ظاهرة الإستهزاء بالأنبياء
يحيى غالي ياسين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
يحيى غالي ياسين
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
لا زال رسول الإنسانية نبيّنا محمّد صلوات الله وسلامه عليه يتعرّض للأذى الذي طالما عانى منه في حياته ، وفي نفسه وأهل بيته ، حتى ورد عنه ( ما أوذي نبي مثل ما أوذيت ) - كنزالعمال ج٣ ، ص١٣٠ - . والإستهزاء به صلوات الله عليه من أوضح أشكال الأذى الذي تلقّاه ولا زال يتلقّاه للأسف الشديد ..
فالإستهزاء بالرسل عامّة وبنبي الإسلام خاصة ليس بجديد وهو ديدن ودين الجبهة المقابلة لهم ، سواء من طواغيت السلطة أو طواغيت الفكر .. ومَن يتّبعهم ويلحق بهم ممّن غُرر به أو من كان على شاكلتهم .. قال تعالى ( وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ) الأنعام ١٠ ..
وسنحاول التطرق الى هذه الظاهرة التاريخية ضمن محاور :
+ معنى الإستهزاء : هو صدور ما يدعو لإنتقاص شأن المقصود به من المستهزىء ، بوجود المقتضي أو بعدمه ، بغرض التحقير له أو التنفير منه او كليهما . ( موسوعة التفسير الموضوعي الالكترونية )
+ من أشكال الإستهزاء بالأنبياء : وما دام موضوعنا مختصّ بظاهرة الإستهزاء بالأنبياء فمن الضروري جداً التعرّف على أشكال هذا الإستهزاء وأمثلته ، وذلك لتجّنبه أولاً ومعرفة أسبابه وطرق علاجه ثانيا .
وإذا أردنا استنطاق القرآن الكريم ومعرفة أشكال ومصاديق الإستهزاء الذي تعرّض له الرسل والأنبياء فسنجده يقع على عدد من الأشكال :
- منها (التكذيب) : قال تعالى ( فَقَدْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ ۖ فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) .
- ومنها (النفاق والتعامل مع الرسل بوجهين : قال تعالى ( يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ ۚ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ ) .
- ومنها ( اتهامهم ونعتهم بأوصاف مشينة ) : قال تعالى (وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ ) (ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ) (ومنهم الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُن )ٌ .
- ومنها الهمز ( التعييب والإنتقاص بالقول ) واللمز ( إنتقاص بالفعل) : قال تعالى ( وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ ) .
- ومنها ( الإنتقاص من الرسل من خلال الإنتقاص من اصحابهم ) : قال تعالى ( فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ ) .
فكل هتك وإنتقاص ومحاولة توهين قدسية الرسل والتقليل من شأنهم في أعين الآخرين بشتى انواع الوسائل والطرق هو من الإستهزاء ..
+ من أسباب ظاهرة الإستهزاء بالرسل : لهذه الظاهرة أسباب كثيرة ، ومعرفة تلك الأسباب نافعة كوقاية من هذا الذنب الكبير ونافعه كخطوة مهمّة في طريق معالجته والقضاء عليه إن وقع ، وذلك بسبب التلازم العقلي بين ( السبب والمسبب عنه ) .. ومن هذه الأسباب :
1. الجهل : فالناس أعداء ما جهلوا ، والجهل يكاد يكون علّة لكل تقصير صادر عن الإنسان في هذه الحياة تجاه ربه ونفسه ومجتمعه وطبيعته المحيطة به ، ومن الإشارات القرآنية لهذا السبب ( وإذ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) .
2. الإستكبار : وهذا من أهم أسباب الهزو ويصيب حتى من كان له نصيباً من العلم ،( يسْمَعُ آيَاتِ اللَّهِ تُتْلَىٰ عَلَيْهِ ثُمَّ يُصِرُّ مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا ۖ فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * وَإِذَا عَلِمَ مِنْ آيَاتِنَا شَيْئًا اتَّخَذَهَا هُزُوًا ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِين ) .
3. الحقد والكراهية : ونفس الإستكبار اعلاه يكون بسبب الحقد والكراهية ( ۖكُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنْفُسُهُمْ فَرِيقًا كَذَّبُوا وَفَرِيقًا يَقْتُلُونَ ) وقلنا التكذيب من أشكال الإستهزاء ..
4 . لكل فعل ردة فعل : أحياناً كثيرة يكون الإستهزاء بالأنبياء وعلى وجه الخصوص بنبي الإسلام صلوات الله عليه ( كما في هذه الأيّام ) كردة فعل عن أثر تصرفات خاطئة ومشينة يقوم بها بعض المنتمين للإسلام ، ولنقل أن الإستهزاء أصبح في أيّامنا هذه رداً لإعتداء يبدأ به بعض المسلمين ، ولقد نبّه القرآن الكريم لهذا السبب وحذر منه ( وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ كَذَٰلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ..
فالتصرفات الخاطئة للمسلمين تطبَع نظرة خاطئة عند غيرهم عن الإسلام ونبي الإسلام ، فبدلاً من تصدير أخلاق الرسول ورحمة الإسلام وأسسه الإنسانيه أصبح الإرهاب هوية الإسلام وصفة المسلمين ..!!!! والمسلم الذي يكون سبباً لإستهزاء الرسول (ص) عليه وزره ووزر من أساء الى النبي (ص) .. وورد عن أهل بيت العصمة (ع) ما مضمونه ( كونوا لنا زيناً ولا تكونوا علينا شينا ) ..
+ من طرق معالجة ظاهرة الإستهزاء : لا شك أن الرسل عامة ونبينا صلوات الله عليه خاصة قد تكفّل الله جلّ وعلا مؤونة مواجهة الاستهزاء ( إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ ) ومؤونة رفع ذكرهم وشأنهم ، قال تعالى ( وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ) .. ولكن هنالك واجباً ملقى على عاتق المسلمين وعليهم أن يمنعوا ويرفعوا كل هتك لحرمة أي مقدّس من مقدساتهم ، فكيف بحرمة أقدس المقدسات بعد الله جل وعلا وهو نبيهم وهو خير الخلق على الإطلاق ..
ويجب أن تكون تلك المعالجات مدروسة ومتقنة لا من باب إسقاط الفرض ، وأستطيع أن أُجمل تلك المعالجات بأمرين ضرورين هما :
1. معالجة ومكافحة الأسباب الموجبة للإستهزاء والتي ذكرنا أهمها في الحلقات السابقة .
2. ينبغي أن تكون ردّة فعل قوية على كل من يسيء إلى شخص النبي الأكرم صلوات الله عليه سواء على المستهزء غير المسلم أو المسلم الذي كان بسبب تصرفاته اسيء الى النبي صلوات الله عليه ..
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat