كان لي وطن
علمني العزة والكرامة والمهابة والكبرياء والإباء , والشموخ وأوردني سوامق العلاء , وعلمني أن الحياة جد وإجتهاد ومسيرة عزة وإصرارٍ ورقاء.
كان لي وطن
شربت فيه من ينابيع المحبة والأخوة والألفة الإنسانية والحضارية , وتنعمت بأريج نفحات الصيرورات البهيجة الرقراقة , التي تعطر أروقة الأيام وتمنح البسمة والضحكة , وترسم البهاء وتنطق بكلمات الوفاء والأمل والرجاء.
كان لي وطن
ترعرت في ربوعه , وتدفأت بأحضانه , وسعيت في سهوله وهضابه , وتسلقت جباله وتلاله ونخيله , وعبقت من نسمات رياحه الغربية والشرقية , ولعبت على ضفاف أنهاره , وسبحت في مياهه , وتنعمت بجمال مساءاته وضحى أيامه.
كان لي وطن
نتسابق في رباه مع الأطيار الجميلة , ونعشق حمائمه ونوارسه وعضافيره وطير السنونو واللقالق والبط وطيور الماء المهاجرة , والقطى وأطيار القمري والقبرة والدراج , ونترنم مع أمواج أنهاره ونصطاد الأسماك ونانس ببعضنا ونضحك ونحن في غمرات المباهج والسرور.
كان لي وطن
إنطلقت في مدارسه , ومكتباته ونواديه , وكلياته وجامعاته , ومقاهيه وحلقات الإبداع الروحي والمعرفي المنورة بالعقول الفياضة المعارف والإدراك , والتغني بالوطن والتراب والسماء والماء , والشواهد العمرانية ذات المسيرات الطويلة في أعماق العصور البشرية.
كان لي وطن
أتباهى بملويته وأتأملها , وأتعلم منها معاني الشمم والتلاحم والتعاضد والتماسك والإندماج, للوصول إلى الأهداف المنشودة والوقوف قويا صامدا بوجه التحديات العواصف الشديدة , فكانت تعلميني أن الحياة تمسّك بالمبادئ وقبض على القيم والمعاني السامية , ولمها وضمها والتنامي بها والتسامق بطاقاتها للوثوب نحو آفاق المطلق الفسيح.
كان لي وطن
أرى في صباحه الشمس تشرق مرتين , من أفق السماء الشرقي ومن قبة ذهبية تعكس أشعة الحياة وتضقرها وتنثرها صفراء ندية ذات نفحات روحية , ونبضات شعور بالقوة والقدرة على صناعة الأطيب والأجمل , وبناء المجد المضيئ.
كان لي وطن
أجوب مدنه من الجنوب إلى الشمال , ومن الشرق إلى الغرب , كالطير المغرد الولهان , الذي يبث عشقه في سهوله وأهواره وأنهاره وحول شط العرب , وفي الجبال الشامخة والوديان الطافحة بالأزهار وبألوان الحياة المتضاحكة المتغرغرة بالألحان والأنغام الفواحة بعبق النماء والسناء.
كان لي وطن
درست في جامعاته , فكانت باقة زهور عربية إنسانية ذات ألوان متنوعة , فتعلمت فيها معنى الوجود الإنساني , وروعة التواصل مع الدنيا , فكان معنا طلبة من جميع الدول العربية والإسلامية والغربية وحتى من أمريكا , فكانت الجامعة تجمّع عولمي مصغر نتعلم فيه معنى السلوك الحضاري السامي المعاصر المتفاعل البديع.
كتن لي وطن
لا يسأل الواحد منا الآخر عن دينه ومذهبه وملته , بل كنا جميعا نذوب في وعاء وطن , وروح مواطن , وقيمة حياة ذات إرادة متظافرة وناهضة نحو مستقبل واعد , مفعم بالعطاءات الأصيلة والإبتكارات القديرة التي تساهم ببناء النفس الكبيرة والروح العزيزة , فكان أصدقائي من جميع الملل والأديان والمذاهب , وما تحدثنا يوما عن موضوع فيه ضرر , حتى سألني بعد عقود أحد الزملاء مازحا وهو يقول : أتحداك إن كنت تعرف من أي مذهب أنا؟!!
ضحكنا وما عرفت الجواب!!
كان لي وطن
رضعت من أثدائه حليب العروبة والشهامة والغيرة الوطنية , والأمل والإقدام والتوثب والتحدي والإيمان بالقدرة على صناعة الحياة , وطن علمني أن المستحيل كلمة غير موجودة في اللغة العربية , وأنها دخيلة وعلينا أن نرفضها وننكرها , ونكون مثلما نريد أن نكون.
كان لي وطن
ومن أضاع وطنه , في قلبه يأويه!!
فأين الوطن يا أمةً تقاتل أوطانها , وتمزق أبدانها , وتنكر إنسانها؟!!
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat