( بغداد مبنيه بتمر ، فلش وكل خستاوي )
هذه قصيدة لشاعر العامية ، المله عبود الكرخي والتي استهجن من خلالها الكثير من التصرفات ، وانتقد الحكومة آنذاك ، واستخدم فيها مثلا مشهورا هو : ( بغداد مبنيه بتمر ، فلش وكل خستاوي ) ، وهذا المثل قيل على اساس ان بغداد مدينة غنية وان الحياة فيها مهما تدنت فهي رغيدة ، ليصل الامر انها مبنية بتمر ، وهذا ايضا يعبر عن كثرة الخير فيها ، فلايمكن ان يجوع فيها احد ، فهي المركز وجميع مدن العراق تبعث منتجاتها اليها ، وهي تحتوي على اصناف التمور ، وانواع الفاكهة الاخرى لانها قريبة من الماء ، وقريبة من مدن الزراعة ، ولكن الكرخي وظف هذا للسخرية من الحكومة حيث قال :
( فلش وكل تين ورطب واخلط التفاح وعنب
ياهل خلك كلبي انعطب بالنار من عتاوي
بغداد مبنيه بتمر فلش وكل خستاوي )
وانا اجزم ان بغداد لم تزل مبنية بتمر ، ودليلي على ذلك موازنتها الانفجارية ، التي وصلت في 2012 الى مئة مليار دولار ، مايعني ان الاموال موجودة ، لكنها وقعت بايد غير امينة فتوزعت بين الرشوة والسرقة وعدم التوزيع المنطقي حتى بالمرتبات ، فهي غير متوازنة ، لكن بغداد لن تكون اسوأ مدينة في العالم مهما تعرضت الى تخريب وتجهيل وفوضى ، فقد مرت عهود من الانحطاط على بغداد على مدى تاريخها الطويل ، ولكنها كانت تنهض من الرماد لتصبح مدينة للعلم والادب ، اما ان تكون اسوأ مدينة للعيش ، فهذا امر مبالغ فيه ويحمل الكثير من الغش والخداع ، من الذي اوصل بغداد الى هذا المنعطف الخطير ، هل هي اسلحة الدمار الشامل التي جاءت اميركا تبحث عنها ، ام الديمقراطية التي جاءت بها ، ام المليارات التي اختفت في زمن بول بريمر .
ان منظمة ميرسر الدولية غير منصفة عندما تركت اميركا ولم تدينها لانها هي من اوصلت بغداد الى هذا بعد ان نشرت الفوضى ، التي كانت تدعي انها فوضى خلاقة ولم تكن كذلك ، لماذا لاتعمل هذه المنظمة على بث الحقائق ، واقناع الرأي العام العالمي باجرام الدول الكبرى ، كم من البنا التحتية دمرت اميركا ، وكم من البنايات الجميلة في بغداد صارت تمثل منظرا منفرا بعد 2003 نتيجة للحريق والنهب والسلب الذي جرى تحت انظار الجنود الاميركان ، لماذا لم تحاول ميرسر ان تمنع حدوث التجربة هذه في مدن عربية اخرى ، ان رحيل اميركا عن العراق سيخلف بعده كثيرا من الاستفتاءات التي تصب في هذه الخانة ، ان اميركا كانت تعتقد انها ستكون آمنة في العراق وتأخذه على طبق من ذهب ، لكنها اكتشفت انها كانت مخطئة ، ولذا عدلت عن تعمير العراق الى تدميره ، وفي النهاية استفادت من صمت سياسييه ومثقفيه عما خلفته في هذا البلد ، وكأن انسحابها والعراق مدمر حسنة قد قدمتها للعراقيين ، اي مدينة في العالم مرّ عليها ما مرّ على بغداد ، لقد اصبحت بغداد مختبرا لتجربة اسلحة اميركا منذ بداية التسعينيات وحتى الان ، وهي بعد صارت مختبرا للهواة من السياسيين ، يتعلمون السياسة واساليب الحكم عن طريقها ، يعني يتعلمون احجامه ابروس اليتامه ، لم تكن بغداد سيئة ، السييء هو من جاء بالسوء الى بغداد ، ورحم الله من قال : ( بين العجم والروم ، بلوه ابتلينه ) ، ولننتهي الى المله عبود الكرخي حيث يقول :
( بغداد مبنيه ابلقم وترابها سسي وبطم
للطم على راسي لطم وانحر على المناوي
بغداد مبنيه ابتمر فلش وكل خستاوي )
عبد الله السكوتي
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat