صفحة الكاتب : نزار حيدر

أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّابِعَةُ (٢)
نزار حيدر

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}.

فالعباداتُ، إِذن، هي من أَدوات أَو أَسباب التَّمكين التي شرَّعها الله تعالى لعبادهِ لتحسينِ أَدائهِم وتغييرِ سلوكيَّاتهِم للأَحسن، إِن على الصَّعيد الفردي أَو على صعيد المُجتمعِ.

فالصِّيامُ، مثلاً، يصقِل شخصيَّة الإِنسان على مُستويَينِ أَساسيَّينِ؛

الأَوَّل؛ هو الإِمساك عن الشَّهواتِ ما يخلُق عندهُ ملَكة ضبط إِيقاعات النَّفس طِوال العام، فتتغيَّر عندهُ ثقافة الإِستئثار إِلى ثقافة الإِيثار، والشَّراهةِ في طلبِ الأَشياءِ إِلى القناعة في حالِ عدمِ القُدرةِ على الحصُولِ عليها، حتَّى يتخلَّص من المفاهيمِ الواردةِ في الحديثِ الشَّريفِ {مَن أَكلَ ما يشتهي لَم ينظُر الله إِليهِ حتَّى ينزَع أَو يترُك}

وبالصَّومِ يتحكَّمُ المرءُ بشهواتهِ ورغباتهِ، حتى يصدُق عليهِ قولُ أَميرِ المُؤمنينَ (ع) {أَشجعُ النَّاسَ من غلبَ هواهُ}.

وبالصَّومِ كذلكَ ينتبهَ المرءُ إِلى جَوهر وجودهِ في هذه الدُّنيا، والذي وصفهُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) بقولهِ {فَمَا خُلِقْتُ لِيَشْغَلَنِي أَكْلُ الطَّيِّبَاتِ، كَالْبَهِيمَةِ الْمَرْبُوطَةِ هَمُّهَا عَلَفُهَا، أَوِ الْمُرْسَلَةِ شُغُلُهَا تَقَمُّمُهَا، تَكْتَرِشُ مِنْ أَعْلاَفِهَا، وَتَلْهُو عَمَّا يُرَادُ بِهَا، أَوْ أُتْرَكَ سُدىً، أَوْ أُهْمَلَ عَابِثاً، أَوْ أَجُرَّ حَبْلَ الضَّلاَلَةِ، أَوْ أَعْتَسِفَ طَرِيقَ الْمَتَاهَةِ!}.

وهكذا بالنِّسبةِ إِلى بقيَّة السُّلوكيَّات السلبيَّة في حياةِ الإِنسان مثل الإِفراط والتَّبذير والإِسرافِ وغير ذلك.

الثَّاني؛ هو البُعد الإِجتماعي، فالعباداتُ تثيرُ عندهُ الإِهتمام بالآخَرين والتَّفكير بالمُجتمع، فينتقل المرءُ من عقليَّة الأَنا الفرديَّة إِلى عقليَّة النَحنُ الجمعيَّة، وبذلك ستتهيَّأ الأَرضيَّة لصناعةِ فُرص التَّكافل الإِجتماعي والتَّراحُم على مُستوى عالٍ من المَسؤُوليَّة.

يقولُ أَميرُ المؤمنينَ (ع)؛

وَلَوْ شِئْتُ لاَهْتَدَيْتُ الطَّرِيقَ، إِلَى مُصَفَّى هذَا الْعَسَلِ، وَلُبَابِ هذَا الْقَمْحِ، وَنَسَائِجِ هذَا الْقَزِّ، وَلكِنْ هَيْهَاتَ أَنْ يَغْلِبَنِي هَوَايَ، وَيَقُودَنِي جَشَعِي إِلَى تَخَيُّرِ الاَْطْعِمَةِ ـ وَلَعَلَّ بِالْحِجَازِ أَوِ بِالْـيَمَامَةِ مَنْ لاَطَمَعَ لَهُ فِي الْقُرْصِ، وَلاَ عَهْدَ لَهُ بِالشِّبَعِ ـ أَوْ أَبِيتَ مِبْطَاناً وَحَوْلِي بُطُونٌ غَرْثَى وَأَكْبَادٌ حَرَّى، أَوْ أَكُونَ كَمَا قَالَ الْقَائِلُ:

وَحَسْبُكَ دَاءً أَنْ تَبِيتَ بِبِطْنَة* وَحَوْلَكَ أَكْبَادٌ تَحِنُّ إِلَى الْقِدِّ

أَأَقْنَعُ مِنْ نَفْسِي بِأَنْ يُقَالَ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، وَلاَ أُشَارِكُهُمْ فِي مَكَارِهِ الدَّهْرِ، أَوْ أَكُونَ أُسْوَةً لَهُمْ فِي جُشُوبَةِ الْعَيْشِ!.

والصِّيامُ يُعيدُ صياغة الشَّخصيَّة الإِيمانيَّة بقضائهِ على أَخطر ثلاث آفات يُبتلى بها المرءُ عندَ الغفلةِ والإِنشغالِ بالحياةِ.

يقولُ أَميرُ المُؤمنينَ (ع) {أَزْرَى بِنَفْسِهِ [حقَّرها] مَنِ اسْتَشْعَرَ الطَّمَعَ، وَرَضِيَ بِالذُّلِّ مَنْ كَشَفَ ضُرَّهُ، وَهَانَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ مَنْ أَمَّرَ عَلَيْهَا لِسَانَهُ.

٢٥ نيسان ٢٠٢٠

لِلتَّواصُل؛

‏E_mail: nahaidar@hotmail.com


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نزار حيدر
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/04/26



كتابة تعليق لموضوع : أَسْحارٌ رَمَضانِيَّةٌ السَّنةُ السَّابِعَةُ (٢)
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net