صفحة الكاتب : علي علي

عن أخلاق حماية المسؤول
علي علي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

  في بداية أربعينيات القرن الماضي، كانت الحرب العالمية الثانية على أشدها بين ألمانيا وبريطانيا، حيث يصل عدد القذائف التي تسقط فوق لندن الى مئتي ألف قذيفة في اليوم الواحد. وفي صباح أحد الأيام كان وزير العدل البريطاني مسرعا بسيارته للوصول إلى اجتماع طارئ لمجلس الوزراء، وصادف أن عبر عامل القمامة الشارع بعربته أمام سيارة الوزير، فاضطر الوزير الى أن يبطئ قليلا، ارتبك العامل لحظتها فدفع عربته بسرعة سببت سقوط بعض القمامة على أرضية الشارع. حاول العامل التوقف لالتقاط الأوساخ وإعادتها الى العربة، ما سبب تأخر سيارة الوزير ثوانيَ قليلة، فقد الوزير أعصابه فأخرج رأسه من نافذة السيارة وقال للعامل: (أحمق).

 التقط العامل رقم السيارة وقدم شكوى لبلدية لندن .أصدرت البلدية أمرها بعدم رفع النفايات من أمام بيت الوزير، ورفعت الشكوى الى ونستون تشرشل رئيس الوزراء، فطالب الأخير وزيره بالإعتذار للعامل. الذي حدث ان الوزير استقال فورا، وذهب ليقدم اعتذاره للعامل، إلا أن تشرشل رفض الاستقالة..! وقال للوزير: لقد قمت بإهانة العامل وأنت بمنصب وزير، ولن أرضى أن تعتذر وأنت شخص عادي، استقالتك معلقة حتى تعتذر وأنت وزير، وحينها سأوافق !اعتذر الوزير، ثم قبلت استقالته. 

  خلال التسعة ايام التي استغرقتها هذه القضية، تجمعت القمامة أمام منزل الوزير تلالا، وصارت رائحة الشارع الذي يقطن فيه لا تطاق، ما جعله ينزل كل ليلة لينقل بسيارته الخاصة بعضا منها إلى خارج المدينة !.

  ماذكرني بحادثة الوزير البريطاني ورد فعل تشرشل، هو سلسلة التجاوزات التي يقوم بها أغلب من تقلد منصبا في الحكومة او الدولة العراقية. وعلى الكبار شأنا -قبل الصغار- ان يعوا ان إساءة منتسب في إحدى المؤسسات بحق مواطن، يعد أساءة تعود بالسمعة السيئة الى مؤسسته ودائرته ووزارته، الأمر الذي يتطلب الحزم في متابعة المنتسبين وضبط تصرفاتهم من قبل قادتهم وضباطهم ورؤسائهم. وإلا يختلط الحابل بالنابل، والغث مع السمين، فيؤخذ الرأس بجريرة المرؤوس، ويضحى الكل مسيئين، بل يتبلور سوء الخلق في شخص الرأس إلى حد ما.

 القصد أن عملية استهانة عناصر الحماية أو الحراسات -أيا كانت عائديتها- بمواطن -أيا كان- بأي شكل من أشكال الاعتداء هي بحد ذاتها تعد تجاوزا على القانون، علاوة على كونها منافية للعرف والدين والأدب والتقاليد الاجتماعية. فمعلوم ان من أولويات واجبات أجهزة الحماية، هي توفير الأمن والحماية اللازمة كلا من موقعه المكلف به. فمنها حماية فئة معينة من المسؤولين، او بناية محددة يقبع فيها مسؤول -أيا كان- وهنا بالتحديد يتوجب على أفراد القوة العسكرية، احترام المواطنين وإبداء حسن السلوك معهم، في حالة احتكاكهم بهم تحت ظرف ما، من دون التعكز على سلطة الشخصية المكلفين بحمايتها، إن كان وزيرا او رئيس وزراء او رئيس جمهورية. وليس لي في مقامي هذا سوى الألم والحسرة والتوجع لحصول أمر كهذا في بلدي، مع استذكار حادثة الوزير البريطاني في أعلاه، التي رأيت أن سردها قد ينعش ذاكرة الساسة والمسؤولين، في استرجاع القيم والأصول والأعراف الى مكانتها الصحيحة في المجتمع.    

 


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


علي علي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/08/01



كتابة تعليق لموضوع : عن أخلاق حماية المسؤول
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net