صفحة الكاتب : د . علي عبد المحسن البغدادي

التحولات الكبرى في العراق - قراءة في المتغيرات الرئيسية
د . علي عبد المحسن البغدادي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

ربما تكون هذه المقالة ليست الأولى في مضمارها.فقد سبقتها دراسات ومقالات قامت بقراءة للتحولات الكبرى التي حدثت في العراق منذ حزيران 2014 لغاية إعلان نتائج الانتخابات الأولية يوم 14/5/2018.في هذه المقالة سأقوم بمناقشة عدة متغيرات افترض أنها شكلت توجها جديدا في العراق,وأعادت رسم الخارطة الاجتماعية والسياسية من جديد وبتحولات فاقت التصورات وتفوقت على نفسها أن جاز التعبير,ما حدث في العراق من احتلال داعش لثلث البلاد لم يكن غير متوقع,الذي لم يكن متوقعا هو حجم الهجمة لا ذات الهجمة.فالهجمات ابتدأت في العراق بعد سقوط النظام البعثي عام 2003,ولكن وصولها إلى هذا الحجم كان مفاجأة,فسقوط العديد من المعادلات وانكشاف أخرى..دفع المراقبين والمختصين بل حتى المواطن العادي لإعادة حساباتهم من جديد, تكمن المشكلة التي تهتم بها هذه المقالة, في,هل فعلا ما جرى من تغيير في العراق هو تحول حقيقي,؟ أو انه نتاج مرحلة ما وظروف معينة سرعان ما تزول بزوال المؤثر,فتكون كالوهم الذي صنعه سحرة فرعون ليزول بقوة عصى موسى (ع),,؟ هل هي العاطفة أو الملل من الوضع العام للبلاد,أو هو فقدان الثقة بالموجودين في المشهد السياسي أو عوامل أخرى هي من قاد إلى هذا التغيير الكبير,؟
فالمتغير الأول هو تغير خارطة العلاقات الخارجية العراقية مع محيطها الإقليمي,فالانفتاح على الأعداء التقليديين مثل بعض دول الخليج,والتي اتهمت سابقا بتأجيج الصراع الطائفي والعرقي في العراق,وحملتها الحكومات السابقة مسؤولية المئات من الحوادث الإرهابية,يعد متغير ملفت للنظر,سيما بعد الزيارات المتبادلة للمسؤولين من كلى البلدين,والتي توجت بزيارة رئيس مجلس الوزراء الدكتور حيدر العبادي للعربية السعودية,وكذلك تغير نوع العلاقة بين العراق وإيران وتحولها من علاقة مفتوحة إلى علاقة مقننة في العديد من المفاصل الاقتصادية والسياسية والعسكرية,ربما يكون هذا التحول في العلاقات الخارجية مع بعض الإطراف الإقليمية,علامة صحية لدى حلفاء العراق الدوليين,ولا سيما الحليف الرئيسي الولايات المتحدة الأمريكية,وحتى العلاقة مع تركيا شهدت تجاذبات في المواقف سيما بعد دخول القوات التركية إلى الأراضي العراقية في شمال البلاد وإقامتها لقواعد عسكرية بحجة قتال داعش والمجاميع المسلحة الكردية المناوئة للنظام في أنقرة,ورغم هذه المتغيرات الكبيرة لكن تبقى هناك العديد من المشاكل التي على العراق مواجهتها,ولا سيما موضوعة القتال في سوريا وتداعياته على الساحة الإقليمية والدولية, فالعراق منخرط رسميا في التنسيق الأمني مع الحكومة السورية,من خلال مكتب التنسيق الأمني الرباعي,والقوات العراقية تقوم بتوجيه ضربات بين الحين والآخر إلى عمق الأراضي السورية,ضد الجماعات الإرهابية,ولكن هناك المئات من المقاتلين العراقيين,الذين يقومون بعمليات عسكرية مع الجيش العربي السوري ضد التنظيمات الإرهابية,هم خارج سلطة الدولة العراقية بصورة أو أخرى,إضافة إلى مفهوم أخر تبلور لدى الشيعة في العراق والمعروف بخط المقاومة أو المواجهة,هذه التحديات ليست سهلة,ولا يمكن حلها بقرار آني منفرد,بل تحتاج إلى جهود حقيقية تنهي الأزمة في سوريا,وتنهي الاستقطاب الإقليمي بين محوري إيران – السعودية,والذي هو استقطاب طائفي بامتياز,كما أن حل مشكلة اليمن والبحرين سوف يساهم في حل مشكلة الاستقطاب الرئيسية في المنطقة ويجنبها الحرب والويلات,وعلى أي حال فرؤيتي للعلاقات التي تغيرت هي رؤية إيجابية يشوبها الحذر,فلا اعتقد أن علاقة العراق مع السعودية هي علاقة إستراتيجية طويلة الأمد,لسبب معروف,هو الاستقطاب الطائفي,فمهما كان حجم العلاقة والتبادل التجاري والديني المرتقب,فأن اغلب الشيعة في العراق والمنطقة لا تقبل أن تشترك أو تبدأ السعودية  بحرب ضد إيران,وأن خيروا فجانب إيران هو الراجح, وهذه حقيقة تاريخية وليست فرضية جديدة,وبالنتيجة فكل العلاقات في هذا المتغير سوف تخضع للتجربة مع الحكومة الجديدة القادمة.
والملفت للنظر بل المفاجأة كانت في نتائج الانتخابات الأخيرة,والتي لا تزال نتائجها النهائية لم تعلن لحد هذه اللحظة,فالعراق شهد تحول نوعي في العلاقات الاجتماعية,والذي أنعكس على الفعل السياسي بصورة ملفتة للنظر,تمت ترجمته في الانتخابات الأخيرة,فقبل داعش,كان العراق مسرحا للاستقطاب الطائفي والعرقي بصورة كبيرة,فالسني ينتخب السني والشيعي كذلك والكورد والتركمان على نفس السيرة والمسيرة,ولكن ما حصل هو صعود قائمة النصر برئاسة الدكتور حيدر العبادي في محافظة نينوى,والتي تعد المحافظة الرئيسية في العراق بعد بغداد والبصرة,والتي كان احتلالها من قبل داعش الإرهابي,بمثابة سقوط ستالينغراد بيد الجيوش النازية أبان الحرب العالمية الثانية,هذا الصعود المفاجئ رافقه صعود لقائمة الفتح والتي تمثل بنحو ما مقاتلي الحشد الشعبي في محافظات كانت تعتبر رمز للتسنن,وكذلك التحالف بين التيار الصدري والذي يعتبره البعض رمز للتشدد الديني في العراق,مع الحزب الشيوعي العدو التقليدي للمؤسسة الدينية والمتدينين,والذي سبق أن تم تكفيره من قبل مرجعية الراحل السيد محسن الحكيم؟,هذه المتغيرات تعد التحول الأكبر في كل التحولات الأخرى,فهي سوف تعيد رسم خارطة العراق السياسية والاجتماعية من جديد,فهذا التغيير اعتبره البعض نهاية للاستقطاب الطائفي والعرقي في العراق,وبداية لمرحلة بناء المجتمع المدني المتحضر, البعيد عن الاستقطاب الطائفي, لكنها تعتبر نظرة متفائلة وسريعة للحكم على الواقع العراقي,فربما تكون للعاطفة أو اليأس من الوجوه التقليدية سببا رئيسيا وراء هذا التغيير,أو ربما تكون (للفزعة) التي قام بها أبناء الوسط والجنوب ,بعد فتوى الجهاد الكفائي,والتي دحروا فيها تنظيم داعش الإرهابي,سببا أخر لهذا التغير الكبير والمفاجئ,ولكن دعونا لا نستعجل الأمور,فلننتظر ونرى,هل روح المواطنة والانتماء للعراق هو الذي دفع الناس لهذا التغيير,؟ أو ما ذكرنا من أسباب وما لم نذكر هو الدافع,؟ألأيام كفيلة بكشف ذلك.
وبعد هذه المتغيرات الكبرى,يبقى السؤال المطروح على الطاولة,كيف سيكون شكل الحكومة المقبل,وهل سوف نشاهد متغيرات دراماتيكية كتلك التي شهدتها الحكومة الحالية أبان التأسيس عام 2014,؟ لا يخفى أن للعامل الإقليمي والدولي وكذلك المحلي دور رئيسي في تشكيل الحكومة,فممثل الرئيس الأمريكي وممثل المرشد الإيراني في العراق منذ مدة,وهذه الزيارات يكمن ورآها سبب واحد فقط,هو تشكيل الحكومة,إيران تريد أن تلاعب أمريكا من جديد على الساحة السياسية العراقية,والفاعل الجديد على الساحة أعني العربية السعودية تريد لها دور أيضا,فضلا عن تركيا وروسيا والصين ومصر,وإسرائيل التي تمثل مصالحها الولايات المتحدة الأمريكية,بالطبع يبقى أقوى لاعبين هما إيران وأمريكا,فالسعودية لم تعد تراهن على سنة العراق بصورة رئيسية ,فلها الآن حلفاء في طور التكوين من الشيعة وحتى الكورد,ولكن لا يمكن التعويل عليهم الآن وبنسبة كبيرة,فلم تكشف السعودية كل أوراقها لحلفائها الجدد حتى هذه اللحظة,ولكن هذا لا يمنع أن يكون لها دور وأن مثلته جهات أخرى ولنفترض الولايات المتحدة مثلا,باعتبارها حليف استراتيجي للسعودية وعضو في نادي أعداء إيران,فماذا يا ترى أوراق الضغط الإيراني على أمريكا,وبماذا سوف تقابلها أمريكا,هناك العديد من الملفات بعضها قابل للتفاوض والبعض الآخر لا يمكن التفاوض عليه,فقضية الصواريخ البالستية ومشاركة إيران في حرب سوريا ودعمها لحزب الله ولفصائل المقاومة العراقية ولحماس الفلسطينية والعقوبات عليها والقضايا الاقتصادية وغيرها,كل هذه وغيرها ملفات ساخنة جدا,من الممكن أن تتفاوض إيران على بعضها,ولكن تبقى هناك خطوط رئيسية لا تتفاوض عليها إيران,مثل إدامة محور المقاومة وموضوعة الصواريخ البالستية وحتى مفردات الاتفاق النووي الذي خرجت منه أمريكا مؤخرا,كل هذا هو المعلن أما ما خفي في الكواليس فيحدده المفاوضين فيما بعد,وبخضم كل هذا يبقى المواطن العراقي يحدوه الأمل في أن يرى غدا يوما أفضل لا دماء فيه, فقد ارتوى من الدماء لحد الثمالة,,ننتظر ونرى.
الاستاذ المساعد الدكتورعلي عبد المحسن البغدادي
أستاذ جامعي وأكاديمي - العراق
 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


د . علي عبد المحسن البغدادي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2018/10/28



كتابة تعليق لموضوع : التحولات الكبرى في العراق - قراءة في المتغيرات الرئيسية
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net