أسباب ضياع التراث المهدوي الشيعي
مجتبى الساده
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
مجتبى الساده
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
إن البشرية فقدت الكثير من التراث الشيعي ، واندثر المئات من الكتب المهدوية الشيعية نتيجة الحرق والإتلاف المتعمد لها ، مما أدى إلى ضياع جهود العلماء ورجال الفكر والأدب الذين أثروا المكتبات آنذاك بنتاج فكري إنساني .. فالمحن التي واجهها التراث عبر العصور المختلفة والمتمثلة في القضاء عليه ، وملاحقة علماء الشيعة ومضايقتهم والتنكيل بهم ، بل وصل الحد إلى قتلهم ، والعبث بالتراث الفكري والتفنن في تدميره والقضاء عليه ، وقد تعددت وسائل إتلاف الكتب الشيعية (ومن ضمنها التراث المهدوي) من خلال حرقها أو دفنها أو رميها في المياه أو غير ذلك من وسائل الإتلاف ، مما أدى إلى عواقب وخيمة على الحركة الفكرية وتطورها.
الأسباب التي أدت إلى ضياع التراث المهدوي عديدة ، نذكر بعضها بإختصار :-
اسباب تعود للأوضاع الأمنية التي خلقتها الحكومات الظالمة والمستبدة على طول التاريخ الإسلامي والتي تحارب أفكار وكتب الفرق الإسلامية الأخرى المغايرة لمذهبها الرسمي.
اسباب نفسية بحتة ومنشأها الخوف من إقتناء الكتب الشيعية ، باعتبارها محرمة وممنوعة ويعاقب صاحبها، كما حدث في بعض الظروف التاريخية (كعصر الغيبة الصغرى مثلا).
اسباب مصدرها الحقد الطائفي والتعصب الأعمى والجهل القاتل ، وحرقهم لكتب الطوائف الإسلامية المختلفة ، كالسلاجقة والمماليك والأيوبيين.
اسباب خارجية متمثلة في غزو أو احتلال البلاد الإسلامية من قبل المستعمر الأجنبي (مثل المغول) وتدمير المكتبات وخزائن العلم وحرقها أو سرقة محتوياتها النفيسة.
بالإضافة لأسباب أخرى عديدة أدت جميعها إلى ضياع الكثير من التراث الشيعي والمهدوي والمرتبط به .. ومن الفواجع التي لحقت بالمكتبات الشيعية في عصور التاريخ الإسلامي ، تدمير مثل خزائن العلم التالية :-
1) مكتبة أبو نصر (سابور بن أردشير) نسبة إلى مؤسسها سابور وزير بهاء الدولة البويهي ، بالكرخ ببغداد ، وكانت تحتوي على الأصول المعتبرة .. دمرت على يد طغرل بيك السلجوقي عام 447هـ ، فأفقدت الأمة الإسلامية تراثاً ثقافياً ذا أهمية كبرى.
2) مكتبة السيد المرتضى (علم الهدى) ، واحدة من أهم خزائن الكتب في بغداد آنذاك حيث كانت تضم (ثمانين ألف) كتاب ، وكذلك دار علم الشريف الرضي ، دمرها السلاجقة عندما سيطرو على بغداد عام 447 هـ.
3) مكتبة شيخ الطائفة الطوسي ، حيث كبست داره من قبل السلاجقة عام 448هـ ، وأحرقت كتبه وكرسي تدريسه (الكلام) ، وعلى أثر ذلك غادر الشيخ الطوسي بغداد إلى النجف الأشرف.
4) مكتبة الصاحب بن عباد ، وكانت من أشهر المكتبات في الري (بلاد فارس) يوم ذاك ، وقيل إنه جمع فيها ما يحتاج في نقلها إلى أربعمائة جمل ، ومجموع كتبها يفوق 200 ألف مجلد ، دمرها السلطان محمود الغزنوي.
5) مكتبة ابن العميد ، وزير ركن الدولة البويهي ، خزانة علم ضخمة في الري ، احتوت على الكثير من الرسائل والكتب القديمة ، وتولى مسؤولية أمانتها العالم والمؤرخ والأديب مسكوية ، دمرت على يد الغزنويين.
6) مكتبة (دار الحكمة) انشأت في عهد الدولة الفاطمية في مصر عام 395هـ ، احتوت على مليون وستمائة ألف مجلد ، وظلت مركزاً ثقافياً ومنارة للعلم لمدة تقارب القرنين ، حتى دمرت على يد الأيوبيين ، فأحرق العابثون الكثير من محتوياتها وبعضهم جعل من جلودها نعالاً له.
7) خزانة الكتب في حلب ، انشأها سيف الدولة الحمداني ، وكان المتولي عليها ثابت بن أسلم الحلبي النحوي ، وبعد قتل المتولي ، احرقوا المكتبة المشتملة على عشرة الآف كتاب ، من مختلف المعارف والعلوم .
8) مكتبة (بيت الحكمة) التي انشأت في العصر العباسي دمرها المغول أثناء اجتياحهم بغداد عام 656هـ ، كما دمروا 36 مكتبة في بغداد تضم مئات الآلاف من الكتب ، وإن مياه نهر دجلة بقيت سوداء لمدة ستة أشهر ، وذلك بسبب حبر الكتب التي رميت فيه.
لا شك أن زلزالاً مدمراً عصف بالتراث الشيعي ، ففداحة التلف وضخامة الضياع نتيجة للتعصب المذهبي والمنهج الجاهلي وعقاب المنتصر الغالب والتنكيل بالخصوم ، حرم الإنسانية من ثروة فكرية غنية بالكنوز والنفائس نتيجة حرق خزائن علم لا تعوض .. ولو كتب البقاء لمؤلفات الشيعة في القرنين الرابع والخامس الهجري الذي كان في قمة العطاء ، لكانت دور الكتب حالياً أغنى ما تكون بالآثار الشيعية ، فعندما نفقد (الأصول الأربعمائة) مثلاً: وهي عبارة عن أربعمائة كتاب حديثي دونّها اربعمائة من مشاهير علماء القرن الثاني الهجري ، وكبار محدثي ذلك العصر من اصحاب الإمامين جعفر الصادق وموسى الكاظم (ع) ، وجميعها ضاع واندثر نتيجة العمليات المخزية من حرق المكتبات الشيعية .. يا ترى كم كتم عنا من أحاديث رسول الله (ص) وأهل بيته (ع) ، وكم كان فيها أحاديث صحيحة مسلسلة عن رسول الله (ص) في حق الإمام المهدي (عج) ، وقد ضاعت منا بسبب هذا النوع من الكتمان ، وأي الحقائق والمعلومات التي كانت فيها .. لكن ماذا تقول على الجهل والحقد الأعمى؟ ، مما يعكس أعلى درجات التخلف!! ولكن قال تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}(1).
تلك الأحداث حقائق تاريخية مؤلمة ، كنا نتوقعها نهاية المطاف للكوارث التي حلت بالتراث المهدوي الشيعي في مجال نهب وحرق الكتب والمكتبات الشيعية ، وأن تكون فعلاً من التاريخ وحدثاً مظلماً من الماضي .. وإذا بنا نشهد المسلسل يتكرر والمأساة تعود من جديد في العصور اللاحقة والحديثة من تدمير وسرقة للتراث الفكري الإسلامي بشكل عام والشيعي بشكل خاص ، من قبل الاستعمار الأجنبي والحكومات الطائفية الظالمة!.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat