صفحة الكاتب : نزار حيدر

عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الرَّابِعَةُ (١٦)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

   هل كانَ الحُسينُ السِّبط (ع) يُحرِّض على الانتحار عندما كتبَ يقولُ {مَن كانَ باذِلاً فِينا مُهْجَتَهُ‌، مُوَطِّناً على لِقاءِ الله نَفْسهُ فلْيَرْحَل مَعَنا، فإنِّي رَاحِلٌ مُصْبِحاً إِنْ شَاءَ اللهُ}؟!.
   قبل أَن نُجيبَ على السُّؤال ينبغي أَن نُشيرَ إِلى حقيقتَين في غايةِ الأَهميَّة؛
   الحقيقةُ الأُولى؛ هي أَنَّ أَهل البيت (ع) هم الوحيدون في التَّاريخ الاسلامي الذين لم يُقاتلوا أَحداً لغنيمةٍ ماديَّةٍ! لأَنَّهم يتعاملونَ مع السَّيف كرسالةٍ وليس كمَغنمٍ! فهو لتحقيقِ غاياتٍ ساميةٍ ينتهي دورهُ إِذا تحقَّقت من دونهِ، ولذلك ظلَّ الخَيار أَلأَوَّل لأَميرِ المؤمنينَ (ع) مع كلِّ خصومهِ، بِمن فيهم طاغية الشَّام مُعاوية! هو الحوار والوعظ والإرشاد والذِّكرى.
   حتَّى الخوارج ظلَّ يُحاورهُم حتَّى كلَّ سمعهُم! وهو المنْهَجِ الذي اتَّبعهُ الحُسين السِّبط (ع) في كربلاءَ إِذ ظلَّ يُحاورُ ويذكِّرُ ويُرشدُ القومَ وكبيرهُم عُمر بن سعدٍ حتًّى السَّاعات المتأَخِّرة من ليلةِ عاشُوراء!.
   لقد كانَ جلُّ [خُلفاء المسلمين] يقاتِلونَ الأُمم الأُخرى باسمِ الدِّين ليسَ لنشرِ رايةِ الاسلام لتكونَ {كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا}! وإِنَّما من أَجْلِ المكاسب والغنائِم! وهيَ العادةُ التي ورِثوها من العربِ كمجتمعٍ جاهليٍّ قبليٍّ يعتاشُ على الغزواتِ والغاراتِ ليغتنِمَ المالَ والدَّوابَّ والفُروج! لدرجةٍ أَنَّ بعض قادة ما يُسمى بـ [الفتوحاتِ الاسلاميَّة] كان يرفضُ إِسلامَ المجتمعِ الذي يغزوهُ قبلَ أَن يسلبهُ كلَّ شيءٍّ! لأَنَّ قبولهُ الاسلام يعصِم دمهُ ومالهُ وكلَّ شيءٍّ، ما يُضيِّع عليهِ وعلى جنودهِ فُرصةَ الحصولِ على المكاسبِ والمغانِمِ!.
   السَّيفُ لا يُمثِّلُ عندهُم رسالةً! بل هوَ آلةُ الغنيمةِ!.
   أَمَّا أَهلُ البيتِ (ع) فكانوا يبذلونَ كلَّ ما بوسعهِم لتجنُّب الحَرْبَ! فاذا توصَّلوا معَ الآخرِ، أَيّاً كانَ، إِلى حلٍّ مُرضٍ فَبِها وإِلَّا فالقِتالُ على حدِّ الحاجةِ فقط! وهو منهجُ السَّماء وكلُّ الرُّسلِ والأَنبياء! ولذلك تأَخَّرت آيات القِتال أَكثر من عقدٍ كاملٍ عانى خلالها المسلمونَ ما عانَوا فصبَروا على أَلمِ العذابِ وعضُّوا على الجراحِ!.
   وفِي قِصَّة صُلح الحُديبيَّة والصُّلح الذي عقدهُ رَسُولُ الله (ص) معَ نصارى نَجران فيما يُعرفُ بقضيَّة [المُباهلة] والتي يحدِّثنا عنها القرآن الكريم بقولهِ تعالى {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ} إِنَّ في القصَّتَين دليلٌ واضحٌ على أَنَّ صاحب الرِّسالة السَّامية لا يألُ جُهداً ولا يوفِّر مسعىً لحقنِ الدِّماء مازال هناكَ مُتَّسعٌ منهُما!.
   كما أَنَّ في العفوِ العام الذي أَصدرهُ رَسُولُ الله (ص) المنتصِر في فتحِ مكَّة على عُتاتِ قُريش دليلٌ آخرَ على هذا المَعنى!.
   الحقيقةُ الثَّانيةُ؛ هي أَنَّ أَهل البيت (ع) لم يبدأُوا أَحداً بقتالٍ أَبداً! من جانبٍ، ولم يبدأُوهُ إِلَّا بعد أَن يُلقوا الحُجَّة الدِّينيَّة والمنطقيَّة والعقليَّة بالكاملِ على الطَّرفِ الآخر، وكلُّ ذَلِكَ لحقنِ الدَّمِ الذي يخشَون إراقتهُ بالحقًّ فما بالُك إِذا كانَ بالباطلِ؟! وكلُّ ذلكَ مخافةَ اللهِ والتَّقوى {لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ* إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَٰلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ} حتَّى لقد كتبَ أَميرُ المؤمنينَ (ع) في عهدهِ للأَشترِ لمَّا وَلَّاه مِصر {إِيَّاكَ وَالدَّمَاءَ وَسَفْكَهَا بِغَيْرِ حِلِّهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ أَدْعَى لِنِقْمَة، وَلاَ أَعْظَمَ لِتَبِعَة، وَلاَ أَحْرَى بِزَوَالِ نِعْمَة، وَانْقِطَاعِ مُدَّة، مِنْ سَفْكِ الدِّمَاءِ بِغَيْرِ حَقِّهَا، وَاللهُ سُبْحَانَهُ مُبْتَدِىءٌ بِالْحُكْمِ بَيْنَ الْعِبَادِ، فِيَما تَسَافَكُوا مِنَ الدِّمَاءِ يَوْمَ الْقِيَامةِ، فَلاَ تُقَوِّيَنَّ سُلْطَانَكَ بِسَفْكِ دَم حَرَام، فَإِنَّ ذلِكَ مِمَّا يُضْعِفُهُ وَيُوهِنُهُ، بَلْ يُزيِلُهُ وَيَنْقُلُهُ، وَلاَ عُذْرَ لَكَ عِنْدَ اللهِ وَلاَ عِنْدِي فِي قَتْلِ الْعَمدِ، لاَِنَّ فِيهِ قَوَدَ الْبَدَنِ، وَإِنِ ابْتُلِيتَ بِخَطَإ وَأَفْرَطَ عَلَيْكَ سَوْطُكَ أَوْ سَيْفُكَ أَوْ يَدُكَ بِعُقُوبَة، فَإِنَّ فِي الْوَكْزَةِ فَمَا فَوْقَهَا مَقْتَلَةً، فَلاَ تَطْمَحَنَّ بِكَ نَخْوَةُ سُلْطَانِكَ عَنْ أَنْ تُؤَدِّيَ إِلَى أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُول حَقَّهُمْ}.
   ٥ تشرين الاوّل ٢٠١٧
                            لِلتَّواصُل؛
‏E-mail: nazarhaidar1@hotmail. com
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2017/10/10



كتابة تعليق لموضوع : عْاشُورْاءُ السَّنَةُ الرَّابِعَةُ (١٦)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net