صفحة الكاتب : مصطفى الهادي

رد الشمس . الجزء الأول.
مصطفى الهادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

تمر هذه الأيام مناسبة رد الشمس لعلي عليه السلام فما مدى صحة ذلك على ضوء الدين والعلم والتاريخ. 
جهز الخالق الإنسان بقدرات كبيرة جدا ولو لم يتقاعس الإنسان ويتلهى بالحروب والمؤامرات وغيرها من وسائل ابعدته عن نفسه لأصبح يتصرف بذرات الكون ويتحكم بالظواهر الطبيعية. ولكن على الرغم من ذلك وبقدر ضئيل من الإيمان فإن الإنسان استطاع ان يصل إلى مراحل متقدمة في العلم فيتنبأ ببعض الظواهر الطبيعية ، ويتصرف ببعضها ايضا كالتخلص من الجاذبية مثلا والطيران عبر الهواء والسير على الماء ولكن بالوسائل المادية. 
وكذلك لو تمسك الإنسان بما جاء به الأنبياء لوصل ايضا إلى مراحل متقدمة جدا من العلم فالانبياء مثلا ساروا على الماء وبعضهم سار في الهواء وبعضهم احيا الأموات وفتح عيون العمي وشفى الامراض المستعصية وقصة الاسراء والمعراج لا تزال طرية في الذاكرة .

والكتب المقدسة حافلة بالامثلة على ذلك. كل ذلك فعله الأنبياء من دون الاستعانة بالوسائل المادية بل عن طريق امتلاك تخويل من الخالق بذلك وهو ما نطلق عليه المعجزة ولذلك نرى أن الكثير من تلاميذ الأنبياء وصحابتهم أيضا قاموا بكرامات كثيرة من دون الاستعانة بالوسائل المادية، والأمثلة على ذلك كثيرة.(1)

مثلا الآن وكالة ناسا تدرس امكانية دفع بعض الصخور العملاقة التي تتجه نحو الأرض ورميها بعيدا في الكون عن طريق وسائل اصبحت في متناول يدها ونجحت التجارب على ذلك. وهكذا استطاع الانسان ان يتقدم كثيرا في شفاء الأمراض وغيرها من الابداعات في مجالات الحياة ولكن عن طريق تسخير المادة في المختبرات وغيرها لأنه من البداية اتجه اتجاها ماديا بحتا لأن الاتجاه المادي يسير ببطء شديد، ولو مزج الإنسان بين الاتجاه المادي والروحي لحصل له المدد الغيبي في كثير من الامور وهذا ما حصل لبعض العلماء المؤمنين ، الذين استعصت عليهم بعض المسائل فحصل لهم الالهام بذلك أثناء المنام ، وهو ما نطلق عليه المدد الإلهي. 
غايتنا من ذلك هو أن الكثير من الظواهر الكونية التي حصلت ولا زالت تحصل لا يُصدقها الانسان نتيجة عجزه عن إيجاد التفسير لها ولذلك يعمد إلى إنكارها وتكذيب القائلين بها. مع علم هذا الانسان بأن كل تواريخ الامم ذكرت حصول الكثير من المعجزات على أيدي رجال صالحين لا بل انه يرى ويقرأ في الكتب المقدسة لشتى الأديان بأن كثير من الأنبياء وتلاميذهم قاموا بأمور لا علاقة لها بالمادة مثل شق البحر لموسى ، وانقلاب العصا افعى وقيام عيسى باحياء الاموات وشفاء الامراض المستعصية.وانشقاق القمر لنبينا محمد صلوات الله عليه إلى أمور كثيرة حصلت على ايديهم وكل ذلك بأمر الله وتخويل من عنده كما يقول السيد المسيح عن ذلك في إنجيل يوحنا 17: 7 (أن كل ما أعطيتني هو من عندك). فكل المعجزات من عند الله ولكنها جرت على يد أنبيائه والصفوة من أوليائه.

واليوم تمر علينا مناسبة (رد الشمس) لعلي بن أبي طالب عليه السلام مرتين . واحدة في معركة خيبر، والثانية عند توجهه لمعركة صفين على أرض بابل.

أولا : أن مسألة رد الشمس لا تزال مذكورة في تواريخ الصين والهند والانكا والبيرو والمكسيك وغيرها من بلدان العالم وكذلك حفلت الكتب المقدسة أيضا بحوادث رجوع الشمس ولعدة مرات كما نقرأ ذلك بكل وضوح حيث يؤمن اليهود والمسيحييون بتلك المعجزات إيمانا تاما من دون شك حتى علمائهم الماديين لم نر اي واحد منهم يُشكك بتلك المعجزات لا بل يعكفون على دراستها وتقديم البراهين تلو البراهين على حدوثها. المسلمون وحدهم من يقوموا بتسخيف تاريخهم الديني او الاجتماعي فلم ار قوما يُمزقون تاريخهم ويُحيطونه بالشبهات مثل المسلمين مع الاسف الشديد.

خذ مثلا معجزة وقوف الشمس فالمشككون يقولون : ( إن كانت الأرض هي التي تدور حول محورها أمام الشمس مما ينتج النهار والليل، فكيف يأمر يشوع الشمس أن تقف عوضًا عن أن يأمر الأرض بالوقوف؟). والجواب هو من أين جاء المشككون بهذا الكلام ولم نقرأ في الكتب المقدسة ولا الأحاديث أن الأنبياء امروا الشمس بالوقوف بل كل ما نقرأه هو انهم رفعوا أيديهم إلى السماء باتجاه الشمس وقالوا مثلا (يا شمس دومي على جبعون). أو قوله : (رجعت الشمس إلى الوراء). أو قول النبي محمد (ص) في معركة خيبر ، اللهم كما حبس علي ابن أبي طالب نفسه من أجل نبيك فأحبس له الشمس حتى يُصلي المغرب. فلربما تتعلق مسألة وقوف الشمس بوقوف الأرض عن دوارنها او تصرفٌ كوني من خالقهما. (2)

اما في الأديان السماوية فقد ذكرت الكتب المقدسة بأن الله رد الشمس للكثير من أولياءه نظرا لحاجة ملحة يتوقف عليها مصير معركة معينة أو تأييد موقف لأحد أنبياءه واولياءه . خذ مثلا ما جاء في التوراة حيث يقول في سفر يشوع بن سيراخ 46: 5 (كان يشوع بن نون رجل بأس في الحروب، خليفة موسى وكان كاسمه عظيما شديد الانتقام على الأعداء ما أعظم مجده عند رفع يديه ألم ترجع الشمس إلى الوراء على يده، وصار اليوم نحوا من يومين؟). 
ولم يكن هذا النص يتيما ابدا بل هناك نصوص تعضده وتوكد عليه مرارا وتكرارا من أجل منع المنكرين من انكار هذا الحدث لو جاء بطريقة الآحاد. قد تكرر النص في نفس السفر ولكن في مكان آخر كما نقرأ في سفر يشوع بن سيراخ 48: 26 (في أيامه رجعت الشمس إلى الوراء). 
ولم تكن الشمس وحدها التي وقفت ، بل القمر ايضا من أجل استكمال النصر لجيوش المؤمنين على أعدائهم سفر يشوع 10: 13(حينئذ كلم يشوع الرب وقال أمام عيون إسرائيل: يا شمس دومي على جبعون، ويا قمر على وادي أيلون).
ثم تكرر النص في سفر آخر بعيدا عن سفر يشوع حيث قال في سفر ياشر 13: (فدامت الشمس ووقف القمر حتى انتقم الشعب من أعدائه. أليس هذا مكتوبا في سفر ياشر؟ فوقفت الشمس في كبد السماء ولم تعجل للغروب نحو يوم كامل).

وفي سفر إشعياء ومن أجل آحاز المؤمن الذي لم يكن نبيا بل وليا من أولياء الله اوقف الله الشمس له وقاسها بالدرجات لكي يُحقق آحاز أهدافه فيقول في سفر إشعياء 38: 8 (وهذه لك العلامة من قبل الرب هأنذا أرجع آحاز بالشمس عشر درجات إلى الوراء. فرجعت الشمس عشر درجات في الدرجات).
وهكذا تستمر الآيات الكثيرة في ثنايا الكتب المقدسة وكلها تؤكد بأن ذلك حصل وأن الشمس والقمر أيضا توقفا في مكانها بإشارة من يد هذا النبي او ذاك الولي. سفر حبقوق 3: 11 (الشمس والقمر وقفا في بروجهما). 
واما سبب وقوف الشمس ليوشع فهذا لأن المعركة كانت يوم الجمعة واوشكت الشمس على المغيب ويحل الظلام ويوم السبت عند اليهود يوم مقدس لا يجوز العمل والقتال فيه كما في الأشهر الحرم عندنا ، ولذلك دعى الله بأن يوقف له الشمس فاستجاب له الله ومنحه الاذن بذلك فاشار إلى الشمس وقال لها : دومي على جبال جبعون فكان ذلك إيذانا بهزيمة اعدائه.

لا تزال اماكن وقوف الشمس إلى هذا اليوم شاخصة حيث وصفها ودوّنها المؤرخون بكل تفاصيلها فهي في اطراف سيناء ، وفي وادي مجدو في وقائع يوشع الحربية وكذلك في برية (آحاز) في فلسطين ، وبالقرب من قلاع خيبر في الجزيرة العربية ، وكذلك بالقرب من بابل.
وذكر كهنة المصريين القدماء في وثائقهم هذا اليوم الذي كان أطول من أي يوم آخر في التاريخ، واطلَّع على هذه الوثائق المؤرخ اليوناني (هيروديت) وجاء ذكر هذا اليوم أيضًا في بعض المخطوطات الصينية في عصر الإمبراطور (يو) وأيضًا عثر على وثيقة تاريخية في المكسيك تحمل خبر هذا الحدث. راجع قاموس الكتاب المقدَّس ص 1069.
انتهى الجزء الأول ويليه الجزء الثاني من بحث وقوف الشمس.

المصادر : 
1- يقول بعض العلماء : (لا منافاة بين المعجزات والنواميس الطبيعية، وقد ثبت في العلوم الطبيعية أنه إذا غلبت قوة أخرى، منعت مفعولها ولم تبطل فعلها. فالطائر يصعد في الجو خلاف ناموس الجاذبية ولا يبطل الجاذبية فإذا قدر الطائر على ذلك أفلا يقدر رب الطبيعة القادر على كل شيء؟). راجع كتاب القس منسى يوحنا - ردود كتابية منطقية ص 53.

2- تكلم الأنبياء بما يفهمه الشعب بلغتهم السائدة في ذلك العصر، فلو أن يشوع قال ( أيتها الأرض دومي في مكانك) فمن سيصدقه، فحتى عصر كوبرنيكوس والناس كانوا يظنون أن الأرض ثابتة والشمس هي التي تدور حولها كما تشاهدها العين البشرية. ونحن إلى الآن نرى حتى العلماء يستخدمون التعبيرات التي توحي بأن الشمس هي التي تتحرك كقولهم مثلا : أشرقت الشمس أو خرجت الشمس من خدرها، أو توسدت الشمس كبد السماء، الشمس غربت أو ذهبت الشمس للمغيب، مما يوحي بأن الشمس هي التي تتحرك والجميع يقبلون هذه التعبيرات مع أن الحقيقة عكس ذلك تمامًا.انظر كتاب النقد الكتابي: مدارس النقد والتشكيك والرد عليها - أ. حلمي القمص يعقوب 947.

صورة ‏‎Mostafa Hossein‎‏.

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


مصطفى الهادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/07/15



كتابة تعليق لموضوع : رد الشمس . الجزء الأول.
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net