المرجعيّة العليا .. وتفرّد ردّها على قرار ترامب !.
نجاح بيعي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
نجاح بيعي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
إذا كان الإجماع قد حصل دوليا ً وإقليميا ً و( جماهيريا ً ) على إدانة واستنكار إعلان الرئيس الأمريكي " ترامب " بجعل مدينة القدس عاصمة للكيان الإسرائيلي , والذي من تبعاته نقل سفارة الولايات المتحدة من " تل أبيب " الى مدينة " القدس " . لكنه لم يكن كذلك بالنسبة لردود الفعل والإجراءات المتبعة لذلك الرفض , ويعود ذلك لتباين وجهات النظر باختلاف الأيديولوجيات التي عليها الدول والأنظمة السياسية فضلا ً عن الأحزاب والحركات في العالم ولا سيما في العالمين العربي والإسلامي , وكذلك القرب من الكيان الإسرائيلي اعترافا ً به وتطبيعا ً معه , والبعد عنه إنكارا ً له جهادا ً ومقاومة .
وبإمكاننا أن نلحظ أن الأصوات الرافضة للقرارهي ثلاث أصناف , تباينت بردود أفعالها و بإسلوب إجراءاتها المتخذه ضد القرار :
1 ــ رافضين للقرار الأميركي وهم يؤمنون بالكيان الإسرائيلي كدولة , لإيمانهم بالمفاوضات الجارية المعروفة بـ "عملية السلام" العقيمة والهزيلة مذ انطلقت بين الفلسطينين والإسرائليين , والتي من متبنياتها حل (الدولتين) . وهؤلاء كثر سواء في المجتمع الدولي أوالمحيط الإقليمي . ويعتقدون أن القرار الأميركي قد نسف عملية السلام , ويفضلون العودة لطاولة المفاوضات ودفع عملية السلام ( والتي ترعاها الولايات المتحدة ) الى أمام , كأفضل طريقة للحل السلمي بين الإسرائيليين والفلسطينيين .
2 ــ رافضين للقرار الأميركي ممن هم على تقاطع مع الكيان الإسرائيلي . ولا يؤمنون بعملية السلام ولا بحل ( الدولتين ) ويعتبرونه كيان غاصب ومحتل للأراضي العربية والإسلامية . وهؤلاء قلة من الدول العربية كـ ( سوريا ) والإسلامية كـ ( إيران ) . وكانوا قد دعوا الشعب الفلسطيني الى انتفاضة عارمة في الأراضي الفلسطينية , وتظاهرات كبيرة في عواصم ومدن العالمين العربي والإسلامي اجتجاجاً , وطرق جميع السبل الإعلامية بما في ذلك مواقع التواصل الإجتماعي , لزيادة الضغط حتى تتراجع الإدارة الأميركية عن قرارها بجعل القدس عاصمة لإسرائيل .
3 ــ رافضين للقرار الأميركي جملة وتفصيلا ً , ولكن لم يذهبوا كما ذهب الفريق الأول بتشبثه بعملية السلام العقيمة بين الإسرائليين والفلسطينيين , كحل بديل للقرار الأميركي . كما لم يذهبوا كما ذهب الفريق الثاني , بالتشبث بالإحتجاجات الشعبية حتى ينثني الأميركان عن عزمهم ويتم إلغاء القرار . لأن كلا الفريقين وضع نصب عينيه ( القرار ) المجحف وتداعياته , ونسوا أو تناسوا " إسرائيل " ككيان غاصب ومحتل للقدس ولفلسطين , الذي من تداعيات الإحتلال هذا القرار . كمن نسي أو تناسى السبب الأصل وتشبث بما تفرع عنه .
وتجلّى هذا الرفض المتفرّد بموقف المرجعية الدينية العليا في النجف الأشرف , ببيانها الصادر من مكتبها يوم 7 / 12 / 2017م . وهو طرح يُعدّ بحق علاج للقضية الفلسطينية برمتها, بطريقة أكثر راديكالية من الآخرين . وبإمكاننا أن نلحظ عدّة إضاءات , من خلال هذا البيان منها :
1 ـ المرجعية العليا اعتبرت قرار الولايات المتحدة (لن يغير من حقيقة أن القدس أرض محتلة ) سواء أعلنت عنها كعاصمة لإسرائيل أم لا , أو انتقلت اليها سفارة الولايات المتحدة أم لا !. بدليل ( والكلام للفريق الأول والثاني ) أن القدس واقعا ً هي عاصمة لإسرائيل , منذ سبعة عقود , أي منذ أن اعترف بها الرئيس الأميركي ( ترومان ) كدولة .
( والقدس اليوم هي مقر الحكومة الإسرائلية الحديثة , ففيها البرلمان ( الكنيست ) وبها المحكمة العليا الإسرائلية , وفيها مقر رئيس الوزراء ومقر الرئيس الإسرائيلي , وفيها أيضاً العديد من مقرارات الوزارات التابعة للحكومة الاسرائلية . اليوم نعترف أن القدس هي عاصمة لإسرائيل .. بما هو واقع )) وهذا باعتراف " ترامب " ذاته وهي حقيقة غائبة عن الجميع ! هذا فضلاً عن وجود قانون (سفارة القدس) الذي اتخذه الكونغرس الأميركي منذ عام 1995م الذي يعتبر القدس عاصمة لإسرائيل.
https://www.youtube.com/watch?v=tOzW47WmVWA
2 ـ المرجعية العليا تيقنت من أن الإحتلال سيزول , والأرض المحتلة ستعود لأهلها على نحو ( الوجوب ) كنتيجة تاريخيّة حتميّة ( أن القدس أرض محتلة يجب أن تعود الى سيادة أصحابها الفلسطينيين مهما طال الزمن )! وتتفرع من هذه النقطة المهمة عدة إضاءات منها : أن القدس مدينة محتلة كباقي المدن الفلسطينية وليس لها أفضلية عن المدن الأخرى , بالرغم من احتوائها على أماكن مقدسة تشكل رمزية لدى عموم المسلمين أولا ً . أن الفلسطينيين هم المسؤولون عن تحرير أراضيهم بالدرجة الأولى وبالطريقة التي يرونها ثانيا ً . وأن القدس يجب أن تعود لسيادة أصحابها الفلسطينيين , لأنهم الأوصياء عليها حتى لو كان التحرير بمعونة الآخرين مهما طال الزمن ثالثا ً .
3 ـ المرجعية العليا تدعو الأمّة بما هي أمّة لأن تتظافر جهودها وتتحد كلمتها , في سبيل تحرير الأرض المحتلة , كسبب رئيسي لحل جميع مشاكل فلسطين والأمّة الإسلامية ( ولا بد أن تتضافر جهود الأمّة وتتحد كلمتها في هذا السبيل والله ولي التوفيق ) .
http://www.sistani.com/arabic/statement/25868/
وهي دعوة خالصة لإنقاذ شعب يرزح تحت وطاة الإحتلال منذ أكثر من سبعين عاما ً , ولتحرير أرض فلسطين من ذلك الكيان السرطاني , الذي ما فتئ يتمدد يوما ً بعد يوم ويكبر . بعيداً عن الممارسات الفردية والبطولات الشخصيّة الفارغة , وبعيدا ً عن المزايدات التي لم تجلب إلا الويلات ولم يستفد منها أحد سوى إسرائيل . وبعيدا ً عن اعتلاء صهوة الشعارات الرنانة المرتبطة بالقضية الفلسطينية , ولم يعلو بها سوى شعار إسرائيل . وبعيدا ً عن حرْف بوصلة المعركة ضد الإحتلال , بإذكاء معارك جانبية لم يستفد منها أحد سوى إسرائيل . كالدعوة اليها اليوم حتى إلغاء القرار الأميركي , وكأنّ المعركة اليوم هي معركة قرار جعل القدس عاصمة ـ وليس الإحتلال .
4 ـ الأمّة بما هي أمّة يجب عليها أن تذعن لنصح وإرشاد حكمائها وعظمائها وإلاّ هي سائرة نحو التقهقر والتدهور نتيجة لذلك عقوبة لها . وأي عظيم وحكيم اليوم يوازي المرجعية الدينية العليا , وهي تمثل مقام النيابة العامة عن المعصوم (ع) . فإذا أردنا إنقاذ الشعب الفلسطيني ووقف نزيف دمه ودماء الأمة , وتحرير أرض فلسطين من براثن المحتل الإسرائيلي , ووقف معاناة ومشاكل الأمة , علينا اتباع ما نصحت به ورشدت اليه زعيمة الأمة .
وهذا ما حذّرت منه المرجعيّة العليا واشارت اليه , عبر منبر جمعة كربلاء في 8 / 12 / 2017م وعلى لسان ممثلها السيد " أحمد الصافي " حيث قال: ( أراد الله من الأمّة بما هي أمّة أن تلتفت .. أنه إذا كان هناك من ينبّه ويدعو ويُشير وينصح ويبيِّن , أن على الأمّة أن تلتفت لأن هذه الأمور , إذا لم تتحقق فيها الإستجابة التامة، فمن الممكن - والعياذ بالله - أن ينزل البلاء فيكون بلاءً عاما ً .
فالحديث في هذه الحالة عن أمّة وليس أفرادا ً .. فهذه الأمّة ستدفع هذا الثمن و(كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)!.
https://alkafeel.net/inspiredfriday/index.php?id=358
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat