صفحة الكاتب : عبد الكاظم حسن الجابري

إعمار بال " كومشن "
عبد الكاظم حسن الجابري

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
بات من الواضح والجلي لكل متتبع للشأن العراقي إن العراق يعيش أسوء حالة سياسية وأسوء ديمقراطية , فالعملية السياسية في العراق مبنية على أساس المحاصصة وعلى أساس النفع المتبادل بين المتحكمين بالقرار السياسي من أحزاب وتيارات وكتل , كذلك فان النموذج الديمقراطي العراقي هو نموذج لديمقراطية عرجاء لا ترتقي لمستوى الديمقراطيات المتحضرة فالذي ينتقد الحكومة يعتبر بنظرها مُأجْنَد بأجندات خارجية وتتهمه بأنه يعمل على التسقيط السياسي , وصار التخبط السياسي والحكومي السمة الأبرز للمشهد العراقي في الوقت الراهن .
إن كل تخبط سياسي يؤثر بصورة مباشرة على كيان الدولة ومؤسساتها , فنجد الترهل الإداري والتخبط في القوانين المنظمة للمؤسسات الحكومية , ونتيجة لهذا الترهل سينفتح الباب حتما أمام الفساد الإداري والمالي , وما نسمع عنه من سرقات عملاقة بملايين الدولارات لهو خير شاهد على ذلك .
ومما لاشك فيه إن العراق يمتلك قوة اقتصادية كبيرة والمتمثلة بالنفط أسوة بباقي دول المنطقة , لكن ما نراه هو الانهيار الكامل للبنى التحتية للعراق عكس باقي الدول المجاورة .
نتساءل هنا لِمَ لا يتناسب الاعمار وتقديم الخدمات مع حجم الواردات والإمكانيات التي يمتلكها البلد ؟ الجواب بسيط وواضح , وهو إن عمليات الفساد المالي هي السبب المعطل والمعرقل لهذا النهوض والبناء وكذلك التستر الحكومي على هذا الفساد .
فصار كل مشروع خدمي أو استثماري لا يمكن أن يحال إلى شركة أو مؤسسة متخصصة إلا بدفع عمولة معينة (كومشن) , إن الكومشن صار مصطلح متداول في الاعمار وهذا الكومشن (العمولة) يتم دفعة لمتنفذين من مسؤولين حكوميين وكبار ساسة الدولة .
وان من أكثر المصاديق دلالة على هذه العمليات هو التراخيص والعقود النفطية , وسنتكلم بشئ من التفصيل على هذه النقطة .
فالنفط يمثل عصب الحياة للدولة العراقية , فهو مصدر ميزانياتها ومحور تمويل عمليات البناء , لذا فكان من الواجب والضروري هو الاهتمام بالصناعة النفطية وتطوير هذا القطاع , وبُغْيَة تطوير هذا القطاع يجب ان يتم التعاقد مع شركات متخصصة في هذا المجال , وتلقائيا يجب أن يكون التوجه إلى الشركات العملاقة وذات التخصص الدقيق والخبرة في هذا المجال , ولكن تفاجئنا بان جولات التراخيص أُحِيلَت إلى شركات أجنبية لكنها ليست بذاك المستوى من الكفاءة , ولم تُحال إلى شركات النفط العملاقة كشركات شل ولوك اويل وبرتش بتروليم وغيرها .
وبعد أن رست العقود على الشركات الحالية  وجدنا إن هذه الشركات قد دفعت نسب من العمولات (كومشن ) لمسئولين في الدولة عكس الشركات العملاقة التي لا تدفع هكذا كومشن فصارت الشركات هذه عبارة عن اقطاعيات لمتنفذين حكوميين .
وهنا لابد أن نبين إن في الدول الخليجية المجاورة إن الشركات العملاقة في هذه الدول تدفع عمولات لأمراء ومتنفذين ومشايخ مناطق في تلك الدول ولكن لنسأل كيف تدفع ؟ وبأي طريقة ؟ في تلك الدول استخدموا اسلوب عقود الخدمة فالشركة المتعاقدة من المؤكد تحتاج إلى مقرات وبنى تحتية وعماله وما إلى ذلك من الخدمات فتقوم تلك الشركات بالتعاقد مع أولئك المتنفذين على أنهم أصحاب شركات خدمية وبنسبة تصل إلى 2% من قيمة التراخيص وهذا النسبة لاتؤثر على كفاءة ونوعية الإنتاج لتلك الشركات وبنفس الوقت إن تلك الشركات تحتاج لهذا الخدمات فبالتالي سيكون النفع متبادل دون التأثير على نوعية الأعمال وقيمة العقد .
كذلك فان الشركات الاستثمارية في المجال النفطي ضمن عقودها تقدم عطاءات تشمل قيام تلك الشركات بمشاريع خدمية ومن حسابها الخاص في مناطق عملها كبناء المستشفيات والمدارس وتعبيد الطرق , ولو نظرنا إلى عقود الشركات النفطية في العراق لا يوجد هكذا أمر , وان وجد فهو أمر لا يستحق أن يذكر كما حدثت مع شركة بتروناس في محافظة ذي قار والتي كان مشروعها الخدمي هو "تصليح رحلات مدارس قضاء الرفاعي" ولعمري كم ضحكت عندما سمعت بمشروع هذه الشركة .
وعلى هذا المنوال كل المشاريع الاستثمارية في باقي القطاعات كالكهرباء والطرق ومعامل الإنتاج الصناعي , لذا نجد التلكؤ في هذه القطاعات .
كذلك في مشاريع تنمية الأقاليم على مستوى المحافظات صار المقاولون المحليون يدفعون العمولات لإحالة المشاريع الخدمية على شركاتهم ولَكُم أن تعلموا كم يؤثر هذا الأمر على حسن الأداء والتنفيذ للشركات والمقاولين المنفذين للمشاريع الخدمية .
أن نظرة سريعة للاعمار والاستثمار في العراق نجد أننا نحتاج إلى وقفة جدية والاهتمام بتنظيم قوانين ذات مرونة لتنمية عملية الاستثمار كذلك استصدار تشريعات جديدة في هذا الموضوع .
وهناك عدة أمور يمكن أن تُأخذ بنظر الاعتبار للنهوض بالعملية الاستثمارية وبالتالي النهوض بعملية الاعمار وتسريعها ومنها :
1- استصدار قرارات وتشريعات وقوانين في مجال الاستثمار تتجاوز الروتين والبيروقراطية المؤسساتية.
2- وضع اليد من قبل هيئة الاستثمار على الأراضي ذات الطابع الاستثماري في كافة المجالات كالإسكان والزراعة والصناعة .
3- تشكيل لجان من البلديات والتخطيط العمراني وهيئة الاستثمار لغرض تسهيل عملية نقل تلك الأراضي ووضعها تحت يد هيئة الاستثمار.
4- قيام هيئة الاستثمار بابتكار فرص استثمارية والإعلان عنها ودعوة الشركات العالمية والمتخصصة في هذا المجال .
5- على هيئة الاستثمار أن تقوم بنفسها بانجاز الموافقات والتعقيبات الإدارية الخاصة بالفرصة الاستثمارية مما يمكن المستثمر من التعامل معها فقط دون أن يقوم هو بنفسه بمراجعة الدوائر ذات العلاقة , وهذه النقطة بالتأكيد ستقلل من الفساد الإداري والمالي .
6- فرض غرامات عالية على كل مستثمر لا يقوم بنفسه بانجاز رخصته الاستثمارية أو تلكؤه بها , فهناك سماسرة يقوم بإكمال الرخصة الاستثمارية ثم يقوم ببيعها على مستثمر آخر .
7- تشكيل لجان من هيئة الاستثمار لمتابعة تنفيذ الرخص الاستثمارية وتكون هذه اللجان ذات صلاحيات قوية وواسعة .
8- البحث عن المشاريع الاستثمارية ذات النفع العام والتي في تماس مباشر مع احتياج المواطن كمشاريع الكهرباء والماء والطرق والسكك والنقل بصورة عامة .
وأخيرا اعتقد أن الحكومة لو تنبهت للجانب الاستثماري وأعطته اهتماما اكبر واستفادت من تجارب الدول الأخرى لكان النهوض العمراني اتخذ شكلاً ومنحنى آخر .
 
30/7/2013

قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


عبد الكاظم حسن الجابري
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2013/08/09



كتابة تعليق لموضوع : إعمار بال " كومشن "
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net