كنا اذا ما حدث شيء في نهاية الكرة الأرضية او ربما في كوكب آخر ، سرعان ما نشد الأحزمة ، وندخل في اقصى حالات الانذار، ونقحم طلبة المدارس الاولية وطلبة الجامعات في الأمر ، وبين قواطع التدريب ، ومظاهر النفير العام ، والاناشيد الحربية التي تهيمن على وسائل الاعلام الصوتية والمرئية ، وبين تصعيد الخطاب الرسمي بأن على من يسكن نهاية الكرة الارضية ان لاينام ليله ولا يخرج من بيته نهارا ، لأننا مباغتوه لا محالة وسنحد من تهوره واضطهاده للشعوب الصديقة في نهاية الكرة الارضية ؛ هكذا كانت سياسة حكومات الرجل الرمز والرجل الأوحد ورئيس كل شيء ، وبعد سيل من الانتكاسات التي مر بها البلد بسبب الشقاوات السياسية التي انهكت البلد واقتصاده واصابت ماكنته العسكرية بالوهن ؛ وصلنا الى نهاية اسطورة الرجل الاوحد ، وحان وقت البطولات السياسية والهدوء المرعب ، وهو ما تميزت به حكومة الدكتور حيدر العبادي ، فعلى شدة هول التحديات التي تعرض لها العراق ، تحول العراق من بلد معزول عالميا واقليميا ، ومصاب بانتكاسة عسكرية واقتصادية ومهدد بالتقسيم الى بلد محوري يمتلك كل اشكال المبادرة ولا يتعسكر مع محور ضد آخر ، وصار له ان يجمع الثلج والنار دون ان يضر احدهم في ماهية الاخر ؛ هكذا هي حكومة الدكتور العبادي التي اهتمت بالعلاج من الخارج لكل الاخطار التي اضرت بالعراق وكل اشكال سياسات التمزق الداخلي التي راهن عليها مرضى المناصب والنزاعات المناطقية والطائفية ، فقد أدركت حكومة العبادي ان بيت الداء يكمن في انكفاء العراق على همه ، وانهماكه في مشاكله دون الاكتراث لما يحدث في محيطه القريب لا البعيد ، وبدأ الانفتاح المثمر ، وصار العراق وجهة لرغبة العرب في اعاد تأثيث علاقاتهم معه ، وماكان هذا ليحدث لولا سياسة الهدوء التي اجتازت امتحان الموصل بنجاح لتدخل في ملف مابعد داعش الذي كانوا يحذرون العراق منه ، لكن ملف مابعد داعش اجهض في مهده ، وصار مثل من يريد تفجير قنبلة في بيت جاره فانفجرت عليه وأخذ يصرخ ويستغيث ، هذا هو حال مسعود البارزاني حين اعادت القوات الاتحادية انتشارها ؛ وبينما اعتمد مسعود سياسة ( الرجل الأوحد ) واخذ يخطب ويتوعد ، وبينما عزف الجميع على وتر الحرب ، رأينا تصريحات حكومة العبادي الهادئة تدعو الى وحدة الوطن بعيدا عن شخصنة الاشياء وتصديرها بصفة وطنية ، ولعل ابرز ملامح سياسة الهدوء المرعب التي انتهجتها حكومة العبادي هو ان يفاجأ الجميع بردود عملية لا بخطابات سياسية وحين احتدم الأمر عند حدود اربيل وارتفعت الاصوات ، وجدنا الدكتور العبادي مع عدد ليس بالقليل من الوزراء والوكلاء والمستشارين متجها للسعودية في زيارة تنبيء بتعاون اقتصادي كبير ، لتبدأ بعدها جولة كبيرة في عدد من البلدان العربية ، وأهم مافي هذه الجولة هو الإهتمام بالعراق الجديد الهاديء المطمئن ، وهو رد هادئ جدا على الانفصاليين ،يحمل من العملية وعدم الاكتراث بخطابات الاستهلاك الاعلامي الشيء الكثير ، وهو رد يوحي بأن الامور بنتائجها ، وان الضجيج الاعلامي لايغني عن جوع ولا هم يفرحون .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat