الإعجاز العلمي في القرآن الكريم (3)
د . حميد نجدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
د . حميد نجدي
المقالات لا تُعبر عن وجهة نظر الموقع، وإنما تعبر عن رأي الكاتب.
القرآن الكريم استعمل كلمات وتعابير علمية ألفها الناس في عصر النزول وانطبقت تمام الإنطباق مع ما اكتشفته البشرية من نظريات وقوانين الطبيعة في عصرنا الحالي، ونفس هذا الإستعمال لتلك الكلمات هو لون من ألوان الإعجاز، ولنأخذ مثلاً على ذلك قال تعالى في محكم كتابه العزيز: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) الرعد:2، فذهن الإنسان في ذلك العصر يُدرك إن الشيء المرتفع عن الأرض لابد أنه يستند على قوائم (أعمدة) يرتفع عليها، فالسموات بنجومها وشمسها وقمرها مرتفعة، ولكن بأي شيء ترتفع وأين الأعمدة التي تثبتها في الفضاء، هناك أعمدة إلا أنها غير مرئية، وكأن الاية تريد أن تقول أن السموات مرتفعة بعمد غير مرئية، فالاية الكريمة تشير الى الجاذبية التي اكتشفها نيوتن، وتشير أيضاً الى القوة الطاردة التي تحفظ للنجوم والكواكب والأجرام السماوية مواقعها وأبعادها عن بعضها، لأن الجاذبية لو عملت لوحدها لأنجذب كل جسم نحو الآخر وأصبح الكون كله كتلة واحدة، إلا أن الكون ليس كذلك فكل جسم فيه له موقعه وكل نجم له بُعده وفلكه: (فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ) الواقعة: 75 ، لذلك فإن القوة الطاردة عن المركز بتعادلها مع قوة الجاذبية تحفظ للأجسام توازنها وأبعادها ومواقعها، وهاتان القوتان تحكمان كل الأجسام من الذرة الى المجرة، فالقوة الجاذبة عمود غير مرئي يشد الجسم، والقوة الطاردة عمود غير مرئي آخر يبعد الجسم، وهذا في كل النجوم والكواكب والأجرام والأجسام صغيرها وكبيرها فالسماء مرفوعة بعمد لا تـُرى، ولعل الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يشير الى هاتين القوتين في حديثه الشريف حيث يقول: (هذه النجوم التي في السماء مدائن، مثل المدائن التي في الأرض مربوطة كل مدينة الى عمودين من نور) وفي رواية: (الى عمود من نور) سفينة البحار: ج2، ص547 ، وما أروع هذا التعبير الذي لا يستوحشه إنسان عصر النزول وينطبق تماماً مع مكتشفات العصر الحديث فالجاذبية نوع من أنواع ا لطاقة والنور أيضاً، ثم إن الإمام الرضا (ع) يكتشف حقيقة هذه الأعمدة غير المرئية لما لا يدع مجالاً للشك أنها هي المقصودة في قوله تعالى: (بِغـَيْرِ عَمَدٍ تـَرَوْنـَهَا)، فقد أخرج الصدوق في البرهان: ج2، ص278 عن أبيه عن الحسين خالد عن أبي الحسن الرضا (ع) قال: قلت له: (أخبرني عن قوله تعالى: (رفع السموات بغير عمد ترونها) فقال: (سبحان الله، أليس يقول: (بغير عمد ترونها) ؟ فقلت: بلى، فقال: ثمَّ عَمَد، ولكن لا تـُرى) و(ثمَّ) معناها: هناك .
فهل أدلّ وأصدق من هذا يشهد على إعجاز القرآن الكريم سواء بسبقه للكشف العلمي وحديثه عن هذين القانونين أم بطريقة المعجزة في التعبير لإيصال المعنى لكل الأجيال رغم البعد الزمني بينها .
قناتنا على التلغرام : https://t.me/kitabat