ماذا خسرت الامة حينما ولت امرها من لا يستحق
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لو لا ان هدانا الله، لقد جاءت رسل ربنا بالحق والحمد لله الذي جعلنا من الموفين بعهده وميثاقه الذي واثقنا به من ولاية ولاة امره والقوّام بقسطه ولم يجعلنا من الجاحدين المكذبين بيوم الدين، وصلى الله على رسوله والائمة الميامين من آله وسلم تسليماً كثيراً.
كانت وفاة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الاثنين الثامن والعشرين من صفر على ما هو المشهور فتكون رزية يوم الخميس كما سماه عبد الله بن عباس يوم الرابع والعشرين من صفر أي في مثل يوم امس وكانت رزية حقاً اذا انقطع في ذلك اليوم آخر أمل لتمسك الامة بوصية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الامام والخليفة من بعده واعلنوا معارضتهم الصريحة والواضحة لهذا التعيين لذلك قال (صلى الله عليه وآله وسلم) لاهل بيته: (انتم المستضعفون بعدي) واوصى امته بهم خيراً ولو كان يعلم ان الامر يؤول اليهم لما احتاج الى الوصية بهم وفي حديث للإمام الصادق (عليه السلام) يعبر فيه عن المه العميق من تضييع الأمة لبيعة يوم الغدير ولحق أمير المؤمنين فيقول: (ان حق الرجل يثبت بشاهدين وقد أضيع حق جدي أمير المؤمنين وعليه سبعون ألف شاهد)، ولا أريد ان أناقش أسباب هذا التضييع وإهمال الأمة لهذا الحق الذي أخذه الله على كل المؤمنين فلهذه المناقشة محل آخر لكنني اعتقد ان أحد هذه الاسباب والذي لا زال في ذهن الناس مما يقلّل من خطورة هذا التضييع هو القصور في فهم النزاع فقد فهموه على انه نزاع بين شخصين هما علي بن ابي طالب (عليه السلام) ومن نازعه الامر فهم لا ينكرون فضل علي (عليه السلام) وسابقته وجهاده وعلمه وقربه من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وشجاعته وفنائه في الله لكنهم يرون ان المقابل ايضاً من السابقين إلى الاسلام وثاني اثنين اذ هما في الغار وصهر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبدري واحدي بل حاولوا تلفيق بعض المناقب ليساووه بامير المؤمنين أو يقتربوا منه (عليه السلام) وازاء هذه المقارنة لم يجدوا المسألة مهمة بهذه الدرجة ولا تستحق ان ينشق المسلمون الى طائفتين عظيمتين ولا جدوى في البحث فيها فقد اكل عليها الدهر وشرب.
ولو فهموها بصورتها الصحيحة لغيروا عقيدتهم ولما وجدوا أي تردد في قبول المذهب الحق لان الخلاف ليس بين شخصين وانما بين مبدأين وخطين كان علي (عليه السلام) رمز الاول ومنافسه رمز الثاني:
الأول: مبدأ وخط رسمه الله تبارك وتعالى خالق السموات والارض العالم بخفيات الامور وبواطن النفوس وبما كان وسيكون واختاره للامة لتصل الى كمالها المنشود وبلّغه رسوله الكريم (صلى الله عليه وآله وسلم) في يوم الغدير يقف في اول الخط علي بن ابي طالب (عليه السلام) ومن بعده الحسنان سبطا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن بعده الائمة الطاهرون الذين اطبقت الامة على نزاهتهم وعلمهم وتمثيلهم الكامل للشريعة الالهية ومن بعدهم العلماء العارفون الاتقياء الصالحون حتى يرث الله الارض ومن عليها.
الثاني: خط يصنعه البشر باهوائهم واساليبهم الشيطانية من قهر واذلال أو اغراء بالمال أو ظلم وتعسف أو تضليل وتمويه وادعاءات باطلة وكان الآخر راس هذا الخط فقد اختارته قريش -كما يقول الخليفة الثاني- وليس الله الذي اختاره ويتتابع على هذا الخط معاوية الذي يقول: والله ما قاتلتكم لتصلوا ولا لتصوموا ولتزكوا وانما لاتأمّر عليكم، ومن بعده يزيد شارب الخمر على منابر المسلمين والذي احرق الكعبة بالمنجنيق وقتل ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن بعده الاخرون الذين سفكوا الدماء وهتكوا الاعراض ونشروا الفساد وضلّوا واضلّوا (كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا) وعندما تعرض المقارنة بهذا الشكل ولو استوعبها الصحابة والاجيال جميعاً بهذا الشكل لما ترددوا في الايمان بصحة الخط الاول على انهم غير معذورين من اول الامر لان القرآن صريح (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) وقال تعالى: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) بل ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه لم يكن له هذا الحق حينما عرض عليه بنو عامر ان يسلموا مقابل ان يجعل لهم الامر من بعده فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): (ليس الامر لي وانما هو بيد الله يختار له من يشاء).
ومحل الشاهد اني اعتقد ان طرح الموضوع بهذا الشكل يكون اجدى واوضح ولكي نزيده وضوحاً نطرح سؤالاً وهو ماذا خسرت الامة بتضييعها وصية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الخليفة من بعده ؟ وماذا ترتب على هذا الاهمال من نتائج سلبية ؟ وحينما اتناول هذا البحث فاني لا اريد فقط ان اناقشها كقضية تاريخية وان كانت من الاهمية بمكان لابتناء اصل من اصول الدين وهو اصل الامامة عليها ولكن الذي اريده هي الاستفادة من هذا الدرس واستخلاص العبرة لان الامامة بالحمل الاولي وان كانت مختصة بالاسماء المعينة الا انها بالحمل الشايع اعني النيابة العامة عن الامام وولاية امر المسلمين المتمثلة بالمرجعية الشريفة مستمرة الى ان يرث الارض ومن عليها الامام المنتظر (عجل الله تعالى فرجه الشريف) فاذن يبقى باب هذه النتائج السلبية التي سنتعرض لها باذن الله تعالى مفتوحاً لها كلها أو بعضها كلما ولت الامة امرها الى من لا يستحق فيكون من الضروري الالتفات اليها فنعود الى اصل السؤال وهو ماذا خسرت الامة عندما ولت امرها غير صاحب الحق الشرعي وماذا ترتب على ذلك من نتائج سلبية:
النتيجة الأولى: تصدي اناس غير مؤهلين لامامة الامة فمن المعلوم ان اية رسالة واية ايديولوجية -بتعبير اليوم- لا بد ان يكون حاملها مستوعباً لها بشكل كامل فهماً وتطبيقاً بحيث تكون هذه العقيدة هي الموجهة له في كل سلوكه وتصرفاته وافكاره وعلاقاته ولم يكن القوم كذلك وانما هم اناس عاديون كبقية افراد المجتمع ويوجد كثير غيرهم ممن استوعب الرسالة وجسدها في حياته خيراً منهم وقد كانوا يعترضون على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حياته ويتمردون على اوامره حتى آخر حياته بتخلفهم عن جيش اسامة وعدم تلبية امره (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما طلب قرطاساً في رزية يوم الخميس. وكانت الجاهلية تعيش في نفوسهم حيث قضوا اكثر عمرهم فيها وقد كشف عن عدم اهليتهم جهلهم وتخبّطهم في الامور ويصف امير المؤمنين امرتهم المنحرفة في الخطبة الشقشقية (فواعجباً !! بينما هو يستقيلها في حياته اذ عقدها لآخر بعد وفاته -لشدَّ ما تشطر ضرعيها- فصيّرها في حوزة خشناء يغلظ كلمهـــا -أي تجرح جرحاً عظيماً- ويخشُنُ مسُّها ويكثر العثار فيها والاعتذار منها فصاحبها كراكب الصعبة ان اشنق لها خَرَم وان اسلس لها تقحَّم، فمني الناس لعمر الله بخَبَطٍ وشماس -وهو اباء الفرس عن ركوب ظهره- وتلون واعتراض -أي سير غير مستقيم). حتى قال الثاني (كل الناس افقه من عمر حتى ربات الحجال) بعد ان نهى عن زيادة المهر عن حد معين فاجابته امرأة: اما سمعت قوله تعالى (وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) وقد أشكلت عليهم الكثير من المسائل حتى الاعتيادية منها التي كانت تكرر في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كالصلاة على الجنائز ولما سئل الثاني عن سبب قلة استفادتهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: الهانا الصفق بالاسواق، وكانوا يشككون حتى بنبوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وعصمته فيقول له احدهم وجهاً لوجه: (انت الذي تزعم انك رسول الله) أو يقولون عنه (ان الرجل ليهجر).
في مقابل ذلك كان هناك شخص يعدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اعداداً خاصاً لكي يتسلم هذا الموقع ذاك هو علي بن ابي طالب (عليه السلام) فاستمع اليه يتحدث عن هذه التربية الخاصة (ولقد علمتم موضعي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالقرابة القريبة والمنزلة الخصيصة وضعني في حجره وانا ولد يضمني الى صدره ويكنفني الى فراشه ويمسّني جسده ويشمُّني عَرفه وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه وما وجد لي كذبة في قول ولا خطلةً في فعل) الى ان قال (عليه السلام) (ولقد كنت اتبعه اتباع الفصيل اثر امه يرفع لي في كل يوم من اخلاقه علماً ويأمرني بالاقتداء به، ولقد كان يجاور في كل سنة بحراء فاراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيت واحد يومئذ في الاسلام غير رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)
من حديث سماحة المرجع الديني الشيخ محمد موسى اليعقوبي وهو منشور في كتاب (الأسوة الحسنة).نعيدة لكم بمناسبة ذكرى استشهاد الرسول الاكرم ) (ص)
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat