صفحة الكاتب : نبيل محمد حسن الكرخي

أخطاء محاضرة "الاخ رشيد" عن المسيح – ( 2 )
نبيل محمد حسن الكرخي

المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.

المسيح وصفات الله سبحانه

ثم استشهد رشيد حمامي بما ورد في رسالة بولس الى أهل فيليبي (2: 6-11): (الذي إذ كان في صورة الله، لم يحسب خلسة أن يكون معادلا لله. لكنه أخلى نفسه، آخذا صورة عبد، صائرا في شبه الناس. وإذ وجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب. لذلك رفعه الله أيضا، وأعطاه اسما فوق كل اسم لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب)! ويستنتج منها انه هناك صورتان للمسيح اما ان يكون عبداً لله او ان يكون هو الله نفسه!

حسناً يا رشيد عندما وصلت الى هذا الاستنتاج الا يصح حينئذٍ ان تعرف ما هي صفات الله سبحانه لكي تقرر هل يمكن ان يكون المسيح هو الله نفسه! او انه لا يمكنه ان يكون الا عبداً لله تبارك وتعالى؟!

ينبغي ان تعرف يا رشيد حمامي ان الله سبحانه وتعالى ليس في جهة ولا يحده حد، لأنه اذا كان في جهة فيكون محتاجاً لتلك الجهة، وإذا كان يحدّه حد فيكون محتاجاً لذلك الحد، ولذلك لا يمكن ان يتجسد لأنه لا يمكن ان يصبح فقيراً، بل هو الغني عن كل شيء، والجسد شيء من الاشياء والله غني عنه. لأن التجسد يعني ان الإله يصبح له حد ويصبح في جهة، فيكون محتاجاً للجهة والحد أيضاً، والمحتاج لا يمكن ان يكون قديماً بل هو في هذه الحالة يكون حادثاً فهو إذا ليس بإله.

تهكّم اليهود وتاريخية المسيح

ثم تأتي احدى اخطاء رشيد حمامي ونظرته السطحية للنصوص الدينية وسوء فهمه، حيث استشهد بالآيتين القرآنيتين الاولى هي الآية (54) من سورة آل عمران (عليهم السلام) قوله تعالى: ((وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ ۖ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ))، والثانية في سورة النساء للاية (157) قوله تعالى: ((وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا)). حيث قال رشيد حمامي ان لديه مشكلة مع هذه الآية لأنه لم يقل احد انه قتل المسيح رسول الله بل اليهود كانوا يعتبرونه من المجدفين (الكاذبين) ولذلك قتلوه، فلا احد يعترف ان يسوع هو المسيح ثم يقتله!!

يا رشيد حمامي، لو تنزلّنا وقلنا ان اليهود – في غير زمن حياة المسيح (عليه السلام) - لا يؤمنون بأن عيسى هو المسيح ولذلك لا يقولون بانهم قتلوا عيسى المسيح بل قتلوا مجدِّفاً كذاباً اسمه عيسى ادعى انه المسيح! حسناً ولكن هذه الآية من جهة أخرى يمكن فهمها أنها تكشف عن تهكّم[1] اليهود بكم ايها المسيحيون القائلون بأن المسيح هو الله وانه ابن الله وانه نبي، فهم يقولون انهم قتلوا المسيح الاله والنبي (المسيحيون يعترفون للمسيح بوظيفة نبوية) بحسب قولكم ايها المسيحيون فيقولون انهم اقوى واعظم منكم ومن إلاهكم بإعتبارهم الشعب المختار وانهم تمكنوا من صلب إلهكم وقتله!! واذا قلت انت ان اليهود لا يقولون انهم قتلوا "المسيح عيسى" لأنهم لا يعترفون بن عيسى بن مريم (عليهما السلام) هو المسيح، ففي الحقيقة هم ليس فقط لا يعترفون ان عيسى بن مريم (عليهما السلام) هو المسيح بل ايضاً لم يذكروه ابداً في تواريخهم، وهذه من اقوى الاشكاليات التي تواجه المسيحية، وهي فقدان الوجود التاريخي للمسيح خارج أسفار العهد الجديد! فليس عند المسيحيين ولا عند غيرهم مصادر تأريخية تثبت ظهور المسيح واجراءه المعجزات وتفاصيل دعوته! فيا رشيد اليهود لا يعترفون على وجه الحقيقة والواقع ان عيسى هو المسيح ولا يعترفون انهم قتلوا المسيح لأنهم لا يعترفون له بوجود تأريخي اصلاً فضلا عن دور الهي او نبوي!! ولكنهم يتهكمون بكم إذا يقولون انا قتلنا المسيح عيسى إظهاراً لقوتهم عليكم، كما يحصل الآن إذ يتهكم بعض الصهاينة بالحكام العرب الذين يسرعون الى التطبيع مع الكيان الصهيوني!!

وقد يحصل ان بعض اليهود ممن ايقن بأن عيسى هو المسيح في زمن حياته لما رآه وسمعه وهو يتكلم في المهد ورأى من معجزاته واقواله وتعاليمه وسيرة حياته الشريفة، ثم استكبر عن الاذعان واستحوذ عليه الشيطان، كما هو حال اعداء الانبياء في كل زمان، وسعى في قتل المسيح وتوهم انه تمكن من ذلك، والقرآن الكريم يحكي ذلك عنهم. فالقرآن الكريم يكشف عن وجود تلك الفئة التي ايقنت بأن عيسى هو المسيح رسول الله، في زمن حياته، ثم سعت لقتله رغم ذلك، بدليل ان الآيات التي سبقت هذه الآية الكريمة تحكي عن افعال اليهود الشنيعة حيث جاء فيها:

قال تعالى: ((يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاءِ ۚ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَىٰ أَكْبَرَ مِن ذَٰلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ۚ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَٰلِكَ ۚ وَآتَيْنَا مُوسَىٰ سُلْطَانًا مُّبِينًا (153) وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا (154) فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ۚ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا (155) وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَىٰ مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا (156) وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ۚ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ ۚ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (157) بَل رَّفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا)). صدق اللهُ العليِّ العظيم.

ومشكلة الوجود التأريخي للمسيح هي من اقوى الاشكاليات التي تواجه المسيحية، فبعيداً عن القرآن الكريم الذي هو كتاب سماوي معجز، لن نجد اي دليل على وجود تأريخي للمسيح عيسى وانه ولد من غير أب فهي في الحقيقة مهزلة من الناحية العلمية، وانه يجري معجزات لا نسمع بها الا في الاساطير ربما السومرية او الهندية او غيرها! والمسيحيون لا يملكون دليلاً مقنعاً على وجود تأريخي للمسيح سوى تلك الاناجيل التي لا نعرف شيئاً عمن كتبها، فهي مجرد كتب ظهرت فجأة في مرحلة من مراحل التاريخ والتف حولها بعض الناس وتسموا بالمسيحيين، كما هو حال اي ديانة وضعية اخرى، كالبوذية او الهندوسية وغيرها! فالأسلام والقرآن المعجز وحده هو الذي يشهد بالوجود التأريخي للمسيح وهو الذي يشهد بطهارة أمه مريم العذراء (صلوات الله عليها)، وبجحود القرآن المعجز تصبح قصة المسيح ومولده من غير أب جديرة بأن تكون من حكايات الف ليلة وليلة!

ومن ابرز ما قيل في خصوص التشكيك بتاريخية المسيح عيسى "أن الفيلسوف اليهودي فيلو الإسكندري لم يذكر يسوع عندما تحدث نحو عام 40 ميلادي عن وحشية بيلاطس البنطي"[2].

وقال في تفسير الميزان: (اليهود مهتمون بتاريخ قوميتهم وضبط الحوادث الظاهرة في الاعصار التي مرت بهم ومع ذلك فإنك لو تتبعت كتبهم ومسفوراتهم لم تعثر فيها على ذكر المسيح عيسى بن مريم عليه السلام لا على كيفية ولادته ولا على ظهوره ودعوته ولا على سيرته والآيات التي أظهرها الله على يديه ولا على خاتمة حياته من موت أو قتل أو صلب أو غير ذلك فما هو السبب في ذلك وما هو الذي أوجب خفاء أمره عليهم أو إخفائهم أمره. والقرآن يذكر عنهم أنهم قذفوا مريم ورموها بالبهتان في ولادة عيسى وأنهم ادعوا قتل عيسى قال تعالى وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا: النساء - 157. فهل كانت دعواهم تلك مستندة إلى حديث دائر بينهم كانوا يذكرونه بين قصصهم القومية من غير أن يكون مودعا في كتاب وعند كل أمة أحاديث دائرة من واقعيات وأساطير لا اعتبار بها ما لم تنته إلى مآخذ صحيحة قويمة. أو أنهم سمعوا من النصارى الذكر المكرر من المسيح وولادته وظهوره ودعوته فأخذوا ذلك من أفواههم وباهتوا مريم وادعوا قتل المسيح لا طريق إلى استبانة شئ من ذلك غير أن القرآن كما يظهر بالتدبر في الآية السابقة لا ينسب إليهم صريحا إلا دعوى القتل دون الصلب ويذكر أنهم على ريب من الامر وأن هناك اختلافا)[3].

فقضية تأريخية المسيح شائكة وجدلية، وهناك عدة مؤلفات تنفي او تؤيده، وكل الادلة على وجوده فيها جدال واخذ ورد. هذا بالنسبة لوجود تأريخي لشخصية اسمها (عيسى بن مريم قال انه المسيح) اما الاثبات التأريخي على انه إله او ابن الإله وانه قال ذلك، خارج نصوص العهد الجديد، فمعدومة!

والان يأتي دور النص الذي سيحرج رشيد حمامي في هذه النقطة ويضعه في مأزق، وهو الكلام المنسوب للمؤرخ اليهودي يوسيفوس بخصوص عيسى المسيح. كتب فراس السوّاح: (أما يوسيفوس الذي كان موسوعياً بكل ما في الكلمة من معنى، والذي أورد لنا في مؤلَّفيْه سابقي الذكر كلّ كبيرة وصغيرة، فقد جاء على ذكر يسوع في المخطوطات التي وصلتنا من كتابه عاديات اليهود الذي أنهاه نحو عام 94م، أي في أواخر قرن الصمت عن يسوع. وهذا نص الفقرة الخاصة بذلك وهي من المجلد الثامن عشر: "في ذلك الزمان عاش إنسان حكيم يدعى يسوع، إذا كان لنا أن ندعوه إنساناً لأنه أتى أموراً غير عادية، وكان معلماً للناس الذين تقبّلوا الحقيقة بفرح، وجذب إليه كثيراً من اليهود واليونانيين. لقد كان هو المسيح. وحينما حكم عليه بيلاطس بالصلب بناء على اتهام شيوخنا، بقي الذين أحبّوه منذ البداية مخلصين له، وفي اليوم الثالث لموته ظهر لهم حياً لأن أنبياء الربّ تنبأوا بذلك وبكثير من معجزاته الأخرى". في التعامل مع هذا الخبر انقسم الباحثون إلى فريقين، فقد رفض الفريق الأول هذا الخبر جملة وتفصيلاً باعتباره مداخلة مسيحية أضافها النسّاخ اللاحقون، لأنّ يوسيفوس الذي كان مؤمناً يهودياً ومن فرقة الفريسيين تحديداً، قد دعا يسوع بالمسيح وتحدّث عن قيامته من بين الأموات كأنها واقعة حدثت فعلاً. أما الفريق الثاني فقد قبل الخبر في خطوطه العامّة، على اعتبار أن يد من زوّر هذا النص قد بنى تزويره على نصّ أصليّ كتبه يوسيفوس، وأن مهمته قد اقتصرت على إضافة بعض العبارات ذات الصبغة المسيحية. وقد بقيت نتائج الجدل بين الفريقين معلقة في الفراغ، إلى أن نشر أحد الباحثين عام 1971 مخطوطاً من القرون الوسطى كبته باللغة العربية الأسقف آغابيوس تحت عنوان الحوليات العالمية. وكان من جملة ما تطرّق إليه هذا المؤلف أخبار يسوع كما وردت في الكتب القديمة بما في ذلك كتاب عاديات اليهود ليوسيفوس، الذي يبدو أنه كان محتفظاً بنسخة منه مختلفة عن بقية النسخ التي وصلتنا، نسخة منقولة عن الأصل قبل تزويره، ومنه اقتبسَ هذا النص وأورده في مخطوطه: "في ذلك الزمان عاش إنسان حكيم دعوه يسوع، الذي عاش حياة استقامة وعفّة وصار كثير من اليهود تلاميذ له. حكم عليه بيلاطس بالموت صلباً، ولكن تلاميذه لم يتخلّوا عنه. وقد قال هؤلاء أنه ظهر لهم حياً في اليوم الثالث بعد صلبه. وهم يفترضون أنه هو المسيح الذي تنبأ الأنبياء بموته". نلاحظ من مقارنة نصّ الأسقف آغابيوس هذا على النص المحرّف، أن المسيحيّ الغيور الذي حرّفه لم ينسب إلى يوسيفوس ما لم يقله، وإنما قوّم نصه لكي يجعله متفقاً مع العقيدة المسيحية فأضاف إليه كلمة هنا وأخرى هناك. من هنا فإنّ البحث الموضوعيّ الجادّ لا يستطيع إلا أن يقبل بشهادة يوسيفوس على تاريخية يسوع. ومما يدعم هذا الرأي أن يوسيفوس قد أورد خبراً لاحقاً عن يسوع، يتحدث فيه عن حادثة جرت نحو عام 62م عندما أعدم المجلس اليهودي "يعقوب أخا يسوع الذي يدعى المسيح". إن الصيغة المختصرة لهذا الخبر وعدم تصدّي المؤلف لمزيد من التعريف بيسوع، يدل على أنه اعتبر يسوع شخصية معروفة تماماً ولا حاجة إلى التعريف بها. كما أن هذا الخبر الثاني يؤكد أصالة الخبر السابق)[4]! وفي الحقيقة فإنه حتى النص الثاني في كتاب العاديات الذي يتحدث عن إعدام "يعقوب أخا يسوع الذي يدعى المسيح" لا يبعد أن يكون هو الآخر مدسوساً أو محرفاً فمن حرّف النص السابق في نفس الكتاب أو دسّه لا يصعب عليه دس أو تحريف نص آخر بل نصوص أخرى في نفس الكتاب! فليس مما كتبه يوسيفوس شيء يمكن ان يؤكد تاريخية عيسى المسيح!

إذن يا رشيد هذا المؤرخ اليهودي يقول ان اليهود قتلوا عيسى المسيح! فأما ان تقبل هذا النص وتقبل بصحة ما ورد في الآية المباركة في سورة النساء ((وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ))، أو ترفض هذا النص التأريخي وتقول كما يقول العديد من النقّاد أن هذا النص مدسوس على كتاب العاديات وتبقى تاريخية المسيح بدون دليل!!

شبه المسيح

ذكر رشيد حمامي انه قرأ في تفاسير المسلمين قصة القاء الشبه على شخص آخر ونجاة المسيح، وان هناك من يقول ان الشبه القي على بطرس وآخر يقول القي على احد الجنود الذين جاؤوا للقبض عليه، وقول اخر ان يهوذا حينما جاء ليقبل المسيح فالقي عليه الشبه لأنه "يستاهل"، ويقول أنَّ هذه الاقوال فيها منطق ولكن النتيجة ان هذه الآراء رسمت صورة للمسيح انه جبان! فحينما يخطب في الناس ويقول لهم اني غلبت العالم وفي العالم سيكون لكم ضيق وتكلمت كلام كبير وحينما تاتي الساعة يذهب ويتركهم ويقول لهم "مليش بالموضوع انا ماشي"! فأي اكرام للمسيح هذا؟ هذا تنقيص واحتقار لصورة المسيح! فأنا اعرف ان المسيح شجاع، اريد الايمان بمسيح شجاع! اذا كان هو يجبن فماذا اعمل انا!!

هكذا يسخِّف رشيد حمامي الموضوع، حيث يصور الموضوع ان المسيح هرب من مواجهة اليهود! مع ان هذا لم يحصل على الطلاق. وقبل ان نجيب على هذه السطحية في التعامل مع قصة المسيح (عليه السلام) نلفت النظر الى قول رشيد حمامي انه يريد ان يؤمن بمسيح شجاع! فهو يرسم صورة معينة للمسيح ولا يقبل بغيرها، حاله حال اليهود الذين كانوا ينتظرون مسيحاً ملكاً يخلصهم من سيطرة الرومان ويعيد بناء دولتهم فلما جائهم عيسى المسيح ويقول لهم: اعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله، رفضوه! فما الفرق بينهم وبين رشيد، فكلاهما يرفضون المسيح الحقيقي ويريدون الايمان بمسيح رسموه في مخيلتهم!

فما هو البديل عند "الاخ رشيد" والمسيحيين اذا ما رفضوا حقيقة صلب الشبيه، البديل هو ان يكون الرومان، وبطلب من اليهود، صلبوا الإله خالق السموات والارض! هل هذه هي شجاعة المسيح التي يصورها رشيد حمامي؟! هل قاتلَ المسيحُ اليهودَ الذين جاؤوا لإلقاء القبض عليه؟! لماذا استسلم لهم؟! اين هي الشجاعة إذن؟ سيقول ان المخطط هو ان يضحي الأب بأبنه المسيح ليكون له الحق بغفران الخطايا للمؤمنين بتضحيته! فلماذا يقبل رشيد بمخطط إلهي يصور المسيح بمظهر العاجز والجبان، مع انه قدير، ويسلم نفسه للجنود الرومان ليهينوه انواع الاهانات! ولا يقبل بمخطط إلهي ينجي الله فيه رسوله المسيح، ويرفعه الى السماء ذخيرة الى ما قبل يوم القيامة وفق مخطط إلهي يعلمه سبحانه، كما رُفِعَ اخنوخ وإيليا المذكورين في العهد القديم، ويجعل اللهُ اليهودَ يُشبَّه لهم انهم صلبوا المسيح! هذان مخططان فأيهما الاكثر إقناعاً ووقاراً للمسيح وإكراماً له؟

فعندما ينقذ اللهُ سبحانه نبيَّه من القتل بيد اليهود يعتبر رشيد حمامي ذلك جبناً للمسيح!! اما حينما يقتل اليهود المسيح ويصلبوه ويهينوه ويعذبوه ويستسلم لهم ذلك الاستسلام المهين، فهو يعتبره شجاعة للمسيح!! الانتحار على الصليب يعتبر شجاعة عند رشيد حمامي!!

وقد مرَّ علينا في السطور السابقة رواية الاناجيل ان المسيح كان يطلب من تلاميذه ان لا يخبروا احدا من الناس انه المسيح! فهل كان يجبن من الناس يا رشيد حمامي؟ هل كان المسيح جباناً لدرجة انه لا يريد ان يعرف اليهود انه المسيح الذي ينتظرونه! هل كان يخاف من الرومان ولذلك لم ينهض بمسؤوليته الملوكية!! نعم المسيحيون يقولون ان للمسيح ثلاث وظائف: نبوية وكهنوتية وملكية! فلماذا جبن عن اداء وظيفته الملكية في الدنيا ولم يخبر اليهود انه المسيح وترك نفسه لإهانات الرومان ولعنة الصليب، حيث ورد في العهد القديم لعن من يصلب، ويقول بولس ان المسيح اصبح لعنة من اجل المؤمنين به[6]!! ما هذا الدين الذي يكون فيه الإله على هذا النحو من الضعف!!

وهل من الشجاعة ان يكذب المسيح ويخبر تلاميذه انه لن يصعد الى العيد ثم يصعد بعد ذهابهم الى العيد خفية[7]خشية ان يتعرّف عليه اليهود!!

رشيد ومكر الإله!

ثم يتحدث رشيد حمامي عن المكر وهل الاله يمكر!! يقول ان الانسان يمكن ان يمكر لأنه لا يتمكن من الحصول على مبتغاه بالطريق الصحيح فيمكر للحصول على ما يريد! ملمحاً الى ان المكر هو تدبير خاطيء! ولكن ربنا الا يتمكن ان يعمل ما يريد بالطريق "الصح" حتى يلجأ الى المكر! ويقول: الم يكن يمكن للإله ان يرفع المسيح امام اعينهم وينجيه بدلا من القاء الشبه على شخص آخر ويمكر بهم!!

فنقول: فماذا فعل المسيح بحسب رواية الاناجيل! الم يمكر باليهود فاخفى حقيقته عنهم واوصى تلاميذه ان لا يقولوا لليهود انه المسيح ثم ورطهم بدمه فقتلوه على الصليب ثم عاد الى الحياة كأن شيئا لم يكن وارتفع الى السماء وترك اليهود في ورطتهم الابدية!! هل هذا فعل إله محب للبشر، يمكر باليهود ويخدعهم ويسلم نفسه لليهود ويجعلهم يتفقون مع الرومان فيصلبونه ويحملون وزره وذنبه ثم يحيي نفسه ويعود من حيث جاء!! أي بلوى وقعت على اليهود بسبب مكر المسيح هذا! ماذا فعل اليهود للمسيح ليورطهم هذه الورطة! لو انه اكتفى كما في العهد القديم بارسال الانبياء[8] لهم ليهتدوا الم يكن افضل لهم؟ لو انه ارسل لهم نبيا آخر كموسى يجدد لهم شريعة التوراة ويجري المعجزات على يديه كما شق موسى البحر لهم، الم يكن هذا اكثر رأفة باليهود ومحبة حيث يمكنهم الايمان به بدون ان يتورطوا بدم المسيح!! يتحدث رشيد عن المكر ولا يلتفت الى مكر الاقنوم الثاني الذي نزل من السماء واتخذ جسداً بشرياً متخفياً به، ويطلب من تلاميذه ان لا يخبروا اليهود انه المسيح، ثم يسلم نفسه للقتل والصليب فقط ليورط اليهود بدمه!!

وفي العهد القديم يصف الرب بالمكر والمؤامرات وصنع الفخاخ في اكثر من موضع منها:

1- في سفر إِرْمِيَا (4: 10-12): (فقلت: «آه، يا سيد الرب، حقا إنك خداعا خادعت هذا الشعب وأورشليم، قائلا: يكون لكم سلام وقد بلغ السيف النفس». في ذلك الزمان يقال لهذا الشعب ولأورشليم: «ريح لافحة من الهضاب في البرية نحو بنت شعبي، لا للتذرية ولا للتنقية. ريح أشد تأتي لي من هذه. الآن أنا أيضا أحاكمهم»).

2- في سفر المزامير (33: 10و11): (الرب أبطل مؤامرة الأمم. لاشى أفكار الشعوب. أما مؤامرة الرب فإلى الأبد تثبت. أفكار قلبه إلى دور فدور).

3- في سفر إرميا (48: 43): (خوف وحفرة وفخ عليك يا ساكن موآب، يقول الرب).

4- في سفر حزقيال (12: 13): (وأبسط شبكتي عليه فيؤخذ في شركي، وآتي به إلى بابل إلى أرض الكلدانيين، ولكن لا يراها وهناك يموت).

اما في الاسلام فالمكر الوارد في القرآن الكريم هو التدبير الإلهي لنجدة المؤمنين الضعفاء الذين يتسلط عليهم الكفار والمشكرين. ولا يوصف الله سبحانه بالماكر بل بخير الماكرين، فالمكر الذي يصدر عنه سبحانه هو الخير للمؤمنين، ولا يصدر عنه ما هو قبيح كالكذب والخيانة.

نعم كان يمكن لله سبحانه وتعالى ان ينجي المسيح (عليه السلام) بدون ان يلقي الشبه على شخص آخر. ولكنه فعل ذلك لحكمة يعلمها، وربما يمكننا ان نستشف من ذلك ان المسيح بعدما نجا من الصلب من خلال التشبيه لأعداءه بانهم قتلوه وصلبوه استمر بالظهور لتلاميذه واخبرهم بنجاته تقوية لإيمانهم، وليعلموا ان الله معهم وناصرهم اذا ثبتوا على الايمان، وانه القى البلبلة في معسكر خصومهم فتارة يقولون انهم قتلوه وصلبوه وتارة يكونون غير متيقنين من ذلك، مما يساهم في انقسام معسكرهم وضعفهم. وربما يكون ((وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ)) هو تحصيل حاصل لمجريات الاحداث آنذاك وليس لأن هناك تدخل إلهي بإلقاء الشبه على شخص آخر، كما سنبينه بعد قليل.

فالعقيدة المسيحية غير معقولة وهي تظهر الله حريصاً على ان يتجسد "ابنه" "الاقنوم الثاني" بهذه الطريقة الاعجازية الفريدة، من غير أب، ولا ندري لماذا خلقه من غير اب اذا كانوا يقولون ان المسيح وحيد الجنس!! فما ضره ان يكون له أب زوج لمريم وتحمل هي من الروح القدس!! ثم جعلوا "الإله" بجسد طفل رضيع ثم ينمو وينمو، لثلاثين سنة، وهو "إله متجسد"! ألم يكن الإله قادراً على ان يتجسد بجسد انسان بالغ منذ البداية بدون هذا اللف والدوران، وبدون هذا المكر! فيظهر مباشرة للبشر بجسد بشري ويعلن عن نفسه ويجري المعجزات التي تثبت انه الإله!! لماذا لم يحدث ذلك واختار الإله طريق المكر والاستخفاء بجسد طفل صغير واب بالتبني حتى انهم كانوا يقولون عن المسيح انه ابن يوسف النجار كما ورد في الاناجيل!! ثم يتصنع الضعف ويسلم نفسه لليهود والرومان ليصلبوه ويتصنع انه مظلوم ومعذب ومهان بحيث جلدوه ووضعوا اكليل الشوك على رأسه ووجهوا له الكلام القبيح، كل هذا وهو متصنع للضعف مع انه الإله القدير خالق السموات والارض بحسب عقيدتهم!! اليس هذا مكر يا رشيد حمامي؟!!

صورة المسيح واليهود في الاناجيل الاربعة!

ترسم الاناجيل الاربعة صورة قاتمة للمسيح بخلاف ما يحاول علماء المسيحية نشرها عنه! فالمسيح الذي يقولون عنه انه الله وان الله محبة وانه ابن الله وانه الاقنوم الثاني وانه المخلِّص الذي فدى البشرية بالآلام والقتل على الصليب ليغفر للمؤمنين به ذنوبهم الى الابد! هذا المسيح نجد له في الاناجيل الملامح التالية:

1. كان يحتقر الناس ولا يخاطبهم بالحقائق الدينية لأنهم من وجهة نظره غير مؤهلين للاطلاع عليها، وفضَّل ان يخاطبهم بالامثال. راجع انجيل متى (13: 10) و انجيل لوقا (8: 10) وانجيل مرقس (4: 11و12).

2. لم يكن يسعى لأن يحصل جميع الناس على التوبة ومغفرة الخطايا!. انظر: انجيل مرقس (4: 11و12) : (فقال لهم: «قد أعطي لكم أن تعرفوا سر ملكوت الله. وأما الذين هم من خارج فبالأمثال يكون لهم كل شيء، لكي يبصروا مبصرين ولا ينظروا، ويسمعوا سامعين ولا يفهموا، لئلا يرجعوا فتغفر لهم خطاياهم»)!!

3. كان يخاطب عامة الناس بالامثل ويجري المعجزات امامهم ولكنه لم يكن يكشف لهم حقيقة شخصيته، وهل انه الإله نفسه أي إله العهد القديم، ام ابن الإله، ام نبي ام كاهن ام ملك، أم الاقنوم الثاني!! كما انه لم يخبرهم انه سيصلب من اجل ان يفدي خطاياهم! ولم يخبر عامة الناس اي شيء عن مهمته في الارض!!

4. كان يسمي نفسه امام عامة الناس بلقب (ابن الانسان) ويسمي نفسه اما تلاميذه الاثني عشر بلقب (المسيح ابن الله)! فجعل شخصيته سرّية لا يعرف حقيقتها احد من عامة الناس!

5. كان يحرص على ان يوصي تلاميذه ان لا يخبروا احد من عامة الناس عن حقيقة شخصيته! راجع انجيل متى (16: 20) وانجيل مرقس (8: 27-30) و لوقا (9: 20و21).

6. حيث ان حقيقة شخصية المسيح في الاناجيل سرّية ولم يكن يخاطب عامة الناس الا بالامثال فيكون كل ما يقوله من عبارات من قبيل الأب ارسلني، وساعود الى الأب إلخ هي من قبيل الامثال التي تحتاج الى تفسير، خصوصاً ان المسيح كان يعيش في بيئة ذات ثقافة دينية وموروث ديني يهودي توحيدي، ولم يكونوا يستعملون لفظ (الأب) في خطاباتهم الدينية وموروثهم الثقافي بمعنى الإله.

7. كان المسيح يجري المعجزات امام الناس ولكنه لم يكن يقول لهم لماذا يجريها وماذا يريد منهم سوى ان يدعوهم للتوبة، وماذا يمكن ان تثبت لهم هذه المعجزة؟ هل يريد ان تثبت لهم انه نبي ام إله ام ساحر ام ماذا؟! كان يجري المعجزات ويتكلم بالامثال ثم يغادر! وقال انجيل متى (4: 17) عنه: (من ذلك الزمان ابتدأ يسوع يكرز ويقول: «توبوا لأنه قد اقترب ملكوت السماوات»). فهل كان يجري المعجزات لكي يتوب الناس فقط ويبقوا على يهوديتهم! فقد سبقه يوحنا المعمدان بذلك ونجح في تعميد جميع سكان اليهودية واورشليم معترفين بخطاياهم بدون أن يجري اي معجزة. فما هي فائدة معجزات المسيح!!

8. كان المسيح يكلم الناس علانية فلماذا احتاج احبار اليهود شخصاً ما للدلالة عليه وتمييزه! وهو الدور المنسوب عندهم ليهوذا الاسخريوطي! فهل تريد الاناجيل الأربعة ان تقول ان المسيح لم يكن معروفاً بشكله لعامة الناس! فإذا كان الامر كذلك فمن الممكن بكل سهولة ان يتم صلب شخص آخر محله ويشبَّه للناس انه هو او يشاع فيما بينهم انه هو لاسيما وهو قد صعد الى السماء حينذاك! وسنرى في الفقرات القادمة ان اسم هذا الشخص هو (يسوع برأبّا) ومعناه: يسوع بن الأب!! فهل هذا هو الذي جعل بولس فيما بعد يظن ان الأب في السماء هو ابو يسوع!! فأصبحت الاقانيم هي: الأب والابن ثم اضافوا لها فيما بعد الروح القدس!

9. ان يهوذا الاسخريوطي سمع المسيح يسمي نفسه (ابن الانسان) عدة مرّات في كلامه مع الجموع وعامة الناس[9]، ولكنه سمعه أيضاً في كلامه الخاص مع تلاميذه يسمي نفسه (المسيح ابن الله الحي)[10]!! فهل يُلام يهوذا وهو اليهودي الموحّد وهو يسمع معلمه يلقب نفسه (ابن الله) في الخفية بينما يلقب نفسه (ابن الانسان) امام الناس!! ألا تعطي الاناجيل الأربعة بذلك بعض الحق ليهوذا لخيانته معلمه بعد ان فقد الثقة في صحة عقيدته التي يدعوا اليها!! الا يكشف ذلك ان يهوذا الاسخريوطي، صاحب الدين التوحيدي وشريعة التوراة التي جاء بها موسى، كان الاكثر تقوى وورعاً من سائر التلاميذ الاثني عشر!!

10. ترسم الاناجيل الاربعة مشهداً يتبين من خلاله انَّ اليهود لم يكونوا مخطئين في رفضهم للمسيح! اليس من حق اليهود ان يرفضوا شخصاً يخفي عنهم نفسه وحقيقة تعاليمه ويتحدث مع الناس بالامثال التي لا يفهمون معانيها ودلالاتها ويجري المعجزات العجيبة، دون ان يكشف لهم عن حقيقة شخصه هل هو نبي او ابن إله او إله او حتى لو كان فقط ساحر؟!

وللمزيد من التفاصيل لهذه النقاط العشرة آنفاً يمكن الاطلاع على مقالنا المنشور بعنوان: ("مسيح الاناجيل الأربعة" وصواب رفض اليهود له)[11].

ليلة القبض على المسيح!

يتحدث رشيد حمامي عن ليلة القبض على المسيح بحسب الاناجيل وكيف ان المسيح كان حاضراً ويهوذا ايضا واقف الى جانبه وتم القاء القبض عليه بعد ان سألهم من تطلبون قالوا يسوع الناصري فقال لهم انا هو، ويقول انه لم يكن هناك ظن في شخصية المسيح! والمسيحيون لم يتبعوا الظن ولا مرة، وليس كما جاء في القرآن على حد زعمه: ((مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ ۚ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا))!!! فوجدنا حال رشيد حمامي كما هو حال اي مسيحي آخر يطلع على قصة القبض على المسيح في الاناجيل بسطحية ولا يسمح لنفسه بالاستفسار عما يقرأه في الاناجيل الأربعة نفسها!!

إنَّ الاناجيل الاربعة ليست روايات حقيقية، بل هي حكايات كتبت بناءاً على العقيدة التي اسسها بولس من خلال نشاطه التبشيري. فالذي ظهر اولاً من الناحية التأريخية هي رسائل بولس ابتداءاً من سنة 49م ولغاية سنة 66م سنة مقتل بولس. ثم بعد ذلك كتب اتباعه الاناجيل الاربعة تبعاً لما تلقوه منه من عقيدة، فهي ليست شهادات مستقلة تحكي الاحداث كما حصلت بل هي تروي سيرة المسيح كما تلقتها من بولس الذي كان في حياة المسيح من الفريسيين المعادين للمسيح فكيف له ان يفهم حقيقة بشارة المسيح والانجيل السماوي الذي جاء به! فإنجيل متى يقولون انه كُتِبَ بين 80 الى 90م[12]! وإنجيل مرقس كُتِبَ بين 65 و70م[13]! وإنجيل لوقا كُتِبَ بعد سنة 70م وقيل بين 80 و90م[14]! وإنجيل يوحنا كُتِبَ في اواخر القرن الاول الميلادي[15]، وقيل 95م! والذين كتبوها هم جميعاً من اتباع بولس! اما بقية الاناجيل التي كتبها اشخاص من غير اتباع بولس فقد رفضت الكنيسة اعتبارها اناجيل قانونية، وهي عديدة منها: انجيل بطرس وانجيل توما وإنجيل الحق وإنجيل فيلبس وإنجيل مريم المجدلية وإنجيل يهوذا وإنجيل الطفولة العربي وإنجيل مرسيون وإنجيل السبعين وإنجيل الإثنى عشر وإنجيل العوالم الأربعة السماوية وإنجيل حواء وإنجيل الناصريين وإنجيل برنابا وإنجيل برثولوماوس وإنجيل الإبيونيين وإنجيل العبرانيين وإنجيل مرقس السري وإنجيل يعقوب وإنجيل متياس، وغيرها!

تعالوا لنقرأ ساعة القبض على المسيح كما وردت في الاناجيل، فرغم وعـد الله عز وجلُّ في العهد القديم انه سينقذ مسيحه، كما في سفر المزامير (6:20) : (إن الرب مخلِّص مسيحه)، مع ذلك الاناجيل الأربعة مصرّة على ان المسيح أُلقِيَ القبض عليه وأُهين وصُلِب وقُتِل!!

§ في إنجيل متى (26: 36-56) : (حينئذٍ جاء معهم يسوع إلى ضيعةٍ يقال لها جتسماني فقال للتلاميذ اجلسوا هاهنا حتى امضي واصلي هناك، ثم اخذ معه بطرس وابني زبدي وابتدأ يحزن ويكتئب، فقال لهم نفسي حزينة جداً حتى الموت، امكثوا ها هنا واسهروا معي، ثم تقدم قليلا وخر على وجهه وكان يصلي قائلا: يا أبتاه ! إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت، ثم جاء إلى التلاميذ فوجدهم نياما فقال لبطرس: اهكذا ما قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة، اسهروا وصلّوا لئلا تدخلوا في التجربة، أما الروح فنشيط واما الجسد فضعيف ، فمضى أيضا ثانية وصلّى قائلا: يا أبتاه إن لم يمكن أن تعبر عني هذه الكأس إلا أن اشربها فلتكن مشيئتك ، ثم جاء فوجدهم أيضاً نياماً إذ كانت أعينهم ثقيلة فتركهم ومضى أيضا وصلى ثالثا قائلا: ذلك الكلام بعينه، ثم جاء إلى تلاميذه وقال لهم: ناموا الآن واستريحوا هو ذا الساعة قد اقتربت وابن الإنسان يُسَلَّم إلى أيدي الخطاة قوموا ننطلق هو ذا الذي يسلمني قد اقترب، وفيما هو يتكلم إذا يهوذا أحد الاثني عشر قد جاء ومعه جمع كثير بسيوف وعصي من عند رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب، والذي أسلَمه أعطاهم علامة قائلا: الذي اُقبِّلَه هو هو امسكوه، فللوقت تقدم إلى يسوع وقال السلام يا سيدي ، وقَبَّله، فقال له يسوع: يا صاحب لماذا جئت، حينئذٍ تقدموا والقوا الأيادي على يسوع وامسكوه وإذا واحد من الذين مع يسوع مد يده واستل سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه فقال له يسوع: رد سيفك إلى مكانه لان كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون أتظن أني لا أستطيع الآن أن اطلب إلى أبي فيقدم لي اكثر من اثني عشر جيشاً من الملائكة فكيف تُكمَّل الكتب انه هكذا ينبغي أن يكون. في تلك الساعة قال يسوع للجموع: كأنه على لص خرجتم بسيوف وعصي لتأخذوني، كل يوم كنت اجلس معكم اُعلِّم في الهيكل ولم تمسكوني واما هذا كله فقـد كان لكي تكمل كتب الأنبياء ، حينئذٍ تركه التلاميذ كلهم وهربوا).

§ في انجيل مرقس (14: 1و2 – 14: 32-52): (وكان الفصح وأيام الفطير بعد يومين. وكان رؤساء الكهنة والكتبة يطلبون كيف يمسكونه بمكر ويقتلونه، ولكنهم قالوا: «ليس في العيد، لئلا يكون شغب في الشعب».) ،،، (وجاءوا إلى ضيعة اسمها جثسيماني[16]، فقال لتلاميذه: «اجلسوا ههنا حتى أصلي». ثم أخذ معه بطرس ويعقوب ويوحنا، وابتدأ يدهش ويكتئب. فقال لهم: «نفسي حزينة جدا حتى الموت! امكثوا هنا واسهروا». ثم تقدم قليلا وخر على الأرض، وكان يصلي لكي تعبر عنه الساعة إن أمكن. وقال: «يا أبا الآب، كل شيء مستطاع لك، فأجز عني هذه الكأس. ولكن ليكن لا ما أريد أنا، بل ما تريد أنت». ثم جاء ووجدهم نياما، فقال لبطرس: «يا سمعان، أنت نائم! أما قدرت أن تسهر ساعة واحدة؟ اسهروا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة. أما الروح فنشيط، وأما الجسد فضعيف». ومضى أيضا وصلى قائلا ذلك الكلام بعينه. ثم رجع ووجدهم أيضا نياما، إذ كانت أعينهم ثقيلة، فلم يعلموا بماذا يجيبونه. ثم جاء ثالثة وقال لهم: «ناموا الآن واستريحوا! يكفي! قد أتت الساعة! هوذا ابن الإنسان يسلم إلى أيدي الخطاة. قوموا لنذهب! هوذا الذي يسلمني قد اقترب!». وللوقت فيما هو يتكلم أقبل يهوذا، واحد من الاثني عشر، ومعه جمع كثير بسيوف وعصي من عند رؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ. وكان مسلمه قد أعطاهم علامة قائلا: «الذي أقبله هو هو. أمسكوه، وامضوا به بحرص». فجاء للوقت وتقدم إليه قائلا: «يا سيدي، يا سيدي!» وقبله. فألقوا أيديهم عليه وأمسكوه. فاستل واحد من الحاضرين السيف، وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه. فأجاب يسوع وقال لهم: «كأنه على لص خرجتم بسيوف وعصي لتأخذوني! كل يوم كنت معكم في الهيكل أعلم ولم تمسكوني! ولكن لكي تكمل الكتب». فتركه الجميع وهربوا. وتبعه شاب لابسا إزارا على عريه، فأمسكه الشبان، فترك الإزار وهرب منهم عرياناً).

§ في إنجيل لوقا (22: 39-54): (وخرج ومضى كالعادة إلى جبل الزيتون، وتبعه أيضا تلاميذه. ولما صار إلى المكان قال لهم: «صلوا لكي لا تدخلوا في تجربة». وانفصل عنهم نحو رمية حجر وجثا على ركبتيه وصلى قائلا: «يا أبتاه، إن شئت أن تجيز عني هذه الكأس. ولكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك». وظهر له ملاك من السماء يقويه. وإذ كان في جهاد كان يصلي بأشد لجاجة، وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض. ثم قام من الصلاة وجاء إلى تلاميذه، فوجدهم نياما من الحزن. فقال لهم: «لماذا أنتم نيام؟ قوموا وصلوا لئلا تدخلوا في تجربة». وبينما هو يتكلم إذا جمع، والذي يدعى يهوذا، أحد الاثني عشر، يتقدمهم، فدنا من يسوع ليقبله. فقال له يسوع: «يا يهوذا، أبقبلة تسلم ابن الإنسان؟» فلما رأى الذين حوله ما يكون، قالوا: «يا رب، أنضرب بالسيف؟» وضرب واحد منهم عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه اليمنى. فأجاب يسوع وقال: «دعوا إلى هذا!» ولمس أذنه وأبرأها. ثم قال يسوع لرؤساء الكهنة وقواد جند الهيكل والشيوخ المقبلين عليه: «كأنه على لص خرجتم بسيوف وعصي! إذ كنت معكم كل يوم في الهيكل لم تمدوا علي الأيادي. ولكن هذه ساعتكم وسلطان الظلمة». فأخذوه وساقوه وأدخلوه إلى بيت رئيس الكهنة. وأما بطرس فتبعه من بعيد).

§ في إنجيل يوحنا ( 18: 1- 15 ) : (قال يسوع هذا وخرج مع تلاميذه إلى عبر وادي قدرون حيث كان بستان فدخله هو وتلاميذه ، وكان يهوذا الذي أسلمه يعرف الموضع لان يسوع كان يجتمع هناك مع تلاميذه كثيراً ، فاخذ يهوذا الفرقة وخداماً من عند رؤساء الكهنة والفريسيين وجاء إلى هناك بمصابيح ومشاعل وأسلحة ، فخرج يسوع وهو عارف بجميع ما يأتي عليه وقال لهم : من تطلبون ، فأجابوه يسوع الناصري ، فقال لهم يسوع : أنا هو ، وكان يهوذا الذي أسلمه واقفا معهم ، فلما قال لهم أنا هو ارتدوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض، فسألهم ثانية : من تطلبون، فقالوا يسوع الناصري، أجاب يسوع: قد قلت لكم أني أنا هو فان كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون ليتم القول الذي قاله: «إن الذين أعطيتني لم أهلك منهم أحدا». ثم إن سمعان بطرس كان معه سيف، فاستله وضرب عبد رئيس الكهنة، فقطع أذنه اليمنى. وكان اسم العبد ملخس. فقال يسوع لبطرس: «اجعل سيفك في الغمد! الكأس التي أعطاني الآب ألا أشربها؟». ثم إن الجند والقائد وخدام اليهود قبضوا على يسوع وأوثقوه، ومضوا به إلى حنان أولا، لأنه كان حما قيافا الذي كان رئيسا للكهنة في تلك السنة. وكان قيافا هو الذي أشار على اليهود أنه خير أن يموت إنسان واحد عن الشعب. وكان سمعان بطرس والتلميذ الآخر يتبعان يسوع، وكان ذلك التلميذ معروفا عند رئيس الكهنة، فدخل مع يسوع إلى دار رئيس الكهنة).

أول ما يلفت الانتباه في هذه الروايات مسألة أن يكون يهوذا الخائن دليلا لليهود للتعرف على شخص عيسى المسيح بالإضافة إلى معرفة مكانه، لان عيسى المسيح كان له ظهور علني دائم في مناظراته مع الكتبة والفريسيين والصدوقيين[17] بالإضافة لقيامه بمعجزات الشفاء علانية أمام الجميع وهو نفسه يقول كما سبق "كل يوم كنت اجلس معكم اُعلِّم في الهيكل ولم تمسكوني"، فما معنى أن يستدل اليهود على شخص المسيح بواسطة تقبيل يهوذا له؟! هذه من القضايا الغامضة التي لا يقدم المسيحيون لها تفسيراً مقنعاً!

والملاحظ أنَّ الأحداث التي ذكرها كاتب إنجيل يوحنا والتي انفرد بذكرها دون بقية أناجيل العهد الجديد تشير إلى حدوث اضطراب غير مفهوم وذلك حين قال "فلما قال لهم أنا هو ارتدّوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض!" ولم يذكر لنا سبب ذلك الاضطراب ـ مع إن قطع بطرس لأذن عبد رئيس الكهنة جاء بعد ذلك ـ ومن الممكن ان نجد تفسير ذلك في إنجيل برنابا حيث إن لحظة دخول يهوذا البيت المذكور في الفقرة السابقة أُلقِيَ الشبه عليه فألقت عصابة اليهود القبض عليه وهم يظنوه يسوع ويهوذا الشبيه ينكر ذلك ويقول لهم انه ليس المسيح فحدث الاضطراب المذكور، ولم تنتبه عصابة اليهود إلى اختفاء يهوذا في خِضَمِّ تلك الأحداث. وظل اختفاء يهوذا محيراً لتيار بولس واضطروا لتعليله بتعليلات مضطربة فكاتب إنجيل متى ( 27: 3-5 ) يذكر إن يهوذا ندم على خيانته للمسيح فألقى مبلغ الخيانة في الهيكل وشنق نفسه ! فيما سكت كاتبا إنجيلا مرقس ويـوحنا عـن الموضـوع وكـذلـك فعــل لـوقا فـي إنجيله إلا انه في أعمال الرسـل ( 1: 16ـ 19 ) ذكر إن يهوذا اشترى بمبلغ الخيانة حقلا ثم انه وقع في ذلك الحقل وانشقت بطنه ومات، فلماذا اختلفت الاناجيل في مصير يهوذا الاسخريوطي اذا كانت هي فعلاً وحي إلهي؟!!

وهناك كتب مسيحية تراثية لا تعترف بها الكنيسة ككتب قانونية (مقدسة) تذكر ان المسيح لم يصلب منها:

أ‌) في إنجيل يهوذا نص يوحي بأن هناك شخص آخر قد تألم بدلاً من المسيح ، حيث ورد فيه ما نصه : (ولكنك ستفوقهم جميعاَ لأنك ستضحي بالإنسان الذي يرتديني) ، هكذا يترجموه ! والنص في الانكليزية هو : (for you will sacrifice the man that clothes me)، معناه "انسان يتلبس بي" وهو معنى مماثل للقول بانه "إنسان يتشبه بي".

ب‌) في انجيل بطرس على لسان بطرس: "رأيته يبد وكأنهم يمسكون به. و قلت: ما هذا الذي أراه يا سيد ؟ هل هو أنت حقا من يأخذون؟.. أم أنهم يدقون.دمي و يدي شخص أخر ؟... قال لي المخلص:.....من يدخلون المسامير في يده و قدميه... هو البديل . فهم يضعون الذي بقى في شبهه العار. أنظر إليه. وأنظر إلي".

جـ) في كتاب " سيت الأكبر " على لسان المسيح قوله: " كان شخص آخر... هو الذي شرب المرارة والخل، لم أكن أنا... كان آخر الذي حمل الصليب فوق كتفيه، كان أخر هو الذي وضعوا تاج الشوك على رأسه. وكنت أنا مبتهجا في العلا... أضحك لجهلهم".

د) في كتاب "أعمال يوحنا" الذي عثر عليه بنجع حمادي أيضا، على لسان المسيح قوله: "لم يحدث لي أي شئ مما يقولون عنى".

هـ) في نص أخر في مكتبة نجع حمادي بعنوان "مقالة القيامة"، فإن المسيح مات كأي إنسان أخر، لكن روحه المقدسة لا يمكن لها أن تموت[18]!

اما عند المسلمين، فنقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: ((وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ))، وقد ورد في بعض التراث الاسلامي ان معنى (شبّه لهم) هو القاء شبه المسيح على شخص آخر هو الذي تم صلبه وقتله! وقد اختلفت التفاسير الاسلامية في ذلك كالتالي:

1. الشبيه هو احد اليهود الذين دخلوا على المسيح لإلقاء القبض عليه فألقى الله شبه المسيح عليه، ورفع المسيح الى السماء[19].

2. الشبيه احد تلاميذ المسيح تطوع ليحل محله[20].

3. رجل اسرائيلي يقال له إيشوع بن مدين[21].

وهناك آراء أخرى من مصادر غير اسلامية تقول:

4. الشبيه هو يهوذا الاسخريوطي الخائن، حيث القي الشبه عليه وهو يدخل على المسيح لإلقاء القبض عليه مع الجنود الرومان[22].

5. الشبيه هو ما ورد في انجيل توما الذي اسند دور الشبيه الى سمعان القيرواني[23]! ويبدو ان هذا الرأي الثاني هو رأي شهير وله انصار يطلقون على انفسهم اسم الظاهرية[24]. وكذلك نسب الباحث المسيحي عزت اندراوس في موسوعته عن تاريخ أقباط مصر هذا القول لباسيليوس.

وسمعان القيرواني هو الذي ورد في انجيل مرقس (15: 21) انه حمل الصليب! حيث جاء ما نصّه: (فسخروا رجلا مجتازا كان آتيا من الحقل، وهو سمعان القيرواني أبو ألكسندرس وروفس، ليحمل صليبه)!

وهناك رأي ذهبنا اليه في مقالنا (هل الشبيه يسوع بن الأب؟) مفاده ان معنى شبّه لهم قد يكون المعنى ان اليهود اشتبهوا بأنهم قتلوا المسيح فيما هم قتلوا شخصاً آخر، بصورة طبيعية وبدون تدخل إلهي إعجازي! وان المقتول هو (يسوع بَرأَبَّا)! ومعنى اسمه (يسوع بن الأب)[25]، وقد عثرنا على ما يؤيد هذا الرأي وهو ما ذكره ابو علي الجبائي احد شيوخ المعتزلة، قال: (إن رؤساء اليهود أخذوا إنساناً، فقتلوه وصلبوه، على موضع عال، ولم يمكنوا أحدا من الدنو إليه ، فتغيرت حليته، وقالوا: قد قتلنا عيسى، ليوهموا بذلك على عوامهم، لأنهم كانوا أحاطوا بالبيت الذي فيه عيسى، فلما دخلوه ، كان عيسى قد رفع من بينهم، فخافوا أن يكون ذلك سببا لايمان اليهود به، ففعلوا ذلك. والذين اختلفوا فيه هم غير الذين صلبوه، وإنما باقي اليهود)[26].

وقال السيد محمد حسين الطباطبائي: (بل شبه لهم أمره فأخذوا غير المسيح عليه السلام مكان المسيح فقتلوه أو صلبوه وليس من البعيد عادة، فإن القتل في أمثال تلك الاجتماعات الهمجية والهجمة والغوغاء ربما أخطأ المجرم الحقيقي إلى غيره وقد قتله الجنديون من الروميين ، وليس لهم معرفة بحاله على نحو الكمال فمن الممكن أن يأخذوا مكانه غيره، ومع ذلك فقد وردت روايات أن الله تعالى ألقى شبهه على غيره فأخذ وقتل مكانه)[27]. ففي الحالات الطببعية يمكن ان يشتبه الامر عليهم ويشبّه لهم فيقتلون شخصاً وهم يظنون انه غيره.

ويقول ابن عطية الاندلسي: (قال القاضي رحمه الله الذي صح فيه نقل الكافة عن حواسها هو أن شخصا صلب وأما هل هو عيسى أم لا فليس من علم الحواس فلذلك لم ينفع في ذلك نقل كافة اليهود والنصارى ونفى الله عنهم أن يكون لهم في أمره علم على ما هو به)[28].

ويقول الغرناطي الكلبي: ((ولكن شبه لهم) فيه تأويلان أحدهما ما ذكرناه من إلقاء شبهه على الحواري أو على اليهودي والآخر أن معناه شبه لهم الأمر أي خلط لهم القوم الذين حاولوا قتله بأنهم قتلوا رجلا آخر وصلبوه ومنعوا الناس أن يقربوا منه حتى تغير بحيث لا يعرف وقالوا للناس هذا عيسى ولم يكن عيسى فاعتقد الناس صدقهم وكانوا متعمدين للكذب)[29].

فأمّا يسوع أبن الأب (بَرأَبَّا) فقد وصفه متى في انجيله بقوله (16:27) : (وكان عندهم سجين شهير اسمه يسوع بَرأَبَّا).

ووصفه مرقس في انجيله بقوله : (7:15) : (وكان رجل اسمه بَرأَبَّا مسجوناً مع جماعة من المتمردين ارتكبوا جريمة قتل أيام الفتنة).

ووصفه لوقا في انجيله : (19:23) : (وكان بَرأَبَّا في السجن لاشتراكه في فتنة وقعت في المدينة ولأرتكابه جريمة قتل).

ووصفه يوحنا في انجيله (40:18) : (وكان بَرأَبَّا لصّاً).

ووصفه الاب بولس الفغالي بأنه : (هو لص قام بفتنة على رومة)[30]. ووصفه في مكان آخر : (هو من الغيورين المعارضين للحكم الروماني. لم يكن لصاً سارقاً ، بل صاحب ثورة على الدولة الحاكمة)[31]. وفي موضع ثالث قال عنه تعليقاً على وصفه باللص في انجيل يوحنا : (هذا لا يعني انه كان سارقاً مجرماً بل كان من هؤلاء الثائرين على السلطة الرومانية وربّما من الغيورين. اسلوبه اسلوب العنف وهذا ما يتنافى كل المنافاة مع طريقة يسوع)[32].

فالامر كله له ارتباط بحركة يهودية لمقاومة الاحتلال الروماني لبلادهم، حيث وردت في النصوص السابقة اشارة الى حدوث ثورة وتمرد يهودي ضد الاحتلال الروماني. ولا ننسى ان احد تلاميذ المسيح الاثني عشر هو (سمعان) الذي يصفه متى في انجيله (4:10): (سمعان الوطني الغيور)، ويعلق الاب بولس الفغالي على هذا النص بقوله: (اشتهر الغيورون بعاطفة دينية متطرفة جعلتهم يمارسون العنف مع المحتل الروماني) ، ثم يضيف : (الغيور الذي يستعمل سيفاً أو خنجراً ليغتال به العدو)[33] ثم ذكر ما يحتمل ان يكون يهوذا الاسخريوطي من الغيورين ايضاً[34]. مع ملاحظة ان بعض النسخ الانكليزية لأنجيل متى تستبدل لفظ الغيور بلفظ (المتطرف = zealot)[35]مما يدل على ان هناك حركة ثورية ضد الاحتلال الروماني لها اثرها الفعال في المجتمع اليهودي آنذاك.

ويقول الاب بولس الفغالي : (كان اليهود ينتظرون مخلصاً ينجيهم من الضيق اليومي ، من الاحتلال الروماني)[36]، ولذلك حينما صلب الرومان يسوع بَرأَبَّا مع اثنين من رفاقه فقد كتبوا فوق رأسه : (هذا يسوع ملك اليهود)[37]، كدليل على نشاطهم السياسي وتمردهم الوطني ومقاومتهم للاحتلال الروماني. ويقول الاب بولس الفغالي في تعليقه على ما ورد في انجيل متى (55:26) : (اعلى لص خرجتم بسيوف وعصي) ما نصه : (اعلى لص او رئيس لصوص ، على ثائر مثل برأبا. هو وضع مؤلم عرفه يسوع . اعتبروه غيوراً يريد ان يحارب الرومانيين فصلبوه بين لصين). فالمحتل الروماني صلب يسوع بن الاب وهو المتمرد الثائر المقاوم ضدهم وصلبوا معه لصين وكان الجنود الرومان يتهزؤون به ويقولون له : (السلام عليك يا ملك اليهود)[38].

وقد تداخلت قصة يسوع ابن الأب مع قصة المسيح واختفاءه المفاجيء برفعه الى السماء، وانصهرت جميعهاً في عقلية بولس بعد اغمائه المفاجيء الذي يصفه بعض الغربيين بأنَّه مرض الصرع الصدغي! فأنتج عقيدة المسيح المصلوب!!

ومن المحتمل أن هناك سيناريو اُعِدَّ لغرض اخفاء اثر يسوع المسيح وإنجائه من زعماء اليهود، تمهيداً لرفعه الى السماء ، وبطل هذا السيناريو هو يوسف الرامي الذي كان صديقاً لبيلاطس ـ كما في انجيل بطرس[39] ـ والتلميذ السري ليسوع المسيح ـ كما في انجيل يوحنا (38:19) ـ حيث كان يخفي ايمانه، ويستند السيناريو المذكور الى صلب يسوع ابن الأب (بَرأَبَّا) في منطقة الجلجثة هو واثنان من رفاقه بتهمة التمرد على الدولة الرومانية ، حيث صلبوا وقتلوا على الصليب بفترة قياسية وبمحضر الجنود الرومان فقط، وتم اخفاء ملامحهم نتيجة التعذيب الذي تعرضوا له قبل رفعهم على الصليب، ثم انزلوا من على خشبة الصليب سريعا ودفنوا في مغارة بستان يملكه يوسف الرامي نفسه، واخفيت بعد ذلك جثة يسوع ابن الأب (بَرأَبَّا) لكيلا ينكشف سر استبداله شخصية يسوع المسيح بشخصية يسوع ابن الأب (بَرأَبَّا). كل ذلك من اجل اشاعة القول بان يسوع قد قتل على الصليب، لكي يتوقف اليهود عن تتبع المسيح والاستمرار بالكيد له وقتله، ثم شاءت ارادة الله سبحانه وتعالى ان يرفع المسيح الى السماء، فبقي الامر على الأرض وفي المجتمع اليهودي بين اشاعة مقتل المسيح على الصليب وبين اعدام يسوع ابن الأب فعلاً وبين ظنون بولس واوهامه التي تحولت الى عقيدة مسيحية! ويقال ان المسيح كان يسيح في الارض لفترات طويلة، ووافق ان رفعه الله الى السماء فاختفت آثاره واخباره، واصبح اليهود في حرج لأنهم اذا اعترفوا ان الله سبحانه رفعه كما رفه ايليا ففي ذلك اعتراف بنبوته وان دعوته دعوة حق وانهم ملامون لعدم الالتفاف حوله مما يجلب سخط عامة الناس عليهم، ولذلك لجأوا الى خدعة انهم قتلوه على الصليب مستغلين قتل الرومان ليسوع ابن الأب (بَرأَبَّا) واشاعوا ذلك بين الناس. فاشتبه الامر على الناس وشاع بينهم ان المسيح الذي كان ياتي بالمعجزات قد صلبه اليهود!

واما الدعوى بقيامة المسيح في اليوم الثالث فيعود اصلها الى معتقد يهودي، يقول الاب بولس الفغالي: (كان اليهود يعتقدون ان النفس تبقى قرب الجسد ثلاثة ايام وهي ترجو العودة اليه)[40]. بالاضافة الى عقيدة اليهود بعودة الصالحين الى الحياة، وهو امر شائع لديهم ولذلك نجد في انجيل لوقا (9: 7) يظنون ان يوحنا قام من بين الاموات. والمسيح نفسه كان يحي الموتى بإذن الله سبحانه. وتفرد انجيل يوحنا (11: 1-44) برواية احياءه لعازر الذي مات ودفن في مغارة على بابها حجر! وقد مضى على موته اربعة أيام. لذلك قال بولس انه بعد اختفاءه وصلب المسيح - أي يسوع بَرأَبَّا (يسوع ابن الأب - انه لابد ان يقوم في اليوم الثالث من بين الاموات، بحسب معتقدهم اليهودي، لأن الذي احيا لعازر من بين الاموات قادر على ان يحيي نفسه!! وبذلك تشكلت عقيدة القيامة في ذهن بولس! وقد تكون هناك سيناريوهات اخرى.

جاء في تفسير الرازي مناقشته مدلول قوله تعالى: ((ولكن شبّه لهم)). قال: (قوله ((شبه)) مسند إلى ماذا ؟ إن جعلته مسندا إلى المسيح فهو مشبه به وليس بمشبه ، وإن أسندته إلى المقتول فالمقتول لم يجر له ذكر . والجواب من وجهين : الأول : أنه مسند إلى الجار والمجرور ، وهو كقولك : خيل إليه كأنه قيل : ولكن وقع لهم الشبه . الثاني : أن يسند إلى ضمير المقتول لأن قوله ((وما قتلوه)) يدل على أنه وقع القتل على غيره فصار ذلك الغير مذكورا بهذا الطريق ، فحسن إسناد (( شبه)) إليه)[41]. فالمحصلة ان هناك قتيل وانهم اشتبهوا بالقتيل فظنوه المسيح! ولكن من هو الذي قام بالتشبيه هل هو الله سبحانه عن طريق إلقاء شبه المسيح على شخص آخر؟ أم أحبار اليهود الذين اشاعوا مقتل المسيح مستغلين تشابه اسمه مع اسم يسوع ابن الأب (بَرأَبَّا)، فانطلى ذلك على عامة اليهود! ام الرومان هم من فعلوا ذلك؟! كما ان الآية الكريمة تتحدث عن القتل والصلب فقالت: ((وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم)) أي شبّه القتل والصلب لهم. أي اشتبهوا انهم قتلوه وصلبوه ولكنهم قتلوا وصلبوا غيره. أما من هو هذا القتيل المصلوب فلم تبينه الاية الكريمة، إذ لا اهمية لذلك. ويكفي ان القرآن المعجز هو الذي بيّن عدم قتل المسيح وعدم صلبه للتصديق بذلك، كما ان القرآن المعجز هو الذي بيّن طهارة مريم العذراء (عليها السلام) من افتراء اليهود عليها. فما يُصدَّقْ في احدهما يُصدَّقْ في الآخر وما يُكذَّبْ في احدهما يُكذَّبْ في الآخر.

تفاصيل القبض على المسيح

تحدث رشيد حمامي عن تفاصيل القبض على المسيح، وانتقى انجيل يوحنا لينقل منه! فلم ينتقِ واحداً من الاناجيل الازائية Synoptic Gospels (متى ومرقس ولوقا)[42] وهي التي تحتوي على مشتركات فيما بينها حيث تشترك في رواية الاحداث مع وجود اختلافات فيما بينها، ولكنه انتقى من انجيل يوحنا الذي لا تتفق معه بقية الاناجيل في رواية الاحداث!!

ينقل رشيد عن انجيل يوحنا (18: 3-9): (فأخذ يهوذا الجند وخداما من عند رؤساء الكهنة والفريسيين، وجاء إلى هناك بمشاعل ومصابيح وسلاح. فخرج يسوع وهو عالم بكل ما يأتي عليه، وقال لهم: «من تطلبون؟» أجابوه: «يسوع الناصري». قال لهم: «أنا هو». وكان يهوذا مسلمه أيضا واقفا معهم. فلما قال لهم: «إني أنا هو»، رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض. فسألهم أيضا: «من تطلبون؟» فقالوا: «يسوع الناصري». أجاب يسوع: «قد قلت لكم: إني أنا هو. فإن كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون». ليتم القول الذي قاله: «إن الذين أعطيتني لم أهلك منهم أحدا»)!

فمن هذا النص نقرأ ان جموع الناس حينما سألوا من يسوع الناصري؟ قال لهم (انا هو)! فما هي فائدة يهوذا إذن في الدلالة عليه، هل فقط مهمته ان يدلهم على مكانه! كان يمكنه ان يدلهم على مكانه دون ان يظهر في مشهد الخيانة ويقف امام المسيح غير عابه به! وقد اشرنا آنفاً الى ان يهوذا كان يسمع الكلام متناقضاً من المسيح فيسمعه يسمي نفسه (ابن الانسان) امام جموع الناس، ويسمي نفسه (ابن الله) في جلساته الخاصة مع تلاميذه! فقد يكون هذا مما سبب صدمة له زعزعت ثقته بالمسيح!!

ودور يهوذا الاسخريوطي في نص انجيل يوحنا يختلف عن دوره في الاناجيل الازائية الثلاثة (متى ومرقس ولوقا) فاما ان يكون ما جاء في يوحنا هو الصواب او ما جاء في تلك الاناجيل الإزائية الثلاثة هو الصواب، وفي الحالتين يسقط الطرفين عن الاعتبار ولا يكونا وحياً إلهياً لأنه لا مرجِّح لأحدهما على الآخر!

ويرسم رشيد حمامي صورة شجاعة للمسيح انه قال لهم (انا هو) ولم يكترث لهم، متناسياً انه نفسه كان يصرخ منادياً ربه على الصليب ويقول: (إلهي إلهي لماذا تركتني)!! ثم انه اذا كانت خطة الإله هو ان يموت ابنه على الصليب لغفران الخطايا، فلا توجد شجاعة في الامر بل هو إذعان من قبل المسيح لما سيحصل من صلب وقتل.

ويفتخر رشيد حمامي بعبارة قالها المسيح وهي انه بعدما قال (انا هو) قال للجنود: (فإن كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون)! ويتخذ منها منطلقاً للتطاول على رسول الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فنسب له كلاماً بعد تحريفه له - انه في معركة أحد قال لسبعة من اصحابه وقد احاطت به قريش: (من يفديني وله الجنة)، فقتل اول واحد منهم فقال النبي من التالي من يفديني وله الجنة، فقتلوا سبعتهم، ثم يتهكم على النبي ويقول: انت عارف ان هناك جنة فلماذا لا "تطلع" انت اليها وتتركهم هم على الارض! هذا جانب من الاخلاق الرديئة لبعض المبشرين المسيحيين وخصوصاً ممن كانوا قد ارتدّوا عن الاسلام، لا يحسنون الدفاع عن المسيحية وبيان محاسنها – إنْ وُجِدَتْ - الا بمهاجمة الاسلام ونبيه! فالرواية التي نقلها مسلم النيسابوري في صحيحه عن انس بن مالك انه قال: (ان رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد يوم أحد في سبعة من الانصار ورجلين من قريش فلما رهقوه قال من يردهم عنا وله الجنة أو هو رفيقي في الجنة فتقدم رجل من الانصار فقاتل حتى قتل ثم رهقوه أيضاً فقال من يردهم عنا وله الجنة أو هو رفيقي في الجنة فتقدم رجل من الانصار فقاتل حتى قتل فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لصاحبيه ما انصفنا أصحابنا)[43]! وبغض النظر عن قيمة هذه الرواية ودقتها، وان راويها انس بن مالك لم يشترك في معركة احد وكان عمره حينذاك (12) سنة فقط! فكيف علم بهذه التفاصيل. ولكن الحدث كان في معركة، وقد تراجع جيش المسلمين نتيجة عدم التزام الرماة المتواجدين على جبل أحد بأوامر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فبقي حول النبي بين تسعة الى ثلاثين رجلاً، فإذا قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هذه العبارة تشجيعاً لمن حوله على الثبات والتصدي للمشركين فماذا يعاب عليه من ذلك؟! أيريد رشيد حمامي ان يُقتل النبي (صلى الله عليه وآله) فلا يكشف بطلان عقيدة المسيحيين وان المسيح لم يُقتل ولم يُصلب؟! ثم ان الرواية تذكر انه قال: (من يردهم عنا)، أي عن جميع الثابتين المحاصرين الذين يقاتلون بضراوة في تلك الاثناء، فكان التسعة يقاتلون واحدهم تصدى لبعض المشركين من جهة معينة ثم استشهدوا واحداً تلو الاخر، وفي لفظ آخر في نفس الرواية: (هو رفيقي في الجنة)، فمن الطبيعي إنَّ من يُقتَل من المسلمين في تلك الحالة يكون في الجنة ولكنه (صلى الله عليه وآله وسلم) يشجعهم على ضراوة القتال بان يخبرهم ان من يقتل ليس فقط في الجنة بل يكون رفيقه فيها. فلا غضاضة في ذلك.

ورشيد حمامي باختياره النص الذي فيه ان المسيح يقول لجموع الكهنة واليهود القادمين للقبض عليه: (فإن كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون) يحاول التغطية على فضيحة هروب تلاميذ المسيح من حوله اثناء القبض عليه، والتي روتها الاناجيل الازائية متى ومرقس ولوقا! وقد ذكرناها في فقرات سابقة ونركز على بعض العبارات فيها فيما ياتي:

ـ في إنجيل متى ( 26: 36-56 ) ننقله باختصار: (فقال لهم نفسي حزينة جداً حتى الموت ، امكثوا ها هنا واسهروا معي ، ثم تقدم قليلا وخر على وجهه وكان يصلي قائلا : يا أبتاه ! إن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس ولكن ليس كما أريد أنا بل كما تريد أنت)! ،،، (وفيما هو يتكلم إذا يهوذا أحد الاثني عشر قد جاء ومعه جمع كثير بسيوف وعصي من عند رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب) ،،، (حينئذٍ تركه التلاميذ كلهم وهربوا).

ـ وفي انجيل مرقس (14: 1و2 – 14: 32-52) ننقله باختصار: (فقال لهم: «نفسي حزينة جداً حتى الموت! امكثوا هنا واسهروا». ثم تقدم قليلا وخرَّ على الأرض، وكان يصلي لكي تعبر عنه الساعة إن أمكن. وقال: «يا أبا الآب، كل شيء مستطاع لك، فأجز عني هذه الكأس. ولكن ليكن لا ما أريد أنا، بل ما تريد أنت». ثم جاء ووجدهم نياما) ،،، (وللوقت فيما هو يتكلم أقبل يهوذا، واحد من الاثني عشر، ومعه جمع كثير بسيوف وعصي من عند رؤساء الكهنة والكتبة والشيوخ) ،،، (فتركه الجميع وهربوا. وتبعه شاب لابسا إزارا على عريه، فأمسكه الشبان، فترك الإزار وهرب منهم عرياناً)!

ـ في إنجيل لوقا (22: 39-54) ننقله باختصار: (وانفصل عنهم نحو رمية حجر وجثا على ركبتيه وصلى قائلا: «يا أبتاه، إن شئت أن تجيز عني هذه الكأس. ولكن لتكن لا إرادتي بل إرادتك». وظهر له ملاك من السماء يقويه[44]. وإذ كان في جهاد كان يصلي بأشد لجاجة، وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض) ،،، (فأخذوه وساقوه وأدخلوه إلى بيت رئيس الكهنة. وأما بطرس فتبعه من بعيد).

فالاناجيل الازائية الثلاثة توضح نقطتين مهمتين:

1. ان المسيح كان مذعناً لما سيجري عليه من القاء القبض والقتل. من اجل ماذا هذا الاذعان؟! ليصبح له الحق في ان يغفر للمؤمنين به خطاياهم!!! فمن الذي سلبه هذا الحق وهم يقولون عنه انه الله وابن الله والاقنوم الثاني وخالق كل شيء!! الا يتعارض ذلك مع ما ترويه الاناجيل من ان المسيح كان يغفر الخطايا مجاناً[45]! فما عدا مما بدا؟!!

2. ان التلاميذ بعد القاء القبض على المسيح هربوا من حوله، وبعضهم انكره وقال لا اعرفه!! واحدهم هرب عرياناً!!

قارن يا رشيد حمامي بين الذين ثبتوا مع النبي (صلى الله عليه وآله) في معركة احد وضحّوا بحياتهم من اجل نبيهم ودينهم، وبين تلاميذ المسيح الذين هربوا وتركوا "ربهم" و"إلههم" و"اقنومهم الثاني" بيد اليهود يهينوه ويصلبوه ويقتلوه!!

والعبارة الملفتة للنظر في انجيل لوقا (22: 43): (وظهر له ملاك من السماء يقويه)! الملاك الذي هو اقل شاناً من المسيح يقوي المسيح! الم يكن لاهوت المسيح كافياً ليقوي ناسوته؟! هل كان لاهوت المسيح مع ناسوته ضعيفين خائرين مذعنين لإرادة الأب الاقنوم الاول؟! فكيف إذن يدّعون ان الاقانيم الثلاثة متساوية؟! ولماذا في المسيحية يحتاج الإله الى المخلوق الذي يخلقه؟! لماذا احتاج الإله الى الملاك ليقويه والى الجسد ليتجسد به والى خشبة الصليب ليصلب عليها ثم يتمكن من بعد ذلك من غفران الخطايا!! لماذا إله المسيحية ضعيف الى هذا الحد؟!!

الهوامش:

[1] في كتاب الحاوي في تفسير القرآن الكريم، وهو موسوعة ضخمة في تفسير القرآن الكريم وعلومه، جمعه وأعده الشيخ عبد الرحمن بن محمد القماش، إمام وخطيب بوزارة الأوقاف الإماراتية - في إمارة رأس الخيمة، جاء فيه: ({وقولهم إنا قتلنا المسيح} ثم بينه بقوله: {عيسى ابن مريم} ثم تهكموا به بقولهم: {رسول الله} أي الذي له أنهى العظمة، فجمعوا بين أنواع من القبائح، منها التشيع بما لم يعطوا، ومنها أنه على تقدير صدقهم جامع لأكبر الكبائر مطلقًا، وهو الكفر بقتل النبي لكونه نبيًا، وأكبر الكبائر بعده وهو مطلق القتل، ولم يكفهم ذلك حتى كانوا يصفونه بالرسالة مضافة إلى الاسم الأعظم استهزاء به وبمن أرسله عزَّ اسمه وجلت عظمته وتعالى كبرياؤه وتمت كلماته ونفذت أوامره لكونه لم يمنعه منهم على زعمهم). انظر الرابط: https://bit.ly/2OZwfiA ، وقال ايضاً: (ثم تبجحوا بأنهم قتلوا المسيح وصلبوه، وهم يتهكمون بدعواه الرسالة فيقولون: قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله! وحين يصل السياق إلى هذه الدعوى منهم يقف كذلك للرد عليها، وتقرير الحق فيها: {وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن. وما قتلوه يقينًا. بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزًا حكيمًا}). انظر الرابط: https://bit.ly/30PpRQu

[2] موقع الويكيبيديا الالكتروني، تحت عنوان (نظرية أسطورة يسوع)، عبر الرابط: https://bit.ly/39rpSyh

[3] الميزان في تفسير القرآن / السيد محمد حسين الطباطبائي – ج3 ص310 و311.

[4] مقال بعنوان (هل وُجد يسوع فعلاً؟) بقلم فراس السواح، منشور في موقع الأوان بتاريخ 8 ديسمبر2013، عبر الرابط: https://bit.ly/2WWdLEg

[6] في رسالة بولس الى اهل غلاطية (3: 13): (المسيح افتدانا من لعنة الناموس، إذ صار لعنة لأجلنا، لأنه مكتوب: «ملعون كل من علق على خشبة»)!

[7] كما في في انجيل يوحنا (7: 8-10)، وقد ناقشنا هذا الموضوع بإسهاب وبينّا تحريف النص في الطبعات الحديثة بصورة تفصيلية في مقالنا الموسوم (الاخ رشيد واخطاؤه في محاضرته الانجيل الذي لم اكن اعرفه - (3))، المنشور في موقع كتابات في الميزان، عبر الرابط التالي:

https://www.kitabat.info/subject.php?id=146329 .

[8] هذا من باب (من فمك ادينك)، اي الزام المسيحيين بما يؤمنون به.

[9] انظر على سبيل المثال: متى (8: 20) و(9: 6) و(11: 19) و(12: 8) و(12: 32) وغيرها كثير!

[10] انظر انجيل متى (16: 13) فيه يستعمل المسيح لنفسه لقب (ابن الانسان) فقال: (من يقول الناس إني أنا ابن الإنسان؟) وهو اللقب الذي كان يستعمله لنفسه امام الناس! وفي (16:16) يسمي نفسه امام تلاميذه في جلساته الخاصة: (المسيح ابن الله الحي)!! ألا يدفع ذلك يهوذا الاسخريوطي للشك!!

[11] منشور في موقع (كنتبات في الميزان) بتاريخ 25/7/2020م، عبر الرابط:

https://www.kitabat.info/subject.php?id=146674

[12] العهد الجديد (بولس باسيم) – ص31.

[13] المصدر السابق – ص153.

[14] المصدر السابق – ص227.

[15] المصدر السابق – ص349.

[16] اختلفت الأناجيل الأربعة في تحديد مكان القبض على المسيح بين جبل الزيتون وضيعة جتسماني وبستان في وادي قدرون ، وللتخلص من هذا الإشكال فقد قالوا إن الضيعة تقع في وادي قدرون في اسفل جبل الزيتون [انظر: العهد الجديد ، قراءة رعائية ، تعليق الاب بولس الفغالي في ص86]، ولكن التعبير الذي استخدمه كاتب إنجيل يوحنا كما مر " فخرج يسوع وهو عارف بجميع ما يأتي عليه " يشير إلى تواجد المسيح في بيت في ذلك المكان حيث خرج من البيت إلى من جاء ليقبض عليه.

[17] في التفسير التطبيقي للكتاب المقدس: الكتبة: "المفسرون المحترفون للشريعة، وكانوا يشددون على حفظ التقاليد، وكان الكثيرون منهم من الفريسيين". الفريسيون: "جماعة دينية يهودية متزمتة كانوا يؤيدون الطاعة الحرفية للشريعة والتقاليد اليهودية، وكان لهم نفوذ كبير في المجامع". الصدوقيون: "الطبقة العليا الثرية، وحزب الكهنة اليهودي. وكانوا لا يعترفون الا بسلطان اسفار موسى الخمسة دون سائر الاسفار. وكانوا يربحون من التجارة في الهيكل، وكانوا هم والفريسيون أكبر حزبين في المحكمة اليهودية العليا". (انظر: ص1986).

وجاء فيه ايضاً: "كان الفريسيون ينعزلون عن كل ما ليس يهودياً، ويتبعون بالتدقيق شرائع العهد القديم والتقاليد الشفوية التي تسلموهاعلى مدى قرون طويلة. أما الصدوقيون فكانوا يؤمنون باسفار موسى الخمسة فقط (من التكوين الى التثنية) باعتبار انها وحدها كلمة الله.وكانوا في الغالب ينحدرون من عائلات كهنوتية عريقة. بينما كان الفريسيون ينحدرون من كل الطبقات. وكان الفريقان يكره أحدهما الآخر بشدّة. ولكن كان كلاهما يقاومان الرب يسوع. وقد انتقد يوحنا المعمدان الفريسيين لناموسيتهم وريائهم، إذ كانوا يتمسكون بحرفية الكتاب الناموس، لكنهم يتجاهلون مضمونه الحقيقي. وانتقد الصدوقيين لأنهم كانوا يستخدمون الدين لتأييد موقفهم السياسي". (انظر: ص1872).

[18] كتاب "مخطوطات البحر الميت" / احمد عثمان ـ ص137- 138.

[19] تفسير مجمع البيان / الشيخ الطبرسي - ج3 ص233. وأيضاً: زاد المسير / ابن الجوزي - ج2 ص217.

[20] بحار الأنوار / العلامة المجلسي - ج14 ص340. أيضاً: التبيان / الشيخ الطوسي - ج3 ص382. وكذلك: تفسير القمي / علي بن إبراهيم القمي - ج1 ص103. و تفسير القرآن / عبد الرزاق الصنعاني - ج1 ص177. وجامع البيان / إبن جرير الطبري - ج6 ص17.

[21] تفسير الثعلبي / الثعلبي - ج3 ص410.

[22] انجيل برنابا (4:216).

[23] الفرق والمذاهب المسيحية منذ البدايات حتى ظهور الاسلام / نهاد خياطة ـ ص51.

[24] العهد الجديد ، قراءة رعائية / تعليق الاب بولس الفغالي في ص375.

[25] العهد الجديد ، قراءة رعائية ، تعليق الاب بولس الفغالي في ص285.

[26] تفسير مجمع البيان / الشيخ الطبرسي - ج3 ص233.

[27] تفسير الميزان / السيد الطباطبائي - ج5 ص132.

[28] المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز / ابن عطية الأندلسي - ج2 ص133.

[29] التسهيل لعلوم التنزيل / الغرناطي الكلبي - ج 1 ص166.

[30] العهد الجديد ، قراءة رعائية ، تعليق الاب بولس الفغالي في ص285.

[31] العهد الجديد ، قراءة رعائية ، تعليق الاب بولس الفغالي في ص185.

[32] العهد الجديد ، قراءة رعائية ، تعليق الاب بولس الفغالي في ص373.

[33] العهد الجديد ، قراءة رعائية ، تعليق الاب بولس الفغالي في ص42.

[34] العهد الجديد ، قراءة رعائية ، تعليق الاب بولس الفغالي في ص43.

[35] وبعض النسخ العربية تستعمل لفظ (القانوي) بدلا من الغيور ! ولعلها تحريف لكلمة (الكنعاني) حيث ان نسخة الملك جيمس باللغة الانكليزية تستعمل (الكنعاني = Canaanite) لقباً لسمعان!

[36] العهد الجديد ، قراءة رعائية ، تعليق الاب بولس الفغالي في ص204.

[37] انجيل متى (37:27).

[38] انجيل متى (29:27).

[39] الفرق والمذاهب المسيحية منذ البدايات حتى ظهور الاسلام ، نهاد خياطة ـ ص48 و49.

[40] العهد الجديد ، قراءة رعائية ، تعليق الاب بولس الفغالي في ص344.

[41] تفسير الرازي / الفخر الرازي - ج11 ص99.

[42] مقال بعنوان: (الأناجيل الإزائيّة توازيات واختلافات) للأب بولس الفغالي، منشور في موقعه الشخصي، عبر الرابط: https://bit.ly/30LAi7U

[43] صحيح مسلم / مسلم النيسابوري / دار الفكر في بيروت – ج5 ص178.

[44] هذا نموذج من الاضطراب العقائدي عند المسيحيين، فكيف يظهر ملاك مخلوق ليقوي الإله الخالق!!؟؟؟

[45] راجع انجيل متى (9: 1-8) يذكر ان المسيح كان يغفر الخطايا مباشرة! جاء فيه ما نصّه: (فدخل السفينة واجتاز وجاء إلى مدينته. وإذا مفلوج يقدمونه إليه مطروحا على فراش. فلما رأى يسوع إيمانهم قال للمفلوج: «ثق يا بني. مغفورة لك خطاياك». وإذا قوم من الكتبة قد قالوا في أنفسهم: «هذا يجدف!» فعلم يسوع أفكارهم، فقال: «لماذا تفكرون بالشر في قلوبكم؟ أيما أيسر، أن يقال: مغفورة لك خطاياك، أم أن يقال: قم وامش؟ ولكن لكي تعلموا أن لابن الإنسان سلطانا على الأرض أن يغفر الخطايا». حينئذ قال للمفلوج: «قم احمل فراشك واذهب إلى بيتك!» فقام ومضى إلى بيته. فلما رأى الجموع تعجبوا ومجدوا الله الذي أعطى الناس سلطانا مثل هذا)! فما هي الحاجة الى عقيدة الفداء والخلاص على الصليب؟!!


قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat


نبيل محمد حسن الكرخي
 (للدخول لصفحة الكاتب إضغط هنا)

    طباعة   ||   أخبر صديقك عن الموضوع   ||   إضافة تعليق   ||   التاريخ : 2020/08/06



كتابة تعليق لموضوع : أخطاء محاضرة "الاخ رشيد" عن المسيح – ( 2 )
الإسم * :
بريدك الالكتروني :
نص التعليق * :
 



حمل تطبيق (كتابات في الميزان) من Google Play



اعلان هام من قبل موقع كتابات في الميزان

البحث :





الكتّاب :

الملفات :

مقالات مهمة :



 إنسانية الإمام السيستاني

 بعد إحراجهم بكشف عصيانها وخيانتهم للشعب: المرجعية الدينية العليا تـُحرج الحكومة بمخالفة كلام المعصومين.. والعاصفة تقترب!!!

 كلام موجه الى العقلاء من ابناء شعبي ( 1 )

 حقيقة الادعياء .. متمرجعون وسفراء

 قراءة في خطبة المرجعية : هل اقترب أَجلُ الحكومةِ الحالية؟!

 خطر البترية على بعض اتباع المرجعية قراءة في تاثيرات الادعياء على اتباع العلماء

 إلى دعاة المرجعية العربية العراقية ..مع كل الاحترام

 مهزلة بيان الصرخي حول سوريا

 قراءة في خطبة الجمعة ( 4 / رمضان/ 1437هـ الموافق 10/6/2016 )

 المؤسسة الدينية بين الواقع والافتراء : سلسلة مقالات للشيخ محمد مهدي الاصفي ردا على حسن الكشميري وكتابيه (جولة في دهاليز مظلمة) و(محنة الهروب من الواقع)

 الى الحميداوي ( لانتوقع منكم غير الفتنة )

 السيستاني .. رسالة مهدوية عاجلة

 من عطاء المرجعية العليا

 قراءة في فتوى الدفاع المقدس وتحصين فكر الأمة

 فتوى السيد السيستاني بالجهاد الكفائي وصداها في الصحافة العالمية

 ما هو رأي أستاذ فقهاء النجف وقم المشرّفتَين السيد الخوئي بمن غصب الخلافة ؟

 مواقف شديدة الحساسية/٢ "بانوراما" الحشد..

أحدث مقالات الكتّاب :


مقالات متنوعة :





 لنشر مقالاتكم يمكنكم مراسلتنا على info@kitabat.info

تم تأسيس الموقع بتاريخ 1/4/2010 © محمد البغدادي 

 لا تتحمل الإدارة مسؤولية ما ينشر في الموقع من الناحيتين القانونية والأخلاقية.

  Designed , Hosted & Programmed By : King 4 Host . Net