الشيعة الإمامية وقوّتهم الناعمة
نبيل محمد حسن الكرخي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نبيل محمد حسن الكرخي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
بسم الله الرحمن الرحيم
"القوة الناعمة Soft Power" مصطلح حديث الظهور قديم في معناه، وعلى مستوى الفترة الممتدة من ظهور الاسلام بتعاليمه العظيمة والى عصرنا الحاضر نجد أنَّ الاسلام المحمدي الأصيل جاء بمنظومة متكاملة ترسّخ القوة الناعمة لهذا الدين العظيم بجذب الناس الى تعاليمه من مختلف الاقطار والمجتمعات طواعية وبرغبة عارمة لما فيه من عناصر توحيدية وحضارية واسعة، ويكفي العمل بتعاليمه للتطبيق التلقائي هذا المفهوم الذي لم يعرفه الغرب الا في العصر الحاضر.
فالقوة الناعمة هو مصطلح معاصر وأول من ذكره هو جوزيف س. ناي Joseph S. Nye في كتابيه: "ملزمون بالقيادة bound to lead" سنة 1990، و"مفارقة القوة الأمريكية The paradox of American power" سنة 2002، وهو كان يتحدث على مستوى سياسي عن كيفية استخدام القوى الغربية لـ "قواها الناعمة" في التسلط على الشعوب ومسخها وتغيير هويتها ومفاهيمها لتواكب المفاهيم الغربية والهويات الثقافية السائدة هناك، وهي بطبيعتها هويات بعيدة عن الدين وتعاليمه. وعرّف ناي هذا المصطلح بقوله: (سلاح مؤثر يسعى إلى تحقيق الأهداف عن طريق الجاذبية بدلاً من الإرغام، أو دفع الأموال). وهو ما يحصل اليوم في عالم السياسة حيث تسيطر الولايات المتحدة الامريكية على العديد من الشعوب من خلال جذب الدول والشعوب الى مفاهيمها وقيمها، وتجعل تلك الشعوب تتخلى عن مفاهيمها وقيمها الموروثة من تاريخها واعرافها ودينها أو على الأقل تتأثر بها تأثراص واسعاً حد التطبيق والذوبان فيها. ولعل مثال إشاعة مفهوم (الجندر – النوع الاجتماعي) هو من هذا القبيل حيث يقدمونه بعناوين: حقوق الانسان، وحقوق المرأة، وحرية الانسان في التعبير عن ذاته! وهي صورة براقة لتمرير مفاهيم تفكيك العائلة واشاعة الزنى واللواط والتخلي عن القوانين المنضبطة بالأحكام الدينية، واشاعة الظهور العلني للمخنثين والمسترجلات، الى جانب ما نجحوا به سابقاً من اشاعة السفور، والتبرّج، والملابس الخليعة، والخمور والقوانين الوضعية وفي مقدمتها قوانين الاحوال الشخصية ولاسيما المواريث والطلاق المخالفة للشريعة الاسلامية.
وفي المقابل فقد أسس الاسلام المحمدي الأصيل لوجود قوى ناعمة فيه تتمثل بجاذبيته على مختلف المستويات لإقناع البشرية بحقانيته وانَّه الدين الحق الذي انزله الله تبارك وتعالى والذي يجب اتّباعه. وتتمثل القوة الناعمة في الاسلام المحمدي العظيم بالاشارات التالية:
• العقيدة الاسلامية التوحيدية الصافية من براثن الشرك والتثليث والفلسفات البشرية العقيمة.
• الامر القرآني بالدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة.
• الاخلاق الفاضلة والقيم الاجتماعية العادلة التي جاء بها الاسلام.
• حديث الثقلين العظيمين الدال على التمسك بالقرآن الكريم والعترة الطاهرة (عليهم السلام) الى يوم القيامة.
• النص على الخلفاء الأثني عشر عند أهل السنة والشيعة الإمامية.
• الولادة الظاهرة للإمام الثاني عشر الحجة بن الحسن (صلوات الله عليهما) والموثوقة بشهادات تاريخية عديدة من طرق اهل السنة والشيعة الإمامية. بل انَّ هناك اكثر من أربعة ملايين إنسان من مذهب أهل السنة في مختلف الدول الاسلامية ينتسبون إليه.
• المظلومية التاريخية الواضحة لآل البيت الأطهار (عليهم السلام) على يد الحكام الأمويين والعباسيين. وفي المقابل نجد أنَّ لإصرار الشيعة رغم ظلم الظالمين ورغم وجود الحكومات الطاغوتية المجرمة ورغم المقابر الجماعية على إقامة الشعائر الحسينية في أيام عاشوراء والأربعين وباقي وفيات المعصومين (عليهم السلام) دور مهم في إعلان تلك المظلومية.
• الاحكام الشرعية عند الشيعة الإمامية والمنتسبة لآل البيت الأطهار (عليهم السلام) والتي توجد شواهد عليها في كتب الاحاديث عند أهل السنة لتثبت أصالة إنتمائها الى تعاليم النبي (صلى الله عليه وآله)، من باب: من فمك ادينك.
وبخصوص هذه النقطة فقد كان لها اثر واضح في إنطلاق ظاهرة الاستبصارفي القرن العشرين الماضي ولاسيما بعد فترة الثمانينيات، حيث ظهرت مؤلفات الشيخ محمد التيجاني السماوي والشيخ حسن شحاتة (رحمه الله) والدمرداش العقالي وادريس الحسيني وأحمد حسين يعقوب، واسماء عديدة ما تم احصاء من المعروفين منهم من المثقفين والزعامات الدينية والاجتماعية 345 مستبصر، والمئات بل الآلاف من المستبصرين الآخرين منتشرون في العديد من الدول الاسلامية مما بث الهلع والرعب في قلوب الوهابية والطائفيين فيها مما اطلقوا عليه تسميه: "المد الشيعي".
هذه الاشارات وغيرها مما لا يحضرنا حالياً، تبيّن على وجود قوة جذب عظيمة في مذهب الشيعة الإمامية يمكنهم من الانتشار في مختلف المجتمعات الانسانية، ولاسيما المجتمعات الاسلامية المحبة لآل البيت الأطهار (عليهم السلام)، مما ادى في النصف الثاني من القرن العشرين الماضي والى اليوم الى موجه اعتناق واسعة لمذهب مدرسة آل البيت الأطهار (عليهم السلام) مذهب الشيعة الإمامية في مختلف الدول الاسلامية، مما دفع الحركات الوهابية والاشعرية والصوفية الى إظهار التخوف من هذا الانتشار حتى على مستوى زعماء الدول الاسلامية وحكوماتها لدرجة أنَّ بعضها بدأ يعلن التخوّف مما اطلق عليه أسم "الهلال الشيعي" ويقصد التشيّع في الدول: ايران – العراق – سوريا – لبنان!! مع انَّ مديات انتشار التشيع هي اوسع من هذه الدول وحدها وامتدت الى شمال افريقيا ودول اخرى غير اسلامية.
إذن القوة الناعمة لدى الشيعة الإمامية هي قوة عظيمة الجذب والاقناع بالحوار والأفكار والتاريخ والمعتقدات، فهو مذهب جاذب من جميع نواحيه، مما جعل الحركات الوهابية والحكومية المعادية له في حيرة من امرها فلجأت الى عدة وسائل للتحجيم من إنتشار التشيّع في دولها ومحاربة التشيّع في دول المهد وهي العراق وإيران ولبنان. ومما تفتق عنه فكرهم الشيطاني الوسائل التالية لضرب التشيّع من داخله، بعد ان عمدوا الى عدة خطوات في دولهم لضرب التشيع من خارجه ومنعه من الانتشار فيها، ومن تلك الخطوات داخل التشيّع:
1) تصنيع اشخاص من المنتمين ظاهرياً الى الشيعة ودعمهم مالياً وإعلامياً ليكونوا مرجعيات قائدة للشيعة تعمل بفكرهم وتشوّه التشيّع وتصنعه كما يريدون ليدور بفلك سياستهم للسيطرة عليه وتدجينه لصالح مخططاتهم ولتسقيط جانب من جاذبيته وقوته الناعمة وسلخه عن محتواه الحقيقي.
2) دعم بعض الحركات المنحرفة داخل التشيّع او صنع حركات منحرفة متمثلة كالتي تعرف بجند الامام واليمانية وحركات الغلو وفي مقدمتها العلللاهية، ودعم بعض الخطباء المعروف عنهم الغلو. وتجييش الجيوش الالكترونية لنشر مقاطع الفديو التي يتحدث بها هؤلاء عن الغلو من اجل إظهار الشيعة بمظهر الغلو والبعد عن الاسلام الحقيقي! في محاولة للوقوف بوجه "المد الشيعي" الذي طالما حذّرت الحركات الوهابية منه!
3) دعم بعض المنحرفين فكرياً من "رجال الدين" من ذوي الميول المغالية في تفكيرهم وآراؤهم عن طريق التمويل "غير المباشر" وعن طريق الترويج الاعلامي، ليكونوا واجهات لمذهب الشيعة وليوصموا هذا المذهب بالغلو وينفروا عموم المسلمين عن التأثر بأفكاره.
ومن هنا يتوجب التنبيه على انَّ التحرك العلمائي والإيماني من قبل المؤمنين ضد المغالين والأفكار المغالية والمظاهر المغالية المجهولة التمويل هو تحرك واجب عليهم للدفاع عن المذهب الحق ولتحقيق ديمومة إنتشار تعاليم آل البيت الأطهار (عليهم السلام) في مختلف المجتمعات الاسلامية والانسانية، والتي هي تعاليم الاسلام المحمدي الأصيل كما أنزله الله سبحانه وتعالى.
فلا تفرّطوا أيها الشيعة بقوتكم الناعمة بسبب إغواء بعض الأفكار المغالية الشيطانية هنا أو هناك مهما كان عنوان الذي يبشِّر بالغلو. فالتمسك بكتاب الله سبحانه وتعالى والعترة الطاهرة (عليهم السلام) هو المنجي من الوقوع في الانحراف وهو شعار الشيعة الأبدي الى يوم القيامة.
ونذكّر أخيراً بقوله تعالى: ((فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ))[الرعد:17]. فالغلو ليس وليد عصرنا هذا بل هو سياسة شيطانية اتبعها اعداء آل البيت (عليهم السلام) من عصر الأئمة الأطهار (عليهم السلام) وإلى يومنا هذا، وخاب فكر المغالين ولم يتمكنوا من السيطرة على التشيّع لأن التشيّع هو وجه الاسلام المحمدي العظيم وهو الدين الحق الذي بشّر به 144 ألف نبي (عليهم السلام). وإنما نُذكِّر ونحذِّر لإبطال مكائد الشيطان وتنبيه المؤمنين من الانجرار ورائها وتخليص نفوسهم من الوقوع في مهاوي الردى والانحراف عن الصراط المستقيم.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat