إذا كان للشعر شياطين ، فإن للكتابة ملائكة ، مهمتها إلهام الكاتب بأفكار وعبارات يتفاجىء بها الكاتب نفسه وقد لا يصدّق أنها من املائاته .. وهذا ما يلمسه كل متمرس بالكتابة وكل صاحب قلم ..
فقد تتبادر الى الذهن فكرة أو فكرتان حول موضوع معين يدفعان بالكاتب الى الكتابة ، غير أنه ما أن يشرع بتأليف السطور وتنسيق المواضيع حتى يجد نفسه أمام بحر واسع من الأفكار وسلسلة متشعبة من الموضوعات الفرعية والجانبية ، بحيث يصعب عليه لملمة الموضوع أحيانا ..
قد تغيب ملائكة الإلهام هذه عن الكاتب بعض الوقت كما يغيب شيطان الشعر عن الشاعر ، الّا أنها تكون بالنسبة اليه استراحة قلم واعادة ترتيب أوراق من أجل انتاج أجود واغزر ..
قرأت مرة عن الفرزدق أنه يقول : أحياناً يكون قلع الضرس أهون عليّ من كتابة بيت شعر واحد .. ! وهكذا الكاتب ، فقد يكون بعض الاوقات منشغلاً بالكتابة في أكثر من موضوع بنفس الفترة ، في الوقت الذي يصعب عليه احياناً من كتابة سطر واحد ، أمّا لإعراض النفس أو لخيانة التعبير ..
ولكاتب هذه الحروف محاولة شعرية قبل سنوات حول فكرة شيطان الشعر :
شيطانُ الشعرِ يفارِقُني × في بعضِ دقائقِ آلامي
يسلبُ مني حتى الحرفَ × حتى الحبرَ من أقلامي
فأحاول أن أذنبَ ذنبي × لا ذنبَ الدين الإسلامي
فأمارس دورَ المتنبي × وكأني في الطور السامي
علَّ الشيطانُ يعاودني × كي يكرمُني من آثامي
ويطوّع قافيةً كانت × سلوةَ جرح القلب الضامي
وفكرة الإلهام الغيبي للكاتب أو الشاعر ليست جديدة ، فيحدثنا القرآن الكريم كيف أن الكفار والمشركين أتهموا رسول الله بالسحر أو أن هذا القرآن يملى عليه بكرةً وأصيلا .. فهم في الوقت الذي أقاموا الحجة على انفسهم بأنه ليس بكلام بشر الا أنهم اعتبروها في جانب الباطل ( سحر واساطير الاولين ) مكابرة منهم عن الاقرار بأنها من ملاك الحق ورسول السماء ..
هي دعوة للكتابة ، والكتابة دعوة لحضور هذه - الملائكة - ، ومواصلة السير على الدرب أنجع في الوصول الى الهدف من اختيار نوع المركب ..
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat