صفحة الكاتب : د . رائد جبار كاظم

بروميثيوس والحكومة العراقية
د . رائد جبار كاظم

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

هناك فرق كبير بين ما فعله بروميثيوس(*)، وبين ما تقوم به الحكومة العراقية تجاه شعبها، لقد قام برومثيوس، كما تروي الاساطير اليونانية القديمة، بأفعال وخدمات جليلة وقيمة تجاه البشر، وقد تفانى في حبهم وشغف حباً وعشقاً بهم، وأخلص في خدمتهم، وتحمل اشد العذاب والآلام من اجل اخلاصه وخدمته وحبه للبشر، وقد عُرف في الاساطير القديمة بأنه ( سارق النار )، لأنه بعد ان قدم كل ما يستطيع تقديمه للبشر الذين كُلف بخلقهم، من خير وهناء ومحبة وعلم ومعرفة، وأراد لهم ان يكونوا بأفضل حال ودون حاجة لأي نقص او نعمة، لأنه مكلف بخلق البشر والسهر على راحتهم وخدمتهم، وقد أسرف وبالغ بروميثيوس في مداراته للبشر والسهر على تقديم افضل ما يحتاجون أليه في حياتهم، ومن حبه العميق والجنوني للبشر أنه رأى مجموعة منهم محرومون من الدفء والأمن والاستقرار، فقرر أن يحضر لهم النيران التى تدفئهم و تأنسهم بنورها، وقد تحمل عناء ذلك ومشقته، الأمر الذي جعله يذهب لجلب النار وسرقتها من الآلهة، من أجل ان يستأنس بها الانسان وأن يمارس حياته بصورة اكثر كمالاً وأستقراراً، ولكنه عوقب من قبل الآلهة أشد العقاب بأن حُكم عليه بالقيد والعذاب والسجن المؤبد في أعالي الجبال، مدى الحياة، وكان كل صباح يأتيه نسر عملاق ينهش كبده، الذى يعود لينمو من جديد في المساء ليستمر عقاب بروميثيوس الأبدى. وكان بروميثيوس يتلقى عقابه متماسكاً سعيداً، لأن البشر يعيشون حياه سعيدة، و لكونه بعيد النظر و قادر على التنبؤ، فقد كان يعلم أنه سيأتى أحد الأبطال من أبناء الآلهة و يخلصه من عذابه. و كان يرى أيضاً أنه سيأتى من نسل زيوس من يقتله و يتولى الحكم من بعده، لتكون نهاية زيوس المتجبر. وهذا ما حصل بالفعل على يد هرقل البطل، الذي أنقذ برومثيوس من سجنه وقيوده وعذاباته، منتصراً للحق والخير والفضيلة. 

تلك هي وقفة برومثيوس المشرفة تاريخياً، فقد عُرف بأنه سارق النار، من أجل خدمة البشر وتقدمهم واحيائهم وتحقيق كامل راحتهم وسلامتهم، فهل وقفت الحكومة العراقية موقفاً مشرفاً وفاضلاً ونيراً تجاه شعبها العراقي، المحروم والمأزوم، وأن تكون نظرتها ثاقبة وحكيمة وأستراتيجية ورحيمة، وتقدم لشعبها كما قدم برومثيوس للبشر، من خير وأمن وأمان وعدل وأحسان ورحمة وغفران، أم أنها ستكون معاقبة للشعب ومنتقمة منه كما عاقب زيوس برومثيوس؟ لا اعرف أي الادوار ستلعب الحكومة العراقية، دور برومثيوس العادل، صوت الحق والرحمة والشفقة، أم صوت زيوس، صوت الظلم والحقد والكراهية؟ 

أعتقد أن الحكومة العراقية ذات وعي ودراية ونظرة بعيدة جداً، أكبر من رؤية بروميثيوس، كما أنها لم تكن غبية كغباء زيوس لتكلف احداً بعمل بالنيابة عنها، أنها تمارس عملها بنفسها كي لا يفُتضح امرها ويكُشف سرها ويهُتك سترها، انها هنا زيوس بصورة برومثيوس، لقد سرقت النار بمعية النفط لتحرق به الشعب العراقي وتنتقم منه شر أنتقام، هذا اولاً، وثانياً سرقت قوت وميزانية وتعب الشعب العراقي وأحالته الى فقر مدقع. وثالثاً أنها لم تترك له أملاً في الخلاص من حالته ووضعه المأسوي، وتحاول قتل كل بطلٍ ومحررٍ ومنقذٍ يخرج لأنقاذ الشعب العراقي من مأساته وهمومه وازمته الخانقة القاتلة. أنها ذلك النسر الذي يأكل بأكبادنا وأرواحنا وأولادنا وحياتنا كل يوم، دون رحمة او شفقة او حرمة. فأنهم لم يبقوا لنا نفطاً الا شفطوه، ولا فلساً الا لفطوه، ولا نوراً الا أطفوه، ولا مكاناً الا حرقوه، ولا عزاً الا سرقوه، ولا فرحاً الا ادموه، أنهم احالوا حياتنا جحيماً، وبلدنا سجناً وخيماً، لا يرعون حرمة ولا ذمة. 

لقد تكالب علينا يابرومثيوس كل طغاة العالم وجبابرته، ليدمروا بلدنا الجميل ويفتكوا به، وأرسلوا عليه جيشاً أبابيل، ترميه بحقارةٍ من سجيل، وجعلوا بلدي كعصف مأكول، في مهب الريح، وأنت مقيد تنظر ألينا، الى حالنا وواقعنا وحياتنا وأهلينا، أينك يا برومثيوس، أين هرقل، ليمسخ كل هؤلاء الخونة ويحيلهم قروداً وخنازيراً وحميراً وبغالاً، ننتفع بالحمل عليهم، وأن كانوا هم الآن قروداً وخنازيراً وحميراً وبغالاً، ينتفعون بنا ويحملون علينا، ونكون حطباً لنارهم، ووقوداً لمآربهم، نحن مستعدون أن نكون حطباً ووقوداً للخلاص منهم وزوالهم وأجتثاثهم من الوجود برمته، وأملنا فيك يا برومثيوس ان تعيد لنا الأمل والحياة والأمن والأمان والاستقرار على هذه الأرض، وأن تمنحنا السلام والوئام والرحمة والاطمئنان، لأنك انت من علمتنا كل ذلك وزرعته فينا، وعلمتنا كيف نقاوم كل ظالم، وأن نواجه كل طاغي، مهما استطال البلاء ومهما أستبد الألم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) كان بروميثيوس واحد من حكماء التايتن. كان أسمه يعنى بعيد النظر و قد كان يملك المقدره على التنبؤ بالمستقبل . عهد زيوس إلى بروميثيوس وأخيه ابيمثيوس تشكيل الحيوانات و البشر .قام ابيمثيوس بتشكيل الحيوانات بينما شكل بروميثيوس البشر، أنهى ابيمثيوس الحيوانات بسرعه بينما استغرق بروميثيوس الكثير من الوقت بالرغم من رغبة بروميثوس اتقان تشكيل البشر إلا أن بطئه الشديد جعل أخيه يستهلك كل الموارد المتاحه في تشكيل الحيوانات : السرعة في العدو ، الرؤيه عن بعد ، السمع عن مسافات بعيده كما أعطاهم رداء من الفراء ليدفئهم من البرد، و مختلف الأسلحه للدفاع عن نفسها مثل القرون و الأنياب و لم يبق شئ للأنسان .

أشفق بروميثيوس على البشر و لجأ إلى زيوس طالباً مساعدته فقد هام بروميثوس حباً بالبشر أكثر مما توقع زيوس الذي لم يشاركه في حبه للبشر ، بل كان يريدهم أن يكونوا ضعفاء خائفين حتى لا يمتلكوا القوة التى تمكنهم من تحديه في أحد الأيام .كان زيوس يرى أن المعرفة و المهارات و المواهب لن تجلب الا الشقاء للبشر الفانين ، و لكن بروميثيوس كان له رأى أخر و فضل البشر على ملكه المجنون بالسلطه و العظمه ، أعطى بروميثيوس البشر العديد من العطايا و الهبات التى سرقها من آلهة الأولمب هيفاستوس و أثينا و غيرهم فأعطاهم فنون العمارة و البناء، النجارة، أستخراج المعادن، علم الفلك، تحديد الفصول، الأرقام و الحروف الهجائيه، كما علمهم كيفية أستئناس حيوانات ابيمثيوس و ركوبها و الأبحار بالسفن ، كما أعطاهم موهبة التداوى و الشفاء.

غضب زيوس من بروميثيوس غضباً شديداً ورأي انه بالغ في شأن البشر و لكنه لم يعاقبه و أكتفى بتحذيره . لم يكتفى بروميثيوس بتشكيل البشر بكل تلك الهبات بل قام بسرقة النار من جبل الأولمب و أعطاء قبس منها للبشر فقد حزن بروميثيوس لرؤية البشر في برد الشتاء محرومون من الدفء و الأمن فقرر أن يحضر لهم النيران التى تدفئهم و تأنسهم بنورها ، ذهب بروميثيوس إلى هيفاستوس في جبل الأولمب سراً حتى لا يفتضح أمره لزيوس ، أخذ يبحث بين الكهوف و المغارات عن مقر هيفاستوس و فجأه شق الظلام شراره من النار و وجد برميثيوس نفسه أمام البوابه الضخمة لمقر أله الحداده هيفاستوس ( المكلف بصناعة الأسلحه و الدروع للآلهه و فوق ذلك صنع صواعق زيوس ) . وبينما هيفاستوس منشغل بعمله استطاع بروميثيوس أن يسرق أحد صواعق زيوس و أخفاها داخل عصا مجوفه صنعها من النباتات ثم اعطي قبس منها للبشر، تعلم البشر كيف يقتلوا الحيوانات ويطهون لحومها، تصاعدت رائحة الشواء إلى الأولمب و علم زيوس بخيانة بروميثيوس و سرقته للنار ورأى ان البشر لن يدينون له الولاء المناسب اذا غرقوا في النعم فقدم بروميثيوس له عرضاً دليل على الولاء ، عرض عليه أن يقاسم البشر لحومهم الشهيه مقابل أن يسمح لهم الأحتفاظ بالنار.قام بروميثيوس المشهور بالدهاء و المكر بتقديم قربانبن إلى زيوس و آلهة الأولمب. كان القربانين أحداهم عباره عن قطع من اللحم الطازجه هي عباره عن كل ما يؤكل في الثور مخبأه داخل الامعاء ( شئ طاهر زكي في صوره كريهه )، و القربان الأخر كان عباره عن عظام ثور ملفوفه في دهن و شحم براق ( شئ كريه في صوره مبهره ). خدع زيوس و أختار القربان الثانى للآلهه و بذلك أستطاع البشر الأحتفاظ باللحم لنفسهم و حرق العظام بعد كسيها بالدهن كقربان للآلهه . غضب زيوس لذلك غضباً شديداً أهتز له جبل الأولمب، و قرر عقاب بروميثيوس على الأثم الذى أرتكبه في حق سادة الأولمب. أستدعى هيفاستوس و طلب منه أن يصنع سلاسل قويه حتى يقيد بها بروميثيوس على صخره في جبال القوقاز . و كان كل صباح يأتيه نسر عملاق يدعى اثون ينهش كبده، الذى يعود لينمو من جديد في المساء ليستمر عقاب بروميثيوس الأبدى .كان بروميثيوس يتلقى عقابه متماسكاً سعيداً لأن البشر يعيشون حياه سعيده، و لكونه بعيد النظر و قادر على التنبؤ، فقد كان يعلم أنه سيأتى أحد الأبطال من أبناء الآلهة و يخلصه من عذابه . و كان يرى أيضاً أنه سيأتى من نسل زيوس من يقتله و يتولى الحكم من بعده، لتكون نهاية زيوس المتجبر. وهذا ما حصل بالفعل على يد البطل هرقل. ( موسوعة ويكيبيديا. الموسوعة الحرة. مادة بروميثيوس ) . 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . رائد جبار كاظم
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2016/01/21



كتابة تعليق لموضوع : بروميثيوس والحكومة العراقية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net