الإسلام والمدنية: ازدواجية القناعات والخطاب
حسين المياحي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

من أخطر ما في هذا الموضوع أن الحاكم (العلماني) في العراق اليوم، الذي يرفع شعار (المدنية) بشكل ضبابي معتم، استطاع إقناع الشارع (الإسلامي) أن الذي يحكمه هو (الإسلام)، وأن ما يعانيه من فشل سببه الإسلام و (المعمم). 
فأصبح (الإسلامي) من حيث يشعر أو لا يشعر (أداة تنفيذ) و (قفاز) بيد العلماني، بحيث يهاجم المؤسسة الدينية ورجال الدين ويستميت في إبعادهم عن الحكم.
بل جعل الشارع الإسلامي يعيش ازدواجية قبيحة كما نرى، بحيث يرفض الدولة المدنية نظرياً ويراها معادية للإسلام، ويعمل على تكريسها عملياً بقوة.

يتشدد في اعتماد الإسلام حاكماً - نظرياً - ويحاربه عملياً ويجتهد في إبعاده عن الحكم.

يضيّق الخناق على (الإسلامي) الشريك في الحكم ويحمله أوزار الأولين والآخرين، وفي الوقت نفسه يتبنى رؤية حاكمية الإسلام. وكأنه سوف يأتي بملائكة الله الصالحين ليحكموه.

يلعن العلمانية بل المدنية ويتبرأ منها وفي الوقت نفسه يعمل ليل نهار على تبييض وجهها.

فهو يريد الإسلام ويعشقه - نظرياً - ويعيش أحلام اليقظة في حاكمية الإسلام، لكنه غير مستعد للنزول بقوة لفرض إرادته، وكأن الحكم الإسلامي يأتيه جاهزاً على طبق من ذهب.

بل الأكثر من ذلك: لو حكم الإسلام بالفعل لرأيت هؤلاء المتحمسين له أنفسهم يقودون التظاهرات والاعتصامات لإسقاطه تحت شتى الذرائع، وسيكتفي المدني والعلماني بالتفرج وتأجيج الشارع من وراء الستار، ثم يقطف الثمار فيما بعد ويخرج الإسلامي بخفي حنين.

هذا الواقع الازدواجي من إضعاف ثقة المسلم بدينه وقيادته الدينية مع إيمانه نظرياً بحاكمية الإسلام هو من أخطر ما نجح العلماني في تسويقه، فجعل الفرد يعيش مفارقة عجيبة بين النظرية والتطبيق، حتى كأنه عندما يتحدث عن حاكمية الإسلام يحلم أحلام اليقظة بل أحلام المنام...

بالأمس القريب حصل ما حصل في ملعب كربلاء من انتهاك واضح لقدسية الإسلام، وكان المسؤول عن ذلك هو الجانب الرسمي، وهو واجهة الدولة العلمانية التي ترفع شعار المدنية. وكان هذا الانتهاك لا يتطلب سوى كلمة استنكار من خلال وسائل التواصل أو الفضائيات.
فكان المستنكرون في موقف لا يحسدون عليه، ولولا اعتذار الجانب الرسمي واعترافه بالخطأ، لنالهم ما نالهم ممن يفترض أن يكون في طليعة المستنكرين.

شككوا في نوايا المستنكرين وحاربوهم واتهموهم بالتآمر على العراق والعمالة (لدولة أجنبية جارة جمهورية تحكم بنظام ولاية الفقيه) ... وكان المحارب هو نفسه من يتشدد في رفض الدولة المدنية ويؤمن بحاكمية الإسلام.

بالأمس القريب كانت الانتفاضة الشعبانية في العراق، التي رفعت شعار حاكمية الإسلام وقدمت الآلاف من الشهداء فما الذي حصل؟

لا زال العراقي (الإسلامي) إلى اليوم يطلق عليها تسمية (الأحداث) أي (الأحداث الغوغائية) وهي تسمية صدام وحزب البعث. ولا زال أبناء إلى اليوم يحاربون بشتى الوسائل، حتى في لقمة عيشهم ممن يؤمن بحاكمية الإسلام نفسه.
فمتى ما تخلص هؤلاء من مرض الازدواجية ووجهوا البوصلة في الاتجاه الصحيح، وتركوا (أحلام اليقظة) التي يعيشونها، وتخلصوا من الانقباد الخفي للعلماني أو المدني، ومن عقدة الرفض لقيادة المتدين، ومن هاجس الريبة والشك بالمتدين عموماً والمعمم خصوصاً، عندئذ يصدقون في دعواهم بتبني حاكمية الإسلام والعمل الجاد على تفعيلها....


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


حسين المياحي

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2019/08/25



كتابة تعليق لموضوع : الإسلام والمدنية: ازدواجية القناعات والخطاب
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net