صفحة الكاتب : رجاء بيطار

أتعرفون الحسين؟!
رجاء بيطار

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

... بالأمس خرجت من مغارتي بعد دهر من غياب، أحمل ثقلي على ظهري، يلفح وجهي حر الهاجرة نهاراً وصقيع الليل، وعدت أبحث عنك.
جبت المدائن والقرى، والسهول والجبال، أتنسم طيفك القدسي، 
دخلت داراً للعلم وقابلت أهلها، وسألتهم،منهم من هزّ برأسه أسفاً، ومنهم من أشاح بوجهه وأجاب:
_ أعن الحسين تسأل؟ ومن لا يعرف الحسين؟!
وأشار إلى الكتب المصفوفة فوق الرفوف العالية، فألقيت رحلي واسترحت، حتى إذا مر عالمٌ يكلمهم فتجاهلوه، وحاكمٌ يتمختر أمامهم فلحقوا به، أدركت أني أخطأت، فعدت أتابع البحث.
دخلت بلداً نظيف الدروب لطيف النسيم، يبش أهله لكل زائر، سألت أحدهم وهو يرحب بي:
_ أتعرف الحسين؟
نظر إليّ، وأشار إلى قلبه، فسررت وقلت في نفسي، هذا يحب الحسين، إذا هو يعرفه.
مرت امرأة سافرة المفاتن فحدّق فيها، وأخرى تغنج بدلال فسايرها، وثالثة تضحك فمازحها، فتنهدت، وعدت أتابع البحث.
أخذ مني التعب مأخذه، جلست على ناصية ألتقط أنفاسي، مرّ شاب قد طأطأ رأسه وبانت في ملامحه علامات التقى والورع، فاستبشرت به، وأسررت لنفسي، أن هذا هو بغيتي، شاب لم يغره الشباب بقوته، وزهد في ما هو مباح له، فاعترضت طريقه لأساله، ... نظر إلى كبر سني وبياض لحيتي وتجاعيد جبيني، وتأفف معتذراً عن حديثي، ... فمسحت عرقي المتصبب، وعدت أتابع البحث.
وصلت إلى سوق كبير يختلط فيه الحابل بالنابل، يعج بالبائعين والمشترين، يتساومون ويتصايحون، ... رأيت تاجراً عليه سيماء الصالحين، صامت يسبح ويحوقل،فتفاءلت به وحدّثت نفسي،  هذا حكيم كريم، لا يعنيه إلا تحصيل رزقه ورضا ربه، لعله بغيتي،... وقبل أن أسأله، أتته امرأة تنطق ملامحها بالعوز، تريد أن تشتري ثوباً زهيداً تستر به بدنها وتحتمي من القرّ وعيون البشر، فردّها بجفاء، ... أرخيت بصري وتركته، وعدت أتابع البحث.
 مضيت أجرر أذيالي بخيبة، أرصد الهامة الشامخة المرفوعة فوق رمح طويل، أبحث عن الدماء المسفوكة ظلماً فوق الصعيد، كان الحسين ينادي، والأئمة يندبون، ... كانت الأدعية والآيات تُتلى، ولكن أكثر الناس لا يفقهون.
وقبل أن ألملم بقاياي الخائرة، وأعود إلى مغارتي لأقضي فيها ألف عامٍ جديدة، استوقفني صوت صادر عن كوخ حقير على مقربة، كان صوت امرأة تقرأ دعاء الندبة، و حولها فتيتها ينصتون ويبكون، ... اقشعرّ بدني، وشاركتهم الدعاء من طرفٍ خفي، حتى إذا فرغوا اقتربت، وإذا بهم يقبلون عليّ وقد استحالت دموعهم بسمات متألقة ، وتحلّقوا حولي سائلين:
_أقادم أنت من مكانٍ بعيد؟!... أجائع أنت وظمآن؟!... لدينا من الماء والزاد ما يكفينا ويكفيك، فأهلا بك!
...سألتهم متعجباً:
_ من أنتم؟ وما هذا المكان؟!
...أتاني صوت الأم يخترق الزمان:
_ هذا بيت الحر، وهؤلاء أشباله!
_ الحر؟... أي حر؟!
أجابت وهي تنظر للبعيد:
_ ومن لا يعرف الحر؟! ... إنه ذاك التائب الذي أنكر الدنيا والتحق بالحسين، ... وصل إلى شفير الهاوية ولكنه عاد عنها، وخُيّر بين الجنة والنار فاختار جنة الحسين!
_ ... ولكن الحر استشهد مع الحسين منذ ألف وأربعمئة عام!
_ وهل قلت غير هذا؟! ... إنه الحر إياه، صاحب بيتي وكل هذه البيوت، ووالد فتياني وكل هؤلاء الفتيان، ينبض في دمائهم ويتنشقونه مع هوائهم، ويتعلمون منه كيف يحبون الحسين، ... لا مال ولاجاه يستوقفهم، لا دنيا ولا نفس تغريهم، هو أبوهم، عاش حراً ومات حرا، وعلّمهم عشق الحرية، وها هم يرتلون آياتها صباح مساء، ويبكون مع مولاهم بدل الدموع دماء، ويتهيأون لتلبية النداء!
تبسمتُ وقد علمتُ أنني وجدتُ بغيتي، ... شمّرت عن ساعديّ وقد استرجعت همة الشباب، وأنا أردد:
_ الحمدلله، لن أعود إلى تلك المغارة، بل سأبني لي بيتاً هنا، وأنتظر معهم، وأرتل في كل يوم سفر الحسين!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat

  

رجاء بيطار
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2022/09/28



كتابة تعليق لموضوع : أتعرفون الحسين؟!
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :



أحدث التعليقات كتابة :



  علّق محمد السعداوي الأسدي ديالى السعدية ، على العشائر الشيعية في ناحية "السعدية" بمحافظة ديالى العراقية تتصدى لهجوم تنظيم "داعش" الإرهابي : رجال بني اسد ابطال وين ماكان

 
علّق شیخ الحق ، على دور ساطع الحصري في ترسيخ الطائفية (الفصل السادس) - للكاتب د . عبد الخالق حسين : فعلا عربان العراق ليسوا عربا هم بقايا الكورد الساسانين و العيلامين. فيجب ان يرجعوا إلى أصولهم و ينسلخوا من الهوية المزورة العروبية.

 
علّق الحسن لشهاب.المغرب.بني ملال. ، على ضعف المظلومين... يصنع الطغاة - للكاتب فلاح السعدي : جاء في عنوان المقال: ضعف المظلومين... يصنع الطغاة، بينما الحقيقة الشبه المطلقة، هو ان حب و تشبث النخب العربية بأموال الصناديق السوداء و بالمنافع الريعية و بخلود الزعامة السياسية و النقابية ،و حبهم لاستدامة المناصب الادارية العليا و حبهم في الولوح الى عالم النخبة ,,هو من يصنع الطغاة بامتياز؟؟؟ بالاضافة بالطبع الى رغبة الغرب المنافق في صناعة الطغاة من اجل ردع و قمع الشعوب المسلمة ،المتهمة بالارهاب و العنف الديني,, و حتى و ان قرر الغرب بعد فضيحة فساد البرلمان الاوروبي ،التخلي عن الطغاة و التمسك بالقانون ، فانه و للاسف الشديد ،،النخب لم تتخلى عن هذه الطغاة,

 
علّق بهاء حسن ، على هل هذا جزاء الحسين عليه السلام ؟ - للكاتب سامي جواد كاظم : ماهو مصدر القصة نحن نعلم ان بجدل هو قطع الخنصر المقدس، لكن القصة وضيافة الامام له ماهو مصدرها

 
علّق محمد ، على هل يوجد قائم في المسيحية؟ - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : ما عید التقدمه؟ فحصت الانترنت و لم اظفر بشیء فیه

 
علّق ا. د. صالح كاظم عجيل علي ، على أساتذة النحوية في مدرسة النجف الاشرف* - للكاتب واثق زبيبة : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته الأخ الكريم استاذ واثق زبيبة المحترم هذا المقال هو جزء من أطروحة دكتوراه الموسومة بالدرس النحوي في الحوزة العلميّة في النجف الأشرف عام ٢٠٠٧ وكل الترجمات الموجود في المقال مأخوذة نصا بل حرفيا من صاحب الأطروحة فلا اعرف لماذا لم تذكر ذلك وتحيل الى كتب تراجم عامة مع ان البحث خاص باطروحة جامعية ارجو مراجعة الأطروحة مرة أخرى الباب الأول الفصل الأول من ص ١٥ الي ص ٢٥ فضلا عن المغالطات العلمية الواردة في المقال على سبيل المثال (مدرسة النجف النحوية!!!) تحياتي

 
علّق محمد ، على هل يوجد قائم في المسيحية؟ - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : ما عید التقدمه؟ فحصت الانترنت و لم اظفر بشیء فیه

 
علّق سليمان علي صميدة ، على هل يوجد قائم في المسيحية؟ - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : بارش بن حاسم احد صلحاء بني اسرائيل عاصر النبي موسى عليه السلام و حفظ تنبؤاته و منها : ( كل الدنيا سلام من جديد, وكل الدنيا دار الكخباد والمسـيح اراد ربه ان يعود) و الكاخباد كلمة عبرية المقصود بها القائم المهدي . الكثير من هذه التنبؤات مخبأة في دهاليز الفاتيكان .

 
علّق سليمان علي صميدة ، على الكخباد قادم يا أبناء الأفاعي - للكاتب سليمان علي صميدة : بارش بن حاسم احد صلحاء بني اسرائيل عاصر النبي موسى عليه السلام و حفظ تنبؤاته و منها : ( كل الدنيا سلام من جديد, وكل الدنيا دار الكخباد والمسـيح اراد ربه ان يعود) و الكاخباد كلمة عبرية المقصود بها القائم المهدي . الكثير من هذه التنبؤات مخبأة في دهاليز الفاتيكان .

 
علّق حسين ، على (غير المغضوب عليهم ولا الضالين)، هل صدق القرآن في ذلك؟ (1) مع الأب الأقدس القس مار يعقوب منسي. - للكاتب إيزابيل بنيامين ماما اشوري : السلام عليكم  حسب ما ورد من كلام الأخت إيزابيل بخصوص ( غير المغضوب عليهم ولا الضالين)كلامها صحيح وسائرة على نهج الصراط المستقيم . اريد ان اجعل مدلولها على الاية الكريمةالمذكورة أعلاه بأسلوب القواعد وحسب قاعدتي ؛ [ ان الناس الذين مارسوا أفعال وأقوال شريرة ضد دين زمانهم واشركوا بالله الواحد الاحد فهم في خانة المغضوب عليهم ان ماتوا ، وان كانوا بعدهم أحياء ولم تأتي قيامتهم أثناء الموت فهم في خانة الضالين عسى ان يهتدوا إلى ربهم الرحمن قبل موتهم فإن ماتوا ولم يهتدوا فتنطبق عليهم صفة المغضوب عليهم وهذه القاعدة تنطبق على كل البشر والجن ( والملائكة أيضا اذا انحرفوا كما أنحرف أبليس فصار شيطانا . ) اقول ان سورة الحمد وهي ام الكتاب حقا قد لخصت للجميع مايريده الله العلي العظيم .

 
علّق س علي ، على انتخابات الرجال زمن الرعب في النجف الاشرف - للكاتب الشيخ عبد الحافظ البغدادي : سلام عليكم شيخنا الجليل ممكن ان احصل على طريقة للتواصل مع الشيخ المطور جزاكم الله الف خير كوني احد بناء الذين ذكرتهم جزاكم الله الف خير

 
علّق مروان السعداوي ، على العشائر الشيعية في ناحية "السعدية" بمحافظة ديالى العراقية تتصدى لهجوم تنظيم "داعش" الإرهابي : عشيره السعداوي الاسديه متواجدة في ديالى وكركوك وكربلاء وبعض من اولاد عملنا في بغداد والموصل لاكن لايوجد اي تواصل واغلبنا مع عشائر ثانيه

 
علّق د. سندس اسماعيل محسن الخالصي ، على نطاق أرضية الحماية الاجتماعية في الإسلام - للكاتب مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات : مقالة مهمة ومفيدة بوركت اناملكم وشكراً لمدونة كتابات في الميزان

 
علّق حعفر البصري ، على كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي بحث مناقش / القسم الثالث - للكاتب حميد الشاكر : سلام عليكم لفض هذا الاشتباك بين كاتب المقال والمعلقين أنصح بمراجعة أحد البحوث العلمية في نقد منهج الدكتور على الوردي والباحث أحد المنتمين إلى عائلة الورد الكاظمية، اسم الكتاب علم الاجتماع بين الموضوعية والوضعية للدكتور سليم علي الوردي. وشكرا.

 
علّق محمد زنكي الاسدي الهويدر ، على العشائر الشيعية في ناحية "السعدية" بمحافظة ديالى العراقية تتصدى لهجوم تنظيم "داعش" الإرهابي : عشيره السعداوي الأسديه أبطال .

الكتّاب :

صفحة الكاتب : احمد ختاوي
صفحة الكاتب :
  احمد ختاوي


للإطلاع على كافة الكتّاب إضغط هنا

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net