أسد بن هاشم زاخر بالحياة
حامد عبد الصمد البصري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
حامد عبد الصمد البصري
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
-1-
حين ولد قبّلته الشمس باعتزاز ، فنشأ ينطق بصدق العاطفة والشعور ، وجمال التعبير، حتى صار واحداً من عيون رجال العرب ، يمتلك مسيرة لافتة للنظر، حافلة بإعادة اكتشاف الوعي ، كما كان بنباهة فريدة يستطيع الامتداد الفعاّل ، والصحيح في حياة العرب في تلك المرحلة .
بالتأكيد كانتْ روحه نابضة بالحس الحضاري والمدني المتقدم على عصره وزمانه، مسيرة ممتلئة أصالة خارجة على إيقاع العصر ومتطلبات تقاليده وأعرافه .
لقد كان أسد في كل ذلك حزمة ضوء، وعلى امتداد وجوده كان بسمة ليس لها حدود ،ولؤلؤا ينمو بهاءً خارج الزمان والمكان، ومربياً كبيراً ، فهو بانتباه ذكيّ ، يستمد استمراريته من رسالة إبراهيم جده ، لكي يجرد النفس من أي ماض أو حاضر مشوب بالإثم ، لأنّه أكبر من فعل الآثام ، والمنكرات .
إنّه أسد يغالب الأيام بالحسنات ، فقد أدرك تماماً قبل غيره : ( انّ الحسنات يذهبن السيئات ) ، فقد كان يسعى جاهداً ليجعل الحرية الملتزمة وتحمل المسؤولية من مقومات الإنسان الشخصية .
-2-
بدأتُ أكتب بشغف وارتياح ، وأنا في وهج بستان أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان .
بهدوء تام قد أوصد أسد باب الحزن ، وفتح باباً يتوهج بأشذاء طيبة فهو من أحفاد إبراهيم الخليل عليه السلام ، وقد كان يقتفي أثر جدّه الخليل ، لذلك كان أسد يبدو في الحروف دليل أبعاد أخرى، لأنّه كان يجهد نفسه على صعيد الفكر والعمل معاّ ، في اللحاق بخطى جدّه ، لكي لا يحجب نفسه عن رضا الله سبحانه وتعالى .
خيّل إليه إنّ الحكمة أنْ لا يكون في الظلّ ، فالحب تحت سطوة الشمس لا يضرّ بالصحة النفسية ، ولا بالوضع العاطفي ، فقرر أن يخبر والديه برغبته في الزواج ،لأنّه كان يدرك أنّ الزواج من أفضل سبل الطمأنينة ، طمأنينة الروح والجسد معاً ، بالنسبة لشاب في مقتبل العمر، وكان أسد متفائلاً ، فالتفاؤل هو الشعلة التي تحفظ للأمل ديمومته ،وللحبّ سرّ توقّده ، وتظل الحياة بالأمل ، والحب أكثر توهجاً .
تلألأ وجه أسد ، وتوجّه صوب أبيه بكل حنان وعذوبة فقد رأى أنّ الوقت قد حان ، لإخبار والديه برغبته في الزواج، فاستحسن أبوه رأيه ورغبته ، واستبشرتْ أمه ، واشتعلتْ روحها مسرّات . وبعد أن كان الوالد متهيئاً للخروج من المنزل ، عاد ثانية وجلس حيث كان يجلس ، ووضع رأسه بين يديه ، وراح يفكّر ويتأمّل ، وكان أسد ينظر إلى وجه أبيه، كأنّه يقرأ ملامحه بكل تفاصيلها ،وانتظر أسد ، وطال انتظاره ، وشعر بمفاصله تنحل .. وتنحل ، ورأسه يخدر، ثمّ التفتَ إلى جهة أبيه ، التقط أنفاسه ،ومسح العرق المتصبب على جبهته بغزارة ،وفجأة نطق والده وهو يهمّ بالقيام من مكانه قائلا : يا ولدي إنّي سأساعدك في تحقيق رغبتك .....!
قبّل والده شاكراً .
ثمّ خرج والده من المنزل ، وعلى رأسه ورود المحبّة ، بكلّ ألوانها..............!
( خير الزهور زهرة لم نقطفها بعد......! )
زواج أسد
الحلم سيكون حقيقة- بالتأكيد- ويصحّ القول، انّ "الأحلام هي الحقيقة الوحيدة " كما يقول المخرج الإيطالي المعروف فريدريكو فيلليني ، نعم حلم يدقّ أجراس اليقظة والحياة الجديدة المستقرة .
شرع الأبوان يبحثان عن فتاة شريفة من أسرة كريمة ، تكون زوجة صالحة لابنهما ، فعثرا على بغيتهما في فتاة تدعى (فاطمة ) وتحمل اسماً أخر (حُبى) تنحدر من نسب عريق أصيل ويشترك أجدادها من الأب والأم مع أجداد النبي الكريم(ص) في جده الأكبر (فهر) .
إنّها فاطمة (حبى) بنت هرم بن رواحة بن حجير بن معيص بن عامر بن لؤي .
بعد الظهر بقليل ، كسّر أبو أسد جليد الصمت حتى فاتح أبا فاطمة ، وخطب أبنته فاطمة لابنه أسد ، وتم الزواج قبل هجرة النبي الكريم بما يقارب الـ(60 عاما ) ، فرزق منها ابنة وسيمة سماها (فاطمة )، وكان أسد يحبّ فاطمة كثيراً ، على الرغم من أنّ العرب كانوا في ذلك الوقت (إذا بشّر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم ) .
لكنّ أسدا خالف هذا الجوّ المتخلّف ، وراح ، كأنّه معلم ثوريّ، يخاطب حواس فاطمة كلّها بأسلوبه البسيط ،مدفوعا بفطرته وإيمانه العميق ، وتوحيده ،غارساً في قلبها الصغير الكبير ،عقائد التوحيد ، حتى نشأت امرأة مؤمنة ، فقد ساهم أسد في تحقيق شخصيتها بهدوء وصمت، وأثرى كل جوانب إنسانيتها
لقد ربّى ورعى أسد أبنته بعناية مميزة ، حبّة ..حبّة بيده ، وبقلبه إلى أن زوّجها لإنسان عظيم ( أقصدُ - أبا طالب والد علي عليه السلام) .
أسد ينتمي إلى قافلة كبيرة من أسماء تنضح نبعاً روحيا في أمة العرب . وهو واحد من الذين مهدّوا الطريق أمام المسلمين ، لآفاق الرسالة السماوية السمحاء
كان أسد تاجراً وشريفاً من أشراف العرب في الجاهلية ، وكان أكثر وعياً من أقرانه ، يضحك الصحو في عقله ، لتكون الحياة ربيعاً ،ويغرق وجه الفيافي بالضياء ، هو من قبيلة قريش ، يتقاسم مع أبنائها الودّ، وهو الأخ غير الشقيق لعبد المطلب بن هاشم ، وعم لأبي لهب وللحمزة بن عبد المطلب والعباس و لـ( عبد الله بن عبد المطلب ) والد النبيّ الكريم محمد صلى الله عليه وعلى آ له وسلم ، وهو والد المرأة الجليلة فاطمة بنت أسد ، زوجة ( أبو طالب) ، وجدّ جعفر الطيار، وعقيل ، والإمام علي بن أبي طالب (عليهم السلام ) وأمه الحزوز وقيل: ( قيْلة) بنت عامر بن مالك المصطلقية الخزاعية .
وقد تزوج امرأة أخرى ،هي جاريته مارية الرومية ، وولدت له حُنين الذي تزوج من امرأة من بني زهرة ، وأنجب منها عبد الله مولى العباس بن عبد المطلب ، كما أنجبت له مارية بنتا واحدة ، وسّماها خلدة ، وقد تزوجها أبن عمها الأرقم بن نضلة بن هاشم وأنجبت له صبية تدعى الشفاء ، اللهم شافِ كل مريض .
هكذا أنهمر الصباح والقدّاح من أسد ، حتى أعطى للأرض قِراها ، نعم لقد أعطاها الكف ، والوجه والقلب واللسان .
تخطى هذا الرجل كل أعوام الموت ، فكان حاضراً لأنه أسد ، والد فاطمة أمّ أمير المؤمنين ، التي كانت تخرج من أعماقها ، كلّ ما كان ، يعني وجودها - كانسان خليفة- ويجعلها تسهم مساهمة فعّالة في معنى هذا الوجود على طريق النبيّ الخليل عليه السلام
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat