التمسك بالقضية الغديرية
نبيل محمد حسن الكرخي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نبيل محمد حسن الكرخي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
بسم الله الرحمن الرحيم
القضية الغديرية هي قضية إعلان الله الذي نشهد أن لا إله إلا هو، على لسان نبيه محمد (صلى الله عليه وآله) الذي نشهد أنَّه رسول الله، بإكمال الدين وإتمام النعمة بإعلان أنَّ امير المؤمنين علي بن أبي طالب هو مولى المؤمنين كما أنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) مولاهم، وحده من دون جميع المسلمين من المهاجرين والأنصار ومسلمة الفتح ومن تبعهم.
وفيما يلي نذكر رواية يوم الغدير كما في كتاب الخصال للشيخ الصدوق (رضوان الله عليه)، قال بسنده: (عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: لما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله من حجة الوداع ونحن معه أقبل حتى انتهى إلى الجحفة فأمر أصحابه بالنزول فنزل القوم منازلهم، ثم نودي بالصلاة فصلى بأصحابه ركعتين، ثم أقبل بوجهه إليهم فقال لهم: إنه قد نبأني اللطيف الخبير أني ميت وأنكم ميتون، وكأني قد دعيت فأجبت وأني مسؤول عما أرسلت به إليكم، وعما خلفت فيكم من كتاب الله وحجته وأنكم مسؤولون، فما أنتم قائلون لربكم؟ قالوا: نقول: قد بلغت ونصحت وجاهدت - فجزاك الله عنا أفضل الجزاء - ثم قال لهم: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إليكم وأن الجنة حق؟ وأن النار حق؟ وأن البعث بعد الموت حق؟ فقالوا: نشهد بذلك، قال: اللهم اشهد على ما يقولون، ألا وإني أشهدكم أني أشهد أن الله مولاي، وأنا مولى كل مسلم، وأنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فهل تقرون لي بذلك، وتشهدون لي به؟ فقالوا: نعم نشهد لك بذلك، فقال: ألا من كنت مولاه فإن عليا مولاه - في بعض النُسخ: "فعليّ مولاه" - وهو هذا، ثم أخذ بيد علي عليه السلام فرفعها مع يده حتى بدت آباطهما: ثم: قال: اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله، ألا وإني فرطكم وأنتم واردون علي الحوض، حوضي غدا وهو حوض عرضه ما بين بصرى وصنعاء فيه أقداح من فضة عدد نجوم السماء، ألا وإني سائلكم غدا ماذا صنعتم فيما أشهدت الله به عليكم في يومكم هذا إذا وردتم علي حوضي، وماذا صنعتم بالثقلين من بعدي فانظروا كيف تكونون خلفتموني فيهما حين تلقوني؟ قالوا: وما هذان الثقلان يا رسول الله؟ قال: أما الثقل الأكبر فكتاب الله عز وجل، سبب ممدود من الله ومني في أيديكم، طرفه بيد الله والطرف الآخر بأيديكم، فيه علم ما مضى وما بقي إلى أن تقوم الساعة، وأما الثقل الأصغر فهو حليف القرآن وهو علي بن أبي طالب وعترته عليهم السلام، وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض. قال معروف بن خربوذ: فعرضت هذا الكلام على أبي جعفر عليه السلام فقال: صدق أبو الطفيل - رحمه الله - هذا الكلام وجدناه في كتاب علي عليه السلام وعرفناه).
فالقضية الغديرية هي القضية الإسلامية الكبرى التي تفرق بين الحق والباطل، ويمكن أن ننظر لهذه القضية من جهات عديدة، سنحاول استعراض بعضها بحسب فهمنا، وإلا فإنَّ الإحاطة بعظمة يوم الغدير لا يمكن لنا إدراكها.
الجهة الأولى: إكمال الدين وإتمام النعمة.
ولهذه الجهة إثارات عديدة أبرزها:
بالولاية إكمال الدين: فهي مرتبطة بإكتمال أعظم دين وشريعة أرسلها الله تبارك وتعالى للناس. حيث اشترط الله سبحانه وتعالى لتبليغ الرسالة الاسلامية كاملة إعلان يوم الغدير (من كنت مولاه فعلي مولاه). قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)). [المائدة:67].
الولاية لها المركزية في الاسلام: فرغم أن الدين إكتمل يوم الغدير بإعلان (من كنت مولاه فعلي مولاه) فقد استمر نزول القرآن واستمر تشريع السنة النبوية، وهذا الأمر يحرج المخالفين للحق، فعندهم أن آخر آية نزلت من القرآن الكريم تحتمل واحدة من الآراء التي بيّناها في رسالتنا: (سؤالان قاصمان للفكر السني)، نوجزها بالتالي، وهي ثمانية اقوال عندهم:
• القول الأول: آخر آية هي الآية (278) من سورة البقرة وهي آية الربا، قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)). رواه البخاري عن ابن عباس.
• القول الثاني: أن آخر آية نزلت هي قوله تعالى في الآية (281) من سورة البقرة: ((وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)). رواه البخاري والنسائي عن ابن عباس وسعيد بن جبير.
• القول الثالث: أن آخر آية نزلت آية الدَين، وهي الآية (282) من سورة البقرة، قوله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةَ تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)). رواه ابن جرير عن سعيد بن المسيب.
• القول الرابع: أن آخر آية نزلت هي آية الكلالة وهي قوله تعالى في الآية (176) من سورة النساء: ((يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ۚ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ ۚ وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ ۚ فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ ۚ وَإِن كَانُوا إِخْوَةً رِّجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ ۗ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)). كما روى ذلك البخاري ومسلم عن البراء بن عازب.
• القول الخامس: أنَّ آخر آية نزلت هي قوله تعالى في الآية (128) من سورة التوبة: ((لَقَدْ جَآءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)). رواه ابن حنبل.
• القول السادس: إنَّ آخر آية نزلت هي قوله تعالى في الآية (195) من سورة آل عمران (عليهم السلام): ((فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ)). ذكره ابن مردويه.
• القول السابع: إنَّ آخر آية نزلت هي قوله تعالى في الآية (129) من سورة التوبة، قوله تعالى: ((فَإِن تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ ۖ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ ۖ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ)).
• القول الثامن: إنَّ آخر آيةٍ نزلت هي قوله تعالى: في الآية (110) من سورة الكهف، قوله تعالى: ((فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا))، رواه الطبراني في المعجم الكبير عن معاوية بن ابي سفيان (لعنهما الله). رغم ان المسلمين جميعاً متفقون أنَّ سورة الكهف جميعها مكيّة سوى معاوية الذي لم يكن يعرف ذلك، وانّى له معرفة ذلك وقد أسلم بعد فتح مكة مع الطلقاء!!
إذن نجد انَّ المخالفين يعترفون بأنَّ القرآن أستمر في النزول بعد إعلان يوم الغدير! فكيف يكتمل الدين وتتم النعمة ولم يكتمل القرآن الذي هو المصدر التشريعي الأول عند المسلمين؟! جواب هذا الاشكال يسفسطه بعض المخالفين للحق ويراوغ البعض الآخر دون ان يتمكنوا من تقديم إجابة وافية ومقنعة للمسلم الواعي!! والجواب يعرفه المسلمون شيعة آل البيت (عليهم السلام)، إذ انَّ الدين الإسلامي تكتمل ركائزه وأركانه دون ان يشترط ذلك إكتمال أحكام الدين، لأننا نعلم انه ليس كلَّ شيء من امور الشريعة ذكرها رسول الله (صلى الله عليه وآله) آنذاك لعدم حاجة الناس إليها في ذلك الوقت بل هناك مستجدات ومتطلبات تواكب تطور الحياة تظهر على يد الإمام (عليه السلام) الذي هو الأمين على شريعة الله سبحانه وتعالى. ولذلك قال علماؤنا الأبرار بأن الله تبارك وتعالى علّم رسول الله (صلى الله عليه وآله) الشريعة، ثم توارث الأئمة الأطهار (عليهم السلام) علوم الشريعة منه (صلى الله عليه وآله) ليظهروها للناس حين الحاجة اليها. فما نزل من القرآن الكريم ليس هو كل الدين بل يضاف اليه تفسيره وتأويل آياته بحسب المطالب وكذلك التعاليم النبوية التي بيّنها النبي (صلى الله عليه وآله). ومن هنا كان حديث الثقلين الذي يبين للمسلمين أنّهم يأمنون من الوقوع في الضلال من خلال التمسك بالقرآن والعترة الطاهرة (عليهم السلام)، ودورها هو حفظ القرآن الكريم وتفسيره وتأويله وبيان التعاليم الدينية والشرعية للمسلمين وقيادة الأمة وتعليمها ما ينفعها في الدنيا والاخرة. فعندما اُعلِنَ منصب الوليّ وشخصه فلا خوف بعد ذلك على الاسلام لأن ما نزل قبل هذا الاعلان وما سينزل بعده هو في رعاية النبي (صلى الله عليه وآله) ثم في رعايته من بعده. ومن هنا جاء إكتمال الدين وإتمام النعمة التي هي متعلقة بإعلان منصب الولي وشخصه.
ونفس الأمر ينطبق على السُنّة النبوية حيث يقع المخالفون في إشكال كيف إكتمل الدين ولم تكتمل السُنّة النبوية، وهي بحسب طبيعتها لا تكتمل الا بوفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأن السُنّة عندهم هي قول النبي (صلى الله عليه وآله) وفعله وتقريره. والشيعة يعرفون انَّه لا ضير في إكتمال الدين ولم تكتمل السُنّة لأنَّ النبي (صلى الله عليه وآله) قد علّم الولي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) جميع الأحكام الدينية التي يحتاجها الناس. فإذا إكتمل الدين ولم يعرف جميع الناس جميع السُنّة فلا ضير في ذلك لأن هناك من يحفظها لهم ويبينها لهم بحسب احتياجهم وهو الولي الذي مَنْ كان النبي (صلى الله عليه وآله) مولاه فهو مولاه (صلوات الله عليه).
الجهة الثانية: إعلان محبة أمير المؤمنين (عليه السلام) ووجوب نصرته: ولا نقول انَّ معنى الولي في اعلان (من كنت مولاه فعلي مولاه) تعني المحبة والنصرة، فهذا من اباطيل المخالفين للحق الذين يريدون تحريف المعنى العظيم لإعلان الغدير في تلك الظهيرة المشمسة من يوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة للسنة العاشرة للهجرة النبوية المباركة. بل نقول انَّ الولي الذي اكتمل به الدين وهو الأمين عليه بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) كيف يمكن لمسلم ان لا يحبه أو أن لا ينصره!! فمحبته ونصرته هي تحصيل حاصل لأنها جزء من رد الجميل الى الولي الذي وجوده امانٌ للأمة بكل ما يحمل من صفات ومناقب عظيمة بيّنت منزلته العظيمة عند الله جلَّ جلاله وما افاضه عليه من المراتب والمنازل التي لا يرقى إليها بشر من غير المعصومين الأطهار (صلوات الله عليهم اجمعين). ولكن ماذا فعل اهل النفاق تجاهه؟ لقد ازاحوه عن الطليعة الفعلية للأمة ومنعوه من خلافة النبي (صلى الله عليه وآله) في قيادة الأمة. وحاولوا طمس مكانته ومرتبته ومنزلته عند الله تبارك وتعالى بأحاديث زور وبهتان وإفتراءات وسفسطة ومغالطات وتناقضات شابت أقوال وأفعال اولئك المنافقين، بل زادوا الطين بلّة حينما حاربوه بدلاً من ان ينصروه، وكرهوه وشتموه بدلاً من ان يحبوه ويودوه!!
فالانسان المؤمن بطبيعته الإيمانية يحب الحق واهله ويبغض الباطل واهله. ولذلك تجد المؤمن يحب فلاناً إذا عرف عنه انّه من الاتقياء الصالحين، ويبغض فلاناً إذا علم انّه من الفسّاق الضالّين. فكيف إذا علم انَّ علي بن أبي طالب (صلوات الله عليه) هو أمير المؤمنين ووليهم، فلا شك ان مرتبة المحبة والمودة والنصرة له تتضاعف عمّن سواه. بخلاف ما كان عليه حال المنافقين الذين غصبوه حقّه والذين حاربوه.
فماذا قدَّم البعض من محبة ومودة ونصرة لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أيام السقيفة والجمل وصفين والنهروان؟!! وهم جميعاً يعلمون علم اليقين بواقعة الغدير المباركة؟!!
الجهة الثالثة: تمييز الحق عن الباطل. فقول النبي (صلى الله عليه وآله) اللهم والِ من والاه يعني انَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يعلم انَّ هناك في الامة من يرفض ولاية امير المؤمنين (عليه السلام) من المنافقين ومن المرتدين الى النفاق، ويستولون على السلطة، فكان إعلان الغدير هو الحد بين الحق والباطل. ولا توجد منطقة رمادية بينهما تحت ذريعة "إجتهد فأخطأ"، لأنَّه لو كان باب الإجتهاد في هذه القضية الغديرية مقبولاً لعلمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولما دعا بهذا الدعاء العظيم الذي يفصل المواقف الى معسكرين: معسكر وال من والاه... انصر من نصره.. ومعسكر عادِ من عاداه ...واخذل من خذله...
الجهة الرابعة: التأكيد على مرجعية الثقلين العظيمين للأمة الإسلامية. وهما القرآن الكريم والعترة الطاهرة (عليهم السلام). وأنَّ كل من ينحرف عن أحدهما سوف يتردى في الضلال. وكما في رواية الغدير نقرأ قول رسول الله (صلى الله عليه وآله): (وماذا صنعتم بالثقلين من بعدي فانظروا كيف تكونون خلفتموني فيهما حين تلقوني؟ قالوا: وما هذان الثقلان يا رسول الله؟ قال: أما الثقل الأكبر فكتاب الله عز وجل، سبب ممدود من الله ومني في أيديكم، طرفه بيد الله والطرف الآخر بأيديكم، فيه علم ما مضى وما بقي إلى أن تقوم الساعة، وأما الثقل الأصغر فهو حليف القرآن وهو علي بن أبي طالب وعترته عليهم السلام، وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض).
الجهة الرابعة: الاستمرار بإعلان العقيدة الحقة بأنَّ كل شيء في الدين محوره وجود الإله وتوحيده، وان لا سلطة تشارك سلطته سبحانه ولا قدرة تماثل قدرته، ولا يجيب الدعاء إلا إياه ولا يحدث شيء إلا بمشيئته عزَّ وجلَّ. فالله سبحانه وتعالى هو الذي نصّب علي بن أبي طالب (عليه السلام) أميراً للمؤمنين ووليّاً على المسلمين ووصياً للنبي الأمين (صلى الله عليه وآله): ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ))، لاحظوا استعمال الآية الكريمة مفردة (الرسول) وليس (النبي)، و((مَّا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلَّا ٱلْبَلَٰاغُ))، ربما لتذكير المسلمين انَّ الأمر كله بيد الله عزَّ وجلَّ وانَّ الأمر أمره، ليقطع الطريق على المنافقين والشاكّين، فامتثل رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأمر الله تبارك وتعالى واعلن خليفته ووصيه وليّاً على المسلمين، وبعد هذا الإعلان الكامل يتوجه النبي (صلى الله عليه وآله) الى الله تبارك وتعالى فيدعوه بقوله المبارك: (اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله) مبيّناً انَّ الأمور كلها بيد الله تبارك وتعالى كما بيّنها القرآن الكريم بآياته الكريمة الجليّة والصريحة. ولذلك توجه رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالدعاء الى الله تبارك وتعالى ليوالي ويعادي وينصر ويخذل، هكذا علمنا النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمة المعصومون الأطهار (عليهم السلام) من بعده انَّ كلَّ شيء هو بيد الله عزَّ وجلَّ.
ومن جهة اخرى فإن موالاة أمير المؤمنين (عليه السلام) تعني التمسك بتعاليمه التي هي تعاليم الاسلام المحمدي العظيم، وليس كما يفعل اليوم من ينشرون العقائد الدخيلة بين الشيعة ظانين انهم يحسنون صنعاً لاعتمادهم على منهج خاطىء بعيد عن التمسك بالقرآن الكريم والروايات المعتبرة التي وردتنا عن العترة الطاهرة (عليهم السلام) وكذلك بعيدين عن الالتفات الى العقائد التي سطرها علمائنا الأبرار في كتبهم العقائدية وفصّلوا أدلتها في القرون العشرة الاولى من عمر الاسلام المحمدي العظيم والتي ورثوها عن تعاليم آل البيت الأطهار (عليهم السلام) وهم سفينة النجاة المبحرة بالفرقة الناجية، بل نرى المبتدعين يتمسكون في إثبات العقيدة بكل رواية آحاد هنا أو هناك حتى من تلك التي تنتمي الى كتب لا نعرف مدى وثاقة انتماء نسخها الحالية الى مؤلفيها المنسوبة اليهم، فنجدهم وقد ابتدعوا عقائد دخيلة لم تعرفها الاجيال الشيعية في تلك القرون الماضية، كقول بعضهم بوساطة الفيض والولاية التكوينية ومفاهيم غلو اخرى وهي عقائد دخيلة تنتمي لبيئة صوفية تمكنت من اختراق التشيّع بجهود سيد حيدر الآملي وملا صدرا التابعَين لتراث ابن عربي، ثم بجهود الشيخ الاحسائي، واتباعهم الروحيين والفكريين والمتأثرين بهم من حيث يدرون أو لا يدرون!!
فهل يعتبر هؤلاء المبتدعون أنفسهم من المتمسكين الفعليين بولاية أمير المؤمنين (عليه السلام) وهم يعبثون بالعقيدة التي ورثها الشيعة الإمامية عن مولاهم أمير المؤمنين (عليه السلام) كابراً عن كابر!؟
اللهم أشهد إنّا نوالي المعصومين الأربعة عشر (صلوات الله عليهم) فكن ولياً وناصراً لنا، واجعلنا ندور في فلك الحق إذ ندور في فلكهم (عليهم السلام) ولا تحرفنا عن طريق الحق والصدق طريق الثقلين العظيمين القرآن الكريم والعترة الطاهرة (عليهم السلام).
اللهم إنّي ابايع أمير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام) على بعد الزمان والمكان فتقبل مني بيعتي بحق محمدٍ وآله الأطهار.
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat