي بين الغاية والوسيلة ، فلا يبيح للإنسان استخدام الوسيلة الضعيفة من أجل غاية سامية وشريفة ، فيحرم الكذب على الغير وإن كان إرضاءً لهم أو يحقّق له أو لهم بعض المصالح ، ويحرّم الخداع والتضليل وإن أدّى إلى علاج بعض الأزمات النفسية والروحية. 
ويوازن المنهج التربوي في أساليب ووسائل التربية ، حيث يبتدأ بالدعوة
لاتفاق الوالدين على تطبيق القواعد الكلية للمنهج التربوي على مصاديقها بأسلوب واحد لا اختلاف فيه ، سواء في العلاقات القائمة بينهما أو علاقاتهما مع الأطفال ، أو في مفردات الأسلوب ، ويوازن بين اللين والشدة في التعامل فلا افراط ولا تفريط ، فلا يحبّذ اللين الدائم ولا الشدة الدائمة ، ففي الوقت الذي يدعو إلى الاحسان إلى الطفل وتكريمه وإشعاره بذاته ، يدعو أيضاً إلى استخدام الشدّة في مواقعها لاشعار الطفل باحترام القوانين الموضوعة ، والتمييز بين حقوقه وحقوق الآخرين ، وفي الوقت الذي يدعو فيه إلى منح الطفل الحرية في اختيار طريقة اللعب مثلاً ، يدعو للتدخل في منعه من بعض الألعاب المضرّة به وبغيره ، كما يؤكد المنهج التربوي على التوازن في التعامل مع الأطفال ، والاعتدال في إظهار المحبة لهم ، والتوازن في النظرة العاطفية إلى البنين والبنات. 
  
التداخل بين المنهج التربوي وبقية مناهج الحياة 
المنهج التربوي لأهل البيت(عليهم السلام) متداخل مع بقية المناهج التي تكوّن مجتمعة منهج الإسلام الشامل والكامل للكون والحياة والمجتمع والانسان ، فلا فصل بين المنهج التربوي وبقية المناهج ولا تصادم ولا تضاد ولا تناقض ، لأن الهدف الأساسي لأهل البيت(عليهم السلام) هو انجاح مسيرة التربية واشاعة الاخلاق الفاضلة
وتقريرها في واقع الحياة ، كما قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): « إنّما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق »([32]). 
وبهذا يكون كل ما جاء به الاسلام في القرآن والسنة يراد به اتمام مكارم الأخلاق ، فالعقيدة بجميع ابعادها تخلق الاجواء الصالحة لتتحرك فيها خطوات اصلاح النفس والمجتمع ، والمحافظة على سلامة الانسان السلوكية وصحته النفسية والروحية ، والايمان بالله تعالى وباليوم الآخر يحرر الانسان من الانسياق وراء الشهوات بلا قيود ولا حدود ، والخوف من أهوال يوم القيامة يمنع الانسان من ممارسة ألوان الفسق والانحراف. 
ومنهج العبادات يعمل على تعميق الايمان بالله ويجعل الرقابة الالهية حقيقة تسري في جميع جوانح الانسان ، والعبادات بكل ألوانها تغرس في نفسه المثل المعنوية التي يتعالى بها على جميع ألوان الانحراف والانحطاط ، فالصلاة تمنح الانسان الطمأنينة وتنهاه عن الفحشاء والمنكر وتبعده عن جميع الآثام والانحرافات ، والمداومة على الصلاة المندوبة كفيلة بايصاله إلى السمو والتكامل الروحي والخلقي. 
والصوم يعمّق التقوى في ذات الانسان ، ويقيّد الغرائز والشهوات ، ويهذب سلوك الانسان ويحصنه من تلويث خلقه ، قال الامام جعفر الصادق(عليه السلام): « إن الصيام ليس من الطعام والشراب وحده ، إنّ مريم(عليها السلام)قالت: «إنّي نذرت للرحمن صوماً» أي صمتاً ، فاحفظوا ألسنتكم وغضّوا أبصاركم ولا تحاسدوا ولا تنازعوا »([33]) وهو أحد العبادات التي تساعد على التكافل والتراحم والتي تساعد على تعميق العلاقات الانسانية التي يتحرك من خلالها الانسان مطمئناً يشعر بالاخاء والتآزر والتعاطف. 
والحج عبادة لها آثارها الايجابية على سلامة الانسان السلوكية والنفسية والروحية ، وهو يمنح الانسان فرصة جديدة لتجاوز الانحرافات والآثام السابقة ، والبدء بحياة جديدة تغمرها الاستقامة والخلق الرفيع ، قال الامام علي بن الحسين(عليه السلام): « حجّوا واعتمروا تصحّ أبدانكم وتتسع أرزاقكم ، وتكفون مؤونات عيالكم... الحاج مغفور له وموجب له الجنة ، ومستأنف له العمل ، ومحفوظ في أهله وماله »([34]). 
والعبادات المالية كالزكاة والخمس تخلق التوازن بين الطبقات وتعمق الأواصر الاجتماعية كالتآلف والتآزر والتعاون ، وتهيء الأجواء التربوية والنفسية المانعة من الانحراف بسبب الفقر والحرمان ، والمانعة من الأمراض النفسية الناجمة من عدم اشباع الحاجات الأساسية للانسان. 
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجمع الطاقات لتنطلق في الاصلاح والتغيير وقلع جذور الفساد والانحراف واشاعة الأخلاق الكريمة والصفات النبيلة ، فيتكافل الجميع في المسؤولية التربوية ، فيكون الفرد رقيباً على ممارسات المجتمع ، ويكون المجتمع رقيباً على ممارسات الفرد ، وبهذه المسؤولية تتحقق خطوات المنهج التربوي في الواقع بأسرع الأوقات ، وبأقلها عناءً وكلفة. 
والمنهج الاجتماعي له الدور الكبير في انجاح سير وحركة المنهج التربوي ، فقد وضع أهل البيت(عليهم السلام) برنامجاً واقعياً في العلاقات داخل الأسرة ، فلكل فرد من أفرادها حقوق وواجبات يتربى من خلالها الانسان على الأخلاق الكريمة ليكون عنصراً فعّالاً في المجتمع يأمن من خلالها المجتمع من ممارسة الانحراف والانحطاط والرذيلة والجريمة. 
والمنهج الاقتصادي يهي الأجواء المناسبة لانجاح المنهج التربوي ، ويمنع من الانحراف الأخلاقي الناجم عن الفقر والحرمان والاستغلال والظلم الاقتصادي ، ويوازن بين الطبقات ليحقق التآلف ويمنع من الفقر ومن الثراء الفاحش اللذين يشكلان أساس بعض الانحرافات الخلقية. 
والمنهج السياسي له دور ملموس في بناء المحتوى الداخلي للانسان وتهذيب سلوكه الاجتماعي ، والمنع من جميع ألوان الانحراف والانحطاط ، والمنهج السياسي القائم على أساس الامامة الصالحة يحقق الغاية الأساسية وهي اتمام مكارم الأخلاق ، بتهيئة أجوائها المناسبة في الواقع. 
قال الامام علي بن موسى الرضا(عليه السلام): « انّ الامامة زمام الدين ، ونظام المسلمين ، وصلاح الدنيا ، وعزّ المؤمنين ، بالامام تمام الصلاة ، والزكاة ، والصيام ، والحج ، والجهاد ، وتوفير الفيء والصدقات ، وامضاء الحدود والأحكام ، ومنع الثغور والأطراف ، ويدعو إلى سبيل ربّه بالحكمة والموعظة الحسنة ، الامام المطهّر من الذنوب والمبرأ من العيوب »([35]). 
وفي حديث آخر قال(عليه السلام): « ... يحقن الله عزّوجلّ به الدماء ، ويصلح به ذات البين ، ويلمّ به الشعث ، ويشعب به الصدع ، ويكسو به العاري ، ويشبع به الجائع ، ويؤمن به الخائف ، ويرحم به العباد »([36]). 
واشتراط العصمة في مَن يلي رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ، واشتراط العدالة في الفقيه النائب عن الامام المهدي (عج) ضمان لنجاح حركة التربية وتطبيق قواعد المنهج التربوي وبقية المناهج الإسلامية. 
 

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


سعيد العذاري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2010/10/06



كتابة تعليق لموضوع : مميّزات المنهج التربوي عند أهل البيت(عليهم السلام)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 

أحدث التعليقات إضافة (عدد : 4)


• (1) - كتب : سعيد العذاري من : ايران ، بعنوان : اعتذار في 2010/10/08 .

الاخ المحترم
تحية طيبة
الطريق الوحيد للحصول عليه هو متابعة وجوده
اما انا فلا املك الا نسخة واحدة
وفقك الله لكل خير



• (2) - كتب : محمد قاسم من : العراق ، بعنوان : شكرا جزيلا في 2010/10/07 .

شكرا لكم استاذنا الفاضل
وسوف اقتني هذا الكتاب ان شاء الله

• (3) - كتب : سعيد العذاري من : ايران ، بعنوان : جواب الكاتب في 2010/10/07 .

الاخ محمد قاسم رعاه الله
تحية طيبة
الكتاب موجود في هيئة محمد الامين في اغلب المحافظات
وموجود في مكتبة جامعة الصدر قرب ثورة العشرين في النجف
ويقال موجود في جامع الرحمان
اما انا فلا املك الا نسخة واحدة
اشكر اهتمامك

• (4) - كتب : محمد قاسم من : العراق ، بعنوان : رائع ما سطرت في 2010/10/06 .

الاستاذ الفاضل سعيد العذاري
جزاكم الله كل خير على هذا الكتاب
كيف يمكن ان نحصل على نسخة منه




حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net