القول الصحيح في مكان وزمان ولادة السيد المسيح..
ثائر محمد الموسوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
ثائر محمد الموسوي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
المتمعن للآية الكريمة في القرآن الكريم ( وهزي اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا) يدرك بان ولادة السيد المسيح عليه السلام لم تكن بحسب الرواية المزعومة في بيت لحم ، وان مفسري التفاسير انساقوا الى التشويش في ولادته كما كان ذلك لمن قبلهم من واضعي الاناجيل ومفسريها.
سنفند هذه الرواية حسب المعطيات التالية:
- لم تكن بيت لحم موجودة على الخارطة في أورشليم عندما ولد السيد المسيح ، وإنما كانت هناك مدينة أخرى اسمها بيت لحم تقع في لبنان أما بيت لحم التي يزعمون أن السيد المسيح ولد فيها فقد ولدت بعد قرون طويلة من ميلاد المسيح ومن هنا فقد حامت الشبهات حول مكان ولادة المسيح عليه السلام. حتى أن اثنين من كتبة الاناجيل وهما مرقس ويوحنا لم يذكرا شيئا عن ولادة السيد المسيح وطفولته وتجاوزا ذلك وهذا ملفت للنظر حقا، إن مرقس (واضع الإنجيل الأول) ويوحنا مع شهرة إنجيله لا يذكران اي كلمة عن ميلاد المسيح، لا عن مكان ولادته ولا عن احداث طفولته؟! فالاثنان يبدآن إنجيلهما بسيرته بعد بعثته مباشرة متجاهلين كل ماضيه ، وكانهما شعرا ان في ولادة المسيح امرا مريبا.
ولابد من الإشارة هنا إلى أن تاريخ نشأة السيد المسيح الذي بقي مخفيا، إلى أنه مشابه إلى سيرة الرسول الأكرم محمد صلوات الله عليه، والتي عتم عليها منذ ولادته إلى يوم بعثته النبوية، فلم يصلنا منها إلى شذرات ولمحات قليلة هنا وهناك، وكانت مصادرها مأخوذة عن اهل البيت عليهم السلام.
- لم يكن في بيت لحم ايا كانت سواءا في لبنان او بيت لحم المزعومة في ذلك الوقت، لم يكن هناك نخيل، ويمكن القول ان أول نخل زرع في فلسطين هو نخل سيدنا هاشم جد النبي صلوات الله عليهما في غزة اذ كان يجمع النوى طوال الطريق ويأتي به الى غزة ليزرعه فيها، ولذلك تسمى غزة بغزة هاشم، وكان يفد اليها في رحلة قريش كل سنة الى الشام.
- يذكر القرآن الكريم " وهزي إليك بجذع النخل تساقط عليك رطبا جنيا"
يدل تفسير الآية المباركة هنا ان غذاء السيدة العذراء عليها السلام ، كان من الرطب الجني اي الطري، وهذا الرطب يكون جنيا في فصل الصيف في المناطق الحارة جدا.
وهذا ما ذهبت اليه بعض النصوص الانجيلية من ان ولادته عليه السلام كانت في فصل الصيف وفي منطقة تكثر فيها الرمال والنخيل، بل وذهبت تلك النصوص الانجيلية إلى أن مكان ولادة السيد المسيح كانت في وقت كان يكثر فيه رعاة الاغنام، وهؤلاء الرعاة لا يتسنى لهم الرعي في فصل الشتاء لشدة البرد.
والطريف هنا ان نذكر ما ذهبت إليه الباحثة التاريخية ايزابيل ماما آشوري ، إلى أن كل الرسامين العالميين الذين رسموا السيد المسيح في لحظة ولادته، رسموه في أجواء صيفية، لم يشيروا في رسومهاتهم تلك الى البرد أو إلى وجود جبال، أو إلى اي شئ يتعلق بفصل الشتاء.
- لم يعطي المفسرين أهمية تذكر لكلمتي "قصياً" و"شرقياً" التي وردت في آيات سورة مريم، وهو تصريح بأنها تركت المكان باتجاه منطقة شرقية وبعيدة عن مكانها السابق، كما انهم لم يلاحظوا ما يترتب على قولها يا ليتني مت قبل هذا وتداعياته في اللبث بمكانها او الهرب منه.
علاوة على انهم لم يلاحظوا قصة السري وهو نهر الماء الذي جرى من تحتها، وفي نفس الاتجاه تم الإعراض عن قوله تعالى بأنها عليها السلام أوت وابنها {الى ربوة ذات قرار ومعين}
- هناك امر مهم جدا غفل عنه المؤرخون وهو أن هذا الطفل مطلوب من قبل القيصر الذي كان يقتل كل طفل يولد كما اخبره المنجمون. والقيصر هذا قتل اطفال مدينة بكاملها من عمر سنتين فما دون ولذلك اقتضت الضرورة ان تهرب القديسة مريم إلى ارض خارج سيطرة القيصر فقد كانت مصر ولبنان وسوريا وفلسطين وجزء من تركيا وقبرص وشرق الاردن كله من ضمن املاك الدولة الرومانية ويد القيصر مبسوطة عليها وهو يبحث ليل نهار عن هذا الطفل الذي سوف يولد ، فليس من الممكن ان تهرب مريم إلى هذه المناطق وهي تعرف عظيم الخطر الذي يَحيق بوليدها ..
واما اختيارها للعراق فسبب وقوعه تحت سيطرة الدولة الفارسية وهي المنطقة الممتدة من بغداد المدائن وإلى الجنوب كله وجزء من الخليج يقع ضمن ادارة الدولة الفارسية والدولة الرومانية لا تجرو على الذهاب إلى هناك والبحث عن المولود الجديد . ولذلك نرى الكتاب المقدس اشار إلى نقطة أخرى مهمة جدا ، وهي ان الكهنة المجوس الإيرانيين حضروا ولادة السيد المسيح ع واعطوه هدايا كثيرة ، وكان رعاة للاغنام هناك ينامون ليلا وهذا يدل على شيئين . الأول : ان المنطقة كانت دافئة بعكس فلسطين التي كانت باردة مُثلجة في مثل هذا الفصل. والثاني وهو وجود المجوس على أرض العراق لكونها كانت محتلة من قبل الفرس ، وقد بارك ملك الفرس وعلماء المجوس هذه الولادة وقدموا الهدايا الكثيرة لمريم ووليدها وذلك لما يرونه من نبوءة بأن على يدي هذا الطفل سوف يزول حكم خصمهم القيصر.
وفق كل هذه المعطيات يمكننا القول بأن الولادة المباركة لعيسى عليه السلام مستحيلة في بيت لحم، وإنما كانت بعيدا باتجاه الشرق، دعونا هنا ننظر في روايات اهل البيت عليهم السلام التي تتحدث عن مكان الولادة المبارك للسيد المسيح عليه السلام:
عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ( عليه السلام ) فِي قَوْلِهِ : { فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا } ، قَالَ : خَرَجَتْ مِنْ دِمَشْقَ حَتَّى أَتَتْ كَرْبَلَاءَ ، فَوَضَعَتْهُ فِي مَوْضِعِ قَبْرِ الْحُسَيْنِ ( عليه السلام ) ، ثُمَّ رَجَعَتْ مِنْ لَيْلَتِهَا .
الامام الصادق عليه السلام يقول ليحيى بن عبد الله وهو من اصحابه عندما صارا في كربلاء على شفير نهر الفرات، يقول في تفسير الآية المباركة " وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين " يقول:
أتدري يا يحيى أين ولد عيسى عليه السلام؟ قال: لا، قال: في هذا الموضع الذي أنا فيه جالس، ثم قال: أتدري أين كانت النخلة؟ قال: لا، فمد يده خلفه فقال: في هذا المكان، ثم قال: أتدري ما القرار وما الماء المعين؟قال: لا، قال: هذا هو الفرات.
يقول المؤرخ والباحث في آثار كربلاء الاستاذ مهنا المطيري: بعد ان حملت مريم بعيسى تركت فلسطين وهاجرت الى مدينة اور الكلدانية (كربلاء) ولجأت الى اقاربها في هذه المدينة اولئك الذين وطنهم نبوخذ نصر بعد الاسر البابلي ضمن اقليم بابل فولدت في طف كربلاء من ناحية نينوى التابعة لمدينة اور موطن اليهود في الاسر البابلي. وبعد ان ولدت مريم بعيسى عادت الى الخليل في فلسطين واعتبر مولده هناك، علما انه توجد ادلة اثرية وتاريخية على مولده في كربلاء منها وجود صخرة اثرية كبيرة نحتت عليها نخلات تسمى بـ (نخل مريم) وموضعها عند رأس الحسين (عليه السلام) في الارض القديمة الواطئة. وفي قصة الاسراء والمعراج (الطبقة المصرية) روي ان النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) عندما نزل مع جبرائيل وصلى ركعتين في ارض نينوى من مدينة اور الكلدانية (كربلاء) سأل جبرائيل ما اسم هذه الارض فقال له: انها أرض نينوى وفيها ولد المسيح.
السيد مرتضى القزويني يقول: قبل خمسة وخمسين عاما عندما كنا شبابا وكنا ننزل الى موضع القبر الشريف لقراءة الدعاء المنحوت على الصخرة الرخامية والذي يبدأ بـ (اللهم لا تدع لي ذنباً إلا غفرته.. الى اخر الدعاء) فتسنى لي مشاهدة الصخرة التي تسمى بـ (نخل مريم) آنذاك كان طولها حسب تقديري متراً وعرضها 50 سنتيمتراً يميل لونها الى الاحمر. هذا كل ما اتذكره عن هذا الاثر.
ورد في ارجوزة (مجالي اللطف بأرض الطف) ان الإمام الحسين عليه السلام ذبح عند نخل مريم مما يلي رأس الحسين، والمقام عبارة عن محراب مرصع بأحجار من الرخام الناصع ، وقد كان المقام موجودا قرب موضع الاستشهاد المقدس (المذبح) على يمين الداخل إلى مرقد الصحابي الجليل حبيب بن مظاهر الأسدي من جهة القبلة.
وكان وقوعه في هذا الموضع للدلالة على قربه من موضع الولادة المباركة لنبي الله عيسى المسيح -عليه السلام-، وفق إحدى روايات الولادة، فكما هو معلوم؛ فقد حصلت الولادة تحت النخلة التي عادت الى الحياة بالإعجاز؛ وانتصبت لتُعطي ثمارها للأم الطاهرة -عليها السلام- وربما لأجل ذلك أرتبط اسم المقام وشكله بها وبالنخلة التي هزتها.
وفق ما تقدم من الروايات المروية عن اهل البيت عليهم السلام، نرى أن الولادة الميمونة للسيد المسيح عليه السلام تكون على الأرجح في كربلاء العراق في الموضع الذي احتز فيه الرأس الطاهر للامام الحسين عليه السلام.
هناك رواية أخرى مأخوذة عن اهل البيت صلوات الله عليهم، من ان أمير المؤمنين صلوات الله عليه، عندما التقى براهب براثا في ارض الزوراء"بغداد"، وقصة رفعه الصخرة وقوله الشريف:
"على هذه وضعت مريم عيسى عليه السلام من عاتقها"،
فهذه الرواية لا تفند رواية الولادة في ارض الكربلاء المقدسة، بل اكاد اقول بأنها تدعهما، فلربما مريم البتول مرت بأرض براثا في طريق عودتها إلى أرض فلسطين.
ربما سائل يسأل كيف تسنى لامرأة حاملا ان تقطع كل تلك المسافة الكبيرة بين فلسطين والعراق، وخصوصا وان مدة حملها على الأرجح كما يذكر المؤرخون ب تسعة ساعات.
نقول بأنها تمت وفق قاعدة كن فيكون ، وهي منحة الله الكريم لاصحاب الولايات التكوينية، وأن مريم كانت ليس كأحد من النساء، وأنها ام نبي ورسول.
ولادة عيسى عليه السلام ورحلة البتول كلها جرت ضمن سياق الإعجاز التي يختص بها الله، ويمنحها إلى أوليائه الصالحين.
لهذا نرى أن ولادة عيسى عليه السلام التي تمت في كربلاء عند نحر الامام الحسين عليه السلام، لم تكن ضمن سياق الصدفة، اذا ما فهمنا وتمعنا في الدور العظيم الذي سيقوم به المسيح عليه السلام في مساعدته للامام الحجة المنتظر صلوات الله عليه وهو آخر أبناء الحسين عليه السلام، مساندته وموازرته له في قيادة العالم والبشرية لإقامة العدل الآلهي وقيام دولة الحق والمساواة بعدما يطغى الظلم والجور.
صلوا على محمد وآل محمد.
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat