عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الثّالِثَةُ (١٧)
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
٢/ المساواة في الحُقوقِ والواجباتِ، فاذا رأيت حاكماً يتحدّثُ عن حقوقهِ وواجباتِ الرّعيّة! فتأكَّد أَنّهُ حاكمٌ ظالمٌ يحاولُ سِرْقةِ النّاسِ بالضَّحكِ على ذقونهِم، أَو تضليلهُم بالدَّجلِ والشَّعوذةِ، موظّفاً ذيولهُ وأبواقهُ للتّبريرِ!.
أُنظروا ماذا يفعل (حكّامنا) مثلاً فهم لا يذكرونَ الدّستور والقانون على لسانهِم الّا في حالتَينِ آثنتَينِ فقط لا ثالثَ لهما؛
الحالةُ الأولى؛ عندما يسرقونَ وينهبونَ بعنوانِ الامتيازاتِ أو الشّأنيّة! فيذكرونَ حقوقهمُ التي نصَّ عليها الدُّستور والقانون!.
الحالةُ الثّانية؛ كذلك عندما يسرقونَ وينهبونَ بعنوانِ الموقعِ والمسؤوليَّةِ تارةً! وتارةً بعنوانِ [الهديّة] وهي الرَّشوة المُقنَّعة أَوِ المُشرعنة! فيذكرونَ واجباتِ الرَّعيّة التي نصَّ عليها الدُّستور والقانون!.
أَمّا أَميرُ المؤمنينَ (ع) فلم يتحدَّث عن حقٍّ دستوريٍّ أَو قانونيٍّ من حقوقِ الحاكمِ الّا وذكرَ مثلهُ للرَّعيَّةِ، والعكسُ هو الصَّحيح، فلم يذكر واجباً دستوريّاً او قانونيّاً من واجبات الرَّعيَّة الّا وذكرَ مثلهُ على الحاكمِ، ومن ذَلِكَ خطابهُ التّالي؛
أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً، وَلَكُمْ عَلَيَّ حَقٌّ:
فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَيَّ: فَالنَّصِيحَةُ لَكُمْ، وَتَوْفِيرُ فَيْئِكُمْ عَلَيْكُمْ، وَتَعْلِيمُكُمْ كَيْلا تَجْهَلُوا، وَتَأْدِيبُكُمْ كَيْما تَعْلَمُوا.
وَأَمَّا حَقِّي عَلَيْكُمْ: فَالوَفَاءُ بِالبَيْعَةِ، وَالنَّصِيحَةُ في الْمَشْهَدِ وَالْمَغِيبِ، وَالاِْجَابَةُ حِينَ أَدْعُوكُمْ، وَالطَّاعَةُ حِينَ آمُرُكُمْ.
لماذا؟! للإجابةِ على هذا السّؤال تعالوا نقرأَ سويَّةً فلسفة الحقوق عِنْدَ أَميرِ المؤمنينَ (ع) في خطبةٍ خطبها في صِفِّينَ؛
أَمَّا بَعْدُ، فَقَدْ جَعَلَ اللهُ لِي عَلَيْكُمْ حَقّاً بِوِلاَيَةِ أَمْرِكُمْ، وَلَكُمْ عَلَيَّ مِنَ الْحَقِّ مثْلُ الَّذِي لِي عَلَيْكُمْ، فَالْحَقُّ أَوْسَعُ الاَْشْيَاءِ فِي التَّوَاصُفِ، وَأَضْيَقُهَا فِي التَّنَاصُفِ، لاَيَجْرِي لاَِحَد إِلاَّ جَرَى عَلَيْهِ، وَلاَ يَجْرِي عَلَيْهِ إِلاَّ جَرَى لَهُ، وَلَوْ كَانَ لاَِحَد أَنْ يَجْرِيَ لَهُ وَلاَ يَجْرِيَ عَلَيْهِ، لَكَانَ ذلِكَ خَالِصاً لله سُبْحَانَهُ دُونَ خَلْقِهِ، لِقُدْرَتِهِ عَلَى عِبَادِهِ، وَلِعَدْلِهِ فِي كُلِّ مَا جَرَتْ عَلَيْهِ صُرُوفُ قَضَائِهِ، وَلكِنَّهُ جَعَلَ حَقَّهُ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يُطِيعُوهُ، وَجَعَلَ جَزَاءَهُمْ عَلَيْهِ مُضَاعَفَةَ الثَّوَابِ تَفَضُّلاً مِنْهُ، وَتَوَسُّعاً بِمَا هُوَ مِنَ الْمَزِيدِ أَهْلُهُ.
ثُمَّ جَعَلَ ـ سُبْحَانَهُ ـ مِنْ حُقُوقِهِ حُقُوقاً افْتَرَضَهَا لِبَعْضِ النَّاسِ عَلَى بَعْض، فَجَعَلَهَا تَتَكَافَأُ فِي وُجُوهِهَا، وَيُوجِبُ بَعْضُهَا بَعْضاً، وَلاَ يُسْتَوْجَبُ بعْضُهَا إِلاَّ بِبَعْض.
أَمّا عن الرَّشوةِ المُشرعنةِ [الهديّة] والتي يعتبرها الامامُ (ع) تحايلٌ على شرعِ الله تعالى، والذي يلجأُ اليهِ [السِّياسيّونَ المُتديّنونَ جدّاً] خاصَّةً أَصحابَ العَمائمِ الفاسدةِ! فلنقرأ ما يَقُولُ أَميرُ المؤمنينَ (ع)؛
وَأَعْجَبُ مِنْ ذلِكَ طَارِقٌ طَرَقَنَا بِمَلْفَوفَةٍ فِي وِعَائِهَا، وَمَعْجُونَةٌ شَنِئْتُهَا، كَأَنَّمَا عُجِنَتْ بِريقِ حَيَّةٍ أَوْ قَيْئِهَا، فَقُلْتُ: أَصِلَةٌ، أَمْ زَكَاةٌ، أَمْ صَدَقَةٌ؟ فَذلِكَ مُحَرَّمٌ عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ! فَقَالَ: لاَ ذَا وَلاَ ذَاكَ، وَلكِنَّهَا هَدِيَّةٌ، فَقُلْتُ: هَبِلَتْكَ الْهَبُولُ! أَعَنْ دِينِ اللهِ أَتَيْتَنِي لِتَخْدَعَنِي؟ أَمُخْتَبِطٌ [أَنْتَ] أَمْ ذُو جِنَّةٍ، أَمْ تَهْجُرُ؟ وَاللهِ لَوْ أُعْطِيتُ الاَْقَالِيمَ السَّبْعَةَ بِمَا تَحْتَ أَفْلاَكِهَا، عَلَى أَنْ أَعْصِيَ اللهَ فِي نَمْلَة أَسْلُبُهَا جِلْبَ شَعِيرَة مَا فَعَلْتُهُ، وَإِنَّ دُنْيَاكُمْ عِنْدِي لاََهْوَنُ مِنْ وَرَقَة فِي فَمِ جَرَادَة تَقْضَمُهَا، مَا لِعَلِيّ وَلِنَعِيم يَفْنَى، وَلَذَّة لاَ تَبْقَى!.
نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ سُبَاتِ الْعَقْلِ، وَقُبْحِ الزَّلَلِ، وَبِهِ نَسْتَعِينُ.
لم يرَ الامامُ (ع) لاحدٍ ميزةً على غيرهِ في الحُقوقِ والواجباتِ الّا بالانجازِ، ولذلكَ؛
أَلِف؛ لا يحقُّ لأيٍّ كانَ أَن يتميّزَ عن الآخرين لسابِقةٍ في دينٍ أَو جهادٍ أَو صُحبةٍ أَو ما الى ذَلِكَ، وعليه فإِنَّ شرعة الفساد واللُّصوصيّة والسَّرقة من المالِ العامِ بعناوينَ مُزيَّفةٍ مثل [التّاريخ الجهادي] أَو ما أَشبه، كالّتي قنَّنها الفاسِدونَ والفاشِلونَ تحت قُبّة البرلمان! هي ليست أَكثر من بِدَعٍ آبتدعوها من أَجْلِ المزيدِ من السَّرقةِ المُشرعنةِ!.
يَقُولُ عليه السّلام في خطبةٍ شرحَ فيها هذا المعنى؛
أَلا لا يَقولَنَّ رِجالٌ مِنْكُمْ غَداً قَدْ غَمَرَتْهُمْ الدُّنْيا فَاتَّخَذُوا العِقارَ وَفَجَّروا الأَنْهارَ وَرَكِبوا الخُيُولَ الفارِهَةَ وَاتَّخَذوا الوَصائِفَ الرُّوقَةَ فَصارَ ذَلِكَ عَلَيهِم عاراً وَشَناراً إذا ما مَنَعْتَهُم ما كانوا يَخُوضُونَ فيهِ، وَأَخَّرْتَهُم إلى حُقُوقِهِم الَّتي يَعْلَمُونَ، فَيَنْقَمُونَ ذَلِكَ وَيَسْتَنْكِرُونَ وَيَقُولُونَ: حَرَمَنا آبْنُ أَبِي طالِبٍ حُقُوقَنا! أَلا وَأَيُّما رَجُل مِنَ المُهاجِرِينَ وَالأَنْصارِ مِنْ أَصْحابِ رَسُولِ اللهِ (ص) يَرى أَنَّ الفَضْلَ لَهُ عَلى مَنْ سِواهُ لِصُحْبَتِهِ فَإِنَّ الفَضْلَ النَّيِّرَ غَداً عِنْدَ اللهِ وَثَوابَهُ وَأَجْرَهُ عَلى اللهِ! وَأَيُّما رَجُلٍ إِسْتَجابَ للهِ وَلِلرَّسُولِ، فَصَدَّقَ مِلَّتَنا وَدَخَلَ فِي دِينِنا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنا فَقَد اسْتَوْجَبَ حُقُوقَ الإِسْلامِ وَحُدُودَهُ! فَأَنْتُم عِبادُ اللهِ وَالمالُ مالُ اللهِ يُقَسَّمُ بَيْنَكُمْ بالسَّوِيَّةِ لْا فَضْلَ فِيهِ لِأَحَدٍ عَلى أَحَدٍ!.
ولمّا عوتِبَ (ع) على تصييرهِ النَّاسَ أُسوةٌ في العَطاءِ من غيرِ تفضيلٍ إلى السّابقاتِ والشَّرفِ، قالَ عليهِ السّلام:
أَتَأْمُرُونِّي أَنْ أَطْلُبَ النَّصْرَ بِالْجَوْرِ فِيمَنْ وُلِّيتُ عَلَيْهِ! وَاللهِ لاَ أَطُورُ بِهِ مَا سَمَرَ سَميرٌ، وَمَا أَمَّ نَجْمٌ فِي السَّمَاءِ نَجْماً! لَوْ كَانَ الْمَالُ لي لَسَوَّيْتُ بَيْنَهُمْ، فَكَيْفَ وَإِنَّمَا الْمَالُ مَالُ اللهِ لَهُمْ.
باء؛ هل تعني السُّلطة التَّملُّك؟! فتسمحَ للحاكمِ أَو تمنحَ المسؤول مثلاً حقّ التَّصرُّف في بيتِ المالِ كيفَ يَشَاءُ؟ وأَنّى يَشَاءُ؟ ولِمن يَشَاءُ؟! فيعطي لأولادهِ أَو إِخوتهِ أَو مُحازبيهِ ما يَشَاءُ مِنْهُ؟! أَو يوزّع المال والعقار لمَن يَشَاءُ ولأَيِّ سببٍ كانَ؟!.
أَبداً، فالسّلطةُ حدودٌ وحقوقٌ وواجباتٌ والتزاماتٌ وأَمانةٌ وضوابِطٌ! لا يَحقُّ للمسؤولِ أَن يتجاوزها أَو يخونها أَبداً.
ولذلك فعندما طلبَ عقيلُ بنُ أَبي طالبٍ عليهما السّلام، وَكَانَ شيخاً كبيراً ضريراً قد رَكِبَهُ الدَّين، من أخيهِ، إِبْنُ أُمِّهِ وأَبيهِ، زيادةً بسيطةً فَوْقَ ما يَستحقُّ من عطائهِ الشَّهري، ماذا فعلَ الامامُ (ع)؟!.
تعالوا نقرأ القصّة سويَّةً على لسانِ أَميرِ المؤمنينَ (ع)؛
وَاللهِ لَقَدْ رَأَيْتُ عَقِيلاً وَقَدْ أمْلَقَ حَتَّى اسْتماحَنِي مِنْ بُرِّكُمْ صَاعاً، وَرَأَيْتُ صِبْيَانَهُ شُعْثَ [الشُّعُورِ، غُبْرَ] الاَْلْوَانِ، مِنْ فَقْرِهِمْ، كَأَنَّمَا سُوِّدَتْ وُجُوهُهُمْ بِالْعِظْلِمِ، وَعَاوَدَنِي مُؤَكِّداً، وَكَرَّرَ عَلَيَّ الْقَوْلَ مُرَدِّداً، فَأَصْغَيْتُ إِلَيْهِ سَمَعِي، فَظَنَّ أَنِّي أَبِيعُهُ دِينِي، وَأَتَّبِعُ قِيَادَهُ، مُفَارِقاً طَرِيقِي، فَأَحْمَيْتُ لَهُ حَدِيدَةً، ثُمَّ أَدْنَيْتُهَا مِنْ جِسْمِهِ لِيَعْتَبِرَ بِهَا، فَضَجَّ ضَجِيجَ ذِي دَنَف مِنْ أَلَمِهَا، وَكَادَ أَنْ يَحْتَرِقَ مِنْ مِيسَمِهَا، فَقُلْتُ لَهُ: ثَكِلَتْكَ الثَّوَاكِلُ، يَا عَقِيلُ! أَتَئِنُّ مِنْ حَدِيدَةٍ أَحْمَاهَا إِنْسَانُهَا لِلَعِبِهِ، وَتَجُرُّنِي إِلَى نَارٍ سَجَرَهَا جَبَّارُهَا لِغَضَبِهِ! أَتَئِنُّ مِنَ الاَذَى وَلاَ أَئِنُّ مِنْ لَظىً؟!.
امّا اللّصوص الّذين يدَّعونَ إِنتمائهِم لأَميرِ المؤمنينَ والحُسين الشّهيد عليهمُ السّلام، فقد ذهبوا بها عريضةً، فبِحجَجٍ وأَعذارٍ واهيةٍ لا تصمدُ أَمامَ منهجِ الحقِّ والعدلِ العلَويِّ قد بسطوا أَيدي أَبناءهُم وإِخواتهُم وعشيرتهُم ومُحازبيهُم ليعبثوا بخزينةِ الدَّولةِ والمالِ العام، وكلٌّ بطريقةٍ [مُشَرْعَنَةٍ] من الطُّرُقِ!.
٢٦ تشرين الاول ٢٠١٦
لِلتّواصُل؛
E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
Face Book: Nazar Haidar
WhatsApp & Viber& Telegram: + 1
(804) 837-3920
قناتنا على التلغرام :
https://t.me/kitabat
نزار حيدر
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat